array(1) { [0]=> object(stdClass)#13603 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 200

تصريحات قادة إسرائيل تؤكد ارتكابهم كل الجرائم والقانون لا يعطي الاحتلال حق الدفاع عن النفس

الإثنين، 29 تموز/يوليو 2024

       "لا غذاء، لا ماء، لا كهرباء، لا محروقات كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات إنسانية، وسنتصرف على هذا الأساس"، هذا التصريح صدر في 9 أكتوبر 2023م، من طرف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، تصريحات تحمل النزعة الانتقامية لدى القادة الإسرائيليين، و عزمهم على المضي في ارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة ضد الفلسطينيين، ولعل هذا التصريح ليس الوحيد فقد صدرت تصريحات أخرى مماثلة أو أكثر حدة ومن جهات سياسية أخرى مما يدل على وجود نية حقيقية لارتكاب جرائم ترقى حسب المواثيق والمعايير إلى مصاف الجرائم السالفة الذكر. ومع توالي الضربات العسكرية والصاروخية والقصف العنيف والهمجي للتجمعات السكانية في قطاع غزة والتي ارتفع معها عدد الضحايا و المصابين زاد معها تعقد المشهد بشكل عام، سواء من ناحية غياب الحلول الميدانية لإيقاف الانتهاكات الممارسة من الطرف الإسرائيلي، أو من ناحية قدرة الأمم المتحدة و الهيئات الدولية على إلزام الطرف الإسرائيلي بتحمل مسؤولياته تجاه موجة الانتهاكات الحاصلة، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول مدى تحديد وتطبيق معايير الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي و طبيعتها في حالة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023م.

أولًا، معايير الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب: تعاريف وأطر قانونية:

       تعرف الجريمة الدولية من الناحية القانونية بأنها "الفعل الإجرامي الذي ينتهك قواعد القانون الدولي ويهدد السلم والأمن الدوليين"، ويمكن أن يرتكب بفعل مرتكبه الفعلي أو برفضه الفعل (الفعل السلبي). وسواء كان هناك نية إجرامية أم لا، فإن العناصر التي يجب أن تكون موجودة في الفعل حتى يتم تحميله المسؤولية الجنائية على مستوى الدولة تستند إلى المعايير والمعاهدات والاتفاقيات الدولية بين الدول التي توفر نصًا قانونيًا يجرم الحادث، أما الركن القانوني فيعني أنه ناشئ عن اتفاقية دولية، والركن المادي فيشير هو الآخر إلى أن الفعل المنجز أو الامتناع عن التصرف، يخالف القانون الدولي، أي ينتهك أحكام هذا القانون. إن الفعل، سواء كان مستمدًا من عرف دولي أو معاهدة أو اتفاق، يجب أن يكون له ركن دولي، أي أن يكون مخالفًا للقيم والمصالح الأساسية للإنسانية، حتى لو كان ذلك لدوافع شخصية ويشكل هجومًا. ويعتبر هذا الشرط ضروريًا لأن الفعل الذي تترتب عليه المسؤولية الجنائية الدولية يجب أن ينتهك المبادئ الأساسية للمجتمع الدولي، بغض النظر عما إذا كانت الضحية فردًا، أو أمة، أو المجتمع الإنساني ككل، إلى جانب الركن المعنوي الذي يشير إلى النية لارتكاب جريمة دولية وفقًا لما ينص عليه القانون، بناء على وجود العلم والإرادة.

       تطور مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في ظل القانون الدولي العرفي ومن خلال اختصاص المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. تجرم العديد من الدول الجرائم ضد الإنسانية في قوانينها المحلية. بعض الدول لم تفعل ذلك بعد. إن الجرائم ضد الإنسانية، على عكس جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، لم يتم تدوينها بعد في معاهدات محددة للقانون الدولي، على الرغم من بذل الجهود للقيام بذلك. ومع ذلك، فإن حظر الجرائم ضد الإنسانية، مثل حظر الإبادة الجماعية، يعتبر حكمًا إلزاميًا في القانون الدولي، ولا يمكن الانتقاص منه، وينطبق على جميع البلدان.

       يعرف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الجرائم ضد الإنسانية في المادة (7) على أنها أي من الأفعال التالية عندما تُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين وبعلم بالهجوم: القتل، الإبادة، الاستعباد، الترحيل أو النقل القسري للسكان، السجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية بما ينتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي، التعذيب، الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الدعارة القسرية أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي ذات الخطورة المماثلة، اضطهاد أي جماعة لأسباب سياسية أو عنصرية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو نوع الجنس، الاختفاء القسري للأشخاص، جريمة الفصل العنصري، والأفعال اللاإنسانية الأخرى التي تسبب عمداً معاناة شديدة أو أذى خطيراً للجسم أو الصحة العقلية أو البدنية. لا يلزم ربط الجرائم ضد الإنسانية بنزاع مسلح حيث يمكن أن تحدث في وقت السلم، ويجب أن تُرتكب هذه الجرائم تعزيزًا لسياسة دولة أو منظمة لارتكاب هجوم، ويمكن استنتاج وجود هذه السياسة من مجمل الظروف حتى وإن لم تُعتمد رسميًا.

ثانيًا: تقييم انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في سياق العدوان الإسرائيلي على غزة

        لم تتوقف إسرائيل عن ارتكاب انتهاكات القانون الإنساني الدولي منذ حصار غزة عام 2006م، وما نتج عنه من حروب وصراعات. ونظراً للحرب المستمرة منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م، فقد أصبحت هذه الانتهاكات أكثر خطورة من حيث الكم والنوع، وتشمل انتهاكات اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الملحقة، ميثاق الأمم المتحدة، إعلان سانت بطرسبرغ لعام 1868م، بشأن حظر الأسلحة المتفجرة وقوانين الاحتلال العسكري، اتفاقية لاهاي لعام 1970م، الرامية إلى وضع قيود على استخدام الأسلحة في النزاعات المسلحة، وحظر استخدام الأسلحة في النزاعات المسلحة لعام 1925م، بروتوكول جنيف ضد استخدام الغازات السامة، واتفاقية مكافحة استخدام الأسلحة الكيميائية، واتفاقية أوسلو ضد استخدام أسلحة معينة، وغيرها من الاتفاقيات الدولية.

       وتواصل إسرائيل استهداف المدنيين حتى في ظل الحصار والتعزيزات المطبقة ميدانيًا، وهذا انتهاك واضح للمادة (16) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين والمادة (3) المشتركة في اتفاقيات زمن الحرب وجنيف، كما أن المواد الأربع تنص على أن "الأشخاص الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية يعاملون معاملة إنسانية في جميع الأحوال" وتضاف إلى القاعدة (7) والمادتين (48) و (2) من البروتوكول الإضافي الأول. وهذا ما نصت عليه المادة (52)، ومعناه أنه من الضروري التمييز دائمًا بين الأهداف المدنية والعسكرية واستهداف الأهداف العسكرية فقط. وقد تندرج هذه الانتهاكات تحت المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. يغطي هذا الحكم الأفعال المرتكبة ضد الأشخاص أو الممتلكات المحمية بموجب اتفاقيات جنيف، بما في ذلك القتل العمد والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، والأذى الجسدي الخطير، والتسبب عمدًا في معاناة كبيرة ودمار واسع النطاق والترحيل غير القانوني، والترحيل، والسجن الباطل، من بين قائمة طويلة جدًا لم تلتزم بها إسرائيل، وأهمها "المباني المخصصة للأغراض الدينية، والمستشفيات، والأماكن التي يتجمع فيها المرضى والجرحى"، والاعتداء المتعمد على شخص ما، فالهجوم على المستشفى المعمداني يوم 17 أكتوبر 2023م، كان مذبحة فاضحة". ومع ذلك، واصلت إسرائيل مهاجمة المرافق الطبية والعاملين فيها، وبحلول شهر يونيو 2024م، شنت إسرائيل أكثر من 340 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها، خلال الفترة ذاتها، ووصل عدد الشهداء من كوادر القطاع الصحي في غزة إلى 500، بينما أصيب المئات، وبلغ عدد المعتقلين أكثر من 130، ونفس الاعتداءات أخرجت 32 مستشفى و35 مركزًا صحيًا عن الخدمة في قطاع غزة، وتم تدمير 130 سيارة إسعاف. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الغذاء والمياه النظيفة والوقود اللازم لعملهم، فضلاً عن بعض الهجمات على العاملين الصحيين والعمليات والوحدات، تخضع للمواد (12) و (15) و (16) من البروتوكول الإضافي الأول.

        كما أن هناك انتهاكات أخرى لأحكام القانون الإنساني الدولي فيما يتعلق بنقل المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحتاجين وضمان حرية حركة عمال الإغاثة. قُتل ما يقرب من 193 من موظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الهجمات الإسرائيلية إلى غاية مايو 2024م، مما يجعله أكبر عدد من الموظفين الذين قتلوا في صراع في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن في الأمم المتحدة. وقد حال الحصار الشديد دون وصول المساعدات الغذائية، وهو ما كان أيضًا انتهاكًا للبند الذي يحظر استخدام التجويع كوسيلة للحرب، وبالتالي اعتبر جريمة ضد الإنسانية على ما يبدو في المادة (07) من النظام الأساسي ينطبق على كل ما يحدث في قطاع غزة. وذلك لأن الأفعال التي تشكل جرائم ضد الإنسانية تُرتكب "في سياق هجمات واسعة النطاق أو منهجية ضد السكان المدنيين، والترحيل أو الإبعاد القسري، والسجن أو الحرمان الخطير من الحرية الجسدية، والفصل العنصري".

ثالثًا: التقاطع بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان في الحالة الفلسطينية:

       يمنح القانون الإنساني الدولي، من خلال البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949م، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 43/37، للأشخاص في الأراضي المحتلة الحق في المقاومة. ويؤكد القرار "شرعية نضال الشعب من أجل الاستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية والتحرر من الاحتلال الاستعماري والأجنبي بكافة الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح". لكن من ناحية أخرى، لا يتضمن القانون أية أحكام تمنح قوة الاحتلال "حق الدفاع عن النفس" ضد الشعب المحتل. ولا تمنح أي إعفاءات خاصة في إسرائيل على أي أساس قانوني. كما أن القانون الإنساني الدولي، من خلال البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949م، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 43/37، يمنح الأشخاص الذين يعيشون في الأرض المحتلة حق الوصول إلى الأرض والحق في المقاومة. ويؤكد القرار رقم 43/ 37 على أن "شرعية نضال الشعوب من أجل الاستقلال وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية (...) والتحرر من السيطرة والاحتلال الاستعماري والأجنبي بكافة الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح". ومن ناحية أخرى، فإن القانون لا ينص على حق قوات الاحتلال في "الدفاع عن النفس" فوق الأراضي المحتلة، ولا يمكن أن يمنح حصانة خاصة لإسرائيل على أي أساس قانوني.

      تم انتهاك المادة (25) (اتفاقية احترام قوانين وأعراف الحرب البرية) التي تحظر مهاجمة المباني الخاصة المملوكة للسكان، حيث تنص على أنه "يحظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية مهما كانت الوسائل المستخدمة." ولا ينبغي شن مثل هذا الهجوم إذا كان من المتوقع أن يتسبب في مستوى غير متناسب من "الضرر العرضي للمدنيين" مقارنة بالمنافع العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. كما أنه ينتهك المادة (56) من نفس الاتفاقية، التي تنص على عدم جواز مهاجمة المؤسسات العامة في الحرب والتي "تعتبر ممتلكات البلديات وممتلكات مؤسسات الخدمات الدينية والجمعيات والأنشطة التعليمية والمؤسسات الفنية والعلمية، حتى لو كانت ملكاً للدولة، ملكية خاصة"

       إن الصياغة الواضحة للبندين وتركيزهما على منع تدمير أو إلحاق الضرر بهذه المرافق، سمحت لقوات الاحتلال بتعمد مهاجمة المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، وتدمير المتاحف والحدائق العامة. سلطت عدد من التقارير والشهادات الضوء على المباني المدمرة في قطاع غزة، بما في ذلك المباني الأثرية والثقافية والدينية. كما وثق المرصد الأوروبي المتوسطي لحقوق الإنسان هجمات جوية وقصف قوات الاحتلال على بعض المواقع التاريخية التي تشكل الجزء الأهم من التراث الثقافي لقطاع غزة، بما في ذلك المواقع الأثرية والمباني التاريخية ودور العبادة والمتاحف. وتشمل الآثار التي هاجمتها قوات الاحتلال المسجد العمري الكبير وسط مدينة غزة، الذي دمرت مئذنته، وثلاث كنائس تاريخية، من بينها كنيسة القديس بورفيري الأثرية، و146 منزلًا قديمًا تضم ​​معظم أجزاء المدينة القديمة مدينة غزة.

         كما كان هناك انتهاك لمبدأ "التمييز" من قبل قوات الاحتلال وهذا أحد مبادئ القانون الدولي الإنساني. وينص هذا المبدأ على الاستخدام المشروع للقوة في النزاعات المسلحة، حيث يجب على أطراف النزاع التمييز بين المقاتلين والمدنيين، كما تنص المادة (3) من اتفاقية جنيف لحماية المدنيين في وقت الحرب، المؤرخة في 12 أوت 1949م، وتنص الفقرة (1) على أنه "في جميع الأحوال، يعامل الأشخاص الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية، بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزين بسبب المرض أو الإصابة أو الاحتجاز أو لأسباب أخرى".

         لقد أوضح مسار الحرب أن إسرائيل تقصف مدن غزة بشكل عشوائي، دون التمييز بين الجنود والمدنيين. منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023م، قامت إسرائيل بأسر العديد من المدنيين في غزة بحجة أنهم جزء من المقاومة. وجردوهم من ملابسهم، وقيدوا أيديهم، وعصبوا أعينهم. وخلال هذه العمليات، اعتقلت إسرائيل أيضًا النساء وأطفالهن، وانتهكت مبدأ فصل المدنيين عن العسكريين، وأخضعت المدنيين للعنف الجسدي والنفسي، وهو ما يشكل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي.

         كما تشمل انتهاكات مبدأ التناسب على النحو المنصوص عليه في المادة (14) من القواعد العرفية للقانون الإنساني الدولي ما يلي: "الهجمات التي من المتوقع أن تتسبب في مقتل أو إصابة المدنيين عرضيًا، أو إلحاق أضرار بالممتلكات المدنية أو بسكانها بما يتجاوز هذه الخسائر، محظورة." ويستند هذا المبدأ إلى القواعد العرفية للقانون الإنساني الدولي للنزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. إن الفشل في تطبيق هذا المبدأ من شأنه أن يرقى إلى مستوى انتهاك القانون الدولي المعروف باسم "الاستخدام المفرط للقوة". وتتجلى انتهاكات هذا المبدأ في آلاف الغارات الجوية والقصف العنيف والقصف المدفعي من قبل قوات الاحتلال لمنطقة صغيرة مليئة بالمدنيين الذين لم يتمكنوا من الهروب، دون أي اعتبار للضحايا المدنيين.

رابعًا، المسؤولية الدولية لإسرائيل في غزة: انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني

       يبقى الرأي الدولي الرسمي السائد ممثلًا في كل من "اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، والجمعية العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والمحكمة الجنائية الدولية (الدائرة التمهيدية الأولى ومكتب المدعيّ العام) ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش،" إضافة إلى خبراء قانونيين دوليين ومنظمات أخرى وباحثين، ويعتبر هذا الرأي أن غزة منطقة محتلة منذ عام 1967م، معللا ذلك بأن إسرائيل تحافظ على السيطرة المطلوبة عبر الوسائل المختلفة، بما فيها الوسائل الحديثة واستخدام التكنولوجيا، ويشمل ذلك السيطرة على "المجال الجوي والمياه الإقليمية والمعابر البرية على الحدود وإمدادات البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المياه والكهرباء، والوظائف الحكومية الرئيسية، مثل إدارة السجل السكاني الفلسطيني،" وممارستها "أشكالًا أخرى من القوة، مثل التوغلات العسكرية وإطلاق الصواريخ،" وكونها "لم تنقل السلطات السيادية،" وهو ما يفرض على إسرائيل الالتزام بمزيد من القوانين في غزة، باعتبارها دولة محتلة، إلى جانب قواعد النزاعات المسلحة، وتتمثل تلك القوانين في اتفاقية لاهاي الرابعة واتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي العرفي والبروتوكول الإضافي الأول.

        تشكل الاعتداءات والانتهاكات الشاملة المستمرة على قطاع غزة، والأفعال المرتبطة بها، انتهاكًا جسيمًا لأحكام المادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977م، التي تحظر استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، وتمنع مهاجمة أو تدمير أو إزالة أو تعطيل الأشياء الضرورية لبقاء السكان المدنيين، مثل المواد الغذائية. بالإضافة إلى ذلك، تنتهك إسرائيل القاعدة (53) من القانون الإنساني الدولي العرفي، التي تحظر التجويع، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998م، الذي يصنف قتل السكان وإخضاعهم لأوضاع معيشية صعبة بقصد إهلاكهم كليًا أو جزئيًا وحرمانهم من الإمدادات الأساسية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، مثل الغذاء والمياه النظيفة والدواء، كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وجريمة إبادة.

         ترقى الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة وسكانه إلى مستوى جرائم الحرب، وتُرتكب على نطاق واسع في سياق سياسة ممنهجة تشمل القتل العمد والإعلان عن نية القضاء على السكان، وشن هجمات مع العلم بأنها ستتسبب في خسائر كبيرة في الأرواح بين المدنيين وإلحاق معاناة شديدة، أو أضرار خطيرة بالجسم أو الصحة. تتضمن هذه الاعتداءات تعمد توجيه هجمات ضد أهداف مدنية ليس لها صفة عسكرية، بهدف إلحاق تدمير واسع دون ضرورة عسكرية، وتهجير السكان بشكل غير مشروع، واستهداف الأماكن الدينية والتعليمية والفنية والعلمية، وكذلك المستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، بشرط ألا تكون أهدافًا عسكرية. كما تشمل الهجمات المباني والمواد والوحدات الطبية، وتعمد استخدام التجويع كوسيلة في الحرب من خلال حرمان المدنيين من المواد الأساسية لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية، كما تنص عليه اتفاقيات جنيف لعام 1949م، والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998م.

          تصرفات قوات الاحتلال الإسرائيلي في سياق الحرب على قطاع غزة، بوصفها أفعالًا صادرة عن أعلى المسؤولين المدنيين والعسكريين في دولة الاحتلال، ترقى إلى درجة الجريمة ضد الإنسانية كما يُعرّفها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. هذه الأفعال تُرتكب في إطار هجوم منهجي أو واسع النطاق ضد السكان المدنيين، مع العلم بالهجوم وبالنتائج التي ستترتب عليه. تتمثل هذه الجرائم في القتل العمد، والإبادة من خلال فرض أحوال معيشية قاسية على السكان، مثل الحرمان من الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء منهم، وإبعاد السكان أو نقلهم قسرًا من دون مبررات قانونية، ومواصلة اضطهاد سكان القطاع بحرمانهم بشكل متعمد وشديد من حقوقهم الأساسية التي يكفلها القانون الدولي، بسبب هويتهم الفلسطينية. كما تشمل الجرائم الفصل العنصري بوصفه جريمة ضد الإنسانية، والذي يُرتكب في سياق نظام مؤسسي قائم على الاضطهاد والسيطرة المنهجيين لإبقاء الهيمنة على الفلسطينيين وإدامتها، بما في ذلك في غزة.

      لقد سبق أن حذرت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية من أن إسرائيل، بقطعها المياه والكهرباء والإنترنت عن قطاع غزة، ومنع دخول القوافل الإنسانية المحملة بالأغذية والأدوية وغيرها من الإمدادات الضرورية لبقاء السكان، تتخذ خطوات عملية لتنفيذ تصريحاتها بشأن الإبادة الجماعية للفلسطينيين من خلال أي من الأفعال التالية المرتكبة بقصد تدميرهم كليًا أو جزئيًا بصفتهم مجموعة قومية: القتل؛ التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير؛ وفرض ظروف معيشية قاسية عليهم بقصد تدميرهم المادي كليًا أو جزئيًا. يبدو أن إسرائيل تتعمد من خلال حصارها لغزة ومواصلة قصفها بوحشية وعشوائية، إلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية وتدمير البنية التحتية وفرض ظروف معيشية قاسية على الشعب الفلسطيني بهدف تدميرهم ماديًا بشكل جزئي أو كلي.

الخاتمة:

      يتضح أن الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، وخاصة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023م، يشكل انتهاكًا صارخًا لمعايير الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وفقًا للقانون الدولي، وتتزايد خطورة هذه الانتهاكات مع استمرار الأعمال العدائية واستهداف المدنيين والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الصحية.

       كما تؤكد الأدلة والشهادات الموثقة أن إسرائيل ترتكب أفعالًا تنتهك بشكل مباشر اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها، فضلاً عن العديد من المعاهدات الدولية الأخرى التي تهدف إلى حماية المدنيين في زمن الحرب، ويشمل ذلك استخدام القوة المفرطة واستهداف المناطق السكنية، مما يؤدي إلى معاناة كبيرة وفقدان للأرواح. إنه لمن المهم أن يتم تطبيق المعايير القانونية الدولية بشكل صارم ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، بل ويجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، أن يتخذ خطوات فعّالة لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان في المناطق المتضررة.

مقالات لنفس الكاتب