array(1) { [0]=> object(stdClass)#13603 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 202

التركيبة الجديدة للبرلمان الأوروبي تلعب دورًا محوريًا في توجيه السياسة الخارجية تجاه الخليج

الإثنين، 30 أيلول/سبتمبر 2024

      يعرف المشهد السياسي للاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة تحولات جوهرية، لعل أبرزها بروز اليمين المتطرف كقوة سياسية فاعلة، خاصة في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2024م، والتي أسفرت عن تحقيق تلك الأحزاب لمكاسب لا يستهان بها، مما أثار تساؤلات ملحة ومهمة حول انعكاسات هذا الصعود على توجهات الاتحاد الأوروبي، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وخاصة ما يتعلق بالقضايا المحورية في الشرق الأوسط.

      وترجع دوافع صعود اليمين المتطرف إلى عوامل متعددة، أبرزها الأزمات الاقتصادية، ومخاوف تآكل الهوية الوطنية في ظل العولمة والتعددية الثقافية، فضلًا عن موجات الهجرة التي ساهمت في تأجيج مشاعر القلق لدى شرائح اجتماعية واسعة. وتشترك هذه الأحزاب في تبني خطاب يميني متطرف يركز على قضايا الهوية والسيادة الوطنية، وينتقد بشدة سياسات الهجرة والتكامل الأوروبي. وتثير هذه التحولات السياسية مخاوف حقيقية بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي، وقدرته على الحفاظ على القيم التي قام عليها، خاصة في ظل تنامي الخطاب الشعبوي وتصاعد النزعات القومية، كما تطرح تساؤلات هامة حول تأثير صعود اليمين المتطرف على سياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية، وتحديداً تجاه منطقة الشرق الأوسط.

أولًا، صعود اليمين المتطرف: ما الذي تغير بعد انتخابات البرلمان الأوروبي سنة 2024؟

        من المهم الإشارة إلى أن مصطلح "اليمين المتطرف" يشير إلى مجموعة من الأحزاب والحركات السياسية التي تتبنى مواقف قومية متشددة، وتعادي العولمة والتعددية الثقافية، وتؤكد على أهمية الهوية الوطنية والسيادة الشعبية. ويعود صعود اليمين المتطرف في أوروبا إلى العديد من العوامل لعل أهمها الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008م، التي أدت إلى تفاقم مشاعر عدم الرضا والغضب الشعبي في العديد من الدول الأوروبية. كما أدت موجات الهجرة المتزايدة اتجاه أوروبا إلى تنامي مشاعر القلق والخوف لدى بعض قطاعات من المجتمع الأوروبي، وهو الوضع الذي استغله اليمين المتطرف للترويج لخطاب معاد للمهاجرين.

        لتأتي الانتخابات البرلمانية الأوروبية بين 6 و9 يونيو 2024م، والتي صوّت فيها ما يقرب من 400 مليون شخص لانتخاب 720 عضواً في البرلمان، والذي يعد الهيئة التشريعية، ويعمل مع المجلس الأوروبي لتمرير القوانين بناءً على مقترحات المفوضية الأوروبية، كما يوافق على الميزانية أو يرفضها، ليؤكد حقيقة صعود أحزاب اليمين المتطرف بشكل مستمر، خاصة أن النتائج أسفرت عن فوز أحزاب المحافظين الأوروبيين – حزب "الشعب الأوروبي" (EPP) - في هذه الانتخابات بـ 189 مقعد، بينما تمكن "الاشتراكيين والديمقراطيين" (S&D)، واليسار إلى حد كبير، من الحفاظ على مواقعهم بــــــ135  مقعدًا و39 مقعدًا على التوالي. في حين تمثلت الأحزاب الخاسرة في الخضر والليبراليين (تجديد أوروبا)، الذين فقدوا أكثر من 40 مقعداً في البرلمان، بينما حققت الكتل الشعبوية اليمينية – "المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون"(ECR)-واليمينية المتطرفة–"الهوية والديمقراطية"(ID) -مكاسب كبيرة بين 76 و58 مقعدًا على التوالي بزيادة 7 و9 مقاعد عن الانتخابات الماضية.

شكل يبين نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي لسنة 2024

         تبين النتائج الواردة في الشكل أعلاه توزيع المقاعد الـ 720 حسب الأحزاب الفائزة، ولكن إذا ما جئنا إلى دراستها حسب الدول يمكن تفصيلها كالتالي، في النمسا مثلًا تصدر "حزب الحرية" اليميني المتطرف النتائج بنسبة 25.4%، متفوقاً على "حزب الشعب النمساوي"، أما في إيطاليا فقد حصل حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف على 28.76%، مما سيسمح بتعزيز نفوذ رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني في البرلمان الأوروبي بشكل جيد. وعلى الرغم من فوز "الاتحاد المدني" بقيادة فيكتور أوربان في المجر، إلا أنه حقق أسوأ نتائجه منذ عقود بنسبة 44.9% وهو ما يعتبر تراجعًا كبيرًا له. من جانب آخر تقدم اليمين المحافظ مع "الحزب الشعبي" في إسبانيا الذي حصل على 34% من الأصوات، بينما حقق "فوكس" اليميني المتطرف مكاسب جيدة هو الآخر، والأمر لا يختلف كثيرًا في بولندا مثلًا، أين تفوق "الائتلاف المدني" الوسطي بفارق ضئيل على حزب "القانون والعدالة" القومي الشعبوي، بينما حصل حزب "من أجل الحرية" اليميني المتطرف في هولندا على 17.7% من الأصوات. أما في الحالة الألمانية فقد تصدر "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" القائمة، بينما حل "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف ثانياً بنسبة 15.9%. وفي فرنسا تصدر "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بنسبة 31.37%، مما أدى إلى إعلان الرئيس ماكرون عن حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.

        هل ستؤدي هذه النتائج إلى تغيير جذري في تركيبة البرلمان الأوروبي؟ الجواب بالنفي، ولكنها ستدفعه نحو مزيد من التوجه اليميني، مما سينعكس على السياسات الداخلية والخارجية للاتحاد الأوروبي. ستتركز الصراعات البرلمانية بين الائتلاف الوسطي، الذي يتألف من حزب الشعب الديمقراطي، الاشتراكيين الديمقراطيين، وتجديد أوروبا، وبين اليمين المتطرف المتمثل في المحافظين ومجموعة الهوية. في ظل هذا الاستقطاب، من المتوقع أن تتمحور النقاشات حول الخلافات القائمة بشأن سياسات الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس المقبلة. سيشكل الائتلاف الوسطي الأغلبية الحاكمة، فيما سيظل اليمين المتطرف في موقع المعارضة المعطلة. من المحتمل أن تبقى القوى الأخرى، مثل اليسار البيئي، أقصى اليسار، والمستقلين، على هامش السلطة، لكنها ستلعب دورًا حاسمًا في ترجيح الكفة لأحد الأطراف. ورغم صعود اليمين المتطرف واتفاقه المبدئي على قضايا الهوية والهجرة والسيادة، إلا أنه لا يزال يعاني من نقص في التجانس بين مكوناته.

ثانيًا، تداعيات ومخاطر صعود أحزاب اليمين المتطرف على أجندة الاتحاد الأوروبي

        يمكن أن يُشكل صعود اليمين المتطرف تهديدًا لمستقبل الاتحاد الأوروبي، حيث تعارض أحزاب اليمين المتطرف مبدأ التكامل الأوروبي، وتدعو إلى إعادة صلاحيات الدول الأعضاء على حساب المؤسسات الأوروبية، كما تؤكد على أهمية السيادة الوطنية، والتشديد على مسألة الحد من التعاون الدولي، مما قد يؤدي إلى انعزال الدول الأوروبية عن بعضها البعض.

       إن معارضة الهجرة، وبالتالي سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي، هي القضية الوحيدة التي توحد كل أحزاب اليمين المتطرف، لهذا يذهب البعض، مثل حزب الاستثمار الديمقراطي، والحزب الجمهوري، وحزب البديل من أجل ألمانيا، إلى حد التحذير من "الاستبدال العرقي". وتمارس هذه الأحزاب اهتمامها بشكل خاص بشأن المهاجرين المسلمين، حيث تبنى "حزب الحرية"، على سبيل المثال، كراهية الإسلام كأيديولوجية أساسية له. كما تعارض بعض الأحزاب الهجرة الأوروبية ومعاداة اللاجئين الأوكرانيين، وهنا تعد المخاوف بشأن التكاليف الاقتصادية لطالبي اللجوء وتأثيرات الهجرة على القانون والنظام وسوق العمل أحد أهم الانشغالات المطروحة التي تحظى بالاهتمام المشترك.

        كما تسعى الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى تقييد حرية التعبير والتجمع السلمي، حيث تهدد هذه الأحزاب استقلال القضاء وحرية الإعلام، وتسعى إلى تقويض دور المؤسسات الأوروبية وتعزيز سيادة الدول الأعضاء وتروج في نفس السياق للقومية الضيقة وتعارض التكامل الأوروبي. كما أنها تسعى إلى تقليص دور الاتحاد الأوروبي على المسرح العالمي، وتعارض كذلك سياسة الهجرة الأوروبية وتُطالب بفرض قيود صارمة على دخول المهاجرين، وتُطالب بإعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية. ولا يتوقف الأمر عند هذه التحولات، بل تمتد إلى أكثر من ذلك، حيث تروج أحزاب اليمين المتطرف للحمائية التجارية وتعارض حرية التجارة، وتسعى إلى فرض قيود على الاستثمار الأجنبي. كما أنها تدعم سياسة المناخ الأوروبية وتُطالب بإلغاء أو تخفيف تدابير مكافحة تغير المناخ، وتروج لسياسات خارجية عدوانية مطالبة في نفس السياق بزيادة الإنفاق العسكري وتقليص التعاون الأمني الأوروبي.

ثالثًا، هل من تغييرات ستمس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بعد صعود اليمين المتطرف؟

        إن عملية التدقيق في توجهات الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا تظهر أنهم يمتلكون تأثيراً هاما في السياسة الخارجية من خلال الإعلام، ولكن تأثيرهم الملموس على صنع القرار يظل ضئيلًا. إن الدراسات الحالية تظهر أن الأحزاب اليمينية نادراً ما تكون قادرة على صنع قرارات السياسية الخارجية، ولا تظهر اهتمامًا كبيرًا بها، لهذا بدلًا من ذلك، يتفوق اليمين المتطرف في استخدام الخطاب الانتقادي في الداخل، ولكن في الجانب الآخر يتوافق مع سياسات البرلمان الأوربي. ومع ذلك، فإن نفس الأحزاب تتمتع بالقدرة على تأطير النقاشات بمنظور استقطابي وأمني، حيث تركز بشكل خاص على قضية الهجرة، ومن خلال القيام بذلك، فإن أحزاب اليمين المتطرف تؤثر على الأحزاب الديمقراطية الليبرالية، التي تتخذ مواقف كانت في السابق تشكل صلب اهتمامات الأحزاب اليمينية.

      إن الديناميكيات التي يؤثر اليمين المتطرف من خلالها على السياسة الخارجية يمكن أن تكون غير مباشرة، من خلال الضغط على الجهات الفاعلة الرئيسية، أو مباشرة، من خلال منع بناء الإجماع، أو التحالف مع القوى الخارجية، أو مقاومة تطوير بنية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أو إساءة استخدام المواقف المؤسسية. وتشمل العواقب المترتبة على هذه التكتيكات عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على الاتفاق على سياسات معينة، وخفض مستوى محتوى هذه السياسات، وتآكل الثقة بين الجهات الفاعلة في نظام السياسة الخارجية، إلى جانب التوجه أكثر نحو إضعاف تأثير الاتحاد الأوروبي ومصداقيته على المستوى الدولي.

      وبعيداً عن القوى الخارجية التي تسعى للتأثير على مواقف الاتحاد الأوروبي، ينحرف اليمين المتطرف في بعض الأحيان عن سياسة الاتحاد الأوروبي ويتحالف مع الجهات الفاعلة غير الحكومية ذات التفكير المماثل والتي تعمل خارج الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، فيما يتعلق بحقوق المرأة والمثليين، يتقارب اليمين المتطرف الأوروبي مع المنظمات العالمية مثل الكنائس الإنجيلية. صحيح أنه في كثير من الأحيان، يكون التوافق مع القوى الخارجية أمرًا خطابيًا ولا يتم تنفيذه عمليًا، ومع ذلك، فهو يضر كثيرًا بتماسك الاتحاد الأوروبي، لأن الشكوك في أن ولاءات بعض الشركاء تميل أكثر لتلك القوى الخارجية والتي تعمل على تقويض الثقة داخل كتلة الاتحاد. وعلى وجه الخصوص، يؤدي التوافق مع القوى الخارجية إلى تآكل الثقة بين الجهات الفاعلة في السياسة الخارجية العاملة في نظام الاتحاد الأوروبي من خلال التأثير على تعزيز التعاون الجماعي، والأكيد أن ممارسات مماثلة ستعيق استعداد السياسيين وصانعي القرار لتبادل المعلومات الاستخباراتية والسرية، مما يجعل العمل على بعض القضايا مثل تعزيز الأمن الاقتصادي وإنفاذ العقوبات أمرًا صعبًا للغاية.

رابعًا، اليمين المتطرف والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي: الثابت والمتغير

     لعل من بين أهم المجالات التي يواجه فيها الاتحاد الأوروبي اتهامات عالمية بالكيل بمكيالين والإضرار بسمعته "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة"، والتي انقسمت مواقف الاتحاد بشأنها، ولكن من المهم التأكيد على أن أسباب هذه الانقسامات أعمق من صعود اليمين المتطرف، لكن هذه الأحزاب تشترك في موقف واضح مؤيد لإسرائيل. وتنظر أحزاب اليمين المتطرف إلى إسرائيل باعتبارها دولة على خط المواجهة ضد الإرهاب، وهو الرأي الذي يتماشى مع سياساتها الداخلية ضد الهجرة والتعددية الثقافية. ومن المفارقة أن المشاعر المعادية للسامية تتعايش مع الموقف المؤيد لإسرائيل، والواقع أن تبني مثل هذا الموقف ساعد بعض الأحزاب على الابتعاد عن جذورها المعادية للسامية، وهنا كان الانجراف الأخير للسياسة الإسرائيلية نحو اليمين، وكانت الاتصالات بين الأحزاب ذات التوجهات المتشابهة في إسرائيل وأوروبا، سببًا في تعزيز المواقف المؤيدة لإسرائيل التي تتبناها أحزاب اليمين المتطرف.

      في ظل المتغيرات الحالية، من المرجح أننا لن نشهد تغييرًا نوعيًا أو جذريًا في السياسات الخارجية الأوروبية تجاه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكننا سنرى تحولًا في الأولويات الأوروبية في هذا السياق، حيث سيعود ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بقوة إلى الأجندة الخارجية للاتحاد، مرتبطًا بشكل وثيق مع ملف إيران النووي وسياستها الإقليمية. ومع ذلك، قد يؤدي التوجه اليميني الأقوى للبرلمان الجديد إلى تأثيرات واضحة على العلاقات بين أوروبا وتركيا، وكذلك على الروابط الأوروبية مع دول المغرب العربي، نظرًا لمواقف اليمين وأقصى اليمين بشأن الهجرة.

        كما أنه يوجد شبه توافق بين يمين الوسط الحاكم وأقصى اليمين المعارض في البرلمان الأوروبي حول موقفهما من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث يدعو الطرفان إلى حل الدولتين ويعارضان استمرار وجود حركة حماس. كما يقترح الاشتراكيون الديمقراطيون -أحد مكونات الائتلاف -، عقد "مؤتمر سلام دولي" للتوصل إلى حل الدولتين العادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما يدعم الطرفان الاتفاقيات الإبراهيمية ويشجعان المزيد من الدول على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فيما يدعو أقصى اليمين مؤسسات الاتحاد إلى إدراج قيادة حماس بالكامل على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب.

         من المتوقع كذلك أن يحافظ الأوروبيون في المدى القريب على نهج داعم للسلطة الفلسطينية مع ممارسة ضغوط على قيادة السلطة لإجراء إصلاحات والدعوة إلى انتخابات تسفر عن قيادة جديدة، وضغوط على الجانب الإسرائيلي لمواجهة الاستيطان في الضفة الغربية. ومن المتوقع أن تتوسع العقوبات المفروضة على الأفراد والكيانات الفلسطينية الإسلامية أو المرتبطة بعلاقات تمويل وتسليح مع إيران، وفي الوقت نفسه يتوقع أن تضغط الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية مؤخرًا لمناقشة اعتراف الاتحاد بالدولة الفلسطينية مع التشبث بدور الاتحاد المانح للسلطة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

خامسًا، هل من تحول في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه منطقة الخليج العربي؟

       تتطلب السياسة الخارجية الأوروبية تجاه منطقة الخليج العربي مراجعة حقيقية بشكل يجعلها تتطلع نحو المستقبل في ظل التطورات الأخيرة على غرار حرب غزة. فعلى المستوى السياسي سبق وأن أكد جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، على أهمية تعزيز تأثير الاتحاد في هذه المنطقة بهدف المساهمة في جهود السلام، حيث كشفت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة بوضوح عن ضعف هذا التأثير وغياب الدور الفاعل للاتحاد، مما يستدعي إدماج السياسات المستقبلية في إطار تعزيز النفوذ الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي. بالتالي، سيكون للاتحاد الأوروبي دور ملموس في معالجة القضايا الرئيسية في المنطقة، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والملف الإيراني.

       بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتركيبة الجديدة للبرلمان الأوروبي أن تلعب دورًا محوريًا في توجيه السياسة الخارجية تجاه الخليج، فالاتجاه اليميني السائد، الذي يتبناه البرلمان الجديد، قد يعزز من موقف الاتحاد دون التركيز على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية كما تفعل القوى اليسارية، ومع ذلك، فإن وجود عناصر ليبرالية ضمن ائتلاف الوسط قد يسهم في تحقيق بعض التسويات السياسية حول بعض القضايا.

        علاوة على ذلك، قد تؤدي التركيبة اليمينية الجديدة في البرلمان إلى عدم التوازن في توجهات السياسة الخارجية للاتحاد تجاه دول الخليج، وبالتالي، ستتوزع السياسات الأوروبية المستقبلية إلى محورين رئيسيين، الأول سياسي يتعلق بدور الاتحاد في الشرق الأوسط، حيث سيركز البرلمان الأوروبي على تعزيز العلاقات مع دول الخليج المؤثرة كالمملكة العربية السعودية، بشكل يؤدي إلى كبح السياسات الإيرانية وتعزيز التعاون الأمني لمكافحة الميليشيات الطائفية. والمحور الثاني يتعلق بالنفوذ الاقتصادي والاستراتيجي، حيث ستعمل أوروبا على تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج، مع التركيز على مجالات الدفاع وزيادة صادرات التكنولوجيا والبحث العلمي.

        أبانت نتائج الانتخابات الأخيرة في البرلمان الأوروبي الجديد عن وجود توافق شبه كامل بين المكونات الأساسية حول التوجه نحو موقف أكثر تشددًا تجاه إيران، لا سيما في ضوء تصاعد التوترات الإقليمية المرتبطة بحرب غزة. حيث يدعو حزب الشعب الأوروبي -المكون الأساسي والذي يقود المفوضية الأوروبية -، إلى "التخلي عن مبدأ الإجماع في مجال عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد الأنظمة الشمولية في العالم"، في إشارة واضحة إلى روسيا وإيران. أما معسكر أقصى اليمين فيبدو أكثر تشددًا، حيث يدعو إلى انتهاج سياسة أكثر حزماً تجاه إيران، مع التركيز على برامجها النووية وبرامج الصواريخ الباليستية، ورعايتها للإرهاب، واستخدامها "دبلوماسية الرهائن". ويحث معسكر أقصى اليمين المفوضية الأوروبية على إدراج الحرس الثوري الإيراني والحوثيين وحزب الله بصورة كاملة على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب. لذلك، من المتوقع أن يشدد الاتحاد الأوروبي مستقبلًا سياسته تجاه إيران، عن طريق توسيع العقوبات على الأفراد والكيانات الإيرانية، وكذلك العقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

سادسًا، قضايا الهجرة واللجوء في السياسة الخارجية الأوروبية: ما هو تأثير اليمين المتطرف؟

        لقد استخدمت الأحزاب اليمينية المتطرفة ملفي الهجرة واللجوء وجعلت النقاش حولهما حساسًا بشكل خاص بين الدول الأعضاء، خاصة بعد وصول أعداد كبيرة من المهاجرين في الفترة الأخيرة (من 2016م، إلى غاية اليوم). ومنذ ذلك الحين، حاولت أحزاب الوسط تبني خطابات يمينية متطرفة بشأن الهجرة على المستوى الداخلي ومستوى الاتحاد الأوروبي، على أمل الاحتفاظ بالناخبين الذين قد يفكرون في الانشقاق والانضمام إلى أحزاب اليمين المتطرف.

       لكن بشكل عام، يمكن القول إن تأثير اليمين المتطرف على قضايا الهجرة واللجوء سيكون على محورين أساسيين، يتمثل الأول في الاستعانة بمصادر خارجية لإدارة الهجرة، وهو الأمر الذي أسفر عن سلسلة من الاتفاقيات مع البلدان المجاورة للاتحاد الأوروبي بهدف منع المهاجرين من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. والمحور الثاني هو محاولة إضفاء الطابع الأمني ​​على الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي (أمننة الهجرة). وقد أدى هذا إلى عدد من السياسات بشأن مراقبة الحدود وردع المهاجرين، بما في ذلك الميثاق الجديد بشأن الهجرة واللجوء الذي اعتمده مجلس الاتحاد الأوروبي، وهو أكبر إصلاح شامل لسياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من عقد من الزمان. ومع تحرك ميثاق الهجرة الجديد نحو التنفيذ، فمن المرجح أن يزعم اليمين المتطرف أن الاتفاق لا يذهب إلى المدى الكافي المطلوب.

       ونتيجة لقلقها من المنافسة الانتخابية المتزايدة من اليمين المتطرف، اتجهت بعض الأحزاب الوسطية والمحافظة في أوروبا بشكل كبير نحو اليمين في مواقفها. وباتت هذه الأحزاب الآن تدعو إلى سياسات أكثر تقييدًا للهجرة واللجوء، حتى أن بعضها أصبح يعارض الحلول على مستوى الاتحاد الأوروبي، مفضلًا نهجًا وطنيًا أقوى. ففي الفترة من 2015م، إلى 2023م، انضمت عدة دول إلى المجر في الدعوة إلى سياسات هجرة صارمة وضوابط حدودية قوية؛ واليوم، اعتمدت معظم الحكومات سياسات تقييدية.

الخاتمة:

      يشكل صعود اليمين المتطرف في أوروبا تحديًا حقيقيًا لمستقبل الاتحاد الأوروبي وتوجهاته السياسية، خاصة تجاه أهم قضايا الشرق الأوسط. فرغم أن تأثيره المباشر على صناعة القرار لا يزال محدودًا، إلا أن قدرته على التأثير في الرأي العام وتوجيه النقاشات السياسية نحو طرح قضايا مثل الهجرة والهوية بشكل مُتشدد، قد يدفع باتجاه تبني سياسات أكثر تشددًا وانغلاقًا في المستقبل.

     وعليه، يبقى من المبكر الجزم بتأثير صعود اليمين المتطرف على سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الشرق الأوسط. فمن جهة، قد يدفع هذا الصعود نحو تبني مواقف أكثر تشددًا تجاه قضايا مثل الهجرة واللاجئين، وربما حتى دعم مواقف بعض الدول الأعضاء الأكثر تشددًا تجاه قضايا المنطقة على غرار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أو العلاقة مع إيران. ومن جهة أخرى، قد لا يتجاوز الأمر حدود الخطاب السياسي والشعوبي، دون أن يترك أثرًا حقيقيًا على سياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية. إن مراقبة تطورات المشهد السياسي الأوروبي وتحركات الأحزاب اليمينية المتطرفة، وفهم دوافعها وتوجهاتها، يُعد أمرًا حاسمًا لتوقع مستقبل العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل التحديات المُشتركة التي تواجهها المنطقتان.

مقالات لنفس الكاتب