array(1) { [0]=> object(stdClass)#13603 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 204

مخرجات قمة الرياض دبلوماسية الاستباقية منسجمة مع أسوأ خيارات إدارة ترامب

الخميس، 28 تشرين2/نوفمبر 2024

لازلت اعتقد أن مفاتيح بناء السلام في الشرق الأوسط واستمرارية الحروب الإسرائيلية العربية تمسك بها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة عالية جدًا، لكن بتقدير عدم وصولها إلى النسبة التي حددها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بعد اتفاقيتي كامب ديفيد، لاعتقاده الواقعي بأن أوراق اللعبة في الشرق الأوسط بيد واشنطن بنسبة 99%. ويمكن تفسير هذا التراجع النسبي للثقل الأمريكي إلى كثافة الدبلوماسية الدولية والإقليمية ذات الفاعلية للضغط على التحالف الأمريكي الإسرائيلي الذي لا ينظر للقضايا النزاعية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا إلا بعدسات اليمين الصهيوني الديني المتطرف، ويبرز في هذا المجال الدور الدبلوماسي النشط للصين في التقارب السعودي-الإيراني، كما تشير الحركية الإقليمية العربية- الإسلامية- الإفريقية في قمة الرياض، 11 نوفمبر 2024م، إلى الإدراك الدبلوماسي الجماعي لفقدان واشنطن لكثير من مفاتيح الوساطة المحايدة والنزيهة في ملفات الشرق الأوسط الثقيلة من فلسطين، لبنان، سوريا وإلى إيران. يمكن أن نقف كثيرًا عند مخرجات قمة الرياض التي تؤكد على العمل الدبلوماسي خارج الرؤية النمطية الأمريكية الداعمة دومًا لإسرائيل على حساب المصالح العربية واستقرار منطقة الشرق الأوسط، وأهم تلك القرارات الالتزام بالعمل المشترك لحشد الدعم الدولي لتجميد مشاركة إسرائيل في الأمم المتحدة ومطالبة مجلس الأمن الدولي بإلزام إسرائيل بوقف سياسات الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني ومطالبة جميع الدول بحظر تصدير أو نقل الأسلحة لإسرائيل، وهو ما يعني بشكل واضح، رسالة مفتوحة موجهة لواشنطن ودعمها الدبلوماسي والعسكري اللامحدود لإسرائيل.

يمكن تصنيف مخرجات قمة الرياض بالدبلوماسية الهجومية والاستباقية المتكيفة مع أسوأ الخيارات التي يمكن أن تقوم بها إدارة دونالد ترامب. وعليه، فإن المنطقة ستختبر مرة أخرى حسابات إدارة ترامب ورؤيته لصناعة وبناء السلام الإسرائيلي-العربي وإدارة الحرب بأشكال جديدة مع إيران، فهل يتراجع ترامب عن تفويض خيارات السلام لمقربيه وأصهاره ويقبل بالرؤية العربية /الإسلامية / الإفريقية المشتركة الرامية والهادفة إلى بناء السلام الذي تقوض فرصه السياسة العدوانية والتوسعية لحكومة نتانياهو؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة لمستقبل العدوان الإسرائيلي على غزة في إطار خيار التسوية القائم على حل الدولتين؟ وما مدى دعمه للمبادرة العربية للسلام القائمة على خيار الأرض مقابل السلام التي لم تجد شريكًا حقيقيًا وذا مصداقية في إسرائيل المتشبثة مع اليمين الصهيوني الديني بحلم واسطورة الدولة اليهودية الدينية؟ وما فرص نجاح الشراكة الدبلوماسية العربية-الإسلامية-الإفريقية للضغط على التحالف الأمريكي-الإسرائيلي؟

يستند الاعتقاد بامتلاك الإدارات الأمريكية مفاتيح السلام والحرب في الشرق الأوسط، رغم الاختلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين، إلى السيناريو الاتجاهي الذي يؤكد أن مسار ومشاريع السلام كلها كانت بإشراف وإدارة أمريكية، بحيث يحسب لإدارة جيمي كارتر الديمقراطية توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، ولإدارة بيل كلينتون الديمقراطية اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، كما يحسب لإدارة دونالد ترامب الجمهورية خطة السلام المعروفة بصفقة القرن والسلام الإبراهيمي بين إسرائيل وأربع دول عربية. وعكس مسار السلام فإن استمرارية الحروب والعدوان الإسرائيلي في الشرق الأوسط كان تحت المظلة والحماية الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والمالية لكل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والمؤشرات في هذا المجال واضحة جدًا، حيث استخدمت واشنطن منذ تأسيس مجلس الأمن الدولي سنة 1945م، حوالي 114 مرة الفيتو من بينها 80 مرة لمنع إدانة إسرائيل و34 مرة ضد مشاريع القوانين التي تساند حق الشعب الفلسطيني، وكان آخر الاستخدامات لحق الفيتو لواشنطن ما بعد طوفان الأقصى، معارضتها لمشروع القرار الجزائري الذي يدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة لدواعي إنسانية، رغم التأييد المطلق 13 عضوًا من أصل 15، كما استخدمته مرة أخرى ضد المشروع الجزائري الذي يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة، صوت لفائدة القرار 12 عضوًا وعارضته واشنطن وامتنعت عن التصويت كل من بريطانيا وسويسرا. أما فيما يخص الدعم المالي والعسكري الذي تتلقاه إسرائيل من واشنطن فتبين أن خلال سنة واحدة ما بعد طوفان الأقصى، أنفقت إدارة بايدن ما يقارب 18 مليار دولار على العدوان على غزة كما نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلًا عن تقرير لمشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون الأمريكية. وحسب الصحيفة الأمريكية "الواشنطن بوست" فإن إجمالي المساعدات الأمنية الأمريكية لإسرائيل تجاوزت 200 مليار دولار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت الإدارات الأمريكية الديمقراطية أكثر سخاء، حيث قدم باراك أوباما في سنة 2016م، مساعدات بما يقارب 4 مليارات دولار سنويًا ولمدة عشر سنوات متتالية.

الملاحظ هنا، أن فرص السلام في الشرق الأوسط وكبح العدوان الإسرائيلي سيبقى مرتبطًا بنسبة كبيرة جدًا في الأربع سنوات القادمة بسلوك ومواقف ومشاريع إدارة دونالد ترامب تجاه التسوية للقضية الفلسطينية ومشاريع السلام وإدارة الملف النووي الإيراني ونفوذها الإقليمي. وهو ما يجعلنا نضع مجموعة من السيناريوهات انطلاقًا من الثقل الأمريكي في المنطقة العربية وعلاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل.

أولا: السيناريو الاتجاهي، يعتمد على منطق الاتجاهات الثقيلة والعامة التي ضبطت العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية في مسارها الاتجاهي في نفس الخط القائم على الدعم اللامحدود أمنيًا، عسكريًا ودبلوماسيًا لحكومة نتانياهو وما بعدها، مع إبقاء القضية الفلسطينية على هامش مشاريع التسوية الإسرائيلية-العربية القائمة على السلام الاقتصادي بدلًا من الأرض مقابل السلام الذي تطرحه المبادرة العربية للسلام.

إن التركيز على الحملة الانتخابية لدونالد ترامب وتجربته في البيت الأبيض (2016-2020م) تعطينا بعض المؤشرات العامة لكيفية إنهاء العدوان على غزة وجنوب لبنان، أولها، أن الدعم المطلق لحكومة نتانياهو سيبقى هو الثابت بمنح الحماية الكاملة لإنجاز الأهداف التي أعلن عنها نتانياهو لما بعد طوفان الأقصى، أهمها، القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة وتدمير كل قدراتها القتالية، إبعاد أي تمثيل سياسي لحركة حماس في الحكومة الفلسطينية القادمة وإدارة قطاع غزة، استرجاع الأسرى الإسرائيليين بدون تكاليف وأعباء استراتيجية كبرى، التوافق التام بين نتانياهو وترامب على تكريس الحواجز الأمنية لتطويق الفلسطينيين بإبقاء محور نيتساريم، المعروف بمفرق الشهداء، الممر الذي يفصل مدينة غزة وشمالها عن المنطقة الوسطى وجنوب غزة، إضافة إلى الحزام الأمني على طول الحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة، ومن جهة أخرى، ستفتح جبهة للتوتر الدائم بين إسرائيل ومصر في محور فيلادلفيا الشريط العازل بين القطاع ومصر، الذي يتواجد فيه معبر رفح البري، المنفذ الأساسي لسكان القطاع على العالم الخارجي. وقد تتحول هذه المحاور إلى بؤر عسكرية استيطانية كما يطالب بذلك التيار الصهيوني اليهودي، وهذا ما عبر عنه إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، في تجمع للقوميين والليكوديين بشعار التحضير للعودة إلى قطاع غزة بقوله:" أرض إسرائيل لنا جميعًا وغزة لنا إلى الأبد".

ونتصور أن مشاريع السلام التي ستتبناها إدارة ترامب لا تخرج عن استنساخ صفقة القرن وتوسيع مبادرات السلام الإبراهيمي، بما يعني، تأجيل مشروع الدولة الفلسطينية وشرعنة الاستيطان في الضفة الغربية أين يعيش نصف مليون مستوطن يهودي في أكثر من 144 مستوطنة بما في ذلك 12 بالقدس الشرقية، ويتوزعون بشكل كبير في المنطقة "ج" حيث تسيطر إسرائيل على 60% من الضفة الغربية. وفي الوقت ذاته، فإن الحكومات الإسرائيلية بكل تياراتها تنظر إلى تلك المستوطنات من الناحية الأمنية على أنها حزام بشري يمنع التواصل الديمغرافي والجغرافي بين الشعب الفلسطيني داخل الضفة وبينها وبين القدس وقطاع غزة، كما تشكل تلك المستوطنات عامل للاستقرار الاجتماعي للمستوطنين اليهود الذين يتلقون الدعم المالي وتقليص الأعباء الاجتماعية، أما التيار الديني الذي يشكل ثلث المستوطنين فهم ينظرون إليها على أنها أرض الله الموعودة، ويلتف هذا التيار حول الأحزاب اليهودية الدينية الذي يمثلهم بتسلئيل سموتريش، وزير الشؤون المدنية بوزارة الدفاع، الذي أعلن في 11 نوفمبر 2024 أن سنة 2025 م، ستكون سنة السيادة على الضفة الغربية، بمشروع إيصال مليون مستوطن هناك، ويعزز نتانياهو هذا الطرح، حفاظًا على التحالف الحكومي، كما نقلته هيئة البث الإسرائيلية (12 نوفمبر 2024م) في اجتماعاته المغلقة بأنه مصمم على طرح ملف ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل على جدول الأعمال مع تسليم الرئيس المنتخب ترامب مهامه في البيت الأبيض بداية سنة 2025م. قد تجد هذه التبريرات كلها صدى لها عند ترامب الذي سبق وأن صرح بأن مساحة إسرائيل صغيرة جدًا ويجب توسيعها، وفي تصوره واعتقاده أن فلسطين مشروع عقاري يخضع لصفقة بدون أدنى اهتمام للسكان الأصليين. كما يتمسك ترامب بإبقاء القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وهو القرار الذي اتخذه في ديسمبر 2017م، رغم أن اتفاقية أوسلو وضعت القدس ضمن مواضيع المفاوضات النهائية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. مرحلة ما بعد وقف العدوان الإسرائيلي سيتم إبعاد موضوع اللاجئين الفلسطينيين من كل المفاوضات المستقبلية، والمسألة هنا تعد تكريس لما قام به ترامب في عهدته السابقة عندما أوقف تمويل الأونروا وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن سنة 2018م. وهو ما ينسجم ويتناغم مع قرار الكنيست الإسرائيلي الذي يحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وأخطرت به الأمم المتحدة رسميًا، بتاريخ 4 نوفمبر 2024م، بإلغاء الاتفاقية التي تنظم علاقاتها مع الوكالة منذ عام 1967م. والهدف من كل ذلك التصفية الكلية لكل شاهد على بقاء اللاجئين كرمز لاستمرارية الاحتلال الاستيطاني وهي السياسة العدوانية التي انتهجتها في قطاع غزة بقتل أكثر من 223 موظفًا للوكالة وتدمير ثلثا المرافق. وبذلك فإن فرص السلام ستتراجع أكثر من خلال القضاء على كل المواضيع الجوهرية للمفاوضات، الاستيطان، القدس، اللاجئين والحدود، وهو ما يجسد استمرارية الجمود القائم في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية.

بالمقابل، قد يلجأ دونالد ترامب إلى حلحلة الملف اللبناني وفصله عن القضية الفلسطينية بتفويض صهره رجل الأعمال ذو الأصول اللبنانية، مسعد بولس، والد زوج ابنته تيفاني، وهو ما أكده هذا الأخير بأنه مكلف بالتفاوض مع بيروت لتأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، وهي الوظيفة التي سيخلف فيها المستشار الخاص لبايدن في لبنان، آموس هوكشتاين. ويظهر التفاؤل المفرط في تسوية النزاع من خلال اتفاقية سلام شاملة قبل دخول ترامب البيت الأبيض كما يردد مسعد بولس لوسائل الإعلام. قد يكون التسويق السياسي والدعائي للحملة الانتخابية التي جندت العرب في ميتشغان الولاية المتأرجحة دافعًا لهذا التفاؤل، بينما الواقع في جنوب لبنان أكثر تعقيدًا بين إسرائيل التي تصر على إبعاد حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني قصد تدمير البنية التحتية والعسكرية لحزب الله، وعزله عن الحاضنة الشعبية والمجتمعية في الجنوب حيث يتواجد 75 % من الشيعة. كما تحاول محاكاة تجارب عمليات الليطاني العسكرية التي سبق وأن دمرت مواقع منظمة التحرير الفلسطينية جنوب نهر الليطاني، حيث كان الاجتياح الأول في عام 1978م، وتلته حروب متتالية ما بعد 1982م، وصولًا إلى السيطرة على الجنوب إلى غاية سنة 2000م، وفي أفضل الأحوال قد يعاد ترتيب قرار مجلس الأمن الدولي 1701، الصادر بعد حرب تموز 2006م، والذي طالب بإيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أي عتاد حربي أو مسلحين باستثناء ما يتبع قوات اليونيفيل والقوات اللبنانية. وهنا تكمن المعضلة الأمنية بين الرهانات الإسرائيلية وموقف حزب الله الذي يدعمه رئيس مجلس النواب نبيه بري، المتمسكين في المفاوضات بالمقولة التي نقلوها إلى المبعوث الأمريكي، عاموس هوكشتاين، ومفادها أنه "من الأسهل نقل نهر الليطاني إلى الحدود مع فلسطين المحتلة بدلا من نقل المقاومة إلى ما وراء النهر".

في إطار السيناريو الاتجاهي سيبقى نتانياهو يسوق للخطر الإيراني الشيعي في مواجهة التحالف العربي السني الذي سوقه في الجمعية العامة للأمم المتحدة ما بعد السلام الإبراهيمي، مما يجعله يبحث عن مخرج لمأزقه الأمني والسياسي والقانوني، بحيث يجد في التصعيد العسكري ضد إيران الملجأ والمتنفس للبحث عن إجماع سياسي ومجتمعي داخلي بعد التصدعات الأمنية والسياسية التي عرفها قبل طوفان الأقصى وما بعده، وكان قد أكد في تصريح إعلامي لتعبئة الرأي العام الإسرائيلي خلال الأسبوع الأول من انتخاب ترامب بأنه تحدث معه ثلاث مرات بهدف تعزيز التحالف القوي بين الدولتين وصرح قائلا" نحن متفقان بشأن التهديد الإيراني في جميع جوانبه والخطر الذي يشكله". حتمًا سيجد في إدارة ترامب السند الدبلوماسي والعسكري لهذا التصعيد العسكري مؤشراته الأولى تعيين ترامب لمندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، إليز ستيفانك، التي تعارض السلطة الفلسطينية وإيران وهي مستعدة كما قالت للعودة إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمدها ترامب ضد إيران. كما أنه من المتوقع أن يعين سيناتور فلوريدا، ماركو روبيو، وزيرًا للخارجية المعروف عنه حرصه على تشديد العقوبات الأمريكية على إيران. وكان أهم القرارات التي اتخذها ترامب في عهدته السابقة انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته إدارة باراك أوباما في سنة 2005م، مع نهجه سياسة الضغط الأقصى بفرض العقوبات على قطاع النفط الإيراني والبنوك للحد من القوة الإيرانية ونفوذها الإقليمي. ولم ولن يستبعد ترامب خيارات الضربات العسكرية لتصفية القيادة العسكرية الإيرانية لثني التمدد الإيراني في العراق، لبنان، سوريا واليمن، تذكيرًا بقراره الذي أصدره سنة 2020م، يأمر فيه باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في العراق. وسيبقى التوافق قائمًا بين ترامب ونتانياهو حول التهديد النووي الإيراني في نفس الاتجاه الذي حرض فيه ترامب بضرب المنشآت النووية الإيرانية ردًا على الضربات العسكرية الإيرانية بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وهو السيناريو الذي سيبقى مفتوحًا في حالة التصعيد العسكري بدافع استثمار نتانياهو للبيئة الداخلية المضطربة في إسرائيل والاستفادة من الحماية الأمريكية المستمرة.

 ثانيًا: السيناريو الإصلاحي، يفترض هذا السيناريو بناء مشاهد إيجابية لمستقبل السلام في الشرق الأوسط من خلال تحريك مشاريع السلام العربية القائمة على الإجماع العربي وفق مقاربة الأرض مقابل السلام في إطار خيار حل الدولتين، تكون مسندة بالضغط الإقليمي والدولي على إسرائيل والحكومات اليمينية المتعاقبة، ونزعم في هذا المجال أن دور الشراكة الدبلوماسية العربية-الإسلامية- الإفريقية سيكون لها الثقل الأكبر في حالة متابعة وتنفيذ توصيات قمة الرياض من خلال تفعيل الآلية الثلاثية القائمة بين الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي التي تشكل وزن استراتيجي في المحافل الدولية والإقليمية، باعتبارها كتلة تصويتية وازنة في الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل فرض الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية وتجريم نظام التمييز العنصري للصهيونية، لاسيما في البند المتعلق بتجميد عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى الاعتراف الكامل بدولة فلسطين، محاكاة لنموذج نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وفي هذا الصدد، يحسب لجنوب إفريقيا موقفها السياسي والقانوني في تعبئة المجتمع الدولي وتحريك الآليات القضائية لمحاسبة إسرائيل على جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، بعدما رفعت قضية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي في 29 ديسمبر2023م، و أخذت هذه القضية البعد الدولي بعد انضمام مجموعة من الدول إلى القضية باستخدام بند في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية يسمح لأطراف ثالثة بالانضمام إلى الإجراءات باعتبار أن لديهم مصلحة ذات طبيعة قانونية قد تتأثر بأي قرار في القضية. ومن بين الخيارات المطروحة في السيناريو الإصلاحي تصور امتناع إدارة ترامب عن استخدام حق الفيتو مرة أخرى أمام المشروع الجديد الذي يمكن أن تقدمه الجزائر باسم المجموعة العربية والإفريقية، وهو ما ينسجم مع اعتراف ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين في مايو 2024م، وهنا سيتم اختبار جدية إدارة ترامب في التزاماته في الحملة الانتخابية بأنه يعمل على عودة السلام الحقيقي، السلام الدائم، إلى الشرق الأوسط ويضع حدًا لكل الحروب التي تتكرر كل خمسة أو عشرة سنوات. وفي تقديري، فإن المراهنة هنا تكون على إدراك وتصور ترامب لعملية السلام وفق منطق الصفقات، بحيث لا يمكنه أن يدفع من الخزينة الأمريكية لإسرائيل أكثر مما دفعته إدارتي أوباما وبايدن، وقراراته كما قال بوب وودورد في كتاب "الحرب" تقوم على الحسابات الغريزية أقرب إلى لعبة حجر النرد، لا يمكن التنبؤ بالخيارات التي يمكن أن يستخدمها في حالة إحساسه بفوائد ومصالح مالية في حالة صفقة جديدة مع إيران، لأن انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني كان بدافع الخسارة المالية والاستثمارات الأمريكية في إيران لصالح الشركات الأوروبية الألمانية والفرنسية. ورغم أن ترامب لا يقيم وزنًا للبيئة الخارجية إلا في إطار المصلحة الوطنية الأمريكية، فإن تصعيد حالة اللاستقرار السياسي والأمني في الشرق الأوسط وتداعياتها على المناطق الحيوية في العالم في البحر الأحمر ومضيق هرمز والخليج العربي وحوض النيل تدفعه لإعادة حساباته السياسية، في حالة إحساسه بالوزن الجيوستراتيجي للكتلة العربية-الإسلامية والإفريقية وهي لحظة تاريخية وفرصة قوية للعالم العربي والإسلامي لإعادة ترتيب أوراقها الاستراتيجية في إفريقيا مع دول حوض النيل خصوصًا الدول الأربعة التي سبق لنتانياهو أن زارها، كل من إثيوبيا، أوغندا، رواندا وكينيا، وضرورة وضع استراتيجية لعودة العالم العربي والإسلامي إلى العمق الإفريقي الذي استغلته إسرائيل لتطويق كل الفواعل العربية والإسلامية المؤيدة للدولة الفلسطينية، وإحدى النجاحات الدبلوماسية في هذا المجال بناء الجزائر لتحالف داخل شمال إفريقيا وبالتنسيق مع جنوب إفريقيا منعت به انضمام إسرائيل كعضو مراقب للاتحاد الإفريقي، في الوقت الذي تتمتع به الدولة الفلسطينية بعضوية المراقب داخل الاتحاد الإفريقي. لأن في النهاية فرص السلام وخيارات الحرب تبقى مرتبطة بتصور وإدراك كل الأطراف الدولية لميزان القوة، حيث تبقى الدبلوماسية الاستباقية أفضل الخيارات للرهان على حل كل النزاعات الجامدة أو الساخنة بكسب المزيد من الأوراق الاستراتيجية التفاوضية، وأملنا يبقى معلق في تفعيل الآلية الثلاثية العربية-الإسلامية-الإفريقية، إدراكًا مني بالتغير النسبي الكبير في فقدان الولايات المتحدة الأمريكية لمفاتيح لعبة السلام والحرب في الشرق الأوسط.

مقالات لنفس الكاتب