لماذا فشلت منظمة التعاون الإسلامي رغم تجربتها الطويلة؟ الفشل يكاد يكون طاغيًا في الحكم عليها عند العامة والكثير من النخب، وهذا ما اكتشفناه أثناء عملية بحثنا عن إيجابيات وسلبيات هذه المنظمة التي تعد الثانية عالميًا بعد هيئة الأمم المتحدة بعدد أعضاء " 57 " دولة مسلمة على أربع قارات، وبتعدد ديموغرافي يبلغ أكثر من 5، 1 مليار نسمة، وقد خرجنا من عملية بحثنا بأن هناك مجموعة إشكاليات قد وقع فيها الحكم على المنظمة الإسلامية، وهناك أسبابها الموضوعية، مما يحملنا هنا مسؤولية التفنيد والتوضيح والتصويب لإعداد صناعة الرأي وفق حقائق وأرقام مختارة ، وكذلك المطالبة بإصلاح وتطوير المنظمة من مسوغات ملحة طارئة وأخرى قديمة / جديدة.
ونطرح قضية الاستعجال بإصلاح منظمة التعاون الإسلامي بصرف النظر عن إيجابيات وسلبيات تجربتها الطويلة التي بدأت عام 1969م، بعد إحراق المسجد الأقصى من قبل صهاينة متطرفين، وتطورت في المسمى من منظمة المؤتمر الإسلامي إلى مسماها الحالي سالف الذكر، وفي المضامين، من ميثاق تأسيسها إلى تطويره عام 2008م، بمعنى آخر ، إن الحقبة الراهنة للعالم الإسلامي تحتم عدم الإغراق في جدلية ألخلاف بشأن تجربتها، وإنما إعمال التفكير في الاستفادة منها، وذلك عبر الانشغال بهاجس استراتيجي وهو أن الحقبة السياسية الراهنة ببعديها الإقليمي والدولي تجدد صلاحية هذه المنظمة لمواجهة تحدياتها الجديد في عصر انتهاء القطب الأوحد ومستقبل التكتلات الجديدة.
وكل من يحلل ويتعمق في المراحل التاريخية لمنظمة التعاون الإسلامي سيرى أن بقائها حتى الآن رغم العواصف الجيوسياسية التي مرت عليها، والمأخذ الموجه لها هو الإنجاز الذي يحسب للكل، وكل من يمنح نفسه الفرصة في البحث عن إنجازاتها سيرى كذلك أن الإعلام قد ظلمها كثيرًا ، وأن المنظمة من جهتها لم تحاول تغيير المفاهيم المغلوطة عنها، وظل المفهوم العام حتى الآن في الدافع المنشئ لها هو تحرير فلسطين المحتلة وحماية القدس الشريف دون أهدافها الاستراتيجية الأخرى كالتعاون الإسلامي في المجالات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، مما يعني أن الحكم عليها بالفشل محقًا من هذا المنظور ، فالمنظمة لم تمنع الاستمرار في الاعتداءات على القدس ولا وقف تهويد مدينتها التاريخية ولا وقف الاستيطان.. وفي الوقت نفسه ظلت إنجازاتها الأخرى دون متناول الرأي العام الإسلامي ألخ.
ومما تقدم تحددت منهجية بحثنا في كل الإشكاليات السابقة وفق المنهجية التالية:
أولًا: الانتقال من المثالية إلى الواقعية السياسية.
ثانيًا: الطريق نحو الوحدة الإسلامية مؤاتيًا الآن.
ثالثًا: الوحدة الإسلامية وقوتها الناعمة وألخشنة.
- الانتقال من المثالية إلى الواقعية السياسية.
صدر الميثاق التأسيسي لمنظمة التعاون الإسلامي " المؤتمر الإسلامي سابقًا " خلال الاجتماع الثالث لوزراء ألخارجية في الرباط 1972م، وتضمن تعهدًا بالسعي بكل الوسائل " السياسية والعسكرية " لتحرير القدس الشريف من الاحتلال، وهنا التساؤل، هل كان بمقدور الدول الإسلامية أن تفي بهذا التعهد عسكريًا؟ هنا وقع المؤسسون في ردة فعل على إحراق القدس الشريف، لذلك جاء التعهد طوباويًا أي مثاليًا على واقع وقدرات الدول الإسلامية، فهي لم تف به سياسيًا، فظلت رهينة التنديدات والشجب لكل محاولة اعتداء وتهويد مما أدخلت ذاتها الجماعية في إشكالية المصداقية بين التنصيص والتنفيذ، وانعكس ذلك سلبًا على سيكولوجيات الشعوب الإسلامية التي لا تزال حتى الآن أسيرتها رغم تغيير ميثاقها عام 2008م.
ففي هذا العام الأخير، انتقلت المنظمة إلى الواقعية السياسية مع ذاتها الجماعية، عندما تبنت ميثاقًا جديدًا في قمتها الحادية عشر في داكار ، أهم ما يميزه أنه أنتقل من ردة فعل إحراق القدس الشريف إلى صناعة فعل إسلامي مستدام بأجندات إسلامية متعددة وشاملة فيه تحديد أهداف المنظمة ومبادئها وغايتها الأساسية المتمثلة في تكثيف التضامن والتعاون بين الدول الأعضاء، والتصدي لتشويه صورة الإسلام، وتشجيع الحوار بين الحضارات والأديان، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وكذا تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية ... ألخ وربما يكون وراء هذه الواقعية تفكير استراتيجي وهو أن قضايا التحرير والدفاع عن فلسطين المحتلة لن يتأتى إلا عن طريق بوابة التضامن المنتج للوحدة الإسلامية.
ونستمد هذه الرؤية من ميثاق المنظمة المتطور سالف الذكر ، وذلك عندما جاءت قضية فلسطين والقدس الشريف فيه ضمن سياقات تالية وليس أولية كما كانت في الميثاق التأسيسي، ففي الفقرة الثامنة من المادة الأولى من الميثاق الجديد، احتلت القضية الفلسطينية ثامنًا، وقد سبقها سبع مواد تنص على تعزيز ودعم أواصر الاخوة والتضامن بين الدول الأعضاء السبعة وألخمسين، و صون وحماية المصالح المشتركة ومناصرة القضايا العادلة للدول الأعضاء... ألخ بينما الثامنة تنص على دعم الشعب الفلسطيني وتمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف .. ألخ.
وهذا له الكثير من الدلالات أهمها، أن الفكر الإسلامي الجديد قد أبتعد عن المفردات الراديكالية /الثورية " كتحرير القدس بكل الوسائل السياسية والعسكرية " وأن القضية الفلسطينية قد دخلت في سياق تراتبي يبدأ بتمتين البيت الإسلامي ضمن برغماتية خالصة تتماهى مع الجامع المشترك للكل، وهي قضية فلسطين، لكن، هل لدى دول المنظمة تفكير استراتيجي لمستقبل التسوية خاصة في ضوء أحداث غزة ولبنان وسوريا؟ فمنطقة الشرق الأوسط مهيأة الآن على التسويات، ومقبلة إليها من منطق انتصار استخدام القوة المفرطة منذ السابع من أكتوبر 2023م، وحتى الآن، لذلك لابد للعالم الإسلامي أن يكون له رؤية جاهزة للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية، لكي تحدث التوازن مع الرؤى الإسرائيلية التي قد توظف انتصار القوة لصالحها، فعندما تجمع " 75 " دولة تمثل أكثر من " 1،5 " مليار مسلم في كل أنحاء العالم على رؤية للسلام فهي تكون في قوة مؤثرة.
لكن، هل يمكن من خلال تجربة منظمة التعاون الإسلامي الطويلة أن نعقد عليها مجموعة رهانات كبرى كتبني تفكيرًا استراتيجيًا للتسويات ولمشاكل وقضايا دول المنظمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، وكالانتقال من التضامن إلى الوحدة الإسلامية؟
ثانيًا: الطريق نحو الوحدة الإسلامية مؤاتيًا الآن
عندما كنا نبحث في عمق التحول الاستراتيجي لمنظمة التعاون الإسلامي من ميثاقها التأسيسي 1972م، إلى ميثاقها الجديد 2008م، وجدنا أن وراء ذلك فكرًا سياسيًا ناضجًا يؤمن بأن تحقيق التضامن الإسلامي يأتي أولا عن طريق التعاون الشامل، وأن تحقيق الوحدة الإسلامية يأتي ثانيًا عن طريق التضامن الإسلامي، ومنها تم صياغة ميثاق 2008م،وقد تمكنت المنظمة من تأسيس هيكلة لها متعددة المؤسسات العامة والمتخصصة والأطر واللجان نذكر مثلًا إنشاء " 34 " منظمة متخصصة تخدم التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي والعلمي والاجتماعي والإنساني التي تحقق تحولها الاستراتيجي سالف الذكر ، وسنركز هنا بعض البنيات التحتية للاستدلال بها:
- البنك الإسلامي للتنمية
وهو أحد الأجهزة الرئيسية لمنظمة التعاون الإسلامي، وهو بنك تنموي متعدد الأطراف يعمل على تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية من خلال تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في " 57 " دولة عضوًا وطائفة مسلمة في جميع أنحاء العالم، وهذه العضوية شرط وجوبي للاستفادة من تمويلات البنك الإسلامي، ومقره جده بالمملكة العربية السعودية، وله مراكز رئيسية في المغرب وماليزيا وكازاخستان والسنغال، ومكاتب وسيطة في مصر وتركيا وإندونيسيا وبنجلاديش ونيجيريا، وهو في تصنيف الآن AAA وأصول تشغيلية تتجاوز " 16 " مليار دولار ورؤوس أموال مكتتب بها تبلغ " 70 " مليار دولار.
ويغطي البنك عددًا كبير من القطاعات التنموية والاقتصادية في الدول الأعضاء، من بينها مشاريع البناء والطرق والنقل السريع ومشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة وقطاعات الدواجن والأسماك والري والزراعة والتغذية والأطفال والتعليم الفني والأكاديمي والتدريب المهني، وقدم البنك " 190 " مليار دولار من التمويلات للمشاريع التنموية، ويتوقع وصول قيمة تمويلات البنك للدول الأعضاء إلى " 5 " مليارات دولار بنهاية العام 2024م، مقارنة " 1.5 " مليار دولار قبل ثلاث سنوات ، وقد استحوذت منطقة آسيا على النصيب الأكبر من هذه التمويلات تلتها منطقة إفريقيا ثم الشرق الأوسط وأخيرًا أمريكا اللاتينية ، ومصادر تمويل البنك مساهمات الدول الأعضاء والصكوك الإسلامية .
- صندوق التضامن الإسلامي
وهو اسم على مسماها، حيث يعد أهم المؤسسات التي تعنى بتقديم المساعدات الإنسانية للدول الإسلامية ودول الأقليات المسلمة في العالم، ودعم الجامعات والبحوث العلمية والتخفيف من آثار المحن والكوارث الطبيعية ودعم المراكز والجامعات الإسلامية، والتخفيف من آثار المحن والكوارث والفقر ، ودعم المراكز والجمعيات الإسلامية وانشطة وبرامج رعاية الشباب المسلم ودعم تمكين الأسرة وتنظيم الندوات والحلقات الدينية والعلمية والثقافية، ويتفرع من الصندوق لجنة الطوارئ التي تجتمع عند وقوع الأزمات والكوارث الطبيعية في الدول الإسلامية، ويبلغ عدد المشاريع المنفذة والممولة من الصندوق منذ إنشائه 1974م، وحتى عام 2024م، ( 2،872 ) مشروعًا بقيمة (245،669،937 ) دولارًا ، موزعة على ( 124 ) دولة إسلامية حول العالم.
ولن نتمكن من سرد كل مساهماته وتوزيعها في العالم الإسلامي، لكننا نشير إلى أن الشعب الفلسطيني حظي بأولويات الدعم المباشر من الصندوق، وقد خصص بندًا مستقلا لدولة فلسطين ضمن موازنته السنوية تخصص في توفير المساعدات المعيشية ودعم المؤسسات والهيئات الاجتماعية والتعليمية والصحية، وخلال تلك الفترة بلغ ما قدمه الصندوق للشعب الفلسطيني أكثر من (29) مليون دولار موزعة على كل القطاعات، كما تدخل الصندوق في أزمات اليمن وكشمير وأفغانستان ودول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو واللاجئين الروهينجا في ماليزيا وبنجلاديش والسودان ولبنان وليبيا وتشاد .. بملغ أكثر من (57،6 ) مليون دولار.
ومثال أخر كذلك، اهتمام الصندوق بقطاع الجامعات والبحوث العلمية، وبلغ إجمالي ما قدم لهذين القطاعين 2024م، أكثر من (91) مليون دولار، حيث أسهم في إنشاء (145) جامعة وكلية ومعهدًا حول العالم، وأهمها الجامعة الإسلامية في أوغندا، وأخريات في النيجر واوغندا وقيرغيزيا وبناجمينا وغامبيا والزيتونة في تونس وجامعة إفريقيا العالمية في السودان وعدد من الجامعات في بنجلاديش... ألخ.
ويتفرع من الصندوق لجنة الطوارئ التي تجتمع في حالة وقوع الأزمات والكوارث الطبيعية في الدول الأعضاء، كأزمة – كوفيد 19 -ومثلاً فقد تم كفالة 250 الفًا من يتامى ضحايا تسونامي، وبناء 200 وحدة سكنية في سومطرة، وإنشاء صناديق ومكاتب خارجية في البوسنة والهرسك وسيراليون وميامي والنيجر .. لدواعي الدعم الإنساني، وعقدت مؤتمر لدعم الصومال تمكنت من حشد لها 350 مليون دولار، و25 مليون دولار لمسلمي بورما، ونجحت في إقامة اتحاد دولي لجماعات الروهينجا، وفورا اعترف به المنظمة، وعملت على الاعتراف به دوليا .. ألخ.
- المؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار.
ولتحقيق أهدافها أسس لها صندوق برأسمال " 500 " مليون دولار ، ويستهدف تمويل الابتكارات العلمية ودعم التطبيقات العلمية في مشاريع التنمية، ومن مبررات إنشائه غياب الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي عن ترتيب العشرين الأوائل على رأس قائمة مؤشر التنمية الذي أصدرته المنظمات الدولية عام 2016م، وكل دولة تعد من الدول المتقدمة عندما تخصص " 2% " من دخلها القومي للبحث العلمي، وقد حددت المؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار للدول الأعضاء " 1% " من دخلها القومي كهدف مستهدف في خطة عشرية بدأت من عام 2016م، وتنتهي عام 2025م، وقد وصلت بعض الدول إلى نسبة " 8،0 % " .
- اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري" كومسيك "
وهى واحدة من اللجان الأربع الدائمة لمنظمة التعاون الإسلامي، وقد سعت لوضع قواعد قانونية ومؤسسية تفصيلية لدعم وتنظيم العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء، ومن ذلك على سبيل المثال توقيع الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والفني والتجاري عام 1977م، وتوقيع اتفاقية تنشيط الاستثمارات وحمايتها1981م، وحددت خطتها العشرية – 2016 ، 2025م – هدف تحقيق 25 % من إجمالي التجارة البينية لدول المنظمة بنهاية هذه الخطة، وقد حققت 31 دولة هذا الهدف عام 2018 م، ووفقًا لبيانات المركز الإسلامي لتنمية التجارة بلغ صافي حجم التجارة الإسلامية البينية 381.4 مليار دولار عام 2017م، فيما ارتفعت التجارة العالمية لدول المنظمة الإسلامية من 3.2 تريليون دولار عام 2017م إلى 3.6 تريليون دولار عام 2018 م، ولدى المنظمة مشاريع بنية تحتية مستدامة كإقامة سكة حديد يربط بورتسودان بدكار بعرض القارة الإفريقية .. ألخ.
- إنهاء الخلافات المذهبية
وهذا تم عبر الاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه منظمة التعاون الإسلامي في قمتها التي عقدت في مكة عام 2005م، وهو ينص على المساواة بين ثمانية مذاهب هي: الشافعي، الحنبلي، المالكي، الحنفي، الأباضي، الزيدي، الجعفري، والظاهري، وقد خرج مؤتمر مكة المكرمة بوثيقة مهمة لبناء الجسور بين المذاهب الإسلامية، شملت 28 بنداً ركزت في مجملها على التسامح والاجتماع بين المذاهب كافة.
والخطوة التالية والعاجلة تكمن في حمل الدول وفاعليها على تجديد التعهد بهذه المساواة والوفاء بمضامين هذه الوثيقة، والعمل على ترسيخها في مجامعهم العلمية، ومجتمعاتهم الوطنية بتشريعات ردعية لضمانة الحصانة، وهذا الإنجاز ينهي الخلافات بين السنة والشيعة، وتبقي الخلافات السياسية وهى الآن في طور النقاشات العقلانية العميقة التي تمليها تحولات إقليمية ودولية قاهرة، لعل أبرزها مرحلة الانفتاح بين الرياض وطهران الجديدة لتفعيل اتفاق المصالحة مع إيران الذي تم التوصل إليه برعاية صينية عام 2023م، وأي تطورات إيجابية بين الرياض وطهران ستنعكس إيجابًا ليس علاقات البلدين والقضية الفلسطينية فحسب، وإنما على الشرق الأوسط وقضية استقرار الأمن البحري الإقليمي والعالمي.
تلكم مجرد نماذج مختصرة من الإنجازات غير السياسية لمنظمة التعاون الإسلامي لا يمكن اعتبارها أنها ترتقي إلى مستوى رضا الشعوب الإسلامية، وإنما هي تعكس طبيعة الفكر السياسي الذي يقف وراء تطور منظمة التعاون الإسلامي وماهية الرهانات المستقبلية عليها، وهي مواتية الآن، وتحتم خطوات راديكالية سريعة قبل أن تتشكل المرحلة الدولية في صيغها الجديدة.
ثالثًا: الوحدة الإسلامية الدولية وقوتها الخشنة والناعمة
بدأت قضية الإصلاحات تطرح نفسها منذ بضعة سنوات، وكانت السعودية من الدول التي أخذت زمام المبادرة في الدعوة إليها، واستضافت على أراضيها نقاشات إسلامية معمقة، وهناك تصورات ملموسة الآن لجوهر الإصلاحات المنشودة، سنتناوله كعناوين:
أولاً: الاستحقاقات العاجلة:
- أن تكون هناك خطة سلام مجمع عليها من قبل العالم الإسلامي لمستقبل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية نتيجة للتطورات الدراماتيكية في المنطقة والتي تشير إلى أن المنطقة مقبلة على سلام الأقوياء.
- إظهار قوة المنظمة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والثقافية، واستخدامها كأدوات ناعمة مثل المقاطعة والعقوبات الاقتصادية عوضًا عن التفكير في الخيارات الخشنة.
ثانيًا: أهم الإصلاحات الجديدة:
أن الإنجازات غير السياسية التي حققتها منظمة التعاون الإسلامي – التي تناولنا سابقًا نماذج من شمولية واسعة لها – تحتم نقلة نوعية وكمية على المدى المتوسط بهدف بلوغ الوحدة الإسلامية بقاطرة اقتصادية تؤدي بها إلى نتيجة سياسية عالمية تتماهى مع قوتها العددية والاقتصادية، وفق الملامح التالية:
- إقامة اقتصاد إسلامي بسوق إسلامية مفتوحة، وعملتها الدينار الإسلامي الذهبي الذي كان يقترحه المفكر عبد الله إبراهيم فاديلو.
- تفعيل المحكمة الإسلامية التي أنشأتها منظمة التعاون الإسلامي، وتكون قراراتها إلزامية، بتزامن مع إنشاء قوة سلام إسلامية لدواعي تحقيق السلام والأمن لأعضائها وفق ما كشفه تقرير لمركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب التابع لمنظمة التعاون الإسلامية من أن " 60 % " من الصراعات في العالم تقع في الدول الإسلامية، وبعضها حروب أهلية، وأظهر كذلك أن نحو " 76 % " من الهجمات الإرهابية في العالم تقع في دول المنطقة.
- السعي لمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي يمثل ثقل العالم الإسلامي عدديًا وجيوسياسيًا واقتصاديًا.
- تشكيل قوة حفظ سلام إسلامية.
وتلكم خطوات مهمة في ضوء مستقبل التكتلات الجيوسياسية الجديدة التي يقول الخبراء أنها ستحكم المستقبل مع انقسام العالم إلى مجموعات متعددة يمكن لها سوى الرسمية كالتحالفات وغير الرسمية كالممرات التجارية إعادة تشكيل كل شيء في العالم، ومن ثم ينبغي لمنظمة التعاون الإسلامي أن تكون قوة مؤثرة فيه، خاصة وأنها تملك الشكل والمحتوى بتاريخ تراكمي ينقلها بسهولة إذا ما توفرت الإرادة السياسية للدول إلى الوحدة الإسلامية، وهى مستحقة بنيويًا الآن – كما أوضحنا ذلك سابقًا – ينقصها البعد السياسي، وهى تنضج بواقعية الأحداث الجسام التي وقعت في المنطقة منذ يناير 2023 م، وحتى الآن وبتراكم تاريخي يفترض أن يحصن الحاضر الإسلامي ومستقبله.