array(1) { [0]=> object(stdClass)#13667 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 206

خمس قضايا أساسية تنتظر معالجتها بأسرع وقت بعد توقف الحرب في غزة

الخميس، 30 كانون2/يناير 2025

1 – يعد إعلان رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري يوم 15 يناير 2025م، عن التوصل إلى اتفاق الهدنة في قطاع غزة بفضل جهود مشتركة مع كل من مصر والولايات المتحدة، خطوة إيجابية بكافة المقاييس بالرغم من تأخره كثيراً وبالرغم من حجم وعمق الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب الإسرائيلية، حيث أن هذا الاتفاق يضع حداً لهذه الكارثة التي يشهدها القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023م، نتيجة للعمليات العسكرية المكثفة والعنيفة التي قامت بها إسرائيل منذ هذا الوقت ودون توقف سوى لعدة أيام قليلة في نهاية نوفمبر 2023م، ولم تتجاوب تل أبيب طوال هذه الفترة مع كافة المطالب الداخلية والخارجية والمقترحات العديدة التي سعت إلى وقف حرب الإبادة على القطاع .

2 – وفى رأيي أنه يجب النظر إلى هذا الاتفاق أولاً من منطلق أنه أدى إلى وقف هذه المأساة التي عجز المجتمع الدولي بكافة مكوناته ومؤسساته عن إيقافها طوال 15 شهراً، ثم يمكن لنا بعد ذلك أن نتطرق إلى شرح ما تضمنه من مراحل ثلاث تفصيلية ومتتالية من المفترض أنها تؤدى في النهاية إلى تحقيق مجموعة من الإجراءات العملية المحددة بتوقيتات واضحة حتى وإن تمت هذه الإجراءات على مراحل زمنية قصيرة ومتفاوتة نظراً لاستحالة أن تتم كلها دفعة واحدة، وتتمثل هذه الإجراءات فيما يلي:  

  • الوقف الدائم للقتال وإنهاء هذه الحرب الشرسة التدميرية التي هدفت إلى القضاء على البشر والحجر.
  • الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة.
  • إنجاز صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية بحيث يتم في النهاية الإفراج عن كافة المحتجزين الإسرائيليين سواء كانوا أحياءً أو قتلى في مقابل إفراج إسرائيل عن أعداد كبيرة تقدر بالمئات من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومن بينهم أكثر من مائتين وخمسين من المحكومين بالسجن المؤبد.
  • إدخال كافة المساعدات الإنسانية والطبية والحياتية إلى كافة أنحاء القطاع بمئات الشاحنات يومياً كما كان الوضع من قبل أي حوالي 600 شاحنة يومياً بما فيها الوقود والمعدات الطبية.
  • إعادة إصلاح وفتح معبر رفح البري بعد أن كان قد تم إغلاقه منذ فترة طويلة نتيجة تدمير إسرائيل للمعبر من الناحية الفلسطينية.
  • الاتفاق على البدء في خطوات إعادة إعمار القطاع بما يتطلبه ذلك من ضرورة توفير مليارات الدولارات وهو أمر سوف يخضع لترتيبات محددة لاحقاً.
  • عودة النازحين من سكان غزة من الجنوب والوسط إلى كافة مناطق شمال القطاع.

3 – وبالتالي فإن هذا الاتفاق سوف يكون مقدمة لتغيير الأوضاع في قطاع غزة تدريجياً، مع الأخذ في الاعتبار أن المرحلة الأولى التي بدأت مع سريان وقف إطلاق النار يوم 19 يناير ومدتها ستة أسابيع سوف تشهد بعد حوالى إسبوعين من بدايتها وتحديداً في اليوم السادس عشر مفاوضات أخرى بين الأطراف من أجل التوافق على كافة الخطوات التي سوف تتم في المرحلة الثانية ثم المرحلة الثالثة والتي سوف تشمل أيضاً الإفراج عن الأسرى والمحتجزين من الجانبين وكذلك المزيد من الانسحابات الإسرائيلية من القطاع بالإضافة إلى الوقف الكامل للعمليات العسكرية حتى يتم تنفيذ الاتفاق كاملاً في النهاية، وهو الأمر الذى يتطلب ضرورة التزام كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بما تم التوافق عليه، مع منح الصلاحيات الكاملة في كافة مراحل التنفيذ للدول الثلاث الضامنة للاتفاق وهى كل من مصر وقطر والولايات المتحدة .

4 –من الضروري هنا أن أنوه إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين ناتنياهو" الذى أعاق التوصل إلى الاتفاق طوال أكثر من سبعة أشهر دون أي مبرر منطقي أصبح مطالباً أكثر من أي أحدٍ آخر بأن يكون أكثر التزامًا بتنفيذه دون أي إبطاء وألا يضع أية عراقيل أمام عملية التنفيذ في أي مرحلة من المراحل الثلاث، وألا يخضع لمطالب شركائه المتطرفين في الائتلاف الحاكم حيث أن الوقت أصبح أكثر حساسية وتعقيداً ولم تعد هناك أية مبررات مهما كانت تقف أمام وضع الاتفاق بكامل بنوده موضع التنفيذ رغم انسحاب "إيتامار بن غفير" وحزبه (قوة يهودية) من الائتلاف وكذا تهديد آخرين بالانسحاب، حيث أن وقف هذه الحرب الظالمة تماماً أصبح مطلباً عالميًا لا يستثنى منه أحد سوى الأحزاب اليمينية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية التي يجب تحجيمها.

5 -ولا يمكن هنا أن ننكر أن "ناتنياهو" سعى إلى أن يقدم موافقته على الاتفاق كهدية إلى صديقه الرئيس/ دونالد ترامب قبل توليه منصبه بيوم واحد خاصة وأن الرئيس الأمريكي المنتخب حرص على التدخل بقوة من أجل التوصل إلى الهدنة وقام مبعوثه الشخصي (ستيف ويتكوف) بجهد كبير في التوصل للاتفاق بالتنسيق مع مبعوثي الرئيس "بايدن"، الأمر الذي لابد أن يثير تساؤلاً مشروعاً ومنطقياً ويجب متابعته بشأن المقابل الذي سوف يحصل عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي من الإدارة الجمهورية الجديدة نتيجة تغيير موقفه وموافقته على الهدنة.

6 – وفيما يتعلق بوضع قطاع غزة عقب انتهاء الحرب وإتمام تنفيذ الاتفاق كاملاً، فإن الأوضاع الجديدة التي سوف تنشأ في هذه الحالة تعد أكثر أهمية على الإطلاق، حيث أن الحرب كانت ستنتهي آجلاً أم عاجلاً خاصة بعد وصول الرئيس/ ترامب إلى البيت الأبيض، إلا أن الوضع المأساوي الذى وصل إليه القطاع وأصبح واقعاً أليماً نراه جميعاً ماثلاً أمامنا هو الذى يتطلب جهوداً غير مسبوقة تفوق بكثير الجهود التي تم بذلها من أجل التوصل إلى الهدنة، حيث بات من الضروري معالجة المشكلات العميقة  التي تركتها هذه الحرب في مختلف المجالات، وهذه مسؤولية إقليمية ودولية لابد أن يتحملها المجتمع الدولي وألا يقف موقف المراقب حتى لا نخرج من مأساة الحرب إلى كارثة أكبر غير قابلة للحل .

7 – وفى هذا السياق فإن الأمر الأكثر أهمية في رأيي يتمثل في ضرورة معالجة الأوضاع الناجمة عما يسمى باليوم التالي بعد انتهاء الحرب THE DAY AFTER، ومتطلبات التعامل مع القضايا الخمس الرئيسية التي يجب على الجميع معالجتها بأسرع وقت ممكن، وهي كلها قضايا شديدة التعقيد ولابد من البحث عن حلول مقبولة لها من الآن، وهي كما يلي:

  • القضية السياسية، ومن سوف يحكم أو يدير قطاع غزة هل هي لجنة الإسناد المجتمعي التي اقترحتها مصر كحل وسط عاجل؟ أم الحكومة الفلسطينية الحالية؟ أم أي كيان آخر غير محدد هويته قد نفاجأ به وغير مرغوب بالطبع؟ .
  • القضية الأمنية والعسكرية، وكيف سيتم تأمين القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي؟ ومن هي القوات الأمنية الفلسطينية التي ستتولى هذه المسؤولية؟ وهل هي مؤهلة لهذا الدور من عدمه؟ وماهو الموقف من المناطق الإسرائيلية العازلة؟
  • القضية الاقتصادية والحياتية وتوزيع المساعدات الإنسانية وكيفية تأمين وصولها إلى كل أنحاء القطاع ولاسيما منطقة الشمال، بالإضافة إلى موضوع إعادة الإعمار الذي لابد أن يحتل أولوية كبيرة في ظل حجم الدمار غير المسبوق الذي لحق بكل أنحاء القطاع دون استثناء وما يتطلبه ذلك من توفير مبالغ مالية ضخمة وغير مسبوقة وكذا توافر المانحين.
  • القضية الاجتماعية وتأثيراتها التي خلفتها الحرب (الأيتام والأرامل والمعاقين والأسر التي تم محوها بالكامل من السجلات).
  • القضية الخامسة وهي تلك المرتبطة بوضعية حركة حماس وفصائل المقاومة مستقبلاً وطبيعة دورهم في القطاع وشكل علاقاتهم المتوقعة مع السلطة الفلسطينية.

 8 – إذن ففي رأيي أن التوصل إلى الهدنة يعد مرحلة مبدئية فقط تمهد الطريق أمام المرحلة الأصعب التي يجب أن تتضافر فيها الجهود الفلسطينية والإقليمية والدولية حتى لا تتكرر مثل هذه الحروب مرة أخرى، وأعتقد بل أجزم أن المخرج أو الحل الوحيد لعدم تكرار هذه المأساة يتمثل في بدء مفاوضات سياسية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني من أجل التوافق على حل الدولتين الذى يجب أن يثمر عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في أمن وسلام واستقرار بجوار دولة إسرائيل، أما بدون هذا الحل الدائم فعلينا أن نتوقع حروباً أخرى في المستقبل سواءً في غزة أو في الضفة الغربية التي يجب ألا تغيب أنظارنا عنها والتي ستحاول الحكومة الإسرائيلية فرض السيادة عليها خلال فترة حكم الرئيس/ ترامب إرضاءً للأحزاب اليمينية المتطرفة التي عارضت اتفاق الهدنة، وهنا يجب أن نشير إلى أن إسرائيل بدأت يوم 21 يناير حملة عسكرية واسعة النطاق في مخيم جنين بالضفة الغربية (عملية السور الحديدي) تحت مبرر القضاء على الإرهاب وبما يشير إلى إمكانية تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة ككل مستقبلاً .

9 – وفى ضوء ما سبق فإننا أمام مرحلة جديدة للغاية تتطلب مواصلة الجهود الحثيثة على ثلاثة مسارات متتالية شديدة الأهمية، وهي كما يلي:

  • المسار الأول وهو متابعة تنفيذ اتفاق الهدنة بمراحله الثلاثة بكل دقة ودون أي إبطاء حتى يتم وضعه موضع التنفيذ بكافة مشتملاته.
  • المسار الثاني ويتمثل في معالجة كافة جوانب المشهد المعقد في غزة بعد انتهاء الحرب بما في ذلك تأمين الوضع في القطاع سياسياً واقتصادياً وأمنياً وإعادة الإعمار.
  • المسار الثالث ويتطلب التمهيد الجاد من أجل استئناف العملية السياسية والبدء في عملية سلام جادة تقود إلى حل الدولتين.

10 – وفى تقديري أن حرب غزة بكل ما سببته من دمار وخراب وسقوط آلاف الشهداء والمصابين والمفقودين يجب أن تكون قد فتحت مجالاً أمام الجميع لاستخلاص الدروس المستفادة مما حدث، وأن تكون هناك إرادة دولية ألا تتكرر مثل هذه الكارثة مرة أخرى وتحت أي ظروف، ومن ثم فإن كل الأطراف المباشرة والمعنية مطالبة بأن تقوم بدورها ابتداءً من السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة كلها بدون استثناء ومروراً بإسرائيل والدول العربية وانتهاءً بالولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

11 -وفى رأيي أن أهم الأدوار المطلوبة هي على النحو التالي:

على مستوى السلطة الفلسطينية

  • طرح مشروع مصالحة داخلي يجمع كافة أطياف الشعب الفلسطيني من تنظيمات وفصائل وقوى مدنية وغيرها على مجموعة المبادئ التي يتفق عليها الجميع ومن أهمها أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني مع أهمية تفعيلها، وكذا إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.
  • القيام بمسؤوليتها في إعادة كافة الأمور إلى نصابها في قطاع غزة.
  • التنسيق مع الدول العربية للتحرك السياسي مع الإدارة الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية حتى لا نترك لواشنطن الفرصة لإعادة طرح صفقة القرن مرة أخرى أو طرح أي صفقة مماثلة لها.

على مستوى فصائل المقاومة

  • ضرورة القناعة بأن المقاومة تعد فقط وسيلة لتحقيق إنجازات معينة وليست هي غاية أو هدفاً في حد ذاته، ويجب أن تكون هناك حسابات دقيقة للمقاومة في مسألة الربح والخسارة.
  • إعادة تأكيد حركة حماس على أنها لن تعود إلى حكم قطاع غزة مرة أخرى طبقاً لما أعلنه مسؤولوها أكثر من مرة.
  • تحسين علاقات حماس وفصائل المقاومة مع السلطة الفلسطينية، والتنسيق معها فيما يتعلق بأن تدخل هذه الفصائل – بالتوافق -وتشارك ضمن المنظومة السياسية الفلسطينية.
  • الالتزام التام بتنفيذ كافة مراحل اتفاق الهدنة.

على مستوى الدول العربية

  • التنسيق مع إدارة الرئيس/ ترامب بشأن أهمية التحرك العاجل من أجل حل القضية الفلسطينية.
  • ربط التطبيع العربي مع إسرائيل بما يمكن أن تقدمه من مرونة في موضوع الدولة الفلسطينية.
  • تولى المسؤولية الرئيسية بالنسبة لإعادة إعمار غزة وذلك بالتنسيق مع الدول والمؤسسات الأوروبية والدولية المانحة.

على مستوى إسرائيل

  • القناعة بأن الحروب مهما طال أمدها وتعددت نتائجها فإنها لن تؤدى إلى تحقيق السلام الذي تنشده إسرائيل، وأن مسار التطبيع مع الدول العربية يجب أن يمر أولاً من باب الدولة الفلسطينية.
  • إن التمهيد الجاري حالياً لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية أو على أجزاء منها أو القيام بعمليات عسكرية ضد بعض مدن الضفة سوف يكون الشرارة التي ستؤدى إلى اندلاع حرب جديدة سوف تكون أكثر عنفاً ودماراً وضد مصالح جميع الأطراف.
  • الالتزام التام بتنفيذ كافة مراحل اتفاق الهدنة.

 

الولايات المتحدة

  • أن نجاح الرئيس ترامب في إيقاف الحرب في غزة يعد دلالة قوية على إمكانية تمتعه بكروت ضغط على إسرائيل لإبداء مرونة في الملف الفلسطيني، ولابد له أن يمارس هذه الضغوط على تل أبيب من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة وكشرط لقبول اندماج إسرائيل في المنظومة الإقليمية.
  • الابتعاد تماماً عن طرح صفقة القرن مرة أخرى حيث أن هناك رفضاً فلسطينياً وعربياً لها لأنها مجحفة بحقوق الشعب الفلسطيني ومن ثم لن يكتب لها النجاح في أي وقت من الأوقات.
  • التحرك العاجل من أجل استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وسوف يكون ذلك بمثابة إنجاز يحسب للرئيس/ ترامب خلال فترة ولايته الثانية.
مقالات لنفس الكاتب