array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 200

انسحبت أمريكا من "الجنائية" لفشلها في اختراقها وأعفت الأمريكيين من المثول أمامها

الإثنين، 29 تموز/يوليو 2024

إن الأمن والسلم مطلب أساسي لكل شعوب الأرض، والمقولة القديمة إن القانون هو قانون الأقوياء، ولكن ما يميز العالم الحديث عن القديم أن القانون أصبح أيضًا سلاح الضعفاء بدون أن يكون قانون الأقوياء، وفي القرن الحادي والعشرين أخذ العالم يشهد مزيدًا من التغليب للحق على القوة، ومع تطور وسائل الإعلام أصبحت الاحداث العالمية تنقل مباشرة للمواطن العادي بعيدا عن وسائل الإعلام الرسمية التي كثيرًا ما كانت تضلل الرأي العام المحلي والعالمي. 

وإذا تتبعنا تطور ظهور مؤسسات العدالة والتحكيم العالمية، فإن القارة الأوروبية هي أكثر القارات التي شهدت مسرحًا للحروب بين شعوبها ودولها،  فكانت الحرب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت التي سميت بحرب الثلاثين لأنها استمرت ثلاثين عامًا انتهت بصلح وستفاليا  1648م، الذي وضع أسس الدولة الحديثة في أوروبا،  علمانية الدولة وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية وتوازن القوى في القارة، ولكن القارة شهدت  حروبًا أخرى، حروب نابليون بعد الثورة الفرنسية 1789م، والتي انتهت بهزيمة نابليون أمام حشد الدول الأوروبية الأخرى في معركة واترلو وعقد مؤتمر فينا 1815م، لترتيب أوضاع القارة الأوروبية وكان وزير خارجية النمسا مترنيخ مهندس المؤتمر ولكن لم يستمر الوضع طويلًا فكانت حرب القرم 1853م، بين الدول الأوروبية فرنسا وبريطانيا التي  وقفت إلى جانب الدولة العثمانية ضد روسيا وانتهت باتفاقية باريس 1856م،  وبعد ذلك كانت حروب الوحدة الألمانية التي قادها بسمارك ضد الدنمارك 1864م، والنمسا 1866م، وفرنسا 1870 م، وكذلك دخلت إيطاليا في حروب الوحدة ضد النمسا وفرنسا والإمارات الإيطالية حتى توحدت وأطلق على الحروب في القارة في تلك الفترة حروب القوميات التي أنهكت القارة وتوجت الحروب  في القارة بالحرب العالمية الأولى ( 1914-1918م) التي قتل فيها حوالي عشرين مليون نسمة ما بيت عسكري ومدني لأن الحروب السابقة كانت بين الجنود في ساحات المعارك ولكن تحولت مع الحرب العالمية الأولى إلى حرب شاملة لا تقتصر على الجبهات ولكن على المدن والمدنيين والمراكز الصناعية مما أثارت الحروب وأهوالها قادة الدول والنخب الفكرية والشعوب على التفكير بوسائل أخرى لحل الخلافات بدلًا من الحروب المدمرة؟

القانون الدولي وحل النزاعات بين دول القارة

عاصر المفكر الهولندي غروتيوس Grotius (1583-1645م) حرب الثلاثين عامًا ، ويعتبر مؤسس القانون الدولي في القرن السابع عشر ، فدعا  إلى إنشاء جمعية للأمم المتحدة تتولى حسم النزاعات فيما بينها عن طريق التحكيم، كما دعا أيضًا في القرن السابع عشر الراهب ايمرك كروسيه اتباع الديانات في العالم إلى تشكيل هيئة تحكيم دولية تتدخل في كل مكان ضد صانعي الحروب، وتتابع خلال العصور التالية المفكرين بالدعوة إلى الحلول السلمية من خلال التحكيم والقانون والمعاهدات والأعراف الدولية، وإذا كان هذا التطور في القارة الأوروبية التي كانت تمثل النظام العالمي آنذاك التي تهيمن على العالم، فقد كان المسلمون قد سبقوا بقرون وضع الأسس للعلاقات بين الشعوب، بين المسلمين وغيرهم فكان الفقيه المسلم محمد بن الحسن الشيباني في القرن الثاني للهجرة  (748-804م) صاحب كتاب السير  وضع ما يسمى بقواعد القانون الدولي من خلال الفكر الإسلامي وقد قام مجيد خدوري بتحقيق كتاب السير ونشره تحت  عنوان " القانون الدولي الإسلامي " 1975م، وفي الوقت الذي يسعى الأوروبيون لإيجاد الحلول لحروبهم فإنهم كانوا يمارسون أقسى سياسة العنف والاضطهاد والتفرقة العنصرية واستغلال ثروات الشعوب الأخرى في إفريقيا  وآسيا في القرن التاسع عشر، ففي مؤتمر برلين 1885م، تم تقسيم القارة الإفريقية بين الدول الأوروبية لاستعمار القارة وفي تقرير لصحيفة The Times البريطانية أن العم الأكبر لملك بلجيكا الحالي ليوبولد الثاني أنه أدار الكنغو كإقطاعية خاصة له بين عامي 1885-1908م، والتي مات خلالها ما لا يقل عن عشرة ملايين من سكان الكنغو بسبب المعاملة الوحشية التي تعرضوا لها وقد رفض ملك بلجيكا الحالي الاعتذار عن جرائم ليويولد بل تنتشر التماثيل له في بلجيكا فهناك 13 تمثالا له منتشرة في البلاد، المثير أن مؤتمر برلين منح الكنغو مساحة مليوني كيلومتر مربع لإقامة الاقطاعية الخاصة المشار إليها، وقال وزير خارجية بلجيكا السابق لويس ميشيل عام 2010م، " إن ليوبولد كان بطلًا صاحب طموحات لبلد صغير مثل بلجيكا "، فمستعمرة الكنغو مساحتها 76 مرة من مساحة بلجيكا الدولة الصغيرة المساحة .

ولا يقتصر على الكنغو فمعظم القارة تعرضت لاستعمار وحشي فالجزائر قدمت  مليون شهيد من أجل استقلالها لاستعمار فرنسي  استمر  130 عامًا، وقسمت القارة عرقيًا لإثارة النعرات فيما بينها كما رواندا وبوروندي والأمر لا يقتصر على إفريقيا  فقد استعمرت آسيا وأثارت النعرات الطائفية كما فعلت بريطانيا في الهند وفي القرن العشرين تعرضت أيضًا دول في العالم الثالث رغم وجود المحاكم الدولية، فليس غريبًا أن يعترف رئيس الأركان الأمريكي السابق مارك ميلي ويقول " إن بلاده قتلت الكثير من المدنيين الأبرياء في الحروب التي خاضتها، وقبل أن نتبرأ جميعًا بشأن ما تفعله إسرائيل، وأنا أشعر بالفزع تجاه موت الأبرياء في غزة لكن لا ينبغي لنا أن ننسى أننا نحن الولايات المتحدة قتلنا الكثير من الأبرياء في الموصل والرقة، وقتلنا 12 الف فرنسي بريء ودمرنا 69 مدينة يابانية بخلاف هورشيما ونجازاكي، لقد ذبحنا الناس بأعداد هائلة، ويظهر أن القوانين الدولية فقط للرجل الأبيض، ولا يتردد الرئيس بايدن في تأييده لمجازر إسرائيل أن يكذب على الملأ مرددًا الادعاء الإسرائيلي حول قتل الأطفال بينما إسرائيل تقتل الأطفال والنساء حتى وصل الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ أكثر من أربعين ألفاً وتجاوز عدد الجرحى الثمانين ألفا عدا الذي فقدوا تحت الأنقاض ؟

الحرب العالمية الأولى ومحكمة العدل الدولية الدائمة

شهدت القارة في نهاية القرن التاسع عشر تحالفات بين دول القارة بسبب تناقض المصالح سواء داخل القارة أو خارجها بسبب التنافس على المستعمرات، دول قومية تنافس بعضها كما بين ألمانيا وبريطانيا وكما قال المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي أن سبب حروب القرن التاسع عشر والحرب العالمية هي انتشار ظاهرة القومية داخل القارة، وبسبب التوتر بين الدول الأوروبية عقد مؤتمر لاهاي عام 1899م، الذي أكد على أهمية التحكيم لحل النزاعات الدولية وتأسست محكمة التحكيم الدائمة(PCA) وهي أول مؤسسة تأسست لتسوية النزاعات بين الدول، وفي مؤتمر لاهاي الثاني للسلام 1907م، تم تعزيز القواعد التي تحكم إجراءات التحكيم أمام المحكمة، ولكن مع نشوب الحرب العالمية الأولى دعا الرئيس الأمريكي ولسون لمبادئه الأربعة عشر 1918م، دعا فيها إلى ضرورة إنشاء هيئة دولية لحل الخلافات بين الدول لتجنب الحروب وبالفعل تم تأسيس عصبة الأمم ومع إنشاء العصبة تم إنشاء محكمة العدل الدولية الدائمة بناء على المادة 14 من ميثاق العصبة وتكون لحل النزاعات وتقدم الرأي الاستشاري للعصبة، وتقوم فكرة إنشاء العصبة على مبدأ الأمن الجماعي لتحقيق الأمن والسلام بين الدول، وعلى عكس هيئات التحكيم الدولية السابقة، فإن محكمة العدل الدائمة هيئة دائمة تحكمها أحكامها القانونية وقواعدها الإجرائية، وكانت المحكمة  ليست جزءًا من العصبة على عكس محكمة العدل الدولية الحالية التي هي إحدى مؤسسات هيئة الامم المتحدة، ولم تنضم الولايات المتحدة لعضوية عصبة الأمم ولا حتى في محكمة العدل الدولية الدائمة رغم أن مبادئ الرئيس ولسون دعت لإقامتها، علمًا أن واشنطن لعبت دورًا مهمًا في مؤتمر لاهاي الثاني كما عمل بعض القضاة  الأمريكيين في المحكمة، لأن الكونغرس الأمريكي كان يرى في سياسة العزلة بعيدًا عن مشاكل أوروبا يحقق لها الأمن والاستقرار.

 أصدرت محكمة العدل الدائمة ما بين 1922(-1940م) 31 حكمًا قضائيًا وقدمت 27 رأيًا استشاريًا للعصبة، وبسبب الخلافات بين الدول الأوروبية خلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين تعثرت أعمال المحكمة ولم تتمكن من الاجتماع بين 1941-1944م، وأصبح واضحًا أن المحكمة ستحل كما حلت العصبة وإنشاء هيئة الأمم المتحدة وإنشاء محكمة العدل الدولية كوريث للمحكمة الدائمة عام 1945م، وتصبح محكمة العدل الدولية إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، كما أن دول العالم تعددت ولم تعد الدول الأوروبية هي الوحيدة في النظام الدولي فاليوم هناك 193 دولة، والولايات المتحدة أصبحت عضوًا رئيسيًا في الأمم المتحدة واسهت في تأسيس محكمة  العدل الدولية ، لقد فشلت عصبة الأمم في تحقيق أهدافها وأصبح مبدأ القوة هو أساس سياسة الدول وبالتالي لم يكن اللجوء للمحكمة هو مهما للدول الكبرى لتحقيق مصالحها لأنها عندما تمتلك القوة، ولكن بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، حاولت الدول الموقعة على الميثاق تجنب أسباب فشل للعصبة ولكن أصبح مجلس الأمن الدولي والخمس الكبار الدائمة العضوية لها تأثير قوي على قرارات هيئة الأمم المتحدة وفي تشكيل محكمة العدل الدولية.

محكمة العدل الدولية بين السياسة والقانون 

إن عدد قضاة محكمة العدل الدولية 15 عشر قاضيًا يتم تعينهم حسب التوزيع الجغرافي،  ثلاثة  من الأفارقة وإثنين من أمريكا اللاتينية والكاريبي وثلاثة من آسيا وخمسة قضاة غربيين وإثنين لأوروبا الشرقية ولكل من الدول الدائمة العضوية قاض في المحكمة، والجانب السياسي يظهر في هذا التوزيع  للدول الكبرى، فإذا كانت القضايا المقدمة للمحكمة من الدول النامية،  العالم الثالث فالمحكمة لها دورها الإيجابي في حل النزاعات، لأن الدول النامية تلجأ للمحكمة وتقبل قرارها ولكن الدول الكبرى في الغالب لا تلتزم به إذا تناقض مع مصالحها، فقد عرض النزاع  الحدودي بين قطر والبحرين على محكمة العدل الدولية وعندما صدر حكم المحكمة عام 2006م، التزم به الطرفان وتم حل قضية الحدود بينهما، وعلى عكس ذلك عندما رفعت نيكاراغوا  1986م، قضية ضد الولايات المتحدة لأنها تدعم متمردي الكونترا ضد الحكومة النيكاراغوية في عهد الرئيس ريغان، حكمت المحكمة ضد الولايات المتحدة لصالح نيكاراغوا، فرفضت الولايات المتحدة النتيجة وعندما رفعت نيكاراغوا القضية لمجلس الأمن استعملت الولايات المتحدة حق النقض ( الفيتو)، بمعنى واضح أن واشنطن رفضت القرار وهو صادر عن أعلى هيئة قضائية دولية تابعة للأمم المتحدة .

وعندما طلب الأمين العام للأمم المتحدة رأي محكمة العدل الدولية بشأن الجدار العازل ، جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل في فلسطين المحتلة، اتخذت المحكمة قرارها بأن الجدار مخالف للقانون الدولي يوليو 2004م، وطالبت إسرائيل بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية وضواحيها وتعويض المتضررين وكان  قرار المحكمة بإجماع أربعة عشر قاضيًا وعارضه القاضي الأمريكي توماس بورغنتال، يعني أن الولايات المتحدة الوحيدة التي عارضت القرار من أعضاء المحكمة الخمسة عشر ، وعندما طلبت محكمة العدل الدولية من إسرائيل بوقف الهجوم على مدينة رفح الفلسطينية في مايو 2024م،  كان القرار الأجماع ثلاثة عشر عضوًا مقابل اعتراض القاضي الإسرائيلي أهارون باراك والقاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندىي وليس سرًا مدى تغلغل إسرائيل في أوغندة وخاصة الموساد وهي نفس القاضية التي عارضت في يناير 2024م، الإجراءات التي طالبت المحكمة إسرائيل بتنفيذها في حرب الإبادة الجماعية في غزة يعني القاضية ضد الأربعة عشر قاضيًا، ومن هنا يظهر البعد السياسي في سلوك بعض القضاة، ولذلك تبقى قرارات المحكمة وتنفيذها أكثر مصداقية في دول العالم الثالث في حالة الخلافات بينها سواء الخلافات الحدودية أو الآراء الاستشارية،  وحيث إن تعيين قضاة المحكمة يتم من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لذلك يبقى تعيين الأعضاء تحت نفوذ مجلس الأمن الدولي وخاصة الدول الدائمة العضوية ورغم أن القضاة مستقلون كما أنهم لا يمثلون دولهم إلا أن التأثير السياسي يبقى موجودًا من وراء ستار، ولا شك أن وجود هيئة دولية لحل النزاعات بين الدول له أهميته ولكن ارتهانها بهيئة الأمم المتحدة وميثاقها يجعل تفعيل المحكمة رهن بإصلاح الأمم المتحدة نفسها ووضع حد لهيمنة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي على المؤسسات الدولية.

المحكمة الجنائية الدولية: العدالة والتهديد الأمريكي

إن فكرة تشكيل محكمة من أجل محاكمة مجرمي الحرب قديمة مع الحرب العالمية الثانية بعد محاكمة بعض القادة في دول المحور الألمان  بسبب ارتكابهم جرائم حرب، لذا عقد في روما مؤتمر دبلوماسي لمناقشة مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي قدمته لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة  1994م، وشاركت في المؤتمر 160 دولة و238 منظمة غير حكومية  و17 منظمة حكومية، وتم الاتفاق بالأغلبية على ضرورة إقامة محكمة جنائية دولية لملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة، و تشكلت المحكمة الجنائية الدولية رسميًا في يوليو 1998م، وكانت السنغال أول دولة تصادق على النظام الأساسي للمحكمة في فبراير 1999م، وصوت لصالح إنشاء المحكمة 120 دولة وامتنعت 21 دولة من التصويت وعارضتها سبع دول على رأسها الولايات المتحدة، وبذلك ثبت زيف الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأصبح تمثال الحرية في واشنطن شعار مضلل، ولكن المعارضة الأمريكية الشديدة فشلت حتى أقرب حلفائها مثل بريطانيا لم توافقها، وحاولت واشنطن اختراق المحكمة من الداخل فاستطاعت أن تفرض على نظامها عدم مساءلة جنودها على ما تم ارتكابه سابقًا من جرائم كما حدث في الصومال والبوسنة وكوسوفو ، وفي عهد الرئيس كلنتون وبالتحديد في آخر رئاسته تم توقيع الولايات المتحدة على نظامها الأساسي في 31 ديسمبر 2000م، وقال كلنتون أثناء توقيعه " إن التوقيع الأمريكي يسمح بالبقاء في اللعبة للتأثير على طريقة عمل المحكمة المقبلة" ولكن توقيع كلنتون لم يخفف من معارضة واشنطن للمحكمة لأنه غادر الرئاسة في 20 يناير 2001م، وجاء بوش الابن فسحبت واشنطن توقيعها في السادس من مايو 2001م، وشنت الولايات المتحدة حملة قوية ضد المحكمة بعد فشلها في اختراقها وتكييفها لخدمة الأهداف الأمريكية، واستطاعت تلتف على المحكمة من خلال دورها في مجلس الأمن بصدور القرار 1422بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يقضي بإعفاء كافة الأمريكيين من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية لمدة 12 شهرًا مستندة للمادة 16 من النظام الأساسي للمحمة الجنائية الدولية، وقد تم التشكيك في صحة هذا القرار من  قبل  بريطانيا وألمانيا والارجنتين وهذا يبين مدى الابتزاز الأمريكي حتى داخل مجلس الأمن الدولي.

إن الولايات المتحدة كانت ولا تزال قلقة من ارتكاب جنودها جرائم حرب كما حدث في العراق بعد احتلاله له عام 2003م، وما حدث في سجن أبو غريب انتهاك واضح لكرامة الإنسان، وفي الوقت الذي تتهرب فيه من ملاحقة جنودها، فهي تمارس الضغوط على المحكمة الجنائية الدولية ودفعتها للتحرك ضد روسيا بارتكاب جرائم حرب أوكرانيا ودفعت المحكمة للتحقيق في أوكرانيا في الوقت الذي تدافع فيه عن إسرائيل وجرائمها في فلسطين وحرب الإبادة في غزة، والمثير للانتباه تحرك كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بسرعة قياسية بعد شهرين من الحرب بزيارة مدينة بوتشا في إبريل 2022م، والحرب بدأت في 22 فبراير من العام نفسه، وقال خان في تصريح صحفي إن المحكمة الحمائية الدولية لديها " أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب جرائم تدخل ضمن اختصاصها في أوكرانيا "، تحرك سريع في أوكرانيا ومماطلة وتمهل بشأن جرائم الحرب في غزة، ولا شك أن البعد السياسي يبقى واضحًا وجليًا في موقف المحكمة من أوكرانيا وغزة، أوروبا والولايات تضغط على المحكمة للتحرك في أوكرانيا وتضغط لتجاهل الوضع في فلسطين والجرائم التي ترتكب من قبل إسرائيل .

قدمت السلطة الفلسطينية وثيقة انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية إلى الأمم المتحدة  في يناير 2015م، وأصبحت فلسطين طرفًا رسميًا في المحكمة اعتبارًا من أبريل 2015م، وبعد أربعين يومًا من الحرب على غزة أي في 17 أبريل 2023م، طلبت كل من جنوب إفريقيا  وبنغلادش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي من المحكمة التحقيق في جرائم إسرائيل في غزة، وفي يناير 2024م، تحركت كل من تشيلي والمكسيك بطلب للمدعي العام كريم خان للتحقيق في الأوضاع في فلسطين، وفي العشرين من مايو أعلن المدعي العام كريم خان سعيه لإصدار مذكرة اعتقال لرئيس وزراء نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت والغريب أنه أيضًا أشار إلى ثلاثة من قادة حماس فحتى السياسة تلعب في قرار الاعتقال، كمحاولة لإرضاء الولايات المتحدة والمؤيدين لإسرائيل في الغرب، فكيف يساوي بين الضحية والجلاد ورغم ذلك ثارت ثائرة إدارة بايدن وأعلن 150 نائبًا ديمقراطيًا رفضهم لعقوبات المحكمة الجنائية الدولية بحق قادة إسرائيل، بل هددوا بفرض عقوبات على أعضاء  المحكمة مما يدلل مدى ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية ـ وأن مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان كلها للاستهلال المحلي وللرأي العام ولكن على أرض الواقع مبدأ القوة هو  أساس العلاقات الدولية، وكأن المحكمة أنشئت لقادة إفريقيا  والعالم الثالث بشكل عام، فالقضايا التي عرضت عليها صربيا وأوغندة والسودان وماينمار وليبيا، بالإضافة إلى استغلالها في الصراعات السياسية مثل مذكرة اعتقال الرئيس الروسي بوتين، ومن قبل الرئيس السوداني عمر البشير ، رغم أن كل الجرائم التي ترتكب في دول العالم الثالث من زعماء دكتاتوريين أو الحروب العرقية خلفها دعم الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا للأنظمة الدكتاتورية، وحتى الرئيس الأمريكي بايدن والمستشار الألماني ورئيس وزراء بريطانيا شركاء في جرائم إسرائيل لأنهم يوفروا لها الغطاء السياسي وتزويدها بالسلاح لارتكاب الجرائم في غزة، فهي مشاركة مباشرة وغير مباشرة بالتصريحات الرسمية لهؤلاء القادة، ورغم بعض الجوانب الإيجابية للمحاكم الدولية تبقى تخضع للضغط السياسي من الدول الغربية من خلال قضاتها والـتأثير على حكوماتها، فمحكمة العدل الدولية ورغم تدخلها لم تصدر قرارًا صريحًا بالطلب من إسرائيل بوقف الحرب على غزة، وحتى الآن ما زال مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية يتردد ويؤجل في إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه !

ويبقى الأصل في علاقات الدول القوة سواء عسكرية أو اقتصادية أو عقدية لحماية مصالحها والدول العربية مجتمعة تملك كل أسباب القوة ويمكن استغلالها لفرض دورها في المجتمع الدولي، وكما قال أبو بكر الصديق قبل خمسة عشر قرنًا في وصيته لخالد بن الوليد " اطلبوا الموت توهب لكم الحياة".

مقالات لنفس الكاتب