في كل يوم نتحدث قائلين إننا في منعطف من التاريخ، وحقيقة كل يوم هو يوم آخر ومختلف في التأريخ، غير أن الزمن الذي تعبره المنطقة الآن ومنطقة الشرق الأوسط بالكامل هو فعلًا منعطف مفصلي في التأريخ وستنعكس آثاره طويلًا وعميقًا على كامل المنطقة وأبعد وقد بدأت تأثيرات ذلك، وإذا ما استلهمنا قصة تأثير " جناح الفراشة" والذي أطلقه عالم الأرصاد الأمريكي السيد "إدوارد لورنز".
وكما يحدث تأثير جناح الفراشة أعاصير في المحيطات البعيدة فإن تأثيرات ما سمي بطوفان الأقصى والذي قامت به منظمة حماس في السابع من أكتوبر عام 2023م، ضد إسرائيل يشابه ذلك، فقد أحدث زلزالا تجاوزت تأثيراته غزة وإسرائيل وليمتد إلى كامل محيط الشرق الأوسط، وصنع حقا منعطفا في التاريخ ما زالت أحداثه تتفاعل وتتغير كل يوم حتى أصبح من الصعب ملاحقة تغيراته.
وكان من آثار ذلك الحدث "طوفان الأقصى" أن أدى إلى سقوط نظام الأسد، وسقوط المحور الإيراني بالكامل، وخسارة إيران كل ما كانت قد بنته على مدى ما يقرب الخمسين عامًا. كما تنامى التأثير والمد التركي في المنطقة، وخرج تقريبًا محور المقاومة العسكرية من معادلة الصراع العربي/ الإسرائيلي بعد تدمير القدرات العسكرية السورية بالكامل، واتسعت دائرة الاضطرابات العربية في المنطقة، واضطربت أيضًا خطوط الملاحة الدولية بفعل الهجمات الحوثية وأصبح البحث عن بدائل ومسارات ملاحية أخرى بعد تفاقم التهديد، وبسقوط الأسد وتحجيم دور حزب الله اللبناني استطاع لبنان انتخاب رئيس وحكومة جديدة تسعى لتجاوز حالة اللادولة في السنوات الثالث الماضية.
كما سعت إسرائيل إلى توسعة دائرة احتلالها في سوريا بعد نقضها من طرف واحد لمعاهدة السلام مع سوريا، وربما توسع وجودها الدائم في جنوب لبنان وشمال غزة التي كانت قد انسحبت منها بموجب اتفاق اسلو عام 1993م، بحجة الأمن الإسرائيلي. كل هذه التغيرات المفصلية ما كانت لتحدث لولا تأثير جناح الفراشة (طوفان الأقصى).
وقد وجدت مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي نفسها في عين العاصفة، حيث الثبات والسكون في حين يعصف حولها كل شيء، وأدركت بحكم المسؤولية العربية أنها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن صيانة الأمن العربي المهدد، واستعادة سوريا نحو محيطها العربي والاضطلاع بمسؤولية حل القضية الفلسطينية حلًا مرضيًا لكل الأطراف عبر حل الدولتين.
وسعت دول الخليج العربي أيضًا وعبر منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى توحيد مواقفها والتحرك كوحدة واحدة في مواجهة التحديات. وقد أكدت ذلك في مؤتمر قمة الكويت والذي عقد في نهاية العام 2024م.
إذن يصح لنا هنا أن نقول إننا فعلًا نمر بمفصل تاريخي وأن ملامح مستقبل ذلك التحول لم تتضح بعد، وأن دول مجلس التعاون الخليجي هي ما يعول عليه عربيًا وإسلاميًا من أجل تجاوز هذه التغيرات وما ينتج عنها نظرًا لموثوقية سياساتها وفي مقدمة هذه الدول المملكة العربية السعودية.
موثوقية وقدرات دول مجلس التعاون الخليجي
في تحليل لمجلة (فوربس) الأمريكية للعام 2024م، عن الدول الأكثر تأثيرًا في العالم جاءت المملكة العربية السعودية في المركز الأول عربيًا والتاسع عالميًا من حيث التأثير ، متقدمة على دول كثيرة وكبيرة، وقد أوضحت (فوربس) الأسباب التي استندت عليها في هذا التقييم ووضع المملكة في هذا المركز المتقدم على الساحة العالمية من حيث التأثير، وذكرت أسباب وجوانب متعددة منها قوة قادة الدولة، والتأثير السياسي، والموارد الاقتصادية، والقوة العسكرية، والقدرة على بناء التحالفات الدولية"
وتلت دولة الإمارات العربية المملكة في هذا الترتيب، وذلك يعني أن دول مجلس التعاون تشغل الآن المركز المحوري في العالم العربي والمنطقة من حيث القوة والقدرات والتأثير كما وصفتها المجلة، مما يضع على عاتق قادة المجلس مسؤوليات إقليمية من أجل الحفاظ على أمن واستقرار دول المنطقة وإبقائها بعيدًا عن محاور التحالفات والصراعات الدولية والتي تتشكل في ظل الضبابية وعدم الوضوح والرؤية الدولية، وتنامي الصراعات بين الدول، وبروز قوى صاعدة على الساحة العالمية عبر تشكيل تحالفات جديدة كما يحدث الأن بين كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية. وتتخذ دول الخليج العربي من منظومة مجلس التعاون الخليجي مظلة من أجل القيام بهذا الدور وضمن رؤية موحدة، مع التأكيد المطلق على أمن واستقرار دول المجلس وإبقائها بعيدًا عن التدخلات، ولأن أبقت دول المجلس دولها بعيدًا عن التدخلات الأجنبية والإعلامية خصوصًا فإنها أيضًا بحاجة إلى تحييد التدخلات والتأثيرات الإعلامية المحلية، من خلال وسائل التواصل والتي أصبحت عنصرًا مؤثرًا وفاعلًا في الإعلام الجديد، والاستمرار في محاربة قوى التطرف وتقوية اللحمة الوطنية.
تحديات ومسؤوليات
لو حاولنا وضع أولويات لما قد يهدد استقرار وأمن دول الخليج على المستقبل القريب سنرى انه ما من تهديد آني أو في المستقبل القريب، خاصة بعد التطورات الأخيرة والمتسارعة في الشأن السوري واللبناني، وربما يكون التحدي و(ليس التهديد) اقتصاديًا متمثلًا في تذبذب أسعار النفط والذي تعتمد عليه هذه الدول بدرجة كبيرة من أجل وضع خططها التنموية وتوسيع قاعدتها الاقتصادية وتصوراتها المستقبلية وبما يتوازى مع الزيادة السكانية إضافة إلى فاتورة التسليح العالية مقارنة بعدد السكان والمساحة الجغرافية.
ولمواجهة ذلك تسعى دول الخليج منفردة ومجتمعة نحو الحد من هذه الفاتورة الضخمة وذلك من خلال تطوير البدائل، ترشيد النفقات، وتطوير الصناعات الوطنية بما فيها الصناعات العسكرية وتوحيد المفاهيم الدفاعية بين دول المنطقة.
وقد تعرض التهديد والتأثير الإيراني والذي كان يشكل تهديدًا مباشرًا أو عبر وكلائه في المنطقة إلى تحجيمه بدرجة كبيرة (ولن يكون هذا التحجيم هو الأخير على الأغلب). ويبدو أن هناك توجه عالمي حقيقي نحو الحد من هذا التأثير الإيراني والذي تشكل جماعة الحوثي في اليمن أحد مكوناته كتهديد عالمي للملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وينتظر تسارع تلك التوجهات بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، كما كان قد صرح ووعد بذلك مرارًا أثناء وبعد حملته الانتخابية.
هذا التهديد من قبل الحوثيين لم يعد محليًا بعد أن طال تأثيره حركة السفن وأسعار الشحن وفاتورة التأمين البحري عبر العالم، وكان أحد أبرز المتضررين من ذلك هي حركة المرور عبر قناة السويس، وقد أدى ذلك إلى خفض إيراداتها بما تجاوز الستين في المئة.
وما يقلق إيران حاليًا هو إصرارها على المضي في مشاريعها النووية وطموحاتها الذرية لما لذلك من تبعات إقليمية ودولية بحيث ستضطر دول المنطقة إلى الانخراط في مشاريع نووية موازية إذا ما شعرت بجدية التهديد الإيراني وتراخي المجتمع الدولي عن ردع ايران عن ذلك، وقد أعلن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان ـ يحفظه الله ـ ذلك صراحة في مارس 2018م، في مقابلة لشبكة "سي بي إس" الإخبارية حيث قال سموه : إن السعودية لا ترغب في حيازة الأسلحة النووية، "ولكن بدون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسنحذو حذوها في أسرع وقت ممكن" وسيكون ذلك خيارًا مشروعًا ومؤكدًا للمملكة ولدول الخليج في ظل السلوك الإيراني والتصريحات المقلقة واستمرارها في احتلال جزر عربية ونشر ثقافة الأذرع المتطرفة .
كما سيجلب هذا المشروع تدخلات أجنبية، وسيدفع دول المنطقة نحو الدخول في أحلاف ومعاهدات من أجل حماية وضمان سلامة أراضيها وحماية مقدراتها الوطنية وهو ما لا تريده دول المنطقة.
دول الخليج مركز ثقل دولي فاعل
من خلال القدرات الكبيرة (الاقتصادية والسياسية والدينية) والتي تتمتع بها دول المجلس والمملكة العربية السعودية تحديدًا فإن هذه الدول تمارس دورًا مسؤولًا في الاستقرار العالمي سواء من حيث الحفاظ على تماسك أسواق النفط بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على السواء، أو من خلال لعب دور محوري في تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي عبر صناديق الاستثمارات القوية كصندوق الاستثمارات العامة السعودي والذي يعد أكبر الصناديق الاستثمارية في العالم والذي يلعب دورًا فاعلًا في الاقتصاد العالم ويمنح المملكة قدرة كبيرة على التأثير في المشهد السياسي العالمي وبما يخدم مصلحة القضايا العربية والإسلامية.
ولعل خير مثال على هذه المسؤولية الدولية؛ الجهود الضخمة والكبيرة والتي تقودها المملكة لنصرة القضية الفلسطينية والاعتراف بها، وقد ربطت إنشاءها تمثيل دبلوماسي مع إسرائيل بضرورة الاعتراف بالكيان الفلسطيني عبر إنشاء وطن مستقل أو ما يسمى بحل الدولتين ناهيك عن المساعدات الإنسانية الضخمة وقد ساعد الدور الاحترام والتقدير والتأثير الذي تتمتع به المملكة شرقًا وغربًا إلى اعتراف أكثر من ثمانين دولة في العالم بالحق الفلسطيني منها دول أوروبية فاعلة.
وإذا ما تجاوزنا القضية الفلسطينية فإن دول الخليج والمملكة تحديدًا لعبت وتلعب دورًا فاعلًا في الحد من الكثير من النازعات العالمية كما في السودان وأوكرانيا، إضافة إلى بذلها جهودًا مستمرة من أجل إحلال السلام في اليمن بين الفرقاء، وكعادة المملكة فإن الكثير من تلك الجهود يتم غالبيتها بصمت وبعيدًا عن الإعلام وعبر دبلوماسية ما يسمى بالغرف الصامتة.
دول مجلس التعاون الخليجي والمسؤولية العربية
يشكل المجتمع الخليجي حالة مثالية وفريدة في المنطقة من حيث الاستقرار السياسي والتجانس السكاني والتكامل الاقتصادي ومن حيث الأمن والرفاهية، وتعد دول المجلس الأكثر رخاء واستقرارًا في المنطقة العربية، ويعود الفضل في ذلك إلى الرؤية السياسية الحكيمة لقادة دول هذه المنطقة والتنسيق المستمر فيما بينهم والذي جنب دول الخليج ويلات وتبعات التجاذبات السياسية والتدخلات الأجنبية التي عصفت نتائجها المدمرة بمعظم الدول العربية.
ولهذا يحرص قادة دول الخليج على حماية الكيان الخليجي والنأي به بعيدًا عن التدخلات والشعارات الشعبوية المدمرة والمضي في الخطط التنموية الطموحة والتي غيرت وجه المنطقة وتعد بالمزيد.
وفي المقابل أبقت دول المجلس على التزامها العربي والإنساني تجاه محيطها العربي، ولم تتخل أبدًا يومًا عن المبادرة في تقديم العون والدعم والمساندة لكل الأشقاء والأصدقاء، ولعل مؤتمر الرياض والذي عقد في الثاني عشر من يناير لهذا العام من أجل الشعب السوري أحد أوضح الأدلة في هذا المجال. حيث جمعت الرياض وزراء خارجية وممثلي أكثر من ثمانية عشر دولة ومنظمة من أجل دعم الشعب السوري ورفع المعاناة عنه والتعجيل برفع العقوبات المفروضة عليه.
ويدرك قادة دول المجلس أن هذه الرفاهية بحاجة أيضًا إلى يقظة أمنية ودفاعية لحماية هذه المنجزات وسط عالم تتجاذبه النزاعات والأحلاف والأطماع.
ولهذا حرصت قمة الكويت الأخيرة لقادة دول الخليج العربي على التأكيد: أن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وفقًا لمبدأ الدفاع المشترك ومفهوم الأمن الجماعي واحترام مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، استنادًا للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية.
كما حرصت دول الخليج العربي أيضًا على توحيد مواقفها في الشأن الدولي انطلاقًا من سياسية متجانسة، وقد كانت الأحداث السورية الأخيرة اختبارًا لهذه المواقف، ومن أجل ذلك بادر وزراء خارجية دول المجلس إلى الاجتماع في دولة الكويت في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر للعام 2024م، للخروج برؤية وتوصيات موحدة في هذا الشأن.
وتأكيدًا لوحدة المواقف التي أتفق عليها في مؤتمر قمة الكويت فقد قام وزير الخارجية الكويتي رئيس الدورة الحالية لمجلس التعاون لدول الخليج العربي برفقة الأمين العام لمجلس التعاون بزيارة إلى سوريا في نهاية شهر ديسمبر من العام المنصرم لنقل هذه الرؤية الموحدة. حيث التقيا القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا السيد أحمد الشرع وكخطوة تعكس التزام دول المجلس بدعم الأمن والاستقرار في المنطقة وكجزء من الأمن الإقليمي العربي.
وقد كانت هذه الزيارة تأكيدًا لموقف دول الخليج في الوقوف بجانب الشعب السوري المنهك ومساعدة حكومته الانتقالية على تجاوز فترة التحولات وإبعاد التدخلات والعودة بها إلى المحيط العربي.
وبمجرد انتهاء تلك الزيارة سارعت دول الخليج في مد يد العون والمساعدة العاجلة إلى الشعب السوري. وبدأت المملكة العربية السعودية وعبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مشروع جسر بري وجوي غير محدد بمدة محددة، وقال عنه المتحدث باسم المركز أنه سيستمر حتى تحقيق النتائج.
وفي المقابل سارعت الحكومة الانتقالية في سوريا إلى تأكيد انتمائها العربي واختارت عاصمة العرب الرياض كمحطتها الخارجية الأولى حيث قام وفد رسمي برئاسة وزير خارجية الإدارة الجديدة السيد أسعد الشيباني بتلبية دعوة سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان والتقى الوفد أيضًا بسمو وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، وواكب تلك الزيارة تصريحات سورية رسمية تقدر وتثمن دور المملكة في المشاركة فيما قدمته للشعب السوري وفي مساعدتها في رسم مستقبل سوريا.
السلوك الإيراني
كل دول العالم بما في ذلك روسيا الدولة العظمى والحليف التاريخي لنظام الأسد، انحازت إلى خيار الشعب السوري فيما ستنتهي إليه العملية السياسية. وحدها إيران كان لها رأي آخر وصوت تحريضي ضد رغبة الشعب السوري، وجاء ذلك على لسان مرشد الجمهورية الإيرانية السيد علي خامئني وعدد من المسؤولين الإيرانيين.
ورغم أن ذلك يتعارض وابسط القواعد والأعراف الدبلوماسية إلا أن إيران ماضية في هذا النهج والتصريحات العدائية ليس ضد التحولات في سوريا وحدها، ولكن استمرارها في التدخل في كل من العراق واليمن ولبنان.
إيران لن تتقبل خسارتها في سوريا ولبنان بسهولة، ولن تتقبل انكسار الطوق الإيراني الذي كانت تسعى إلى تشكيله والذي أكدته مرارًا عبر تصريح مسؤوليها بأن أربع عواصم عربية تحت الهيمنة الإيرانية.
ولهذا تأتي تصريحات المسؤولين الإيرانيين بما فيهم المرشد الإيراني تحريضية وغير مسؤولة وستسعى إلى تعطيل الحركة العملية السياسية في سوريا عبر تحريك الخلايا النائمة والطابور الخامس وباقي فلول النظام السابق وعبر محاولة إنعاش قدرات حزب الله اللبناني، وقد نقلت المصادر الإعلامية المختلفة محاولة نقل أموال إلى حزب الله عبر مطار بيروت رافضة تفتيش الطائرات القادمة ومتجاوزة شرعية الدولة.
هذا السلوك يعكس حالة اليأس والإحساس بالمرارة لهذه الخسارة الكبيرة والتي كلفت إيران الكثير جدًا وقد قدر ما أنفقته إيران مقابل وجودها في سوريا ولبنان بما يتجاوز الخمسين مليار دولار رغم معاناة المواطن الإيراني.
وهنا فإن العالم كله مطالب الآن بالتحرك ضد هذا الاعتداء والتدخل السافر وشبه المتكرر سواء من المرشد أو من مكتبه أو من قيادات الحرس الثوري. وأظن أن على السوريين وبمساندة الدول العربية وعبر الجامعة العربية التقدم بشكوى عاجلة إلى الأمم المتحدة وذلك لوضع مزيد من الضغط على إيران وفرض مزيد من العزلة الدولية عليها والتأكيد على استقلالية سوريا وعلى عمقها العربي ورغبتها في التخلص من التواجد الإيراني باعتبار سوريا دولة مستقلة.
وسوريا اليوم بحاجة إلى مساندة عربية مطلقة ؛ سياسية في المقام الأول خاصة أن قادة المرحلة الانتقالية فيها أظهروا بوضوح رغبتهم في هذا العون والدعم العربي ويكفي أنهم جعلوا العواصم العربية وجهتهم الأولى في أول اتصال خارجي بالعالم ابتداء من الرياض عاصمة كل العرب.
البندقية وغصن الزيتون
سأستعير مصطلح الصحفي البريطاني دافيد هيرست والذي عنون بها كتابه الشهير " البندقية وغصن الزيتون " لأصف به الحالة التي تتبعها دول مجلس التعاون الخليج في سعيها الدائم نحو السلام في المنطقة وحل النزاعات من أجل التركيز على ملفات التنمية ورفاهية شعوبها رافعة غصن الزيتون والمحبة، غير أنها وفي المقابل حريصة على إبقاء البندقية جاهزة في عالم لا يحترم سوى القوي.
ومن أجل ذلك تسعى دول المجلس إلى إنشاء نظم دفاعات فاعلة سواء عبر عقد وتفعيل تحالفات دفاع مشترك مع بعض الدول الصديقة كتلك التي عقدتها الإمارات العربية وفرنسا في شهر يوليو من العام 2024م، وتلك التي وقعتها عمان مع المملكة المتحدة في العام 2022م، واتفاقيات دفاع مشترك أخرى في المنطقة خاصة بعد تنامي ظاهرة الإرهاب العابر وانتشار الجماعات الإرهابية في المنطقة وما تشكله من تهديد للملاحة البحرية والمقدرات الاقتصادية.
لكن هذه الاتفاقيات لن تقلل أو تحول دون سعي دول المنطقة نحو تشكيل قوة مشتركة رادعة ضد أي تهديد تتعرض له أي دولة من دول المجلس ولأن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وفقًا لمبدأ الدفاع المشترك ومفهوم الأمن الجماعي والذي أقرته قمة الكويت في نهاية العام المنصرم. وجيوش هذه الدولة تجري تدريبات ومناورات عسكرية على الدوام من أجل توحيد المفاهيم العسكرية والإبقاء على الجاهزية الدائمة.
ودول الخليج تدرك أن الخارطة العربية مليئة بالثقوب نتيجة الصراعات التي عصفت بالكثير من هذه الدول، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على تفعيل ميثاق الدفاع العربي المشترك وليس أمامها سوى ترسيخ أمنها الوطني، والاستمرار في العمل الدبلوماسي من أجل حل النزاعات وتصفير المشكلات.
إضافة إلى الاستمرار في محاربة التطرف وتجفيف منابعه ونشر قيم الاعتدال، ويقوم التحالف الإسلامي لمحارة الإرهاب والذي يتخذ من الرياض مقرًا بدور فاعل في هذا المجال.
وعلى صعيد النزاع العربي / الإسرائيلي فإن المعركة الآن سياسية بالكامل وذلك من أجل إنهاء هذا النزاع وإيجاد وطن قومي للفلسطينيين عبر حل الدولتين.
أعلنت المملكة عن إطلاق تحالف دولي لحل هذه القضية واستضافت الرياض مؤتمرًا عالميًا من أجل وضع الأسس لهذا الإطار حيث تأمل الرياض في إيجاد حل مرض لهذا النزاع الذي استنزف مقدرات المنطقة واضعة كل ثقلها وتقدير العالم لمكانتها من أجل ذلك وقد ربطت إقامتها علاقات دبلوماسية مع تل أبيب بشرط حل القضية الفلسطينية وعبر حل الدولتين ولإدراكها أنها مالم تحل هذه المشكلة فإن أي سلام في المنطقة مجرد أوهام وذلك لما تحمله فلسطين والمسجد الأقصى من دلالة للعالمين العربي والإسلامي والذي تمثل الرياض الريادة فيه.
ويتوقع بعد وصول الرئيس الأمريكي السيد ترامب إلى سدة الرئاسة أن يدفع بقوة في هذا الاتجاه، وقد وعد بالدفع نحو حلول المشاكل والتجاذبات في الشرق الأوسط أو الفوضى كما أسماها.
وختامًا
اليوم تشكل دول مجلس التعاون الخليجي أحد أكثر التكتلات العربية رسوخًا وتكاملًا وتوحيدًا في المواقف. كما أنها أحد أكثر الكيانات اهتمامًا بالمحيط العربي وتسخير كل قدراتها من أجل قضاياه بعد تراجع أداء الجامعة العربية في القيام بدورها العربي والذي أنشئت من أجله.
ويساعد دول مجلس التعاون الخليجي في قيامها بهذا الدور ما يتمتع به قادتها من تقدير عالمي وقدرات قيادية خلاقة إضافة إلى قدراتها الاقتصادية القوية وطموحها المشروع في لعب دور محوري وفاعل وبما يتناسب مع قدراتها المبدعة الخلاقة.
وهي ماضية في هذا الدور بكفاءة ونجاحات متتالية وفي المقابل مدركة لأهمية القوة وسط عالم من اللايقين.