بمناسبة مرور عشرين عامًا على مبادرة إسطنبول للتعاون التي تقودها منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بات من الضروري إجراء تحليل وتقييم شامل لطبيعة المبادرة وآفاقها المستقبلية، إلى جانب أثرها على البلدان الخليجية ومنظومتها الأمنية. وذلك ليس فقط على صعيد إسهاماتها الملموسة في سبيل دعم استقرار المنطقة الخليجية، بل أيضًا في ضوء تغير المعطيات والظروف المحددة للبيئة الأمنية الراهنة عما كانت عليه قبل 20 عامًا.
الناتو ومبادرة إسطنبول للتعاون-كشف حساب
طُرحت مبادرة إسطنبول للتعاون في عام 2004م، وذلك أثناء انعقاد قمة حلف الناتو في مدينة إسطنبول، باعتبارها آلية لتعزيز التعاون الأمني على أساس ثنائي بين الحلف الأطلسي ودول مجلس التعاون الخليجي. وفي الوقت الذي أعلنت كلًا من مملكة البحرين، والكويت، وقطر، والإمارات انضمامها إلى المبادرة، قررت سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية عدم الانضمام والبقاء خارج إطار عمل رسمي، مكتفية عوضًا عن ذلك، بالمشاركة في أنشطة مُختارة تتيحها المبادرة.
اتخذ التعاون العملي بين حلف الناتو وشركاء مبادرة إسطنبول للتعاون العديد من الصيغ والأنماط المختلفة مع التركيز على التعاون العسكري بين جيوش دول المبادرة، والحرب ضد الإرهاب، وتهديد أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى الأمن الحدودي، والجهوزية المدنية. كما تم وضع خطط عمل فردية مع الدول الأربعة المُشار إليها أعلاه، مع التركيز على التحول الدفاعي، وقابلية التشغيل المتبادل، والتعاون المدني -العسكري. كما ساهمت دول مجلس التعاون الخليجي في المهام والعمليات التي يقودها حلف الناتو، بما في ذلك مساهمة كل من البحرين والإمارات في "قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان"(إيساف)، وانضمام الكويت إلى" آلية الوعي المشترك لتفادي الاشتباك " (SHADE) من أجل مكافحة أعمال القرصنة في المحيط الهندي. فضلًا عن، مشاركة دولتي قطر والإمارات في عملية "الحامي الموحد "في ليبيا عام 2011م، علاوة على ذلك، يشارك شركاء مبادرة إسطنبول للتعاون بشكل منتظم في التدريبات التي يُجريها حلف الناتو.
على المستوى المؤسسي، تقوم مجموعة مبادرة إسطنبول للتعاون، التي تم إنشاؤها بعد إطلاق المبادرة مباشرة، بتنسيق التفاعلات والمشاركات التي تتم بصورة منتظمة. تُعرف المجموعة الآن باسم "لجنة الشراكات والأمن التعاوني". كما تم إنشاء المركز الإقليمي لحلف الناتو ومبادرة إسطنبول للتعاون في الكويت خلال عام 2017م، من أجل "تحسين الفهم المشترك للتحديات الأمنية، وتمكين التعاون الوثيق من خلال زيادة قابلية التشغيل البيني والتوحيد القياسي". وما يفوق ذلك أهمية، أن أنشطة المركز الإقليمي لحلف الناتو ومبادرة إسطنبول للتعاون متاحة ليس فقط لأعضاء المبادرة، بل أيضًا لسلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي.
فيما يتعلق بالاستقرار والأمن الإقليميين، يُمكن القول بأن مبادرة إسطنبول للتعاون لعبت دورًا مؤثرًا، وإن كان غير مباشر، في تعزيز التفاهم المشترك بين الأطراف حول التهديدات والمخاوف الأمنية المشتركة. وتجلى ذلك من خلال توفير المبادرة منصة فعالة للحوار والتشاور بين حلف شمال الأطلسي ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث أتاحت المبادرة مناقشة التحديات الأمنية الملحة في المنطقة وتبادل وجهات النظر وتقاسم أفضل الممارسات. ويشمل ذلك، التبادلات والاجتماعات المنتظمة التي تجرى على مستوى رؤساء الدول، والحكومات والسفراء، أو الخبراء، والموظفين. إحدى الآليات التي يجب تسليط الضوء عليها هي المشاركة والمساهمة في الدورات التدريبية التي تعقدها كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو في العاصمة الإيطالية روما. ويشمل ذلك دورة التعاون الإقليمي التي يعقدها الحلف بهدف تطوير التفاهم المتبادل حول القضايا محل الاهتمام المشترك بين دول مبادرة إسطنبول للتعاون، والحوار المتوسطي، والحلف الأطلسي.
يمكن القول بأن هناك أساس منطقي قوي لتوثيق العلاقات بين حلف الناتو ودول الخليج، فإن قائمة التهديدات التي بوسع البلدان الخليجية وحلف الناتو ممارسة دور جوهري في مجابهتها واسعة النطاق. وتشمل الملاحة البحرية، والصواريخ الباليستية، والانتشار النووي، ودور الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تنتهج العنف، والأمن السيبراني، والتطرف، وأمن الحدود، على سبيل المثال لا الحصر. يتشارك حلف الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي المخاوف ذاتها حيال كافة القضايا المشار إليها، وفي حين أن التحالف الغربي يتمتع بمجموعة واسعة من الأدوات والخبرات، فبإمكانه مساعدة دول مجلس التعاون الخليجي في التخطيط الدفاعي واستراتيجيات منع الاشتباك.
في الوقت ذاته، ينبغي الاعتراف بأن الدافع المنطقي المتوفر للتضافر من أجل مكافحة هذه التهديدات المستمرة لم يترجم بالضرورة إلى علاقة فعالة. يبرز هذا التساؤل جليًا بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث لم يتم بعد إثبات القيمة المضافة الملموسة التي يقدمها حلف الناتو كمنظمة أمنية تساهم في تعزيز الأمن الإقليمي. ويُعد مجال الأمن البحري مثالاً واضحًا على ذلك، إذ لم ينفذ حلف الناتو بنفسه أي مهمة بحرية في المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية للتصدي للعديد من التحديات التي تعيق الملاحة الآمنة، سواء أكانت أعمال القرصنة أم هجمات إيران على السفن عبر مضيق هرمز أم الهجمات الحوثية الأخيرة على الملاحة في البحر الأحمر. إن تداعيات هذه الاضطرابات وخيمة، إذ تؤدي إلى تعطل سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف التأمين وزيادة طول طرق الشحن لتجنب المناطق المضطربة. مع ذلك، جاءت الاستجابات ضد هذه التهديدات بشكل فردي من قبل بعض الدول الأعضاء بحلف الناتو مثل: الولايات المتحدة، من خلال تزعمها القوات البحرية المشتركة، وأحدث العمليات المعروفة باسم عملية "حارس الرخاء"، أو عن طريق الجانب الأوروبي من خلال عملية "أتالانتا"، وهي مهمة التوعية البحرية الأوروبية في مضيق هرمز، وكذلك عملية "أسبيدس" في البحر الأحمر. الأمر اللافت للانتباه هو غياب تام لأي مهمة يقودها حلف الناتو بصفته منظمة أمنية في هذا الإطار. علاوة على ذلك، فإن مهام الناتو الأخرى، مثل قواته البحرية الدائمة وعملية "حارس البحر"، تنشط في مناطق بعيدة عن اهتمامات دول مجلس التعاون الخليجي، مثل البحر الأبيض المتوسط واستجابةً لغزو روسيا لأوكرانيا.
ثانياً، يُنظر إلى حلف الناتو في منطقة الخليج على أنه كيان مثُقل يعاني من البطء والتعقيد في اتخاذ القرارات، وذلك بالنظر إلى ضرورة موافقة جميع الدول الأعضاء بالإجماع على أي قرار يتخذه الحلف. وقد تجسد هذا الإشكال جليًا في عملية انضمام فنلندا والسويد الأخيرة إلى الناتو، حيث تأجلت بسبب اعتراض تركيا. ولم يمضِ الانضمام قُدُمًا إلا بعد شهور من المناقشات السياسية والمقايضات التي جرت بين الأطراف. كما تكرر مشهد عدم التوافق بين الدول الأعضاء في حالة ليبيا، حيث وقفت فرنسا وإيطاليا على طرفي نقيض، ودعمتا أطرافًا متصارعة داخل البلاد. يُظهر هذا التباين انعدام الأولويات الأمنية المشتركة، إذ تخضع تقييمات التهديدات إلى اعتبارات سياسية مختلفة لدى الدول الأعضاء في الناتو.
ثالثًا، لا تلقى مبادرة إسطنبول للتعاون، في الوقت الراهن، اهتمامًا واسعًا لدى دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها ركيزة أساسية ضمن حساباتها الاستراتيجية الإقليمية. وعلى الرغم من الإعلان عن برامج عديدة، بل وحتى تنفيذ ومتابعة العديد منها، إلا أن نطاق هذه البرامج يُنظر إليه على أنه نابع من حسن النية وليس مساهمات جوهرية وملموسة. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تقييم فعالية التدابير القائمة بشكل كافٍ، ولم تُبذل جهود واضحة لبناء استراتيجية شاملة لتحديد النتائج المرجوة. وعليه، يظل نطاق عمل المبادرة محدودًا وغير مترابط إلى حد ما.
من العوامل التي تلعب بالتأكيد دورًا في عدم النظر إلى حلف الناتو باعتباره خيار استراتيجي في هذه اللحظة الراهنة وبعد مرور عشرين عامًا على طرح مبادرة إسطنبول للتعاون، هو أن العديد من التهديدات المشتركة التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال مستمرة دون هوادة في ظل تأثير محدود للبرنامج المطروح ضمن إطار مبادرة إسطنبول للتعاون، في تقليص نطاق هذه التهديدات. فقد تم بالفعل ذكر ملف الأمن البحري أعلاه، لكن هذا يشمل أيضًا المخاوف المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني أو دور الجهات الفاعلة غير الحكومية النشطة في المنطقة التي تنتهج العنف، والتي يتلقى الكثير منها دعمًا مباشرًا من جانب إيران. يتم تقييم فعالية أي آلية تعاون في نهاية المطاف من خلال قدرتها على تحقيق أهدافها وغاياتها المعلنة. وفي حالة مبادرة إسطنبول للتعاون ومن منظور خليجي، هناك تساؤلات حول ما إذا كانت تلك الأهداف قد تحققت بالفعل.
الناتو ومجلس التعاون الخليجي-أوجه القصور
على الرغم من أوجه القصور والمآخذ التي تم تحديدها، لا تزال دول مجلس التعاون الخليجي مهتمة بتطوير العلاقات مع حلف الناتو. وبالنظر إلى أن البيئة الأمنية في منطقة الخليج والشرق الأوسط الأوسع لاتزال غير واضحة على نحو كبير في ظل التهديدات المحدقة والمتمثلة في تصعيد إقليمي أوسع نطاقًا جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتواصل دول مجلس التعاون الخليجي جهودها الدؤوبة في سبيل إرساء منظومة أمنية شاملة تُعيد الاستقرار إلى المنطقة بعد ان شهدت ازديادًا ملحوظًا في حدة الاضطرابات. ويظلّ دور حلف شمال الأطلسي في هذه المعادلة غامضًا حتى الآن، ممّا يثير تساؤلات حول مدى مساهمته المحتملة في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.
وجدير بالتنويه بأن مبادرة إسطنبول للتعاون لا يُقصد بها منذ البداية أن تكون بديلاً عن الترتيبات الأمنية القائمة أو الجاري بحثها بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي. فعلى صعيد العلاقات الأمنية تظل الولايات المتحدة الشريك الأكثر أهمية ومحورية لدول مجلس التعاون الخليجي، ومن غير المرجح أن يتغير هذا في المستقبل القريب. وفي حين أن حلف الناتو يضم أيضًا الولايات المتحدة، فإن الالتزام الأوسع من جانب الناتو بأمن الشرق الأوسط ومنطقة الخليج لا يُنظر إليه على أنه بديل للعلاقات الدفاعية والأمنية الحالية مع واشنطن. من ثم، فإن مبادرة إسطنبول للتعاون هي قيمة مضافة محتملة، ولكنها ليست خيارًا بديلًا.
بدايةً، سيكون من المجدي الاستثمار في الآليات التي يمكن من خلالها تبادل وجهات النظر والتصورات حول كيفية معالجة التحديات الأمنية في المنطقة على أفضل وجه. إن عنصر الحوار السياسي المذكور أعلاه، يمثل أحد الجوانب التي يمكن العمل من أجل توسيعها وتكثيفها نظرا للحاجة إلى مناقشات أمنية متعمقة بين الشركاء الذين يجمعهم مخاوف متزايدة بشأن العديد من التهديدات الأمنية. وخلال قمة حلف "الناتو " في وارسو عام 2016م، اتفق الجانبان بالفعل على زيادة تبادل المعلومات وإجراء حوارات سياسية بوتيرة أكثر انتظامًا. ومع ذلك، كان التقدم الفعلي محدودًا وغير متسق مع عدم استخدام المركز الإقليمي لمبادرة إسطنبول للتعاون في الكويت بشكل كاف لهذه الأغراض. ومع تزايد نفوذ دول مجلس التعاون الخليجي وقدرتها على التصرف في كافة الأمور المتعلقة بالتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، فلابد الآن من إجراء حوار سياسي استراتيجي مؤسسي على فترات زمنية محددة.
بالنظر إلى العديد من التطورات التي كان لها تأثير على منطقة الشرق الأوسط خلال الآونة الأخيرة، والتي تؤكد أن الوضع الأمني الشامل في منطقة الخليج لايزال عرضة لمزيد من التقلبات، ينبغي على حلف الناتو مواصلة التأكيد على أن التزامه بأن أمن المنطقة لا يزال أحد محاور تركيزه رغم العديد من التطورات الأخرى التي استحوذت على اهتمامه في السنوات الأخيرة. يأتي في مقدمة هذا بالطبع، الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا والذي وصفه الناتو بأنه "الصراع الأكثر أهمية بالنسبة للمنظمة في الوقت الحالي، والعنصر الرئيسي وراء وجود الناتو في المقام الأول". ونتيجة لذلك، فإن كافة الأولويات والخطط الأخرى لحلف الناتو ترتكز على تأمين الجناح الشرقي للناتو وضمان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد روسيا. كما يخشى الحلف أن عدم تلبية كافة احتياجات أوكرانيا الدفاعية من الممكن أن يُشكّل محفزًا لتصعيد روسي محتمل، يفضي في نهاية المطاف إلى صدام عسكري مباشر على أراضي دول أوروبا الشرقية.
إلى جانب ذلك، فإن المنافسة المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة تمارس دورًا في التأثير على فكر التحالف الغربي على الرغم من عدم وجود رغبة هنا لدى الدول الخليجية في أن توضع في موقف يضطرها للاصطفاف إلى جانب طرف دون الآخر. وفي حين أنه من المفهوم أن حلف شمال الأطلسي هو في المقام الأول منظمة أمنية ذات توجه غربي، فإن برامج مثل مبادرة التعاون الدولي يُنظر إليها داخل دول مجلس التعاون الخليجي على أنها غير مرتبطة أو مشروطة بالضرورات والاعتبارات الجيوسياسية الأكبر التي لا ترتبط بالوضع الأمني على الأرض. إن توسيع الحوار السياسي من شأنه أن يشكل إحدى السبل لضمان بقاء دور حلف شمال الأطلسي ووظيفته مركزين على الأهداف المحددة التي تم تعريفها في البداية. ويمكن القول الشيء ذاته عن التطورات الحالية فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وطموحات إيران النووية، ودور الأمن البحري، فضلًا عن دعم حلف الناتو لإسرائيل. تعتبر كافة هذه القضايا اعتبارات رئيسية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند قيام دول مجلس التعاون الخليجي بتحديد كيفية هيكلة علاقتها المستقبلية مع حلف شمال الأطلسي.
وفي حين سبق وأن نوقش البرنامج النووي الإيراني ودوره في الأمن البحري أعلاه، فإن موقف حلف الناتو من الحرب على قطاع غزة يحتاج أيضًا إلى مزيد من التوضيحات. فقد سبق وأن أدان الناتو بشدة هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حركة المقاومة الفلسطينية حماس ضد إسرائيل، ووصفها بأنها أعمال إرهابية مروعة. وأعرب الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ومسؤولون آخرون في الناتو عن تضامنهم مع إسرائيل، مؤكدين أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. بالإضافة إلى ذلك، حث الناتو على اتخاذ تدابير للحيلولة دون المزيد من التصعيد في المنطقة مع الاستمرار في دعم إسرائيل وسط ردها على الهجمات. في الوقت ذاته، تنظر دول مجلس التعاون الخليجي إلى التحرك الإسرائيلي الغاشم ضد الفلسطينيين كمثال واضح يتسبب في انعدام الاستقرار الإقليمي، وخطر ينذر باحتمالات وقوع المزيد من التصعيد. بالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى رد الناتو حتى الآن على أنه يفتقر إلى حل سياسي للصراع حيث لم يشر إلى الحاجة إلى حل الدولتين الشامل والمستدام الذي يتعين على إسرائيل الإقرار به. وبالتالي، فإن أزمة قطاع غزة تضرب مثالًا آخر على أن حلف شمال الأطلسي ودول الخليج لديهم وجهة نظر مختلفة حول ما ينبغي أن يكون عليه النهج الصحيح والأفضل للمضي قدمًا.
الآفاق المستقبلية
عقدان من الزمن مرّا على إطلاق مبادرة إسطنبول للتعاون، مما يستدعي مراجعة استراتيجية لمشاركة حلف الناتو مع دول مجلس التعاون الخليجي. ولتحقيق مساهمة جوهرية في أمن الخليج، بات من الضروري بلورة إطار استراتيجي موحّد يعكس تصورات ومخاوف كل من حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي. ويتطلب ذلك تحويل مبادرة إسطنبول إلى شراكة ثنائية الاتجاه تُشارك فيها دول المجلس بشكل فعّال في تطوير المفهوم الاستراتيجي للمبادرة. كما يجب إيجاد سبل لضم المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان إلى المبادرة، وذلك تعزيزًا للتمثيل الخليجي وتوسيع نطاق التعاون. وقد صرح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية في ديسمبر 2013م، وهي الزيارة الأولى على الإطلاق للأمين العام للحلف، أنه " ثمة إمكانات هائلة للقيام بالمزيد من العمل مع المملكة العربية السعودية نظرًا للتحديات المشتركة التي تواجهنا".
وفي الوقت الذي كان الأمين العام لحلف الناتو واضحًا في إشارته إلى ملفات الأمن البحري، وحماية البنية التحتية الحيوية، ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الابتكار والتعليم العسكري كمجالات يجب التركيز عليها، فمن الواضح أن الخطوة الأولى هي ترتيب إدراج المملكة ضمن البنية الهيكلية لـ مبادرة إسطنبول للتعاون التي تم إصلاحها. بشكل عام، فإن مبادرة إسطنبول للتعاون في حاجة إلى العمل على زيادة مواءمة جوانبها العامة والخاصة على نحو أفضل. وعلى المستوى الأوسع لتبادل المعلومات والخبرات، تبرز الحاجة إلى إنشاء آليات مؤسسية منتظمة توفر تقييمًا شاملًا للقضايا التي تلعب دورًا في منطقة الخليج، والشرق الأوسط الأوسع، وشمال إفريقيا، وكذلك منطقتي القرن الإفريقي والساحل الإفريقي. ينبغي أيضًا تقريب الحوار بين مبادرات الناتو للحركة المتوسطية ومبادرة إسطنبول للتعاون بحيث لا يمكن فصل العديد من التحديات التي تواجه المناطق عن بعضها البعض. وفيما يتعلق بالمحاور المحددة، ثمة حاجة إلى أن يكون الإطار الاستراتيجي الموحد أكثر تفصيلًا ووضوحًا فيما يتعلق بطبيعة الالتزام الأمني وأين تكمن القيمة المضافة للعلاقة بين الجانبين. ولابد من التركيز على التدريب المشترك، وبناء القدرات، وتنسيق إجراء المناورات، وخاصة على جبهة الأمن البحري. وسيكفل هذا النهج -إذا تم تنفيذه كاملا-استمرار اضطلاع مبادرة إسطنبول للتعاون بدورها على مدار العشرين عاما المقبلة.