array(1) { [0]=> object(stdClass)#13667 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 207

النهج الأمريكي في إدارة الأزمة السودانية أربك المشهد وأدخل السودان في حلقة مفرغة

الخميس، 27 شباط/فبراير 2025

شهدت الأزمة السودانية تطورًا نوعيًا منذ إبريل2023م، -على المستويين الميداني والسياسي-وذلك استنادًا لعدد من الترجيحات لحالة عدم التوافق بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حمدان دقلو "حميدتي" على ترتيبات "المرحلة الانتقالية" عقب سقوط حكم "عمر البشير"، ورغبة كل منهم في حسم الصراع وإنهاء ظاهرة تقاسم السلطة لصالحة، وهو ما شكل المحركات الرئيسية للأزمة السودانية، حيث أبرزها:

  1. أزمة النفوذ: يمكن القول إن الصراع المسلح الذي اندلع بالسودان في إبريل 2023م، هو صراع حول "بسط النفوذ"، حيث يهدف للانفراد بالحكم وإنهاء ظاهرة تقاسم السلطة التي سادت بعد ازاحة حكم البشير عام 2019م.

 

  1. مرحلة اللاسلم: ساهمت الأزمة القائمة في الوصول إلى حالة "اللاسلم" خاصة مع الوصول لحالة "الذروة" بين طرفي الصراع. بالمقابل، من المُرجح استمرار تلك المرحلة في ظل توظيف كل من طرفي الصراع لكافة أدواته ومقدراته لإظهار التفوق الكمي والنوعي. لتبقى النقطة الفاصلة متمثلة في إحداث "اختراق نوعي" يُعيد تشكيل المعادلة الصراعية القائمة وتفرض بدورها ترتيبات التسوية السياسية.

 

  1. حرب المعلومات: اعتمد طرفا الأزمة في السودان على حرب المعلومات بشكل واضح، خاصة قوات الدعم السريع التي حرصت على إخفاء العدد الحقيقي لخسائرها على سبيل المثال. فضلًا عن محاولاتها الحديث عن السيطرة على مطارات ومواقع عسكرية في بداية الحرب كنوع من "الحرب السيكولوجية" الموجه ضد الجيش السوداني. وهو ما تنبهت له القوات وحرصت بالمقابل على إصدار بيانات متتالية لتفنيد ما يصدر من قبل قوات الدعم السريع.

 

  1. مواقف القوى الداخلية: فعلى الرغم من التعدد الجهوي بالداخل السوداني، وتنامي الأطراف المحلية، إلا أنهم لم يمتلكوا مواقف مؤثرة في إنهاء الصراع القائم، وهو ما دفع بمحاولات خارجية إقليمية ودولية لاحتواء الصراع وتداعياته.  

 

بالسياق ذاته، تجددت الأزمة السودانية لتدفع بعدد من الرهانات والانعكاسات الحيوية بالبيئة الإقليمية لدول الجوار، لاسيما مع وجود عدد من المحددات الداعمة، أبرزها: حالة عدم الاستقرار السياسي والاضطراب الاقتصادي، تنامي النزعة الحدودية، فضلًا عن تمدد الجماعات الانفصالية والتي أصبحت بمثابة "علامة مميزة" للدول الإفريقية. إذ جميعها تدفع بمزيد من التعقيد، وهو ما يتضح بالنظر إلى النقاط التالية: 

أولًا -سياقات الأزمة:  

بدأت الأزمة في السودان كمواجهة عسكرية بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في العاصمة الخرطوم، وذلك على خلفية تفاهمات حول دمج "الأولى" في صفوف الجيش، كجزء من الإصلاحات العسكرية التي تلت الإطاحة بالنظام السابق، إلا أن تلك المحاولات كشفت عن صراعات نفوذ طويلة الأمد، ساهمت في اتساع الأزمة إلى ما هو أبعد من "الخرطوم"، واجتذاب جهات فاعلة إضافية، بما في ذلك الجماعات المتمردة والميليشيات القبلية سواء المدعومة من أي من الطرفين أو التي تسعى لتحقيق أهداف خاصة، مثل: الحركة الشعبية لتحرير السودان، ميليشيات الكبابيش.

وتشير اتجاهات الأحداث في السودان إلى استمرار حالة التأزم على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإنسانية، مع استمرار المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وذلك اتساقًا مع المعطيات التالية:

  1. إعلان الجيش السوداني وضع استراتيجية عسكرية تهدف إلى حسم الصراع ضد قوات الدعم السريع، وتقويض مقدراتها العسكرية في ظل رصد العديد من الأخطاء الاستراتيجية لتلك الميليشيات، وتنامي الانقسامات فيما بينهم، وصعوبة توفيرهم للإمدادات.

 

  1. مواصلة قوات الدعم السريع تحركاتها العسكرية بهدف الحفاظ على مكتسباتها الميدانية منذ بدء الصراع، خاصة في إقليم دارفور الذي نجحت في فرض سيطرتها على أربع ولايات منه (شرق – غرب – جنوب – وسط)، مع استمرار تكثيف محاولاتها لاقتحام مدينة "الفاشر" عاصمة ولاية شمال دارفور.

الجدير بالذكر، أن هناك العديد من السياقات التي ساهمت في تصعيد الأوضاع الميدانية بالسودان، بعضها يرتبط بطبيعة المرحلة التي تعيشها السودان حاليًا، وخريطة القوى السياسية والمدنية والعسكرية الفاعلة في تحريك مسار الأحداث منذ عام 2019م، والبعض الآخر يرتبط بتعقيدات "السياسات الأمنية" التي انتهجتها السودان بالسابق، وارتدادها على تعقيد وتشابك التفاعلات داخل المؤسسة العسكرية، مما دفع إلى ظهور "أنماط مختلفة" من التفاعلات داخل المؤسسة العسكرية، ساهمت في إعادة تشكيل مدركات وتوجهات أفراد المكون العسكري في الفترة الحالية. وهو ما يتضح بالنظر إلى السياقات التي شكلت "الأزمة السودانية" القائمة، حيث: 

 

  • السياقات الداخلية: أبرزها ما يمكن إرجاعه إلى العناصر التالية:

 

  1. الميراث التاريخي والسياسات الأمنية لنظام "عمر البشير": فقد انتهج استراتيجية "فرق تسد" عبر بث الفرقة داخل صفوف المؤسسة العسكرية وتقسيمها إلى مراكز قوى متنافسة مع بعضها البعض. فعلى سبيل المثال: وظف البشير "قوات الدعم السريع – ميليشيا الجنجويد سابقًا" لموازنة نفوذ الجيش إبان الصراع في دارفور. وعقب سقوط "نظام البشير"، حرصت الميليشيات المسلحة في السودان، وفى مقدمتها "قوات الدعم السريع"، على الاستفادة من حالة الفوضى الداخلية وتعزيز مكاسبها، وشرعنة وجودها خاصة بالمناطق تحت سيطرتها.

 

  1. التنافس على السلطة بين أفراد المكون العسكري: أحد أبرز السياقات الداعمة للأزمة القائمة، ما ينصرف إلى تنافس "البرهان، وحميدتي" على السلطة والنفوذ. وهو ما دفع كل طرف بحشد أتباعه من أجل الإطاحة بالطرف الآخر. بهدف الاستئثار بالسلطة والاستحواذ على الثروة.

 

  1. الخلاف حول بعض بنود الاتفاق الإطاري: تتلخص في عدم تطابق الرؤى والتصورات بين كل من "البرهان، وحميدتي" حول تطبيق بعض بنود الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه ديسمبر 2022م، بين أفراد المكون العسكري في السودان، وعدد من القوى المدنية وفى مقدمتها ائتلاف إعلان الحرية والتغيير. فعلى سبيل المثال: اختلف "البرهان وحميدتي" على تطبيقات النص الخاص بـ "إصلاح القطاع الأمني"، وما يتضمنه الجدول الزمنى لدمج قوات الدعم السريع والفصائل المسلحة الأخرى تحت مظلة "الجيش السوداني".

 

  • السياقات الخارجية: يمكن إرجاع ذلك إلى عدد من المؤثرات الخارجية، أبرزها:

 

  1. السياسات الأمريكية: تُبنى تلك الفرضية على النهج الأمريكي في إدارة الأزمة السودانية، والذي ساهم في تعقيد المشهد السياسي وإدخال السودان في حلقة مفرغة من الصراعات. فعلى سبيل المثال: مارست واشنطن ضغوطًا على القوى المدنية من أجل التوقيع على اتفاق تقاسم السلطة عام 2019م، مفاداها: تولي العسكر الحكم لمدة 12 شهرًا، على أن يتولى المدنيون السلطة بعد تلك الفترة لمدة 18 شهراً. إذ تلك الفترة المقررة بالاتفاق ساهمت في منح رجال المؤسسة العسكرية المزيد من الوقت من أجل حشد صفوفهم للقتال والاستئثار بالسلطة والحيلولة دون تسليمها للمدنيين.

 

  1. الدعم الخارجي: تُرجع تلك النقطة إلى السياسات التي انتهجتها كل من روسيا والإمارات في توفير الدعم المستمر لقائد قوات الدعم السريع لخدمة أجنداتهم الخاصة في السودان سواء ما يتعلق بموارد السودان خاصة من الذهب أو ما يتعلق بطبيعة دور "الفاغنر"، وهو ما ساهم في تعزيز موقفها في الصراع القائم في السودان منذ إبريل 2023م.

 

اتصالًا مع ما سبق. فقد طرحت السياقات الداخلية والخارجية للأزمة السودانية مجموعة من التساؤلات حول توازنات القوى السودانية، العسكرية والمدنية، ومستقبل الدولة الوطنية، لاسيما أن الأزمة فجرت بالأساس إشكالية "بناء الدولة"، التي واجهتها كثير من الدول الإفريقية والعربية على مدار العقود الماضية، فضلًا عما طرحته الأزمة من علامات استفهام حول ما يمكن أن تؤول إليه الأزمة القائمة، وحجم إرادتها على الداخل والخارج.  

ثانيًا -تأثيرات متباينة ومُحتملة:

تتمتع دولة السودان بموقع استراتيجي حيوي نظراً لارتباطها بجوار إقليمي مُعقد، يجمعه بإثيوبيا وإريتريا شرقاً، بما يضعه في دائرة التفاعلات الخاصة بمنطقة القرن الإفريقي، وبالجوار الغربي مع كل من ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى، وهو الجوار الذي يُعزز من مكانة السودان كفاعل مؤثر في إقليم الساحل الإفريقي. فضلاً عن جواره الشمالي حيث مركزية الدولة المصرية، وما يرتبط بدائرة التفاعلات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وأبعادها الإقليمية والدولية، ثم جواره الجنوبي المتمثل في جنوب السودان، وما يرتبط به من تفاعلات منطقتي شرق إفريقيا والبحيرات العظمى، وهو ما ينعكس على حجم وأنماط التأثيرات المتباينة للأزمة السودانية على مختلف المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، وذلك بالنظر إلى: 

  • الارتداد على المستوى الداخلي: ثمة تخوف من انعكاس حالة اللاحسم بالأزمة على المكونات القلبية بالداخل السوداني، وما يلحق بها من انخراط عدد من الحركات المسلحة في الصراع القائم. على نحو ما قد يدفع بفرضية "اتساع النطاق"، مقابل انحسار فرص "حسم الفوضى" التي يمكن أن تنشأ في المناطق المشتعلة، مثل دارفور، وهو ما قد ينقلنا إلى السيناريو الأسوأ "سيناريو الاحتراب الأهلي". خاصة في حال نجاح قوات الدعم السريع في إحكام التمركز في دارفور، على نحو ما يزيد المشهد تعقيدًا. فضلًا عن إشكالية "الانتقال السياسي"، أو ما يُعرف بمرحلة اليوم التالي لانتقال السلطة، وكيفية صياغة الضمانات اللازمة لتسليم السلطة، بالإضافة إلى أزمة "النهج الإقصائية" من جانب بعض القوى، مثل: قوى الحرية والتغيير.

 

  • الارتدادات على المستوى الإقليمي: استمرار الأزمة السودانية دون حل يدفع بها إلى ما يشبه بـ "قنبلة إقليمية موقوتة"، مع إصرار طرفي الصراع على مواصلة استخدام الخيار العسكري، دون النظر إلى تكلفته البشرية والاقتصادية، وما يترتب عليه من ارتدادات ضاغطة على دول الجوار الإقليمي متمثلة في: تفاقم مشكلات اللاجئين، وتنامي عمليات التهريب، وتعزيز انتشار الجماعات المسلحة سواء الإجرامية أو المتطرفة. فعلى سبيل المثال: قد يؤسس الامتداد الجغرافي للاشتباكات القائمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مزيد من الاضطرابات الأمنية في الإقليم خاصة في حالة الانتقال بالصراع إلى إقليم دارفور والذى يتقاطع مع نطاقات جغرافية تنشط بها التنظيمات الإرهابية المسلحة مثل تنظيمي داعش وبوكوحرام، كذلك قد يظهر ما يُعرف بـ "عدوى الأزمات" انطلاقًا من نظرية "أثر الفراشة" وما يلحق بها من تصورات حول امتداد الصراع الحالي إلى خارج حدود السودان، فعلى سبيل المثال: قد تطال "عدوى الأزمات" منطقة الساحل الإفريقي، خاصة في ظل انتشار "قبائل عربية" تُعد جزءًا من النسيج المجتمعي لعدة دول، منها: السودان وليبيا والنيجر وتشاد والجزائر وغيرها من الدول. فعلى سبيل المثال: تطمح القبائل العربية لتكوين دول لها انطلاقًا من الرغبة في التجمع والاتحاد بمنطقة واحدة بدلاً من التشتت، مما قد يؤدي إلى صراع عربي إفريقي.

 

  • الارتدادات على المستوى الدولي: تُبنى تلك الفرضية على "الميزة التفضيلية" للموقع الجغرافي للسودان، وما قد تعكسه الأزمة الحالية والتي تُمثل تطبيقًا لـ "هشاشة الدولة الوطنية" من تزايد نمط "الاستقطاب الدولي"، حيث تنظر العديد من القوى الدولية إلى الصراع في السودان بكونه جزءًا من الصراع في منطقة "الإندوباسيفيك"، وعليه، فعلى سبيل المثال: عززت موسكو تواجدها بالسودان، عبر إنشاء قاعدة للدعم المادي والفني للأسطول البحري الحربي الروسي في السودان، للربط مع قاعدتها في طرطوس بسوريا، بما يسمح بقطعها البحرية التحرك بحرية والتوقف للتزود بالوقود واللوجستيات، بالإضافة إلى حالة المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، لرغبة الثانية في محاصرة النفوذ الروسي ودحض إقامة أي قاعدة عسكرية على البحر الأحمر. بالمقابل، فقد يُرجح تراجع الاهتمام الأمريكي بالمسألة السودانية وذلك بالنظر إلى التغير في الأولويات الخارجية لدونالد ترامب، والتحرك لفرض "البصمة الأمريكية" في كل من "نزاعات الشرق الأوسط، الصراع في أوكرانيا، و حسم التنافس الاستراتيجي مع الصين".

 

تأسيسًا على ما سبق. يبقى السودان أمام اختبار صعب لا يتعلق فقط بإنهاء الصراع الداخلي وإنجاز متطلبات "اليوم الانتقالي"، بل ما تفرضه عليها الجغرافيا السياسية من أهمية المساهمة في بناء توافقات إقليمية ودولية يمكن أن تدعم مرحلة جديدة من الاستقرار. ليُصبح السؤال الأعمق والأكثر إلحاحًا حول مستقبل السودان؛ يكمن في كيف تعامل الدولة السودانية مع هذه التحديات المستمرة؟! أي أيمكن أن تنتهي الأزمة القائمة ويتحقق الاستقرار في بلد عانى طويلًا من التموجات السياسية العميقة، أم إن السودان سيكون دائمًا رهينًا لدورة لا تنتهي من العنف والصراع؟!

مقالات لنفس الكاتب