أثار صعود أحزاب اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت في يونيو الماضي، قلقًا في الأوساط السياسية الأوروبية والعالمية بسبب ما أسفرت من زيادة الأصوات المؤيدة لحزب اليمين، بينما تراجعت الأصوات الداعمة للأحزاب الحاكمة، وذلك بما يطرحه اليمين المتطرف من أيديولوجيات معادية للأجانب والتأكيد على النزعة القومية العنصرية والعداء للمسلمين، وهذه الأفكار هي القاسم المشترك بين الأحزاب اليمينية الأوروبية.
إن ظاهرة اليمين المتطرف ليست جديدة بل كانت قبل الحرب العالمية الثانية وكانت من أسبابها مثل الفاشية والنازية والعداء للسامية ولكن تغير الاهتمام بتغير الظروف، وخاصة مع تدفق الهجرة لأوروبا في العقدين الأخيرين، أثار قلق أحزاب اليمين المتطرف، بينما بعد الحرب العالمية الثانية كانت الدول الأوروبية تشجع هجرة العمالة الأجنبية لأنها بحاجة إليها في تعمير ما دمرته الحرب ونقص العمالة الأوروبية بسبب الملايين الذين قتلوا فيها؟ فمع تغير الظروف والأحوال تغيرت السياسة، علمًا بأن معظم الدول الأوروبية مجتمعات تميل الى الشيخوخة في الوقت الحاضر، إن العمالة الأجنبية شابة وبها كفاءات عالية حتى أن الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك قال في جولة له بإفريقيا إن فرنسا بحاجة للكفاءات العلمية الإفريقية الهندسة والطب وغيرها من العلوم وهي دعوة لاستنزاف العقول الإفريقية لصالح فرنسا وعلى حساب التنمية الإفريقية.
صراع الأحزاب السياسية وصعود اليمين المتطرف
إن الأحزاب السياسية عماد الديمقراطية في الدول الأوروبية، وتتنافس فيما بينها للوصول إلى السلطة، وهي تتصارع لكسب الرأي العام للفوز في الانتخابات، ولذلك كانت مشكلة اللاجئين الأجانب إحدى القضايا المهمة في صراع الأحزاب السياسية بعد فشل الحكومات الأوروبية في معالجتها، ولذلك يقول المحامي الألماني أولريش باتيس المختص باليمين المتطرف إن" التوجه الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي في التعامل مع قضية اللاجئين كارثة"، فالحكومات الأوروبية فشلت في معالجة الهجرة وتجاهلت مخاوف مواطنيها وعدم الاستجابة لها.
ومن دراسة الواقع الأوروبي فرغم أن الهجرة عامل رئيس في الفكر السياسي لليمين المتطرف، فحسب استطلاع للراي العام لمركز بيو للدراسات (Pew) لعام 2023م، فإن نسبة كبيرة من الأوروبيين يعتقدون أن الهجرة تشكل تهديدًا لهويتهم الوطنية.
ولكن هناك أيضًا عوامل أخرى تغذي الفكر العنصري ولعبت في زيادة شعبية اليمين المتطرف، كتآكل الثقة في النخبة السياسية الحاكمة والتيارات الليبرالية والاجتماعية، فقد أشارت استطلاعات الرأي الألمانية أن 22% فقط من الألمان راضون عن الحكومة الحالية.
ويعتبر تنامي الشعور القومي عاملًا مهمًا في أفكار اليمين المتطرف والذي يهدد وحدة الاتحاد الأوروبي، فاليمين المتطرف في بريطانيا كان وراء الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي فقد أسس نايجل فراج حزب بريكست وحقق انسحاب بريطانيا وتغير اسمه لاحقاً ليعرف باسم "حزب الإصلاح البريطاني" ، كما قال المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي أن سبب حروب أوروبا في القرن التاسع عشر هو انتشار القومية فيها، وهي نزعة عنصرية أدت للحربين العالمية الأولى والثانية، كما أن انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تغذيها قوى داخلية وخارجية جعلتها شعار اليمين المتطرف على اعتبار الإسلاموفوبيا تهدد الحضارة الغربية بالإضافة إلى العولمة وما تبعها من الأزمات الاقتصادية والثقافية والقلق من الهيمنة الأمريكية وزيادة انتشار البطالة في بعض الدول الأوروبية، وترى أن المهاجر ينافس المواطن الأوروبي على فرص العمل والقلق من عمليات الإرهاب التي في واقع الأمر تقف خلفها الاستخبارات العالمية لأهداف سياسية وتنسبها للأجانب.
اليمين المتطرف والسياسة الأوروبية
رغم فوز أحزاب اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، وزيادة عدد مقاعدها، فهناك من الخبراء من يرى أنه لن يكون لها تأثيرها المباشر في السياسة الأوروبية، وخاصة الخارجية، ولكن لها تأثير غير مباشر، وقد تكون هناك مبالغة في دورها، لأن الذي يحكم الدول مصالحها، وهناك انقسامات داخل دول الاتحاد الأوروبي، وحتى تهديد بعض الدول بالخروج من الاتحاد، على غرار بريطانيا، وبعضها قلق من الهيمنة الألمانية على الاتحاد الأوروبي، وكما تقول سارة دي لانغ، الباحثة في شؤون الحركات الشعبوية في أوروبا وأستاذة العلوم السياسية في أمستردام "إن اليمين المتطرف "ليس في حالة وحدة، بل يعاني من انقسامات"، وتشير مارتا لوريمر، خبيرة الشؤون الأوروبية بـ "كلية لندن للاقتصاد" في لندن "إن "اليمين المتطرف يسعى إلى تعزيز وجوده في أوقات الأزمات إذ يمكن لأحزاب اليمين إيجاد طريقة لجعل الأمر يصب في صالح اساسياتها".، وحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز فإن " نتائج البرلمان الأوروبي تعد، في نهاية المطاف، بمثابة مؤشر لتوجه السياسة الوطنية في بعض العواصم الأوروبية الأكثر أهمية "، فاختلاف المصالح القومية في ظل التعصب القومي تدفع لاختلاف سياسة الدول داخل الاتحاد، فمجموعة الديمقراطية والهوية (ID) التي تتشكل من مجموعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة، بما في ذلك التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان وحزب الحرية النمساوي وفلامس بيلانغ البلجيكي ومنها حزب البديل الألماني قبل طرده منها، هذه المجموعة لها موقف تقليدي مؤيدا لروسيا وتفضل المجموعة مغادرة الاتحاد الأوروبي، وتبقى الانقسامات الداخلية تحد من تأثيرها فحزب البديل من أجل ألمانيا وحزب الحرية النمساوي من أنصار الرئيس الروسي بوتين بينما حزب الإخوة في إيطاليا والقانون والعدالة البولندي تقف معارضة لروسيا سواء لقناعة أو لأسباب برجماتية، ولكن رغم الانقسام بين هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة، فإن لها رؤية مشتركة من تبني القومية العرقية والعداء للمهاجرين ولا سيما المسلمين منهم والتشكيك ببعض المنظمات مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وحتى حلف الناتو.
اليمين المتطرف الأوروبي وإسرائيل
كان موقف البرلمان الأوروبي موحداً في إدانة هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر على المستوطنات المجاورة لغزة، حيث أجمعت كافة الكتل البرلمانية من مختلف التيارات السياسية على إدانة العملية، ولكن بعد عدة أسابيع من الحرب التي شنتها إسرائيل بدأت حالة من الجدل داخل الاتحاد الأوروبي، بسبب الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ووقفوا دقيقة حداد على الضحايا، وكان لخروج المظاهرات في الشوارع الأوروبية تأثير على موقف أعضاء البرلمان الأوروبي، ولكن الأحزاب اليمينية المتطرفة مؤيدة لإسرائيل بشكل واضح وصريح ، فهي تعتبر إسرائيل بؤرة الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط،، وتدعم بشكل مطلق حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن توغلها في غزة، ولكن بعض أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية انحرفت بالفعل على مدار السنوات الماضية صوب المزيد من الأعمال التي تندرج تحت فئة معاداة السامية، وهذا مقلق لإسرائيل نفسها.
كان حزب البديل من أجل ألمانيا واضحًا في تأييد إسرائيل في حربها على غزة، ودعا لوقف الدعم المقدم للفلسطينيين والتبرعات الألمانية لوكالة الغوث ( الأونروا) ولكن هذ المقترحات باءت بالفشل، وشن حزب البديل حملة تحريض على الإسلاموفوبيا، ورغم ذلك هناك تحول في الرأي العام الألماني تجاه حقوق الفلسطينيين، فحسب استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً 48% من الشعب الألماني ليس عندهم ثقة في الإعلام الألماني في نقل حقيقة ما يجري في غزة، وأن 31% منهم يعتقد أن الإعلام متحيزًا لإسرائيل في تغطيته للحرب على غزة والإبادة الجماعية، لأن وسائل التواصل الاجتماعي أخذت تغطي الأحداث بموضوعية أكثر وتبين عدم مصداقية الإعلام الغربي.
كما أن فرنسا لها صراع طويل مع معركة الحجاب والمسلمين من التيار المتطرف الفرنسي، ورغم فوز اليمين المتطرف في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية فإن تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري حقق فوزًا تجاوز اليمين المتطرف مما أدى إلى ارتياح الجاليات العربية والمسلمة في فرنسا، خاصة أن التيار اليساري الفرنسي أعلن اعتزامه الاعتراف بدولة فلسطينية، ولا يختلف موقف الأحزاب اليمينية في الدنمارك وإيطاليا والصرب فكلها مؤيدة لإسرائيل.
ولكن هناك في أوروبا من يرد على مزاعم اليمين المتطرف وتضليله، فتقول جولي باسكويت، المسؤولة في الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية، إن هذه المزاعم عارية عن الصحة وتحمل في طياتها تمييزًا، وأنّ "الحجج التي تزعم أن المسلمين والمهاجرين يمثلون مشكلة في أوروبا لا أساس لها من الصحة على الإطلاق. فهم يهاجرون إلى أوروبا لأسباب مختلفة تمامًا. إنهم يعيشون في أوروبا ويقدمون مساهمات داخل المجتمعات والدوائر الاقتصادية في أوروبا." وترى باسكويت " أن اليمين المتطرف يستغل التوترات الأخيرة في أوروبا باعتبارها "فرصة للترويج لزعمه أن المسلمين أو الأشخاص من أصل عربي هم أصل المشكلة".
نتنياهو: مصلحة مشتركة وحرب حضارية
رحبت إسرائيل بفوز اليمين المتطرف الأوروبي وصرح نتنياهو في أثناء زيارته إلى باريس في يونيو الماضي حول حرب إسرائيل على غزة قائلا " انتصارنا هو انتصاركم! إنه انتصار الحضارة اليهودية المسيحية على البربرية. إنه انتصار فرنسا! إذا انتصرنا نحن هنا، فأنتم تنتصرون هناك" فهو اعتبرها حربًا حضارية يذكرنا بأطروحة صموئيل هانتينغتون " صدام الحضارات" وهذا يعني ضمنيًا حربًا دينية، بل أصبح أدولف هتلر قدوة لإسرائيل في حرب الإبادة، فقد استشهد به موشيه فيغلين، عضو الكنيسيت السابق عن حزب ليكود، عندما قال الأسبوع الماضي على شاشة تلفزيونية "كما قال هتلر، لا يمكنني العيش إذا بقي يهودي واحد حيًا؛ فلا يمكننا العيش هنا إذا بقي إسلامي نازي واحد في غزة ".
والواقع أن هناك مصلحة مشتركة كما يراها اليمين المتطرف وإسرائيل، فإسرائيل لديها نية صريحة لإجبار أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الخروج من الأراضي التي تحتلها الضفة الغربية وغزة، والمتطرفون اليمينيون في أوروبا يريدون طرد أكبر عدد ممكن من المسلمين من القارة العجوز. لأن الجيل الجديد من السياسيين الأوروبيين واضحون فيما يفكرون فيه؛ فهم يعتقدون أن "الحضارة الغربية" مهددة من قِبَل الإسلام، وأن "سكان أوروبا الأصليين" مهددون من قبل المهاجرين، وهم يؤيدون نظرية صدام الحضارات ونظرية الاستبدال الكبرى، ويؤيدون إسرائيل بشكل قوي في تصريحاتهم، إن لم يكن بأفعالهم.
وكما قال ديفيد هيرست، إن إسرائيل لا يهمها ملايين اليهود الذين وقعوا ضحايا للفاشية في أوروبا، ولا يهم أن المعادين للسامية الحقيقيين هم حلفاؤهم اليوم؛ كل ما يهم هو أنهم وجدوا قضية مشتركة ضد عدو مشترك. وبالنسبة لليمين المتطرف الفاشي الأوروبي؛ أصبحت إسرائيل نموذجًا يُحتذى به في كيفية التعامل مع الأقلية المسلمة المتمردة، ويؤكد هيرست "بالنسبة لإسرائيل؛ هناك مخاطر واضحة في اتباع هذا المسار، لأنها ليست في أرض يمثل فيها المسلمون أقلية، بل إن اليهود أقلية حتى في إسرائيل نفسها هناك 7.3 مليون في فلسطين بين غزة والضفة والداخل الخط الأخضر، علاوة على ذلك؛ فإن "الدولة اليهودية" ليست على هامش العالم الإسلامي، بل إنها تقع مباشرة في مركزه؟ وإذا حاولت إسرائيل القيام بعملية تطهير عرقي كبرى في الضفة الغربية فقد تثير دول أخرى مجاورة قد تدفع لحرب إقليمية.
العلاقات العربية الأوروبية: المصالح تفرض نفسها
إن العلاقات الدولية تبنى على المصالح بين الدول، ويعتبر عام 1973م، عامًا فاصلاً في العلاقات الأوروبية / العربية بسبب فرض سلاح البترول في حرب أكتوبر 1973م، حيث أخذت أوروبا سبيلاً مختلفاً عن الولايات المتحدة في سياستها اتجاه العالم العربي لمصالحها الاقتصادية وعلاقاتها التاريخية والجوار الاستراتيجي، ومن هنا بذأ الحوار الأوروبي –العربي بشكل جماعي بعد أن كانت علاقات ثنائية بين الدول، كانت المجموعة الأوروبية منحازة إلى إسرائيل، إلا أن فرنسا الديجولية اتخذت موقفًا تجاه حرب 1967م، وأدان الرئيس ديجول الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وفي عام 1970م، أصدرت المجموعة وثيقة شومان في اجتماع وزراء الخارجية لدول المجموعة وطالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، وقادت الجامعة العربية الحوار العربي / الأوروبي وتطور الحوار إلى الحوار المتوسطي بين شمال البحر المتوسط وجنوبه والمهم التبادل التجاري والنفط والغاز الطبيعي القادم من الدول العربية، ونلاحظ من الأرقام الاهتمام الأوروبي حاليًا بتطوير العلاقات التجارية في ظل تنافس الصين والولايات المتحدة على منطقة العالم العربي، فقد تم في مايو 2024م، افتتاح أول غرفة تجارة للاتحاد الأوروبي ECCKS) ) بمدينة الرياض لتعزيز العلاقات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، فقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين السعودية والاتحاد الأوروبي عام 2022م، حوالي 80 مليار دولار ، وفي مجال الاستثمار هناك 1300 شركة أوروبية تستثمر في السعودية، وأخذنا أيضًا مثال الجزائر فحجم التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي عام 2023م، بلغ 46.5 مليار دولار ، وبعد حرب أوكرانيا وروسيا، ازداد الاهتمام الأوروبي بالغاز الطبيعي الجزائري، كما أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الشريك الاقتصادي الأول للمملكة المغربية حيث 60% من التجارة الخارجية لها مع الاتحاد الأوروبي، وقس على ذلك معظم الدول العربية في علاقاتها مع أوروبا، ولذلك مهما كانت الحكومات الأوروبية ودور اليمين المتطرف في حكوماتها لا تستطيع تجاهل مصالحها في المنطقة العربية وهي مصالح حيوية لا يمكن أن تتجاهلها؟
وإذا كانت أوروبا تتجه لليمين المتطرف فإن الدول العربية تسهم بشكل كبير في حوار الأديان والثقافات، فهناك مركز الملك عبد الله للحوار بين الأديان والثقافات ويضم مجلس إدارته قيادات دينية من مختلف الأديان وصل عددها إلى 60 قائد من خلفيات دينية متعددة، ويهدف هذا الحوار إلى تسوية النزاعات وتعزيز قيم الاحترام المتبادل، ولكن رغم ذلك فإن اليمين المتطرف الإسرائيلي واليمن المتطرف الأوروبي يحمل كل منهما عداءً تاريخيًا للمسلمين ويقود حملة الإبادة الجماعية في فلسطين ويسعى الأوروبي لطرد المسلمين رافعًا شعار الإسلاموفوبيا، ولكن تحرك الشعوب الأوروبية وخارج أوروبا ضد هذه الإبادة سيحجم هذا اليمين المتطرف ويعتبر نهاية لليمين المتطرف في إسرائيل الذي يسعى لحرب إقليمية في الشرق الأوسط ويهدف لتوريط إدارة بايدن في مستنقع الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، ومنذ أنشئت عام 1948م، والمنطقة في حروب متكررة بسبب المشروع الصهيوني وبدعم من الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، ورغم أن الدول العربية تمد يدها للسلام والأمن إلا أنها تتعرض للعدوان الإسرائيلي وبدعم الدول الغربية وهذا ما يهدد الأمن الدولي والتحول في النظام الدولي.
نظام دولي متعدد الأقطاب يحقق التوازن الدولي
إن اليمين المتطرف في أوروبا يعتبر القومية والعنصرية فلسفته التي يتبناها ويلتقي مع اليمين المتطرف الأمريكي كما تبناها ترامب وسيادة الرجل الأبيض وكذلك اليمين المتطرف الفاشي في إسرائيل الذي يتبنى الدولة اليهودية والإبادة الجماعية، وفي ظل هذه الفلسفة فإن دول العالم ترفض هيمنة نظام دولي يقوم على العنصرية والشعور بالتفوق العرقي وهذا واضح بشكل جلي من سياسة وتصريحات اليمين المتطرف، ولذلك تتجه بعض الدول الكبرى لمواجهة هذا التطرف الأيديولوجي العنصري، فدول مثل روسيا والصين ومجموعة بريكس التي توسعت في عضويتها، هذه تدعو لنظام متعدد الأقطاب بعيدًا عن الهيمنة الغربية ولمواجهة عنصرية اليمين المتطرف، وضد الهيمنة الغربية عامة، ولذلك نجد مستشار الرئيس الروسي الكسندر دوغين يدعو صراحة لمواجهة النظام العالمي التي تهيمن علية الرأسمالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة، فهو في كتابه الذي صدر مؤخرًا " نظرية عالم متعدد الأقطاب "، أكد أن مجال روسيا الاتحادية هي أوراسيا وتربطها بشبه تحالف مع الدول الإسلامية، وهذا يفسر موقف روسيا من الإسلام على عكس اليمين المتطرف، فتقبيل بوتين للقرآن الكريم في افتتاح مسجد عيسى بالشيشان، هي رسالة سياسية للعالم الإسلامي ومد يد التعاون لبعض الدول الإسلامية الرئيسة مثل باكستان وإيران وتركيا والسعودية ومصر وتحرك مجموعة فاغنر الروسية في منطقة الساحل في غرب إفريقيا وإخراج فرنسا من مناطق نفوذها التاريخي في مالي والنيجر وبوكينا فاسو، تعكس التحرك الروسي في مواجهة الناتو الذي يدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.
ونرى أيضًا التحرك الصيني في المنطقة العربية، فالوساطة الصينية بين السعودية وإيران، محاولة لإزالة الخلافات السياسية، لأن الاستقرار والتعاون يخدم المصالح الصينية في الشرق الأوسط من حيث التبادل التجاري والاستثمارات وتدفق الطاقة للصين كما توسطت الصين بين التنظيمات الفلسطينية حركتي فتح وحماس والمجموعات الأخرى في يوليو الماضي، وهذه السياسة تقلق الولايات المتحدة واليمين المتطرف في الغرب، كما أن مجموعة بريكس وتوسعتها أيضًا كلها تصب لإيجاد نظام عالمي يتجه للتعدد وللحد من هيمنة الدولار الأمريكي بالدعوة لطرح سلة عملات بديلة في التبادل التجاري عن الدولار الأمريكي، وهذا يذكرنا بنظرية صدام الحضارات التي طرحها هانتينغتون عندما قال إن الخطر الذي يواجه الغرب هو التحالف بين الحضارة الإسلامية والصينية وركز على الخطر من الحضارة الإسلامية التي تاريخيًا في صدام مع الغرب منذ الحروب الصليبية وحتى استعمار الغرب للبلاد العربية والإسلامية وتقسيمها وإقامة إسرائيل في قلبها، لتبقى في حالة عدم استقرار وعدم تماسك وتستنزف خيرات هذه البلاد، ولذلك كل سياسة الغرب العنصرية تدفع لتشكيل محور متعدد الأقطاب السياسية والاقتصادية والاستراتيجية وهذا يفسر التقارب الصيني والروسي وتشكيل بريكس وتعاون إيران وتركيا كما أن إندونيسيا وعلى لسان رئيسها أعلن أنه لا عداوة لإندونيسيا مع الصين، وهذه الدول مع الانفتاح على الدول العربية.
الموقف العربي في ظل تعددية الأقطاب الدولية
إن العالم العربي وعمقه الاستراتيجي العالم الإسلامي، يملك المصادر المتعددة اقتصاديًا واستراتيجيًا تعزز موقفه السياسي ودوره العالمي إذا توفرت الإرادة السياسية، لموقف عربي موحد لتحقيق المصالح العربية، إن نقطة الضعف العربي الانقسام داخل النظام الإقليمي العربي والاختلاف بين النخب السياسية الحاكمة، فالغرب يفضل التعامل المنفرد مع الدول العربية ولا يريدها تكتلًا واحدًا في مواقفها السياسة، كان الموقف العربي في أزمة السويس 1956م، موحدًا وأيضًا في قمة الخرطوم بعد هزيمة 1967م، باتخاذ قرار اللآت الثلاثة بالإجماع، ولكن القوى الغربية سعت لتفكيك هذا الإجماع وكان الموقف العربي في حرب 1973م، قويًا وفرض دوره باستعمال سلاح البترول ودفع المجموعة الأوروبية للحوار العربي الأوروبي .
إن العالم العربي يحتاج للتكامل الاقتصادي العربي والاستثمار في التعليم والبحث العلمي فالجامعات العربية ما زالت بعيدة عن مواكبة الجامعات العالمية في ترتيبها وأبحاثها رغم وجود الكفاءات العربية التي يستقطبها الغرب للاستفادة منها على حساب التنمية العربية، ولا بد من تشجيع الحوار الثقافي والمصالحة بين الأنظمة العربية ومعارضتها، بدل أن تستغلها الدول الأجنبية لإضعافها من خلال الصراعات الداخلية، وفوق ذلك تحتاج الدول العربية إلى إعادة تعزيز النظام الإقليمي العربي ولبناء تحالفات استراتيجية مع الدول التي تلتقي مصالحها معها لتحقيق التوازن الدولي والإقليمي خاصة أن هناك تعاطفًا شعبيًا على مستوى دول العالم مع القضية الفلسطينية قضية العرب الاستراتيجية، وكشف سياسة الإبادة الجماعية في غزة وإدانة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لقادة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، وإذا توفرت الإرادة الجماعية فالعالم العربي والإسلامي قوة عالمية لها دورها الحضاري والاقتصادي والاستراتيجي تستطيع تحجيم دور اليمين المتطرف الأوروبي والأمريكي وتحالفه مع الفاشية الصهيونية، فلم يعد الغرب يهيمن على النظام العربي وهذا أكد عليه الدبلوماسي البريطاني سمير بيوري في كتابة الذي صدر مؤخرًا " Westlessness: The Great Global Rebalancing "، دعوة صريحة أن عهد الهيمنة الغربية انتهى فهل يستفيد العالم العربي من هذا التحول فهناك ملياري مسلم ويحتل العالم العربي والإسلامي موقعًا استراتيجيًا في قلب العالم، وأشار إلى ذلك عالم السياسة الأمريكي نيبور قبل نصف قرن عندما كتب يقول " من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على أوروبا " ونتذكر أن الدولة العثمانية سيطرت على ثلث القارة الأوروبية وحاصرت فينا مرتين الثانية 1683م، وحصرها كدولة إسلامية فالجيش لم يكن تركيًا فقط، بل كان جنودها من مختلف الأجناس من رعايا الدولة من الترك والعرب والأكراد وغيرهم من الأجناس الأخرى ما زالت في ذاكرة ساسة القارة الأوروبية وخاصة اليمين المتطرف؟