في الثامن والعشرين من يونيو 2024م، تُكمل مبادرة إسطنبول للتعاون، عشرين عامًا على إنشائها، حيث تأسست للتعاون بين دول منظمة حلف شمال الأطلنطي وبين دول إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وضمنه أربعة دول خليجية من دول مجلس التعاون الخليجي الستة. حيث التوسع المتتالي لحلف الأطلنطي الذي واكب تفكك الاتحاد السوفيتي وزوال حلف وارسو. مرورًا بأحداث 11 سبتمبر وما تلاها من غزو العراق، والربيع العربي، وزيادة وتنوع النشاط الإرهابي الدولي، وهو ما يحتاج وقفة تقييم للمبادرة بما لها وما عليها، وبما حققت من مكاسب تناسباً مع التهديدات الدولية والإقليمية في المجال الجيو استراتيجي والجيوسياسي للمبادرة، سواء في طور التمدد أو الثبات أو الانكماش، مع نظرة مستقبلية لما هو آت.
ويحتوى المقال على ستة محاور( أهداف إنشاء مبادرة إسطنبول ،والرؤى المتبادلة بين حلف الأطلنطي ودول الشرق الأوسط - تأسيس وتوسع حلف الأطلنطي ارتبطًا بالموقف الدولي وخاصة في شرق أوروبا والبلطيق - نتائج المبادرة خلال 20 عامًا، وأهمية تفعيلها الآن في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية الجديدة - الاستفادة المتوسطية والخليجية المستقبلية من المبادرة في ظل المتطلبات الأمنية والعسكرية -الرؤى المستقبلية للمبادرة تجاه دول المنطقة، وأمن الممرات المائية وطرق الملاحة البحرية - المبادرة والتعاون التدريبي والتأهيل الأكاديمي بين الناتو والأكاديميات العسكرية في الشرق الأوسط ومجلس التعاون).
أولًا: أهداف إنشاء مبادرة إسطنبول والرؤى المتبادلة بين حلف الأطلنطي ودول إقليم الشرق الأوسط:
مهدت الأحداث الدولية والإقليمية الشرق أوسطية الهامة، إلى خروج فكرة مبادرة إسطنبول إلى حيز الوجود، وكان أهمها قبل المبادرة بدء تعافي روسيا من فترة الضعف التي تلت تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، ثم أحداث 11 سبتمبر 2011م، التي اتخذتها الولايات المتحدة -من وجهة نظرها-كزريعة لغزو العراق باعتبار أن تلك هي الخطوة الصحيحة لمحاربة الإرهاب.
ثم أحداث الربيع العربي الذى أضر بمعظم الدول العربية والخليجية المشكلة لمعظم إقليم الشرق الأوسط، مما أوجد علاقة ومصلحة مشتركة لمزيد من التعاون والشراكة بين الإقليم من جهة، وبين حلف الأطلنطي الآخذ في النمو والتوسع ،وعينه على الصحوة الروسية والنمو الإيراني من جهة، والتحدي والتهديد العربي والشرق أوسطي والقضية الفلسطينية من جهة أخرى، مما مهد إلى مزيد من مفاهيم الشراكة والتعاون وخاصة بين الدول العربية ومنها الخليجية، في شكل علاقات ثنائية مع الحلف، ومتعددة الأطراف عربيًا وإقليميا، بهدف نشر الأمن والاستقرار الإقليمي كالآتي:
1 – المصالح المشتركة بين الحلف ودول الشرق الأوسط. 2 – رغم أنها مبادرة منفصلة، إلا أنها تأخذ في الاعتبار مصالح دول المنطقة وتكمل المبادرات الأخرى كالحوار المتوسطي للحلف، والشراكة من أجل السلام، مع استكمالها لمبادرات دولية أخرى، كالاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. 3 – تفضيل التعاون مع الناتو وخاصة في مجالات الأمن. 4 – لا يجب أن تعتبر المبادرة كتمهيد للانضمام إلى الحلف أو مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية أو الشراكة من أجل السلام، وليست وسيلة للحصول على ضمانات أمنية.5 – مراعاة الجهود الدولية الأخرى لإصلاح مجالات الديموقراطية والمجتمع المدني.
مضمون وأهداف المبادرة:
1 – تعزيز التعاون العسكري والعملياتي والقدرة على المشاركة مع قوات الناتو ضمن احترام ميثاق الأمم المتحدة. 2 – دعوة الدول المهتمة بالحضور كمراقب مع الحلف، وكذلك قوات حفظ السلام. 3 – تشجيع الدول من خارج الناتو على المشاركة في محاربة الإرهاب تحت مسمى (المسعى النشط). 4 – مع استكشاف صيَغ أخرى للتعاون ضد الإرهاب والدفاع عن النفس. 5-التعاون في الخطط المدنية للطوارئ لمواجهة التهديدات في البحر والجو وعلى الأرض، وإمكانية التعاون مع الشركاء لمواجهة الكوارث.
ولا يوجد للمبادرة إطار جغرافي محدد، بل متاحة للجميع وخاصة في محاربة الإرهاب والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.
تنفيذ المبادرة:
1 – المشاركة السياسية وصناعة الرأي لصالح قرارات الحلف الحالية والمنتظرة ومراعاة وجهات نظر الدول المهتمة من خارج الحلف. 2 – الالتزام بالأنشطة المشار اليها في المبادرة لكل مشارك من الخارج على حدة بصيغة (26+1) وهو عدد أعضاء الحلف إبان إطلاق المبادرة. والتي يمكن أن تكون الآن (32+1). 3 – مراعاة الخبرات المكتسبة منذ الإعداد للمبادرة وحتى تحرير هذا المقال. 4 – أهمية التعاون العسكري وبُعده العملياتي، للمشاركة الفعالة في التدريبات المختلفة وخاصة الجانب العملياتي الميداني كشرط للمشاركة، مع الأخذ في الاعتبار الخبرات المكتسبة والاتصال بين الدول، مع دمج الخبرات المكتسبة من الحوار المتوسطي والمتعدد الأطراف.
ثانيًا: تأسيس وتوسع حلف الأطلنطي ارتبطًا بالموقف الدولي وخاصة الحرب الروسية على أوكرانيا وتوسع الأطلنطي في حوض البلطيق:
تأسست منظمة حلف شمال الأطلنطي (ناتو) في الرابع من أبريل 1949م، حيث وقعت 12 دولة على معاهدة إنشاء الحلف وضمت كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والبرتغال، والنرويج، وهولندا، ولوكسمبورج، وإيطاليا، وأيسلندا، وفرنسا، والدنمارك، وكندا، وبلجيكا.
وبعد التأسيس بثلاث سنوات، بدأت دول أخرى في الانضمام إلى الحلف في خمسينيات القرن الماضي وهي اليونان وتركيا عام 1952م، ثم ألمانيا عام 1955م، كما لم تنضم أي دول للحلف خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي (لوجود حلف وارسو الذي يضم معظم دول أوروبا الشرقية). وإسبانيا التي انضمت للحلف عام 1982م، وكانت الأولى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.
وفي عام 1999م، (بعد زوال الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو) انضمت 3 دول للحلف هي التشيك، والمجر، وبولندا. وفي عام 2004م، شهد الحلف انضمام 7 دول هي بلغاريا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا.
- خريطة دول حلف الناتو عام 2024م. اللون الكحلي لدول انضمت قبل 1992م، والأزرق بعد ذلك
--البرتقالي لفنلندا وأخيرًا السويد، رقم 32.
وجدير بالذكر أنه في عام 1990م، ومع إعادة توحيد ألمانيا، توسع الناتو ليشمل الأراضي السابقة لألمانيا الشرقية. بين عامي 1994 و1997م، أُنشأت منتديات أوسع للتعاون الإقليمي بين الناتو وجيرانه، بما في ذلك منظمة الشراكة من أجل السلام ومبادرة الحوار المتوسطي ومجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية.
بعد التوسيع الرابع في عام 1999م، تشكلت مجموعة فيلنيوس لدول البلطيق وسبع دول من أوروبا الشرقية في مايو 2000م، للتعاون والضغط من أجل مزيد من عضوية الناتو. وانضمت سبعة من هذه البلدان إلى التوسيع الخامس في عام 2004. (حيث واكب ذلك إنشاء مبادرة إسطنبول للتعاون) وانضمت الدولتان المطلتان على البحر الأدرياتيكي ألبانيا وكرواتيا إلى التوسيع السادس في عام 2009م، والجبل الأسود في عام 2017م، ومقدونيا الشمالية في عام 2020م. وأصبح من بين الدول الأعضاء البالغ عددها 32 دولة، هناك 30 دولة في أوروبا واثنتان في أمريكا الشمالية، منهم ثلاث دول نووية هي الولايات المتحدة بريطانيا وفرنسا.
ومؤخرًا وحتى 7 مارس 2024م، وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا، انضمت دولتا الجناح الشمالي لبحر البلطيق فنلندا ثم السويد، لاستكمال الإقليم الاسكندنافى بعد الانضمام السابق لكل من النرويج والدنمارك، ليتحول بحر البلطيق إلى بحيرة للناتو يتخللها ساحل محدود لروسيا عند ميناء سان بطرسبرج وإقليم (كيلن جراد) الذي اقتطعته روسيا من بولندا بعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945م.
هذا وتنقسم منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى مؤسسات مدنية وعسكرية. ويعد المقر الرئيسي للمنظمة هو أعلى مؤسسة مدنية في الناتو، ويعمل كمركز سياسي استراتيجي، يُمكن لمندوبي الدول الأعضاء التشاور مع بعضهم البعض، والتوصل إلى قرارات توافقية في مجلس شمال الأطلسي، وهو الكيان النهائي لصنع القرار في حلف الأطلنطي.
كما ستظل السمة الرئيسية لحلف الناتو هي فلسفة الدفاع الجماعي الذي يُلزم جميع أعضاء الحلف بالنظر إلى أن أي هجوم مسلح على أي دولة عضو بالحلف، يعتبر كهجوم على جميع الدول الأعضاء بالحلف.
ثالثًا: نتائج المبادرة خلال 20 عامًا وأهمية تفعيلها الآن(2024) يظل المتغيرات والمعطيات الدولية والإقليمية الجديدة:
بعد تأسيس مبادرة إسطنبول في 28 يونيو 2004م، وتحديد المحاور الستة لمجالات العمل لكل من – إعداد الدفاعات وإعداد الميزانيات الخاصة بها – والتعاون والتدريب العسكري – والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب – ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل – وضمان أمن الحدود، وأخيرًا الخطط المدنية للطوارئ والمشاركة في التدريب والتأهيل للإنقاذ في حالة الكوارث. بالإضافة إلى نشاط التبادل الاستخباراتي لمحاربة الإرهاب وبناء الأجهزة الأمنية، وتهديد التدخلات الإيرانية المباشرة أو من وكلائها في الإقليم، وكذلك مخاطر الفراغ الالكتروني.
تعاقبت الفعليات بكثافة منذ العام 2005م، حيث عقد في مارس 2005م، مؤتمر الناتو والشرق الأوسط الذي حضره 100 من الخبراء يمثلون الناتو ودول من الشرق الأوسط ودول خليجية، وتم إنشاء مركز التدريب والتأهيل الإقليمي للناتو في الكويت، وبدأ يؤدى بكفاءة عالية عادت بالفائدة على الإقليم والحلف أيضًا، ولكن بعد عشرين عامًا من انطلاق المبادرة وفى العام الحالي 2024م، نجد أن الخط البياني الحالي للمبادرة لا يرتفع إلى أعلى كسابق عهده بل التراجع أو الثبات دون تقدم على أحسن الأحوال، ويمكن أن نلخص ذلك فيما يلي:
1 – ميل الناتو للتعامل مع دول الخليج الأربعة المنضمة للمبادرة (الكويت-البحرين-قطر-الإمارات) بشكل فردى-حتى ولو انضمت السعودية وعُمان-وليس بشكل جماعي، رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي تمثل نسق جيواستراتيجي وجو سياسي واحد ومتسق، رغم تفاوت القوى الشاملة لوحداته القُطرية كل على حدة. مما أوجد نوعًا من عدم الاتساق (الأطلنطي-الخليجي).
2 – لم تكن حدود المشاركة واضحة بين أعضاء المبادرة من الأطلنطي ودول الخليج الأربعة، وأيضًا باقي الشركاء الخليجيين والشرق أوسطيين.
3 -عدم رضا بعض مسؤولو الناتو عن أداء المبادرة مع مضىِ الزمن، كما قال أمين عام الحلف الأسبق(راسموسن) نصًا" مبادرة إسطنبول بدأت واعدة عام 2004م، ولكن السنوات الأخيرة أثبتت صعوبة أكبر في تكثيف تعاوننا العملي ونحن بصراحة لم نقترب من تحقيق إمكانات شراكتنا" وأضاف راسموسن "لنكن صريحين، بعدما كانت البداية مشجعة، يبدو الأمر غير سهل بالسنوات الأخيرة، ونحن لم نقترب من تحقيق إمكانات شراكتنا "
4 – كما أن البعض يرى تراجع اهتمام الناتو من قلب الشرق الأوسط ثم من حوافه في الخليج، بالانسحاب الأمريكي من المنطقة كما تم من العراق ثم من أفغانستان (وبشكل غير لائق) مع زيادة الاهتمام بالأطراف في الاندوباسيفيك وجنوب وشرق آسيا. كامتداد لحرب باردة جديدة.
ونرى أن تقييم مبادرة إسطنبول بعد 20 عامًا، يمكن أن يكون إضافة لمحصلة التعاون والشراكات المختلفة، بتلافي المنظور الفردي والتركيز على المنظور الجماعي، خاصة في المرحلة المقبلة لتطور أزمة الشرق الأوسط وحلحلة الصراع العربي الإسرائيلي حيث يمكن أن تلعب الدول العربية والخليجية القوية دورًا هامًا في ذلك وخاصة بعد تصاعد أزمة غزة، خاصة أن حلف الأطلنطي منغمس وما زال في الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث تتحرك روسيا حثيثًا إلى الأمام، مستغلة الموقف في أوكرانيا والشرق الأوسط والانتخابات الأمريكية المرتقبة.
رابعًا: الاستفادة المتوسطية والخليجية المستقبلية من مبادرة إسطنبول، في ظل المتطلبات الأمنية والعسكرية التي تواجه المنطقة مع زيادة المخاطر الدولية والإقليمية:
إن زيادة المخاطر وعدم الاستقرار الدولية والإقليمية الحالية والمتوقعة، والتي ينعكس جزء كبير منها أمنيًا وعسكريًا على معظم دول إقليم الشرق الأوسط وكل دول الخليج العربي وفى قلبه دول مجلس التعاون الخليجي، سوف تكون مؤشرًا دالًا على حجم ونوعية الاستفادة العائدة من مبادرة إسطنبول للتعاون الإقليمي بشكل عام، والمتوسطي والخليجي بشكل خاص.
1 -فإذا نظرنا إلى المخاطر والأزمات الدولية الحالية وخلفياتها وتداعياتها، نجد أن أغلبها يتشكل حول المحيط الخارجي لقلب العالم القديم، مثل أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا وتصاعدها بالتوازي مع موقف حلف الأطلنطي، وكذلك الصراع الامريكي / الصيني وفى قلبه تايوان وكوريا الشمالية وتداعيات ذلك على إقليم الإندوباسيفيك، والتنافس الذي وصل إلى مرحلة من الصراع بين الشرق والغرب على الثروات والمواد الخام في إفريقيا.
2 -اما الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، فقد يبدو دوليًا بالدرجة الأولى عند النظر إليه من خلال الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين المعنيين بسياسة التوسع الإسرائيلي على حساب الأرض والشعب الفلسطيني، أكثر منه كما يبدو من خلال باقي القوى الكبرى الأخرى. كما قد يبدو إقليميًا في حالة النظر اليه من خلال الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ودول القوى الإقليمية متوسطة القوة من خارج الدول العربية كإيران وتركيا.
3 -فى المجال الإقليمي العربي على وجه التحديد، تظهر الأزمات القُطرية إما ازدواجية ثنائية كما في ليبيا والسودان واليمن، وإما تأخذ منحى تفتتي متعدد الأطراف كما في سوريا والعراق والصومال. لتبقى الكتلة العربية الأكثر تماسكًا رغم التحديات الأمنية العسكرية والاقتصادية والجيوسياسية لكل من الشمال المغاربي العربي-والوسط المصري الأردني-والشرق الخليج لدول مجلس التعاون.
المبادرة والمتطلبات الأمنية العسكرية في المنطقة العربية وخاصة الخليجية:
تتداخل المبادرة مع حلف الأطلنطي فيما يخص تلك التهديدات المستهدِفة الشرق الأوسط وإقليمه الفرعي في الخليج العربي، ولعل أهمها الآتي:
1 – التهديد الإسرائيلي: وهو جوهر التهديد منذ قرار التقسيم الجائر لفلسطين بين اليهود والعرب طبقًا لقرار الامم المتحدة ومجلس الأمن رقم 181 في 29 نوفمبر 1947م، والجوْر الواضح حيث أعطى للغالبية الفلسطينية الكبيرة، المساحة الأقل بنسبة 43% والعكس لإسرائيل التي حظيت بنسبة 56 %ليبقى 1% موحد للقدس. لتنهي بريطانيا الانتداب على فلسطين في 14 مايو 1948م، ليعلن قيام دولة إسرائيل في اليوم التالي، لتولد الأزمة والتوسع الإسرائيلي الذي ابتلع فلسطين فيما يعرف حتى الآن بالصراع العربي / الإسرائيلي أو أزمة الشرق الأوسط. الباقية بدون حل عادل حتى الآن، رغم التفاقم مؤخرًا في غزة.
2 – التهديد الإيراني: واكب قيام ثورة 1979م، بدءًا بالصراع مع العراق أو احتلال أراضٍ عربية إماراتية، وانتهاءً -حتى الآن-بالصراع مع العديد من الدول العربية، إما بتهديد إيراني مباشر، أو من خلال وكلاء إيران في كل من سوريا-ولبنان-وغزة – والعراق-واليمن الآخذ في التوسع بالتوازي مع أزمة غزة.
3 – الانقسان والتفتت العربي: السودان وقد انقسم إلى دولتين، وجار صراع مسلح بين القوات الحكومية وميليشيات منشقة تصارع على السلطة والخاسر هو السودان. ثم الانقسام والازدواج الليبي لكيان الدولة ومؤسساتها وثرواتها بين شرق وغرب ليبيا. وأيضًا الانقسام اليمنى بين الدولة والميليشيات الحوثية -وكذلك التفتت الصومالي. حيث تصنف بعض تلك الدول كدولة فاشلة، أو في طريقها إلى الفشل.
وإذا كانت هناك جهودًا مؤسسية وتجمعات نوعية ومشاركات دولية ومنها حلف الأطلنطي وما ينبثق عنه من مبادرات كمبادرة إسطنبول، ولكن تبقى معظم الحلول مرهونة بالتوحد العربي والإرادة العربية كمحصلة للقوى الشاملة لدول الإقليم العربي، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ومجتمعيًا.
خامسًا: الرؤى المستقبلية للمبادرة لاستقرار المنطقة وأمن الممرات المائية وطرق الملاحة البحرية:
تعتبر الممرات المائية بمثابة شرايين الحركة والملاحة البحرية سواء المدنية للأساطيل التجارية، أو العسكرية لأساطيل القتال البحري فوق وتحت سطح الماء. كما تمثل المضايق البحرية نقاط اتصال وسيطرة بين البحار والمحيطات، ويزخر العالم القديم (أوروبا-وآسيا -وإفريقيا) بغالبيتها حيث البحار والخلجان الداخلية الهامة المتحكمة في حركة التجارة العالمية أو الأساطيل العسكرية.
وتحظى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأهم تلك البحار والمضايق حيث البحرين الأبيض والأحمر والخليج العربي، ارتباطًا بمضايق جبل طارق وباب المندب وهرمز وقناة السويس، حيث أغلب طرق التجارة العامة وكذلك النفط. بين الشرق والغرب. وقد زخرت تلك المنطقة وخاصة جنوب البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي بالعديد من الأزمات، سواء المحلية كالقرصنة الصومالية، أو إقليمية كتهديد القاعدة المتقطع، والتهديد الحوثي وكيل إيران أو إيران ذاتها، وما استتبع ذلك من مقاومة دولية .
ولعل الأخطر حاليًا بالتوازي مع أزمة غزة (الفلسطينية-الإسرائيلية) هو التهديد الحوثي للملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، بدعوى استمرار قصف إيلات بالصواريخ والمسيرات (لم تصب إيلات حتى الآن) ومهاجمة السفن الإسرائيلية أو التابعة أو التي ترفع أعلام موالية. وقد استتبع ذ لك تعديل البحرية الأمريكية التابعة للقيادة المركزية (البحرية) لموقف مجموعات القتال أرقام 150- 151- 152 التي تعمل في مناطق خليج عمان- وخليج عدن – والبحر الأحمر، مع دعم من مجموعتين من المسيرات الجوية والبحرية.
تم تشكيل مجموعة عمل متعددة الجنسيات(153) تحت قيادة الأسطول الخامس الأمريكي في الخليج العربي(بالبحرين) لتسيير دوريات بين البحر الأحمر وخليج عدن خلال الممر المائي بين مصر والسعودية عبر مضيق باب المندب، وحتى قبالة الحدود اليمنية-العمانية. الفرقة الجديدة تضم عددًا من2 إلى 8 سفن. كما جاء في تصريح نائب قائد الأسطول الخامس الأمريكي براد كوبر.
وقد وسعت الميليشيات الحوثية من دائرة الاستهداف البحري التي طالت العديد من السفن بما فبها البريطانية والأمريكية بدرجات متفاوتة، مما أثر بالسلب على حركة الملاحة والتجارة الدولية وخاصة عبر البحر الأحمر وقناة السويس التي انخفض دخلها مؤخرًا إلى 40-50%. ويمكننا اعتبار أجزاء من تلك التشكيلات البحرية الأمريكية / الغربية جزء من قوات الناتو في الخليج العربي والبحر الأحمر وبالتالي جزء من مبادرة إسطنبول ولو بشكل غير مباشر.
.
سادسًا: المبادرة والتعاون التدريبي والتأهيل الأكاديمي بين الناتو وبين الأكاديميات العسكرية في الشرق الأوسط ومجلس التعاون الخليجي):
اهتمت مبادرة إسطنبول اهتمامًا بالغًا بما يخص التدريب بمختلف أنواعه ومستوياته، سواء التدريب الأكاديمي النظري وما يبنى عليه من التدريبات العملية والتكتيكية الميدانية مع التركيز على الجانب العملياتي ومحاكاة ما يتم وما قد يتم مستقبلًا، ليتماشى مع التطورات الميدانية المتلاحقة والمتغيرة وخاصة في مجال محاربة الإرهاب، بتعاون وثيق بين حلف الناتو الممثل في أكاديميته المتخصصة في بروكسيل بلجيكا، التي تطورت لتغطي متطلبات أكاديمية استراتيجية عسكرية ومدنية لمستوى البكالوريوس والماجستير.
كما تطورت الأكاديميات المتنوعة في الشرق الأوسط وخاصة في الدول العربية، والتي بدأتها مصر في ستينيات القرن الماضي، ثم توسعت لتشمل العديد من الدول العربية وخاصة الخليجية في مجالات كليات الحرب والدفاع الوطني، مع تطور ملحوظ في المجالات العملية ومحاكاة المباريات الحربية والسياسية بما يواكب التطور النوعي في مقاومة الإرهاب والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل ومقاومة الكوارث الطبيعية وغيرها.
ولا شك أن اشتراك الدول الخليجية الأربعة (الكويت-والبحرين-وقطر والإمارات) في المبادرة عسكريًا ودبلوماسيًا، قد أعطى دفعة إقليمية خليجية زادت بمشاركة السعودية وسلطنة عمان في الفعاليات حتى ولو من خارج عضوية مبادرة إسطنبول، وكذلك مصر والأردن والمغرب والعراق وموريتانيا. ولكن الدفعة القوية جاءت من الكويت كما سيلي.
مركز التدريب الإقليمي للناتو بالكويت:
حيث كوْنه مقر تدريبي استشاري تخصصي، تحت إشراف ممثل في كل المجالات الفنية والحكومية لدول الخليج الأربعة السابق ذكرها. حيث ووفق على إنشائه في مؤتمر شيكاغو بالولايات المتحدة في 20 مايو 2012م، وتم افتتاحه في 23 يناير 2017م، حيث توالت الفعاليات بكثافة، مستهدفة شبكة واسعة من الشركاء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال الحوار المتوسطي واُطر الشراكة لمبادرة إسطنبول.
وقد بدأ الكويت بتخصيص 5000 متر مربع لإقامة مركز التدريب الإقليمي للناتو بالكويت، ودارت العجلة بسرعة ليكون لدى المركز حتى عام 2017م، (شريحة زمنية) عدد 2500 خريج-48 برنامج تدريبي-40 فعالية من ورش العمل والمؤتمرات على مستوى السفراء والمناصب العليا العسكرية والمدنية كمثال. حيث يحتـوى المركز على ثلاثة محاور هي، التدريب العسكري-والحوار السياسي-والدبلوماسية العامة.
كما استحدث المركز سلسلة (أحاديث الناتو) التي تضم أربعة فعليات في العام، وكل فعالية تخص موضوع واحد مع جهة واحدة مثل قيادة قوات مسلحة لدولة ما، حيث يشارك السفراء والملحقين العسكريين وكذلك المتقاعدين من الرتب الكبيرة (فريق ولواء) لنقل الخبرات. وكذلك التعاون في المجال البحثي كما تم بين المركز والجامعة الأمريكية بالكويت في مجالات الأمن البحري وأمن الطاقة، مع عدم إغفال التغيرات المناخية كمثال.
ونخلص إلى:
إن مولد مبادرة إسطنبول، واكب تغيرًا كبيرًا في البيئة الجيواستراتيجية، فدولياً كانت زيادة وتيرة توسع حلف الناتو على حساب معظم دول حلف وارسو السابق ودول شمال البلطيق، حيث زادت هواجسهم تجاه التهديد الروسي المنتظر وخاصة مع الحرب الروسية على أوكرانيا. أما إقليميا فكان هناك تفاوت في أداء الحلف بعد أحداث سبتمبر والربيع العربي، مع دعم أطلسي للخليج، اعقبه فراغ خليجي لانسحاب الولايات المتحدة من الكويت ثم أفغانستان على حساب زيادة تواجدها في الاندوباسيفيك. وقد ظل الحلف على نهجه بالتعامل الخليجي بشكل فردى، مما قلل من المردود المؤسسي الخليجي والعربي الشرق أوسطي، حيث عدم إحراز تقدم أمريكي تجاه أزمة الشرق الأوسط رغم التصاعد في مأساة غزة، مما يحتاج إعادة تقييم المبادرة بما لها وما عليها.