احتلت المياه أهمية بارزة في استراتيجية الحركة الصهيونية لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين، فإسرائيل دولة استعمار استيطاني، والاستيطان يقوم على الأرض والمياه والسكان، وهو عمل اقتصادي لقيام إسرائيل، وارتبطت الهجرة اليهودية بتوفير الأرض والمياه لإقامة المستوطنات الزراعية والمنشآت الصناعية وتوليد الطاقة الكهربائية وبناء البنية التحتية، لتحقيق الحلم الصهيوني في إقامة الدولة اليهودية، بل سبق الاهتمام بالمياه تأسيس الحركة الصهيونية التي عقدت مؤتمرها الأول في بازل بسويسرا عام 1897م، ففي عام 1867م، أرسل صندوق الاستكشاف الصهيوني مهندسين إلى فلسطين لمسح المصادر الطبيعية للمياه فيها. كما أنه في عام 1916م، طالب ممثلو الحركة الصهيونية من الحكومة البريطانية جعل نهر الأردن جزءاً من فلسطين ومصب نهر الليطاني حد فلسطين الشمالي، وفي عام 1918م، رسمت اللجنة الاستشارية الصهيونية لفلسطين حدود فلسطين الشمالية لتمتد من الليطاني إلى بانياس، بل طالبت أن تدخل الناقورة ومصب الليطاني في حدود الدولة اليهودية المقترحة، وشملت الخطة المقترحة المقدمة من الحركة الصهيونية في مؤتمر فرساي 1919م، خريطة فلسطين وتضم مصادر المياه في جنوب لبنان، مياه الليطاني وجبل الشيخ والجولان ومصب نهر اليرموك وتضم نهر الأردن والمرتفعات الأردنية المشرفة على غور الأردن لأن تكون ضمن الدولة اليهودية، لتضمن سيطرتها على كافة مصادر المياه، وهذا يفسر كيف خاضت إسرائيل حروبها مع الدول العربية للسيطرة على المياه، وهي كما تفعل الآن تسيطر على المياه وتستغلها لمصالحها الاقتصادية والصناعية ولرفاهية المواطن الإسرائيلي وتحرم المواطن العربي منها سواء داخل فلسطين المحتلة أو الدول المجاورة لدرجة أخذت تستعمل المياه ورقة سياسية فهي تستولي على المياه العربية وتبيعها لهم كما هو حال الأردن كما سيطرت على الغاز العربي في البحر المتوسط وتبيعه لمصر والأردن يعني ثروتك القومية تستولي عليها وتبيعك إياها ؟
حروب إسرائيل المائية: حرب 1967 وحرب الليطاني 1978
أصدرت الحكومة الإسرائيلية في أغسطس 1948م، أي بعد إعلان الدولة بثلاثة أشهر تشريعاً أممت فيه المياه واعتبرتها ملكاً عاماً للدولة، لاغية حق الأفراد فيها واعتمدت شركة ميكوروت التي كانت أسستها الوكالة اليهودية في عام 1937م، لدراسة وتخطيط المشاريع المائية، وتعتبر ميكوروت شركة المياه الإسرائيلية التي تبيع المياه للضفة الغربية وقطاع غزة وهي شركة المياة الإسرايلية الرئيسة، وفي عام 1951م، أخذت إسرائيل في تجفيف بحيرة الحولة رغم احتجاج سوريا لمجلس الأمن الدولي، وأقامت المستوطنات على أراضيها وهي مستوطنة كريات شمونة، وفي عام 1954م، بدأت إسرائيل بتنفيذ نقل مياه نهر العوجا والينابيع التي تغذيه إلى النقب الشمالي لري الأراضي الزراعية فيه، وأخذت فيما بعد بتنفيذ مشروع تحوبل مياه نهر الأردن، وارتبطت مشاريع نقل المياه بطرح فكرة توطين اللاجئين الفلسطينين وتسخير المشاريع لعملية سلام بين الدول العربية وإسرائيل، كما طرحها مشروع أريك جونستون 1953م، وتضمن المشروع: إنشاء سد على نهر الحصباني واستثمار مياهه في توليد الطاقة الكهربائية لفائدة إسرائيل، وتحويل مياه نهري اللدان والحصباني عبر شبكة من الاقنية لري منطقة الحولة والجليل الأعلى وسهل مرج بن عامر وإنشاء سد نحويلي في العدسية على نهر اليرموك لتحويل فيضانات النهر إلى بحيرة طبريا، وإنشاء قناتي الغور الشرقية والغربية لري الأراضي على ضفتي نهر الأردن، بالاضافة لإنشاء سد عند موقع المقارن على نهر اليرموك لتوليد الطاقة الكهربائية، والحقيقة أن جوهر مشروع جونسون كان يهدف لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن طريق التوطين من خلال المشاريع التحويلية وبتوفير المياه لها في حوض نهر الأردن، وهذا تبنته إدارة أيزنهاور على اعتبار المشاريع الاقتصادية والتعاون قد تؤدي لاتفاقيات سياسية، ولكن الهدف الإسرائيلي كان يهدف للسيطرة على المياه وتحويلها من أجل الزراعة واستيعاب المهاجرين اليهود في هذه المناطق الزراعية الحولة وحول بحيرة طبريا، وعندما اتفقت الأردن مع سوريا يونيو 1956م،على تنفيذ سد المقارن على نهر اليرموك أحبطت إسرائيل المشروع بضغط من الولايات المتحدة تحت ذريعة أن لها حقوقًا في مياه نهر اليرموك، وعلى أية حال حاول موشيه شاريت رئيس وزراء إسرائيل (1954-1955م) استغلال المفاوضات حول المياه إلى أن تكون مقدمة لمفاوضات سياسية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وهددت إسرائيل بتحويل مياه نهر الأردن في حالة عدم الاتفاق على المطالب الإسرائيلية، والتي تم رفضها فعلًا، وزاد الأمر سوءاً مع التطورات السياسية في المنطقة مثل إنشاء حلف بغداد والعدوان الثلاثي على مصر 1956م، وإلغاء واشنطن تمويل السد العالي والحرب الباردة العربية ورفض إسرائيل إعطاء الأردن من مياه نهر الأردن وتريد استغلالها كاملة لأغراضها، ورفضت أن تعطي الأردن وسوريا استغلال مياه نهر اليرموك وادعت أن لها حصة مائية فيه، وأصرت أن تكون بحيرة طبريا مكانًا للتخزين المحلي أي لإسرائيل فقط، بل أخذت بتحويل مياه نهر الأردن سراً حتى تم اكتشافه في أكتوبر 1959م، ولكن الصمت العربي امتد من 1960 إلى 1964م، حتى أشرفت إسرائيل على إتمام تحويل السد، وعندها دعا الرئيس جمال عبدالناصر إلى قمة عربية لمعالجة موضوع تحويل النهر في يناير 1964م، بالقاهرة، فاتخذت القمة قرارًا بتحويل منابع مياه نهر الأردن فردت إسرائيل بالغارات الجوية لتخريب المشروع العربي، ودعا الرئيس المصري بمواجهة إسرائيل بإنشاء قيادة عربية موحدة لحماية المشروع العربي لنهر الأردن وأكد موشيه ماعوز مدير معهد ترومان في الجامعة العبرية " إن العامل الرئيسي لتصعيد التوتر بين سوريا وإسرائيل إلى درجة الحرب، كان تحويل مياه نهر الأردن، وهو المشروع الذي صممت إسرائيل على إتمامه فيما أصرت سوريا على إيقافه، وزادت التعقيدات بالعمليات الفدائية التي قام بها الفدائيين الفلسطينيين المدعومين من سوريا لتنفيذ عمليات داخل إسرائيل " ، والوثائق التي كشفت فيما بعد تؤكد أن إسرائيل كانت تخطط لاحتلال الضفة الغربية والجولان منذ سنوات بعد إعلان الدولة، ووقعت اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر وسوريا وانضمت لها الأردن مايو 1967م، والقضية ليست أزمة بين سوريا وإسرائيل ولكنها كانت خطة معدة للتنفيذ وكانت حرب يونيو 1967م، التي شنتها إسرائيل وبذلك أصبحت تسيطر على مياه ومنابع نهر الأردن وتستغل اليرموك ، وبعد الحرب عبر موشيه ديان عن أحلام إسرائيل التوسعية بقوله "بعد السيطرة على أورشليم (القدس) فالطريق إلى بابل يمر عبر أراضي نهر الفرات ومياه نهر الفرات "؟ والموساد الإسرائيلي اليوم له قاعدة في كردستان العراق؟
وبعد مياه الأردن، فكرت إسرائيل بتنفيذ خطة السيطرة على مياه نهر الليطاني، وهو هدف صهيوني منذ الحرب العالمية الأولى عندما قدم حاييم وايزمان مذكرة إلى رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج قال فيها " إن مستقبل فلسطين يعتمد على موارد مياهها للري والقوة الكهربائية، لهذه الأسباب نرى من الضروري أن يضم حد فلسطين الشمالي وادي الليطاني "، ولكن فرنسا أثناء الانتداب منعت امتداد حدود فلسطين إلى الليطاني، ولكن الهدف بقي للتنفيذ بعد إعلان الدولة 1948م، فبعد حرب 1967م، وسيطرة إسرائيل على حوض نهر الأردن وجزء من نهر اليرموك أخذت تتجه للسيطرة على مياه الليطاني مستغلة أنها تطارد العمل الفدائي في جنوب لبنان، فكانت عملية الليطاني واحتلال الجنوب اللبناني 1978م، وإيجاد شريط أمني لأجل السيطرة على مياه الليطاني، واجتياح إسرائيل لبنان 1982م، ووصلت العاصمة بيروت ثم اضطرت للانسحاب بسبب المقاومة اللبنانية والفلسطينية والضغط الدولي وكانت تعد الخطة لتحويل مياه نهر الليطاني لإسرائيل، وبعد توقيع اتفاق 17 مايو 1983م، أرسل ديفيد كمحي مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية آنذاك رسالة للوسيط الأمريكي جيمس درابير " أن انسحاب إسرائيل من لبنان ينتظر أن يرتبط بضمان حصول إسرائيل على حصة من مياه الجنوب اللبناني "، واستمرت إسرائيل في السيطرة على أراضي في جنوب لبنان وانسحبت من بعضها عام 2000 ولكن ما زالت بعض الأراضي محتلة من إسرائيل، ولذلك مشكلة المياه تعتبر رئيسة بين لبنان والأردن وسوريا وسبب في حروبها السابقة والأزمات الحالية ؟
مفاوضات السلام والمياه: مماطلة إسرائيلية واختراق للتطبيع
بعد حرب الخليج الثانية عقد مؤتمر مدريد للسلام قي أكتوبر من نفس العام 1991م، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة المياه في إطار المفاوضات المتعددة الأطراف، وضمت هذ اللجنة 47 دولة ومنظمة دولية، وترأست هذه اللجنة الولايات المتحدة ولكن سوريا ولبنان قاطعتاها، وعقدت اللجنة اجتماعها الأول في موسكو يناير 1992م، ثم تتابعت الاجتماعات ورغم تعددها لم تحرز تقدمًا على صعيد تقسيم الحصص المائية وإرجاع الحقوق المائية، بل استطاعت إسرائيل استغلال هذه الاجتماعات لاختراق المنطقة العربية واستغلالها في عملية التطبيع عن طريق اقتراح تشكيل دورات تدريبية للفنيين وبنوك إقليمية لتبادل المعلومات حول المياه وإنشاء المشاريع لتحلية المياه وكل هذه المشروعات تستفيد منها إسرائيل ماديًا وفي تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، ولكنها لم تقدم لهم حصصًا مائية مما تسيطر عليه رغم اتفاقيات السلام ؟
ورغم أن الأردن عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل " اتفاقية وادي عربه" أكتوبر 1994م، فإن إسرائيل تحاول التهرب من نصوص المعاهدة، حيث نصت المعاهدة على أن يحصل الأردن على 300 مليون متر مكعب من مياه نهر اليرموك عن طريق إقامة سد تحويلي عليه وأن يحصل أيضًا على 50 مليون متر مكعب من بحيرة طبريا، ولكن في مايو 1997م، أبلغت إسرائيل الأردن أنها لن تستطيع تنفيذ الوعود المائية التي تم الاتفاق عليها، وقال مفوض المياه الإسرائيلي مائير بن مائير أن ما تم الاتفاق عليه في المعاهدة ليس ملزمًا لإسرائيل وهي كعادة إسرائيل دائمًا في التنكر للاتفاقيات، ومع الضغط عليها تعهدت بتقديم 25 مليون متر مكعب من طبريا أي نصف الكمية المتفق عليها في المعاهدة، وفي أغسطس 1998م، ضخت إسرائيل مياه ملوثة للأردن من طبريا مما خلق أزمة سياسية في الأردن أدت إلى استقالة وزير المياه منذر حدادبن ثم تبعها استقالة حكومة عبد السلام المجالي، ولا زالت إسرائيل تستعمل المياه مع الأردن ورقة سياسية للضغط عليه في مواقفه السياسية، ففي فبراير 2024م، أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن تل أبيب تدرس عدم تمديد اتفاقية المياه بسبب موقفه الرافض للحرب على غزة، وتحاول إسرائيل ربط اتفاقية الطاقة مقابل المياه للأردن، وكان الأردن وقع إعلان نوايا للتعاون نوفمبر 2021م، في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية مع إسرائيل والإمارات العربية وكان من المتوقع توقيعها ولكن بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة قال وزير الخارجية الأردني " إن بلاده لن توقع اتفاقيه لتبادل الطاقه مقابل المياه في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة"؟ فالابتزاز السياسي سياسة إسرائيلية في تنفيذ الاتفاقيات وتتملص من تنفيذها.
إسرائيل تسرق مياه الفلسطينيين وتبيعها لهم
إن إسرائيل رغم أتفاق أوسلو المجحف 1993م، في حق الفلسطينيين، فإنها تسيطر من الناحية الأمنية على كافة الضفة الغربية، فقد تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، منطقة (A) وتتولى السلطة الفلسطينية إدارتها ولكن عملية الأمن مشتركة بين السلطة وإسرائيل، ومنطقة (B) وتقوم السلطة بإدارتها ولكن إسرائيل تتولى مسؤولية الأمن فيها بدون السلطة، والمنطقة (C) وتتولى إسرائيل إدارتها والأمن فيها، وحتى الطرق بين المدن الفلسطينية تخضع أمنيا لإسرائيل وحتى بعض الطرق بين المدن والقرى المحيطة حسب الظروف الأمنية، وبذلك تخضع الضفة الغربية كاملة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية وحتى إدارة السلطة للمنطقة A وB هي شكلية أكثر مما هي فعلية، لأن أي مسؤول فلسطيني يتحرك لا بد من تصريح إسرائيلي، وبالتالي تسيطر إسرائيل على مصادر المياه في الضفة الغربية، فحسب تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، فإن إسرائيل تسيطر على 88% من مصادر المياه الفلسطينية في الضفة الغربية، ويستهلك المستوطن الإسرائيلي في مستوطنات الضفة تسعة أضعاف ونصف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني، فإسرائيل تسرق المياه الفلسطينية وتقوم ببيعها للفلسطينيين وتبيع سنويا 64 مليون متر مكعب لهم، وتحد من استهلاك المواطن الفلسطيني الذي يستهلك 23 لترًا يوميًا مقابل 180 لترًا للمحتل الإسرائيلي، فتعترف صحيفة هارتس بأن إسرائيل تقوم بالتوزيع العنصري للمياه، وأن شركة مكوروت الإسرائيلية للمياه التي تزود المدن والقرى الفلسطينية بالمياه تقوم بتقليص تزويد المياه وأحيانا وقف التزويد كوسيلة ضغط وعقاب سياسي وتعيش الضفة الغربية في حالة نقص للمياه منذ أكتوبر الماضي كعقاب للفلسطينيين، وتسيطر إسرائيل على آبار المياه في الضفة، حيث أن 80% من مصادر المياه تقع في منطقة C حيث السيطرة الإسرائيلية الكاملة ، فأصبح اتفاق أوسلو منذ بدايته 1993م، مجرد حبرًا على ورق ،وتستطيع الشركة الإسرائيلية المزودة للمياه بوقف خدماتها حسب الظروف السياسية ، ووفقًا لتقرير المكتب الوطني فإن العدد الإجمالي للينابيع في الضفة الغربية حوالي 714 ينبوعًا وتسيطر إسرائيل على معظم هذه الينابيع وخاصة القريبة من المستوطنات الإسرائيلية وحسب تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أونشا) فإن المستوطنين الإسرائيليين يستولون عليها ويمنع الفلسطيني من الوصول إليها، وتؤكد تقارير (أونشا) أن المستوطنين الإسرائيليين لا يكفون بين الحين والآخر بقطع وتدمير خطوط إمداد المياه التي تزود القرى بالمياه من شركة ميكروت الإسرائيلية، بل يمنعونهم من تعبئة المياه من ينابيع قراهم ؟ إن الاستيلاء على الينابيع هو امتداد للتوسع الاستعماري في الضفة الغربية التي تعلن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل بضمها مخالفة للقانون الدولي فإسرائيل عبر تاريخها لم تعبأ بالقانون الدولي!
واستعملت إسرائيل المياه وسيلة عقاب في غزة فقد دمرت 700 بئر ومحطة مياه، ومنعت تزويد القطاع بالمياهّ! ومنذ بداية الحرب أعلنت إسرائيل أنها لن تكون حربًا كسابقاتها فدخلت المياه كسلاح للفتك بالغزاويين وقطعت عنهم إمدادات شركة المياه ميكروت كما دمرت كل مصادر ومنابع المياه؟
إسرائيل: الجولان والسيطرة على المياه واستغلال الأزمة السورية
احتلت إسرائيل الجولان عام 1967م، وله أهمية استراتيجية لانه يطل على طبريا وإن الهضبة غنية بمصادر المياه، وفي ديسمبر 1981م، أعلنت إسرائيل رسميًا ضم هضبة الجولان رغم أنها أرض محتلة وفقًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي، وقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي لصحيفة الفيجارو الفرنسية 18 يناير 1997م " لا بد من الاحتفاظ بالجولان لأسباب سياسية واقتصادية وتاريخية ولا بد أن ندرك بالنسبة لهذا الموضع أن ربع موارد إسرائيل من المياه مصدرها هضبة الجولان فما الذي يدفعنا للتخلي عن مصادرنا المائية إن لذلك أهمية حيوية "، والأغرب أن دونالد ترامب أعلن في مارس 2019م، عن اعتراف الولايات المتحدة رسميًا بسيادة إسرائيل على الجولان ـ وهذا طبعًا مخالف للقنانون الدولي وقرارات مجلس الأمن وسياسة الولايات المتحدة قبل ترامب ولكنها صفقات سياسية بين ترامب ونتنياهو لمساعدة الأخير في الانتخابات الإسرائيلية، وتحاول إسرائيل في ظل الأزمة السورية وشح مياه نهر الفرات تستغلها كورقة سياسية خاصة أن الصراع الداخلي في سوريا منذ أكثر من عقد أدى إلى تدمير مرافق المياه فقبل 2010م، كان 98% من سكان المدن و92% من سكان الريف يتمتعون بسبل موثوقة للحصول على المياه الصالحة للشرب أما حاليًا فلا يعمل سوى 50% من أنظمة المياه والصرف الصحي بشكل صحيح في أرجاء البلاد، كما أصبحت مياه الفرات شحيحة بسبب الجفاف وبناء تركيا للسدود على الفرات لاستعمالها مثل مشروع الغاب حيث بنت تركيا 14 سدًا على نهر الفرات و9 سدود على نهر دجلة و15 محطة لتوليد الكهرباء، وتسبب في أزمة سياسية بين تركيا وسوريا، ويعتبر سد أتاتورك ثالث سد في العالم من حيث حجم قاعدته، وفي ظل الخلافات السورية / التركية في الأزمة الحالية حبست تركيا مياه الفرات عن سوريا، ولكن ما يجب ذكره أن إسرائيل شجعت تركيا لبناء مشروع الغاب لأن هذه المشاريع المائية التركية على الفترات تضعف الزراعة السورية وتؤثر على خطط التنمية، وكانت إسرائيل على علاقة متميزة مع المؤسسة العسكرية في تركيا قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم 2002م، فقد صرح وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي في 25 مارس 1998م، بقوله " إن تركيا وإسرائيل ستتعاونان في مشروع الغاب، وستضع إسرائيل خبراتها في مجال الزراعة والري لخدمة هذا المشروع، حيث تمتلك ثقافة متقدمة في هذين المجالين "، وكانت تركيا قد طرحت مشروع أنابيب السلام من تركيا إلى سوريا والأردن وإسرائيل، وقال أمين عام الجامعة العربية الأسبق محمود رياض معلقًا على أنابيب المياه "إن إسرائيل هي أساس مشروع أنابيب المياه، وكانت سياسة أوزال والمسؤولين الأتراك بعده يريدون تعزيز الدور التركي من خلال الزراعة واستخدام المياه الوفيرة وتوليد الكهرباء، لأن تدفق الماء يبقى في يد الحكومة التركية متى تشاء تتحكم فيه كورقة ضغط سياسية "، وعلى أية حال فإسرائيل تتابع الوضع المائي في سوريا حاليًا وكيف تستفيد منه سياسيًا، ففي دراسة إسرائلية صدرت في نوفمبر 2023م، عن أزمة المياه في سوريا ( The Water Crisis in Syria: Should Israel intervene?)، ترى أن إسرائيل يمكنها المساومة مستقبلًا لتزويد سوريا بالمياه، وبالطبع هي تسرق المياه السورية من نهر اليرموك وتحاول بيعها مستقبلًا كما فعلت بمياه نهر الأردن ووسيلة للتطبيع؟
ونشير أيضًا إلى اهتمام إسرائيل بمياه النيل وهي فكرة قديمة ترجع لبداية الحركة الصهيونية، ولكنها ظهرت مرة أخرى عام 1974م، عندما طرح المهندس الإسرائيلي إليشع كالي مدير التخطيط المائي في إسرائيل في شركة تاهال الإسرائيلية عندما طرح نقل مياه النيل إلى إسرائيل لتوفير مياه للنقب، إن نقل 1% من مياه النيل يمكن أن توفر 800 مليون متر مكعب سنويًا لإسرائيل لاستخدامها في التنمية الزراعية وتوطين اليهود في صحراء النقب بجنوب فلسطين، وبعد زيارة السادات للقدس نوفمبر 1977م، طرحت مرة أخرى فكرة نقل مياه النيل تحت شعار مياه السلام، وبغض النظر عن واقعية المشروع ولكنه حلم إسرائيلي، ويظهر من خلال علاقة إسرائيل بإثيوبيا ومن بناء السدود على منابع النيل بدعمها إثيوبيا، وقد وصل لإثيوبيا 400 خبير إسرائيلي خلال عامي 1989-1990م، للمساعدة في اقامة السدود، وبعد عودة العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية مع إثيوبيا عام 1989م، وصفقة تهجير الفلاشا، فالهدف الإسرائيلي في مشاريعها بهضبة البحيرات نجحت لحد ما في تحقيقه بفصل جنوب السودان والضغط على مصر من خلال تعاونها مع إثيوبيا في بناء السدود ولا شك أن لها دورًا مهمًا في بناء سد النهضة الذي يهدد حصة مصر المائية، فإذا لم تحصل إسرائيل على مياه النيل فالمهم عندها إضعاف الدولة المصرية لأن مصر هبة النيل وكل عمليات السلام لم تثني إسرائيل عن تنفيذ مخططها الصهيوني والهيمنة الإقليمية والسيطرة على المياه العربية واستعمالها ورقة سياسية وبيعها ثانية لهم ووسيلة للتعطيش والقتل، وتستفيد من التفكك العربي فهي تتعامل مع الدول العربية منفردة ولا تريدها مجتمعة، والحقيقة أن الدول العربية وإسرائيل في حالة حرب مياه، حرب غير معلنة، وخاصة دول الطوق المحيطة بإسرائيل وهي حرب حياه أو موت في ظل التغيرات المناخية والجفاف وزيادة الطلب على المياه، وقد تكون حربًا معلنة في المستقبل القريب والمنطقة فيها كثير من الأزمات التي تدفع للانفجار.