ما ينظر إليه معقدا في علاقات بعض الدول المغاربية من جهة وبعض دول مجلس التعاون الخليجي مع بعض شقيقاتها المغاربية من جهة ثانية لم يعد كذلك الآن، وهذه النتيجة المتفائلة لا يمكن أن يراها كل من يغرق في حدية الخلافات السياسية الجزائرية المغربية، والمخاوف من تطورها لأسوأ الاحتمالات – لا قدر الله – والغارقون فيها لن يتمكنوا من رؤية التحديات والفرص لكلا الجانبين والناجمة عن الحقبة الزمنية الراهنة، وهى حقبة استثنائية وتؤسس لمرحلة دولية جديدة قائمة على التعددية وليس الأحادية ، وتحدياتها التنموية والاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية على كل دولة ستتماهى مع التحديات العسكرية والأمنية الجيوسياسية، بل ستكون المنطقة الأضعف والمستهدفة من حروب الجيل الرابع المقبلة التي ستحيد استخدام القوة الخشنة، وتستهدف مناعة المجتمعات.
ليس أمام المجموعتين من خيار سوى إعادة النظر في تفكيرهما الاستراتيجي لرؤية التحديات والفرص من خارج سياق تداعيات التوترات الراهنة والانتقال إلى مواكبة الإيقاع الزمني السريع للحقبة الاستثنائية قبل فوات الأوان، فهناك الكثير من المستجدات الاستراتيجية التي ينبغي أن تفك العقد في علاقات بعض الدول المغاربية أو هذه الأخيرة مع بعض نظيراتها الخليجية، وإدارة المستحكم منها – أي العقد - بصورة مختلفة عن الظروف التي انتجتها، ونقل العلاقات الخليجية المغاربية الى مصير جماعي مشترك رغم بعد الجغرافيا التي تفصلهم، وقد يكون هذا البعد ميزة لتأسيس ثقة جديدة مستدامة ومصالح عميقة .
كما أن العالم يتجه نحو القوة الاستثنائية كالطائرات المسيرة والتطور المتلاحق في تقنياتها المذهلة، والحروب السيبرانية وغزو الفضاء. الخ، وهذا يأتي مع انتقال العالم إلى حروب الجيل الرابع التي لن تستخدم فيها إطلاق رصاصة واحدة، وانما ستعتمد على الحروب السيبيرانية والإعلامية والشائعات لتفكيك مناعة المجتمعات استغلالا للاختلالات التنموية وتداعياتها كالبطالة والفقر وتأكل الطبقة الوسطى، ويتقاطع مع كل ما سبق احداث سياسية كبرى في أوروبا كصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة للحكم أو للتأثير في صناعة القرار الأوربي على المستويين الوطني والاوربي. الخ.
لا مجال للتفكير – مجرد التفكير – في الحروب أو استمرارية التوترات، فهي ستستنزف الموارد المالية والبشرية والقدرات العسكرية. وتجعل الدول متخالفة عن الركب العالمي، وهذا في حد ذاته كافيا لفك العقد بين الجانبين، وإدخال المرونة في القضايا الشائكة، لكننا نحتاج هنا إلى مبادرات راديكالية بفكر برغماتي يخدم المصالح الوجودية لكل الأطراف، وهنا نتساءل، من ينبغي أن يأخذ زمام هذه المبادرات وعاجلا؟
فالزمن هو بمثابة الفعل المحقق للنتائج الكبرى أو مفوتها ،ولا يمكن تحريك المياه الراكدة في علاقات الجانبين إلا بفعل تاريخي مجرد مهما ظهرت الحاجة الملحة للأخر ، فحلقات الصعوبة – لا نقول الاستحالة – قد استحكمت من قبل أعداء الامة - وحاجة دول المغرب العربي الخمس تبدو الان أكبر بسب أنها ستكون أكثر تأثيرا بصعود اليمين المتطرف في أوروبا وبمخاطر تداعي الأمن في أفريقيا في ظل بيئات اجتماعية محتقنة ، وحاجتها في الوقت نفسه إلى إعادة هيكلة اقتصاداتها والاستثمار في الصناعات العسكرية التي تصرف الآن نفقات ضخمة تقدرها بعض المصادر 10% من ناتجها المحلي لبعض الدول، وهى نسبة مرتفعة ستنعكس سلبا على تنميتها الاجتماعية والاقتصادية ، فكيف لو استدعى الامر زيادتها ؟
وتظهر حاجة دول مجلس التعاون الخليجي الست للجانب المغاربي في قضايا أخرى مختلفة كحاجتها لدعم الاشقاء في المغرب العربي لقضاياها السياسية والتنسيق معها في مختلف المجالات، وحاجتها لموقعها الجغرافي، وحاجتها لاستدراك اهمالها الاستراتيجي بالقارة الافريقية، ويمكن أن تدخلها الان من الأبواب الواسعة عن طريق صناعة تفاهم استراتيجي طويل الاجل ومتعدد المصالح مع الدول المغاربية دون ان تفقدها علاقاتها ومصالحها الاجنبية، خاصة وان طهران لا يزال تواجدها الاقتصادي والأمني متواضعا رغم تمدد تشيعها، كما أن انسحاب فرنسا من منطقة الساحل الافريقي فرصة للخليج ينبغي أن لا تفوتها مجددا .
وعليه ستكون منهجية مقالنا البحث في المحاور التالية:
- الأسس التاريخية للراديكالية الخليجية/ المغاربية.
- المعادلات البرغماتية للنقلة الراديكالية الخليجية /المغاربية.
- الرهانات على الرياض لتحقيق المصير المشترك الخليجي / المغاربي.
أولا: الأسس التاريخية للراديكالية الخليجية المغاربية:
في التفكير السياسي العربي لا يمكن الرهان على الراديكالية المجردة في بناء علاقات عربية ـ عربية برغماتية، إذ لابد من مقدمات تاريخية تقود الراديكالية، وتضعها على سكة قطار سريع يحمل مصالح كل الأطراف، وعندما تعمقنا في تاريخ العلاقات الخليجية / المغاربية وجدناه تاريخ خال من العداء، مما يتساءل المرء كيف نشبت الخلافات المعاصرة أو حتى تتضارب المصالح بين الجانبين؟ وسيتفاجأ المرء إذا ما علم بأن في هذا التاريخ أحداث كانت من الأفعال الحاسمة في استقلال دول وفي انقاذ اقتصاديات دول أخرى.
وهذه الاحداث ينبغي استحضارها الان لتذكير الوعي السياسي الخليجي المغاربي بها، ومن ثم أن تكون مقدمة سيكولوجية لراديكالية التغيير والتطوير في علاقات الجانبين حتى تتلاقى الراديكالية مع عامل الثقة التاريخي، وينصب الاستشراف على النتائج وليس الإغراق في المشاكل، ومن الملاحظ أن هذه الاحداث تنطلق من الثوابت التي تجمع دول مجلس التعاون الخليجي مع الدول المغاربية من حيث أنها تشكل فضاءات استراتيجيا واحدا تشترك جميعها في الخصائص اللغوية والثقافية والدينية والتاريخية،
وأهم هذه الاحداث:
- وقوف الخليج مع استقلال الجزائر ، ونذكر هنا كمثال بالدعم المالي والسياسي والمعنوي للرياض للثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي الذي استعمر الجزائر ما يزيد على قرن وثلاثة عقود (1830- 1962م ) في عهد ملوك سعود بن عبد العزيز (1954 – 1964م ) وولي عهده الأمير فيصل بن عبدالعزيز (1954- 1974م ) رحمهما الله ، ونستشهد هنا بمقولة الملك سعود للجزائريين " بانكم لستم جزائريين أكثر مني، وبأن القضية الجزائرية هي قضية مقدسة " وكذلك مقولته " أن علاقتنا السياسية مع فرنسا متوقفة على حل القضية الجزائرية حلا يعيد لأهلها العرب حريتهم واستقلالهم، وأن العرب مرتبطون معهم برابطة الأخوة التي لا تنفصم " .
- دور الرياض المحوري في انقاذ الاقتصاد المغربي من الإفلاس في مطلع ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت الحكومة المغربية في حاجة ماسة لموارد مالية لتسديد أجور موظفيها.
- الرئيس الموريتاني السابق المختار ولد داداه يقول في مذكراته " أن الدول الخليجية أسهمت في توطيد استقلال بلاده اقتصاديا ".
ولو تعمقنا بحثا من المؤكد سنجد استدلالات كثيرة قديمة وحديثة سواء بين الجانبين، داخل كل جانب، ولعنا نذكر هنا تضامن المغرب حكومة وشعبا مع الثورة الجزائرية في عهد محمد الخامس الذي ربط مستقبل الجزائر ضمن إطار وحدة المغرب العربي، سنكتفي بها للقول بان هذا التضامن كفيلا بان يبني عليه حقبة جديدة بين الجانبين من منظور الكل الرابح اقتصاديا وتنمويا، والكل يخدم مصالح الكل سياسيا.
مما سبق يتضح بعدم وجود عداء تاريخي خليجية مغاربي ، وكل ما بين بعض الدول من كلا الجانبين أو داخل الجانب المغربي خلافات طارئة أو عاتبات سياسية نتيجة ظريفات سياسية كالأزمة الخليجية عام 2017م ، والأزمة الليبية المستمرة حتى الآن ، والمصالح المتباينة لبعض الدول الخليجية والمغاربية في دول الساحل الافريقي، وحتى لو جدت قضايا كبرى عالقة كأزمة الصحراء التي حتى اسمها / مغربية غربية / تثير الحساسيات السياسية الكبيرة، فأنها لم تعد من القضايا التي ينبغي أن تعرقل مواجهة المخاطر الجديدة لكل دولة خاصة ولدول المنطقتين عامة، فتجميد مثل هذه القضايا على الأقل هو من دواع الانفتاح على تحولات وتحديات الحقبة الزمنية الراهنة .
ويمكن تجاوز كل قضية صلبة اذا ما وجدت دينامية أو ديناميات قادرة أن تصنع الفعل الجماعي، وتحمل الكل على الاقتناع بان مواجهة قضاياه ومشاكله " الوجودية " الجديدة يكون عن طريق التعاون والتكامل الجماعي ومتعدد الأطراف بين الجانبين، وليس الوضع القائم حاليا ببعديها الداخلي والخارجي، ولا يمكن تغليب المختلف المستجد على الثابت المستدام، وإن حدث ، فينبغي أن يستدرك عاجلا ، وهو ما ندعو إليه الآن، وندعو النخب الفكرية والسياسية والأكاديمية إلى تبنيه لما فيه صالح الكل، وهذه الدعوة تشكل الوعي المستعجل لكلا الجانبين بحكم طبيعة الحقبة الكونية الجديدة التي تعيد تشكيل العالم من حيث قواها الفاعلة ومصالحها .
: المعادلات البرغماتية للنقلة الراديكالية الخليجية المغاربية.
وهي كالاتي:
- وقف التوتر السياسي بقضية الصحراء، وجعل قضايا المصالح الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية لها الأولوية الكبرى.
- استدراك الخليج لإهماله الاستراتيجي بقارة أفريقيا يتم عن طريق الدول المغاربية.
- دور مؤثر للخليج في مستقبل الاستقرار السياسي والاقتصادي المغاربي مقابل التماهي المغاربي مع القضايا الخليجية السياسية.
- ترجمة بعض المصالح والهموم المشتركة الى روابط استراتيجية عميقة بين الجانبين لدواعي الاستدامة.
ويقف الخليج في مركز قيادة هذه النقلة الاستراتيجية وعاجلا ، فعامل الزمن هنا الحدث الذي أما يستغل كل الفرص المتاحة الآن أو تفوت كلها، وعندما تفوت، من المؤكد أن هناك فاعلين سيستغلونها، كما استغلتها ايران الإهمال الخليجي مثلا وتغلغلت داخل افريقيا تحديدا منذ عام 2005م، عندما وصل الرئيس الإيراني احمد نجاد للحكم، وهنا يستوجب التحذير من الإهمال المعاصر ، فالحقبة الزمنية الراهنة تؤسس مستقبل النظام العالمي الجديد بمراكزه الإقليمية والدولية، وحجم تأثير الدول فيها سيكون مرتبطا بقوتها التقليدية والتقنية المتقدمة وجيوسياسيتها الداخلية وعابرة الحدود وقوة تماسك جبهتها الداخلية .
ولن تبدأ الدول الخليجية نقلتها من العدم، وانما من واقع موات للانتقال اذا ما توفرت الإرادة السياسية الجماعية، وهذا الواقع رصدناه من خلال حجم الاستثمارات الخليجية داخل القارة الافريقية، فالاستثمارات الخليجية فيها تخطت حاجز 100مليار دولار في السنوات العشر الأخيرة مما تشكل تقريبا 30 % من اجمالي استثماراتها الأجنبية المباشرة في الخارج ،لكن لا يوجد لها انعكاسات سياسية واسعة لصالح قضاياها، ومنها يتولد العتاب السياسي الخليجي على الاشقاء المغاربة، لذلك لابد أن تربط الاستثمارات الخليجية الجديدة ببعدين احدهما سياسي، والأخر برغماتي، خاصة وأن هناك تفكيرا خليجيا بضخ المزيد من الاستثمارات في القارة الافريقية، فلماذا لا تكون بوابتها الدول المغاربية ؟
فالموقع الجغرافي للمغرب العربي استراتيجيا بوحداته الخمس، وهو كتلة جغرافية متناسقة من حيث القرب الجغرافي والبنية الجيولوجية والطبوغرافية ، وله وحدة بشرية متناغمة ومشتركة في مقومات اشرنا اليها سابقا ، ويطل على أثنين من أهم الطرق الرئيسية في الملاحة الدولية وهما البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق ، كما تشكل الجزء الشمالي من القارة الافريقية، ومن هذا الجزء يمكن أن تتدخل الى شرق وغرب القارة الافريقية بأكملها، وهو بذلك يعد ملتقى ونقطة لقاء بين ثلاث قارات آسيا أفريقيا وأوروبا، حيث يرتكز في النصف الشمالي من الكرة الأرضية يتفاعل كثيرا مع القارة الأوروبية، ويتواصل مع القارة الأمريكية التي يفصلها عنها المحيط الأطلسي رغم بعد المسافة وهو نقطة ارتكاز مهمة نحو العمق الإفريقي.
وهذا يعنى لدول الخليج العربية أنه من خلال شراكتها الجديدة مع الدول المغاربية يمكن من خلالها الوصول إلى القارة الإفريقية خاصة والعالم عامة، وكذلك تغيير ميزان القوى داخل القارة، مثلا، علاقات الجزائر المركبة مع جنوب افريقيا، وعلاقة هذه الأخيرة بإيران من خلال شراكة دبلوماسية وتعاون دفاعي، وفي الوقت نفسه، تمثل الجزائر ركيزة علاقات إيران مع شمال افريقيا، وتحاول طهران عن طريق الجزائر ملء الفراغ الذي تتركه فرنسا والقوى الغربية عامة في منطقة الساحل الافريقي. الخ فعن طريق الجزائر يمكن للخليج أن يبعثر هذه الأوراق، وكل الظروف مهيأة الآن لذلك.
فطهران حتى الآن لا تمتلك نفوذا استراتيجيا في افريقيا باستثناء التشيع الذي يتم عن طريق وكلائها، وقد فشلت في جمع " 40 " قادة افريقيا في قمة استضافتها في 27-29 ابريل أبريل 2024م، فلم يحضر منهم سوى رئيس زيمبابوي بينما مثلهم مستويات اقل.
وطبيعة الراديكالية هنا تستوجب الانتقال نحو تحقيق اندماج تجاري واقتصادي واستثماري خليجي مغاربي لبلورة مفهوم المصير المشترك، وتحسين التنافسية لكلا الطرفين لاقتحام أسواق جديدة، فعن طريق المغرب العربي يمكن للخليج أن يصل الى أكثر من مليار أفريقي، وعن طريق خيار الاستثمارات الخليجية الجديدة يمكن تغير موازين العلاقات الخليجية المغاربية–الخليجية الافريقية، ومن تصحيح الإهمال الخليجي بأفريقيا، وهي ينبغي أن تسير في مسارين أحدهما تقليدي والأخر جديد.
التقليدي، نقصد به تعزيز اتجاه الاستثمارات الخليجية نحو الشراكة في صناعة الموارد مثل النفط والغاز والتعدين والزراعة والبنية التحتية الرقمية ومشاريع التصنيع والخدمات اللوجستية والمالية.
والمعاصر المراد به تأسيس شراكة استثمارية في الصناعات العسكرية، كالاستثمار في تطوير تقنيات الطائرات المسيرة والفضاء. التي تشهد تنافسا إقليميا وعالميا، حيث تخصص الجزائر والمغرب مناطق ضخمة لكل أنواع الصناعات العسكرية الدفاعية، وكذلك الاستثمار الخليجي في المشاريع التي تحدث الاندماجات القوية بين الاقتصاديات الخليجية والمغاربية، وتربط الابعاد الاجتماعية بها ، بحيث يكون من بين أهم انعكاساتها توفير فرص عمل للشباب، وتقليل نسبة الفقر وتحقيق الاجندات المغاربية الخليجية في القارة الافريقية شمالها وشرقها وغربية، و لن تتمكن الجزائر أو المغرب من تحقيقها لوحدهما، وهنا تظهر دول الخليجية العربية الممكن الجاهز بسبب فوائضه المالية المخصصة للادخار .
سنضرب مثلا بمبادرة الرباط مع دول الساحل / النيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا / فهي مبادرة استراتيجية بعيدة المدى، هدفها إحداث التحول الاقتصادي لدول هذه المنطقة التي تعد حلقة وصل ما بين شمال وجنوب القارة الافريقية، ويضم هذا التكتل أكثر من " 85 " مليون نسمة، لكن تحقيقها ليس سهلا ، فهي تحتاج إلى تمويل مالي ضخم جدا لإقامة بنية تحتية، كميناء يمكن دول الساحل الافريقي من الدخول الى المحيط الأطلسي لتسويق منتجاتها والتحكم في ثرواتها، وربطها بشمال وجنوب القارة الافريقية مما سيكون له من تأثير في خلط الأوراق الاستراتيجية في القارة الافريقية كلها، وهو مجمد بعد انسحاب بعض الدول منه، ومثال أخر وهو تمويل القطار المغاربي المقرر أن يربط في مرحلته الاولي تونس والجزائر والمغرب، وفي مرحلته الثانية سيشمل ليبيا وموريتانيا، وتبلغ تكلفته أربعة مليار دولار ، وقد كان التمويل من أسباب تأخره قبل أن تتطور الخلافات المغربية الجزائرية، ويمكن الان أن يقود القطار حقبة تدشين الراديكالية الخليجية المغاربية بتمويل خليجي .
ثالثا: الرهانات على الرياض لتحقيق المصير الخليجي / المغاربي المشترك.
نتجه إلى المملكة السعودية كونها تمثل الثقل العربي المركزي، وكونها منفتحة الآن مع الدول المغاربية وبالذات المغرب والجزائر، ولها خبرات تراكمية في تسوية نزاعتها، فهي وراء جعل الرباط والجزائر قاطرتين للاتحاد المغاربي 1989م، والآن يعول عليها العمل على تفعيل اتحاد المغرب العربي، وذلك من منطلقات تحييد قضية الصحراء من مرحلة تأسيس العلاقات الجديدة، وجعل حدود البلدين في منأى عن الشكوك والريبة.
والملاحظ أنه ورغم التوترات السياسية بين الجزائر والمغرب، إلا أن الحركة الاقتصادية والتجارية بين الدول وتعاظم المنافع الجماعية لدول اتحاد المغرب العربي تغلب التفاؤل على التشاؤم، وتدفع إلى تفعيل الاتحاد عاجلا ، ففي الأعوام الأخيرة شهدت العلاقات التجارية بين نواكشوط والجزائر تحسنا كبيرا، أرتفع مؤشر التبادل التجاري بين البلدين من 50 مليون دولار عام 2021م،الى 187 مليون دولار في النصف الأول من عام 2023م، وتم مؤخرا تدشين الطريق الرابط بين تندوف الجزائرية وازوي رات الموريتانية بهدف انسيابية النشاط الاقتصادي، اما موريتانيا والمغرب فقد ارتفع حجم المبادلات التجارية بينهما عام 2022م، بنسبة 58% وصلت إلى 300 مليون دولار ، كما ترتبط تونس والجزائر بشراكات اقتصادية متنوعة تشمل مجالات الطاقة والكهرباء والمشاريع التجارية الأخرى.
ويرى مراقبون أن هذه النشاطات اذا ما تم استغلالها في اطار مغاربي - أي جماعي - فإنها ستسهم في انتعاش اقتصاد الدول المغاربية ، وتقلل من نسبة البطالة في صفوف الشباب وتخلق الكثير من الفرص الاقتصادية ، وحسب تقرير لصندوق النقد الدولي فإنه في حالة الاندماج الاقتصادي بين دول المغرب العربي سيتم القضاء على 20% من معدل البطالة من السنة الأولى، وفي سنواته السبع سيكون اتحاد المغرب العربي جاذبا لليد العاملة، كما يرى الصندوق أنه يمكن لاتحاد المغرب العربي بأن يكون ضمن قائمة الدول العشرين الأقوى اقتصاديا في العالم، فكيف بنتائج المصير المشرك الخليجي المغاربي ؟
وهكذا نرى أن الحقبة الزمنية الراهنة تحتم تفكيرا خليجيا / مغاربيا جديدا، يرتفع فوق الخلافات التي قد تشعل حربا جديدة بين الرباط والجزائر، ولو وقعت – لا قدر الله – فثتكرس تخلف هذه المنطقة عن مواكبة استحقاقين من الوزن الوجودي هما، القصور عن تحقيق التنمية الاقتصادية لاستيعاب التحديات الاجتماعية والأمنية الضاغطة على كل دولة، وعدم مواكبة صناعة العالم الجديد، فلن يكون لهما وزنا أو تأثيرا فيه، وبالتالي التفكير في سابقة جديدة من الخطوط الحمراء للجانبين. الخ.
وكل من يقف وراء الدفع بالمنطقة للحرب هو يسعى الى تعطيل تقدمهما العلمي / التقني المتقدم الذي قطعا فيه اشواطا مهمة بسبب ما يمتلكانه من كوادر واطر تقنية وبنية تحتية، ويسعى كذلك الى استدامة مشاكلهما الاجتماعية والاقتصادية كالبطالة والفقر. في حقبة تتأسس على حروب الجيل الرابع الذي سيعتمد على الحروب السيبيرانية والإعلامية والشائعات والتقنية المتقدمة الحربية والمدنية، وسيستخدم فيها الذكاء الاصطناعي، ولو بحثنا في أسباب انهيار الجيشين العراقي واليمني فسنجد من بين الأسباب الرئيسية شائعات طائفية في الأول، وقبلية في الثاني، وقد ساهمت بشكل كبير في تفكيكهما، وتستهدف حروب الجيل الرابع مناعة المجتمعات كمقدمة لشل قدراتها العسكرية.