array(1) { [0]=> object(stdClass)#13549 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 202

تنويع اقتصادات دول الخليج ينبغي أن تكون بعيدًا عن صندوق النقد لاختلافها عن مبادئ توافق واشنطن

الإثنين، 30 أيلول/سبتمبر 2024

يرتكز النظام الرأسمالي على عدد من المبادئ الثابتة، اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا، أهمها الحرية الفردية، وأن الأفراد يتمتعون بالحرية التي تستند على سلوك عقلاني رشيد يبحث عن المنفعة والتصرف برشد، في إطار السوق الذي يقوم عماده على مشتريين وبائعين، أي مستهلكين ومنتجين، تلتقي مصالحهم بالتفاعل والمنافسة الحرة، متى لم تتدخل قوى خارجية حتى لو كانت من المجتمع أو الحكومة.

وعلى مدى تاريخ الرأسمالية والاقتصادات الرأسمالية شهد النظام منذ سبعينات القرن الثامن عشر حتى اليوم عددًا من التحولات نتيجة ما تعرضت له الرأسمالية من أزمات على مدى تاريخها الطويل، اقتضت مراجعات فكرية وعملية شملت تباينًا في النظريات واختلافًا في السياسات التطبيقية، تعلقت بمدى تدخل الحكومة في الأسواق، ومدى الحرية الفردية والمسؤولية الاجتماعية لكل من الحكومة والأفراد والمنشآت الخاصة، مما خلق مدى من التباين بين اليمين المحافظ على المبادئ الرئيسة للنظام الرأسمالي، وبين اليسار الليبرالي الذي يفسح المجال لدور  أكبر للحكومة في تنظيم الحياة الاقتصادية والرعاية الاجتماعية.

وتمثل أزمة الكساد العظيم في الثلاثيات نقطة تحول من الفكر الرأسمالي الأرثودوكسي (الفكر اليميني المحافظ) الذي يحرم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي على نطاق واسع، أو محاولة التأثير على قوى السوق، وما يفرزه من نمط لتوزيع الدخل والثروة، الأمر الذي اقتضته الضرورة، من خلال الفكر الكينزي الذي قامت عله ما عرف بالعهد الجديد حيث توسعت الحكومة في الانفاق العام، وأدخلت نظم التأمينات الاجتماعية لحماية الفقراء والبطالة والمحرومين، ووفرت الحكومات نظما للرعاية الصحية وغيرها من أوجه النفقات الاجتماعية.

ومع مجيء الثورة الصناعية الثالثة مطلع سبعينات القرن العشرين، ومعها ثورة الانترنت والاتصالات، ومشاركة الكثير من دول العالم الثالث ثمار الثورة، وبروز فكرة العولمة، وانفتاح الشمال المتقدم على الجنوب الصاعد، وتحرير انتقال الأفراد ورؤوس الأموال وبروز الشركات عابرة للحدود، صار العالم قرية واحدة، الأمر الذي اعتبره اليمين خروجًا على العقيدة التي تدور حول الدولة القومية، وأن العولمة تشكل تهديدًا لأسس النظام الرأسمالي والافتراضات الأساسية لنموذج السوق من وجهة نظر اليمين المتطرف.

وفي مرحلة لاحقة، أواخر السبعينيات  ومطلع الثمانينات، ومع الاستقرار الاقتصادي، قادت تاتشر في بريطانيا (1979م) وريجان في الولايات المتحدة (1981م)، النظام الرأسمالي باتجاه اليمين مرة أخرى من خلال عمليات الخصخصة وتخفيض الضرائب، ومزيد من التحرير للقطاع الخاص، فيما عرف النيوليبرالية، من منطلق الاهتمام بالأداء الفعال لرأسمالية السوق الحرة تركز على الحد من الإنفاق الحكومي والتنظيم الحكومي والملكية العامة، وفي الآونة الأخيرة، ارتبطت الليبرالية الجديدة بسياسات التقشف ومحاولات خفض الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية.

 ويمكن القول إن جوهر التباين بين اليمين واليسار في إطار الرأسمالية وحرية الأسواق والملكية الفردية، يقتصر على نطاق تدخل الحكومة في تنظيم النشاط الاقتصادي، وفي بعض السياسات التي تستهدف علاج الاختلالات الاقتصادية، أو تحقيق أهداف اجتماعية. ولا تذهب النيوليبرالية بعيدًا عن هذه المبادئ بل كان ظهورها دعوة لمزيد من التحرر وتقليص دور الحومات في التنظيم والرقابة، حيث لا تزال تدعو إلى دعم مبادئ السوق الحرة ولكنها تؤكد على الحاجة إلى تقليل اللوائح الحكومية والقيود المفروضة على السوق بقوة أكبر، كما تسعى إلى المزيد من تحرير الأسواق من خلال تشجيع الخصخصة، وإلغاء القيود التنظيمية، والتدفقات الحرة لرأس المال.

وعلاوة على ذلك، فإن الليبراليين الجدد لا يعارضون في كثير من الأحيان تدابير مثل إنقاذ الصناعات الكبرى، والتي تعتبر من الأمور المستبعدة في نظر الليبراليين الأصليين، والمحرمة عند اليمين المتطرف، وخلال العقدين الماضيين، كانت العولمة النيوليبرالية هي النهج المهيمن، بمعنى أنها أصبحت نظامًا عالميًا، بل إن أغلب الاحتجاجات ضد العولمة تتعلق بالعولمة النيوليبرالية، وهذه هي المشكلة الفعلية، وليس العولمة في حد ذاتها، ويرجع ذلك لاقتراب أفكارها من اليمين المحافظ، دون أن تتبنى الأفكار المتطرفة لليمين المتطرف بشأن التعاون مع العالم الخارجي، وحرية التجارة العالمية، واستمرار دعم منظمة التجارة العالمية وباقي منظمات بريتون وودز.

أصل اليمين المتطرف

يمثل اليمين المتطرف توجهًا تَشَكَل على مدى عقود حيث نشأ كأيديولوجية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مع ظهور الدولة القومية في أوروبا والثورة الصناعية الأولى، وكانت قاعدتها الاجتماعية تتألف من البرجوازية التي سعت إلى الحفاظ على امتيازاتها الاجتماعية والمادية والثروة، وكان المحافظون في ذلك العصر يعتقدون أن عدم المساواة يشكل عنصرًا جوهريًا في أي مجتمع وظيفي، حيث يمثل العائد حافزًا على العمل، كما أن تسلسل الهرم الاجتماعي، والفئة التي ينتمي إليها الأفراد منذ ولادتهم، تضمن تقدم النظام، ومن ثم فإن أي تدخل من جانب الحكومة في الأسواق يخل باعتبارات الكفاءة وقد يضر بحرية الأسواق والمنافسة، كما أن أي برامج للحماية الاجتماعية تخل باعتبارات المساواة تكافؤ الفرص.

وتمثل مبادئ اليمين المحافظ أحد طرفي أسس النظام الرأسمالي في مراحله الأولى، القائمة على حرية الأفراد، وآليات السوق، ودور محدود للحكومة لا تؤثر من خلاله على تخصيص الموارد، ولا توزيع الدخل والثروة، من منطلق ما يعرف باليد الخفية، التي توجه كلاً من المستهلكين والمنتجين لتحقيق مصالحهم المشتركة، وتطبيق مبدأ دعه يعمل دعه يمر، قاصدين أن تبتعد الحكومة عن مزاحمة الأفراد أو التأثير على سلوكهم وقراراتهم.

 

لكن الفكر اليميني المحافظ بطبعه لا يقبل الآخر، ولا يؤمن بالحلول الوسط، وتميل الحركات اليمينية المتطرفة إلى التركيز على العِرق والفرد أكثر من التركيز على الاقتصاد والجماعة، ولم تقبل بسهولة فكرة تعرض النظام الرأسمالي ذاته لأزمات أو قيامه على مثالب لا سبيل لعلاجها ذاتيًا، ولابد من التسامح والمرونة في بعض المبادئ مثل التخلي الحكومي لمعالجة هذه الأزمات أو تلافي ما يعتري النظام من مثالب.

ومن هنا يعتبرون  برامج الضمان الاجتماعي ودعم الفقراء تدخلًا في آليات السوق،  وأن المساواة أمر غير مرغوب فيه، الأمر الذي يتجاهل ما تحدثه الأزمات الاقتصادية التي يتعرض لها النظام الرأسمالي بشكل دوري من اختلالات في الناتج وفرص التشغيل وتوزيع الدخول، كما أبانت مؤخرًا الأزمة المالية في عام 2008م، حيث تعرض الناس الذين يعيشون على أجورهم من أجل تلبية احتياجاتهم لمصاعب مالية كبيرة، وبالتالي فإن الاستسلام لمبادئ اليمين المتطرف، يخلق شعورًا بالظلم لدى من فقدوا القدرة الشرائية وعانوا من تراجع الخدمات الاجتماعية ، ويعتقدون أن التكنولوجيا والعولمة غيرتا حياتهم إلى الأسوأ، وسيفقدون الثقة في الحكومة التي لا تقدم الحلول.

مفهوم اليمين المتطرف

يشير مفهوم اليمين المتطرف من الناحية الاجتماعية إلى معاملة الناس بشكل مختلف على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو وجهات النظر، وفي هذا السياق، فإن اليمين المتطرف يخصص مجموعة من القوانين لفئة معينة وقوانين أخرى أكثر تقييدًا لفئات أخرى.

وتجلى هذا الفكر المتطرف خلال جائحة كوفيد 19، ولوح ممثلو هذه الأفكار بعَلم الحرية، زاعمين أن الأمر متروك للفرد لتحديد درجة تعرضه للفيروس، وأن لا أحد يستطيع إجباره على التطعيم، وأن المسنين والمرضى يمكن التضحية بهم، وسادت الدعوة لعدم الإغلاق وإبقاء الاقتصاد مفتوحًا، وأن موت الأضعف نتيجة طبيعية وشر أقل مقارنة بالضرر الواسع النطاق الناجم عن الإغلاق وإمراض الاقتصاد. لقد اعتنق اليمين المتطرف نظرية دارون في البقاء للأقوى، التي تعاقب الضعفاء وتم قبول التفوق الأخلاقي لمن يتقدمون على من يتخلفون عن الركب، وظهر ما يسميه عالم الاجتماع فلهلم هايتماير البرجوازية المتوحشة.

وعليه يمكن القول إن اليمين المتطرف هو حركة أيديولوجية قائمة على القومية المتطرفة، متلهفة لحماية أشخاص محددين في منطقة معينة، حدثت في العديد من السياقات الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية المختلفة وتتكون من قوى سياسية متنوعة، ومن وجهة نظر عرقية وإقليمية وثقافية متباينة، توفر هذه النزعة القومية مبررًا لكراهية الأجانب ومعاداة السامية وتطوير دولة بوليسية قوية لحماية مستقبل شعوبها.

ولم تكن هناك قط حكومة يمينية متطرفة تمارس سياسة اقتصادية مرنة وغير متشددة، ومن هنا فإن الفكر الاقتصادي اليميني المتطرف يعتمد على الأسواق الحرة بشكل مطلق وهو ما قد يؤدي إلى ممارسات غير تنافسية واحتكارات تضر بالاقتصاد الوطني، ناهيك عن الموقف المعارض لدولة الرفاه الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، بصورها المختلفة، والتي أصبحت ضرورة ليس فقط اجتماعية بل واقتصادية أيضًا؛ أولًا باعتبارها تعالج  بعضًا من مثالب اقتصاد السوق؛ وما يترتب على تعرضه للدورة التجارية والعلاقة التبادلية بين الركود مع البطالة، والتضخم مع ارتفاع مستويات التشغيل، وما يسفر عن ذلك من تعرض فئات كثيرة لأخطار البطالة، وانقطاع الدخل، مما يتطلب نظمًا للحماية الاجتماعية وتقرير تعويضات عن البطالة، أو تدخلات من السلطات النقدية لكبح جماح التضخم.

تداعيات بروز اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي

تتباين الاتجاهات حول التداعيات والسيناريوهات المستقبلية لعودة المحافظين المتشددين إلى البرلمان الأوروبي، ويتمثل أول هذه التداعيات وأخطرها في مخاوف تفكك الاتحاد الأوروبي أو المطالبة بإعادة هيكلة الاتحاد، أو إلغاء عملة اليورو، خصوصًا وقد شهدت القارة ما لم يكن في الحسبان وسمح لإحدى دول الاتحاد الكبرى بالخروج في واقعة البريكسيت، وخروج بريطانيا، انطلاقًا من الدعوات القومية التي تؤمن بها تلك الأحزاب.

 ومن التداعيات الهامة التي يجب التحسب لها مهما كانت محدودية الأثر تراجع سلطة الاتحاد الأوروبي وعرقلة عمله، والإخلال بعملية توازن القوى داخل البرلمان وزعزعة وحدة الصف، والحد من الخيارات وصعوبة أخذ مواقف موحدة أو وضع سياسات اقتصادية متناسقة.

رغم أن البرلمان الأوروبي ليس على قمة مؤسسات اتخاذ القرار الكبرى في الاتحاد الأوروبي مثل المفوضية والمجلس، إلا أن رسم السياسات والتوجهات واتخاذ القوانين من مسؤوليات البرلمان الأوروبي، وبالتالي فإن ما أسفرت عنه الانتخابات الأخيرة ستنعكس على اتجاه السيات الاقتصادية على مدى السنوات الخمس القادمة رغم التقليل من ثقل اليمين المتطرف في البرلمان نتيجة الانقسامات وصعوبة التصويت ككتلة واحدة، وصعوبة تحويل نجاحاتها في الانتخابات إلى نفوذ في اتخاذ القرارات أو صنع السياسات.

كذلك من التداعيات الأكثر احتمالا تزايد الأصوات التي تطالب بوقف تدفق اللاجئين نهائيًا، واتساع المواقف العدائية تجاه الأقليات خاصة المسلمة، وهي أمور لها أبعاد اقتصادية مؤثرة على الاستقرار الاقتصادي وعلى عملية التشغيل وقوة العمل، وإغلاق فرص العمل والاندماج أمام اللاجئين.

ورغم أن اليمين على مستوى الاتحاد الأوروبي ليس لديه رؤية محددة ومتكاملة للسياسات الاقتصادية إلا إنه يمكن رصد عدد من المجالات المرتبطة بالبعد الاقتصادي، يتعين مراقبتها:

أولها: الاقتصاد الأخضر والذي يتلخص في التعامل مع هدف صافي الكربون الصفري كوسيلة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر  والإبداع التكنولوجي، وكذلك تعزيز الصناعات المحلية، والتي جذبت انتباه فئات أخرى غير الشباب الغاضبين بشأن مستقبل كوكب الأرض، حيث ظهر على الساحة فئة المزارعين الغاضبين بشأن القواعد التنظيمية للزراعة الخضراء، والاعتماد على المزيد من الطاقة المتجددة، خاصة المفاضلة بين جعل تصاريح الانبعاثات أكثر تكلفة أو الإجراءات التنظيمية لإرغام المستهلكين والمنتجين على التحول من الأنشطة الأكثر انبعاثًا  للكربون إلى الأنشطة الأقل .

 البعد الثاني: يتعلق بالعولمة وبصفة خاصة حرية التجارة العالمية، حيث من المعروف أن أحزاب اليمين المتطرف لا تنتمي في كثير من الأحيان إلى أنصار التجارة الحرة، وكان ذلك واضحًا في الحرب التجارية التي فجرها ترامب مع الصين أغسطس عام 2019م، وخرج فيها عن القواعد الدولية التي هي من صنع الغرب والأمريكان في الأصل، وتم وضعها لتحقيق مصالح الرأسمالية الغربية، والصناعات المتقدمة والشركات عابرة القوميات وحرية انتقال رؤوس الأموال الغربية.

وتعد الإجراءات الأمريكية بفرض الرسوم على الواردات الصينية في ذلك الوقت، خرقًا واضحًا لمنظومة الاقتصاد العالمي، وخروجًا عن مبادئ منظمة التجارة العالمية، التي كانت واشنطن أحد أكبر داعمي تأسيسها في عام 1991 م، بعد اتفاقية الجات 1947م، ضمن نظام بريتون وودز الذي قادته الولايات المتحدة والغرب بنهاية الحرب العالمية الثانية وتشكيل نظام اقتصادي عالمي جديد مرتكزًا على مبادئ الحرية والانفتاح والعولمة.

التأثير على الاتحاد الأوروبي

تأتي هذه التطورات في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا من آثار عودة الحرب إلى شرقها ومن انعكاسات جائحة "كوفيد -١٩" بالرغم من خطة الإنعاش الاقتصادي التي تم العمل بها والتي بلغت قيمتها ٧٥٠ مليار يورو، وتفاقم الوضع الاقتصادي مع إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي؛ والدعم المالي والإنساني والعسكري لأوكرانيا.

مما لا شك أن صعود اليمين المتطرف في معظم دول القارة، سيضع تجربة التکامل الأوروبي، في مأزق، وهي مهددة بالمشاكل، مع توقع تزايد دعوات التفکك والانعزال ومناهضة أفکار التکامل والتضامن الاجتماعي بين الشعوب، ورفضه للعولمة في کافة صورها أو مواجهة التحديات الإقليمية العالمية المشترکة، والدعوة إلى فرض إجراءات حمائية لتقييد حرية التجارة، ومحاربة سياسات الهجرة؛ حيث تشكل هذه الدعوات عبئًا اقتصاديًا على الدول، كما أن هذه السياسات تهدد الهوية الوطنية؛ وهكذا يستغل اليمين المتطرف المخاوف الاقتصادية والاجتماعية كأدوات رئيسة تدعم ازدهار أفكاره.

رغم أن صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا آخذ في الارتفاع منذ سنوات، إلا أن هذا الاتجاه اكتسب زخمًا خلال الأزمة المالية العالمية 2008-2009م، والتي شهدت قيام العديد من الحكومات الأوروبية بفرض تدابير تقشفية أثرت سلبًا على الثقة في الأحزاب السياسية الرئيسية، مما خلق أرضية خصبة للأحزاب الشعبوية اليمينية التي تحمل أيديولوجيات متشددة، ثم أدت أزمة الهجرة في الفترة 2014-2016م،إلى تسريع هذا الاتجاه، حيث اعتبر العديد من الأوروبيين تدفق اللاجئين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط تهديدًا للهوية الوطنية وسط تغيرات ديموغرافية سريعة في أوروبا، وارتفاع تكاليف المعيشة مما أدى إلى تزايد الضغوط نحو فرض مزيد من القيود على الهجرة، بما يتماشى مع سياسات هذه الأحزاب الرامية إلى الحد من الهجرة غير الشرعية وطلبات اللجوء.

وفي ضوء هذه التطورات تتزايد المخاوف من معارضة مشاريع توسيع الاتحاد الأوروبي، مما قد يحول دون دخول دول جديدة، خاصة من أوروبا الشرقية، مثل أوكرانيا.

كذلك فإن تقدم أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية يمكن أن يؤدي إلى مضاعفة تأثير الأصوات المعارضة من اليمين في شأن موضوعات معينة، مثل قضايا المناخ والبيئة التي تعد قضايا عالمية، تنتفي فيها صفة القومية، وتعزيز قوة الجماعات السياسية الأكثر راديكالية والأكثر عدائية للمشروع الأوروبي، في وقت تبدو فيه الحاجة ماسة إلى بلورة دور أكبر للاتحاد الأوروبي في مواجهة القطبين الكبيرين: الولايات المتحدة والصين، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.

انعكاسات بروز اليمين المتطرف على منطقة الخليج

رغم تصاعد اليمين المتطرف في الغرب وعلى الجانب الاقتصادي لا تزال دول الخليج تشكل قوة دافعة  في مجال إنتاج وتصدير الطاقة بحيث يصعب تجاهلها، خاصة مع صمود ترتيبات منظمة أوبك +، لكن التوجه الاستثماري للفوائض المالية قد تحتاج مراجعة، وقد يكون من المناسب أن تعيد صناديق الثروة السيادية في الخليج النظر في استثمار أصولها أو إعادة استثمار العوائد، إذا ما قررت بلدان مجموعة الدول السبع الاستيلاء على الأصول الأجنبية الروسية وليس تجميدها فحسب، فالاستقطاب السياسي وارد في ظل هذه التطورات، والاستعداد لفوز محتمل لترامب، وتصاعد نفوذ اليمين الإسرائيلي المتطرف.

وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن دول مجلس التعاون قد انفتحت شرقًا نحو الصين، ووفقًا لبيانات الجمارك الصينية، تضاعف حجم التجارة بينها وبين الشرق الأوسط تقريبا بين عامي 2017 و2022م، من 262.5 مليار دولار إلى 507.2 مليار دولار. وبحلول عام 2023م، كانت الصين الشريك الرئيسي في مجال الاستيراد والتصدير بالنسبة لمعظم بلدان المنطقة، وحلت محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي في العام 2020م.

كذل من المفترض أن تدفع هذه التطورات دول المجلس للمضي قدمًا في زيادة أشكال التبادل الثنائية والمتعددة الأطراف مع الشركاء من خارج أوروبا، سواء مع بعضها البعض أو مع شركاء من الصين والهند وغيرها من بلدان الجنوب في آسيا وإفريقيا على مستوى العالم، وهناك دلالات أخرى تشير إلى هذا الاتجاه في الأعوام الأخيرة، وهي أن بلدان المنطقة تسعى بنشاط إلى الحصول على عضوية المؤسسات التي تقودها آسيا مثل البنك الآسيوي لتطوير البنية الأساسية، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة البريكس+.

 

وصفة الصندوق للتحول الاقتصادي في دول المجلس

 

يعتبر صندوق النقد الدولي موطن الفكر اليميني المحافظ، فهو شريك مع البنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية في صياغة ما يعرف بمبادئ توافق واشنطن، تلك المبادئ التي تمثل في مجملها وصفة الصندوق لكل برامج الإصلاح الاقتصادي التي يقدمها لكل دول العالم التي تطلب المساعدة المالية أو المشورة الفنية دونا تعديل.

 

لقد نصح صندوق النقد الدولي دول مجلس التعاون بتنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط، وأن السبيل إلى تحقيق ذلك يتلخص في تبني المبادئ العشرة لتوافق واشنطن، والتي تدعو إلى التحرير وإزالة القيود التنظيمية والخصخصة، وإلغاء برامج الدعم. ومجمل تلك الوصفة أن التنويع لا يمكن أن يتم من دون إعطاء القطاع الخاص وضع القيادة مع مشاركة الشركات المتعددة الجنسيات من خلال الاستثمار المباشر الأجنبي.

 

ورغم وجود إجماع على ضرورة تنويع اقتصادات دول مجلس التعاون بعيدًا عن النفط، إلا أن هناك أكثر من سبيل لتحقيق هذا التنويع والشكل الذي ينبغي أن يتخذه بعيدًا عن وصفة الصندوق لأسباب عديدة، ذلك أن ما يقترحه الصندوق من سياسات تستهدف في جوهرها تحقيق الاستقرار المالي وتحرير الأسعار، الأمر الذي لا تعاني منه دول مجلس التعاون بشكل مزمن، فضلًا عن أنها ملتزمة بآليات السوق وتحرير الأسعار، دون أي ضمانات للتحول من الاستقرار للنمو.

 كذلك فإن مشاكل اقتصادات الخليج تختلف جذريًا عن مشاكل دول أمريكا الجنوبية التي جاءت مبادئ توافق واشنطن من أجلها، فضلًا عما لحق بها من تعديلات وما أسفرت عنه من نتائج هزيلة، والأهم من كل ذلك هو اختلاف منطلقات النظم الاقتصادية في دول مجلس التعاون عن منطلقات وصفة الصندوق التي تنحاز لدور محدود للحكومة، وتخفيض المصروفات التحويلية ودعم الفقراء، وهي توجهات لا تتفق مع الدور المحوري الذي تقوم به الحكومات في دول المجلس في النشاط الاقتصادي وتدعيم القطاع الخاص وتوفير برامج الرعاية الاجتماعية ودعم الفقراء.

لذلك فإن السبيل أمام إحداث تنمية اقتصادية في دول مجلس التعاون تغير من البنيان الاقتصادي وتنوع مصادر الدخل، يتمثل في إقامة اقتصاد المعرفة، من خلال الاهتمام بالإنفاق على التعليم والبحث العلمي والابتكار في الجامعات والمراكز البحثية، لزيادة المدخلات المعرفية وتطبيق الابتكارات وتطوير التقنيات وتوفير عمالة عالية المعرفية مرتفعة الإنتاجية والمهارات الفنية، فضلًا عن عملية التحول الرقمي التي يجب أن تشمل كافة قطاعات النشاط الاقتصادي الإنتاجي للسلع والخدمات.

وتُقدم الدول الاسكندنافية نموذجًا لدول الرفاه الاجتماعي من خلال نظم الضمان الاجتماعي ورعاية الفقراء، وغيرها من النفقات الاجتماعية، كما توفر تجارب الدول الصاعدة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة نماذج عملية يمكن الاستفادة من تجاربها بدروس مفيدة، تساعد في تحقيق أنماط ناجحة من التنمية الاقتصادية.

مقالات لنفس الكاتب