array(1) { [0]=> object(stdClass)#13549 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 199

ضرورة إعادة النظر في مضامين المبادرة على ضوء المستجدات الأمنية في الخليج

الخميس، 27 حزيران/يونيو 2024

ضمن استراتيجيته خلال حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة سعى حلف شمال الأطلسي" الناتو" لتأسيس عدة شراكات في مناطق مختلفة من العالم رأى أنها تحتوي على مصالح حيوية لدوله الأعضاء ومن بينها مبادرة إسطنبول للتعاون التي أطلقها الحلف خلال قمته في مدينة إسطنبول خلال الفترة من 28-29 يونيو2004م، متضمنةً عدة مجالات للتعاون الأمني والعسكري بين الحلف ودول الشرق الأوسط الموسع على أن تبدأ بدول الخليج العربي والتي انضمت أربع منها بالفعل للمبادرة، ومع أنه من المعتاد أن تستقبل منطقة الخليج العربي عبر تاريخها مبادرات أمنية من جانب القوى الكبرى والمنظمات الدولية فإن التساؤل الرئيسي الذي أثير- ولايزال- ما هي القيمة المضافة التي تضمنتها مبادرة الحلف لدول الخليج والتي لديها بالفعل شراكات أمنية متميزة مع دوله الأعضاء؟ تساؤل محوري يرتبط به تساؤلات أخرى حول ظروف إطلاق المبادرة وما حققته من نتائج ومتطلبات تطويرها وجميعها ستكون محاور لهذه الورقة.

 ظروف إطلاق مبادرة إسطنبول عام 2004م ومضامينها

 دأب باحثو العلوم السياسية على الربط بين المبادرات الأمنية وظروف إطلاقها وهذا منطق صحيح، فالقرارات الاستراتيجية ترتبط بالبيئة التي تعمل فيها على نحو وثيق ففي  أعقاب عام 2003م،  لوحظ ترويج مراكز الفكر الغربي لمفهوم" الشرق الأوسط الكبير أو الجديد "وكان ذلك نتيجة للغزو الأمريكي للعراق آنذاك والذي روجت تلك المراكز بأنه بعد الإطاحة بالنظام العراقي سيكون العراق نموذجاً للتحول الديمقراطي في المنطقة ومن ثم ووفقاً لهذا التفسير فإن المبادرة هي الإطار السياسي والأمني لوضع تلك المفاهيم موضع التطبيق تحت مظلة الشراكة مع الناتو، والتي ربما رأى الحلف  أن بؤرة التفاعلات المحورية هي منطقة الخليج ولذا عن قصد يجب أن تبدأ بالخليج، ففي الفقرة (37) من البيان الختامي في قمة إسطنبول المشار إليها تضمنت الآتي" لقد قررنا اليوم تقديم التعاون لمنطقة الشرق الأوسط الأوسع من خلال إطلاق "مبادرة إسطنبول للتعاون". وتقدم منظمة حلف شمال الأطلسي هذه المبادرة إلى البلدان المهتمة في المنطقة، بدءًا ببلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لتعزيز العلاقات الثنائية ذات المنفعة المتبادلة، وبالتالي تعزيز الأمن والاستقرار. وتركز المبادرة على التعاون العملي حيث يمكن للناتو أن يضيف قيمة، لا سيما في مجالي الدفاع والأمن. وهذه المبادرة متميزة عن المبادرات الأخرى التي تشارك فيها جهات فاعلة دولية أخرى، ولكنها تأخذ في الاعتبار وتكمل هذه المبادرات"، وتعكس تلك الفقرة وبوضوح الإطار الجغرافي للمبادرة وهو الشرق الأوسط الموسع بالرغم من عدم تحديد ذلك المفهوم ولكن البدء بالشراكة مع دول الخليج العربي والهدف هو تقديم قيمة مضافة في مجالي الأمن والدفاع دون تحديد ذلك المفهوم أيضاً ،مع التأكيد على أن دور الحلف يعد مكملاً لا منافساً للأدوار الدولية الأخرى التي تضمنت مبادرات مماثلة، وقد يكون لذلك التفسير وجاهته إلا أنه على الجانب الآخر لابد من الأخذ بالاعتبار أن دول الخليج العربي من بينها دول صغرى ومن خياراتها الأمنية تأسيس شراكات مع القوى الكبرى والمنظمات الدفاعية مثل الناتو بما يعنيه ذلك من التقاء المصالح تكاملاً لا تضارباً بين أهداف الحلف واحتياجات دول الخليج العربي، حيث تضمنت المبادرة ستة مجالات أمنية وهي:

1-تقديم استشارات في مجال الإصلاحات الدفاعية وميزانية الدفاع والتخطيط والعلاقات المدنية العسكرية.

2-تشجيع التعاون العسكري-العسكري في تبادلية التشغيل من خلال المشاركة في مناورات عسكرية معينة.

3-مكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات والتعاون البحري.

4-المساهمة فيما يقوم به الحلف من أعمال لمواجهة التهديدات التي تمثلها أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها.

5-تشجيع التعاون حيثما يكون ملائماً وحيثما تكون هناك فائدة يضيفها الناتو في مجال أمن الحدود وخاصة فيما يتعلق بالإرهاب والأسلحة الخفيفة ومكافحة عمليات التهريب غير الشرعية.

6-تشجيع التعاون في مجال التخطيط لحالات الطوارئ المدنية.

 وربما تكون تلك المجالات أو بعضها هي مضامين شراكات دول الخليج العربي ذاتها مع الدول الكبرى أعضاء الحلف من خلال التعاون الثنائي ولكن شراكة الناتو تختلف من عدة جوانب أولها: أن التعاون مع  الدول الراغبة في الانضمام إلى تلك المبادرة هو أمر اختياري فلكل دولة مطلق الحرية في اختيار ما يناسبها من مجالات التعاون، وثانيها: اختيار الحلف مجالات يمكن أن يقدم فيها قيمة مضافة في الأمن لإدراكه أن هناك شراكات أخرى قدمت تعاوناً مماثلاً ، وثالثها: المنفعة المتبادلة فالحلف ليس ميكروسوفت الأمن العالمي ولكنه يدعم قدرات الدول وفي الوقت ذاته يحقق منافع لدوله الأعضاء، ومع أن الغموض اكتنف بعض مفاهيم المبادرة ولكن الحلف قد حدد منذ البداية أن تطور الشراكة ضمن تلك المبادرة لا يعني تأهيل الدول الشريكة لنيل عضوية الحلف، كما أن صيغة التعاون هي 32+1 أي الحلف ككل مقابل كل دولة على حدة ولا يمكن لأي دولة الاستفادة مما تحصل عليه دولة أخرى من الحلف، إلا أن الجدل والنقاش قد استمر حول الأهداف الحقيقية للمبادرة وكان ذلك مثار اهتمام كاتب تلك السطور خلال دعوته للعمل كموجه أكاديمي ضمن تمرين إدارة الأزمات بكلية الدفاع بحلف الناتو بروما على مدى عشر سنوات متتالية وكانت الإجابة من مسؤولي الحلف هي" نساعدكم لتساعدوا أنفسكم"  بما يعنيه في النهاية الحفاظ على مصالح دول الحلف.   

 رؤى دول الخليج العربي لمبادرة إسطنبول

 انطلاقاً من أن الشراكات الدولية أحد الخيارات الأمنية للدول الصغرى فقد لوحظ ترحيب أربع من دول مجلس التعاون بالمبادرة والانضمام إليها خلال النصف الأول من عام 2005م، وهي البحرين، والإمارات، والكويت، وقطر فيما بقيت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارج إطار المبادرة حتى الآن، وقد سبق انضمام تلك الدول زيارات متبادلة مع مسؤولي الناتو وكذلك تنظيم بعض المؤتمرات التي استهدفت في مجملها تبادل وجهات النظر حول مضامين وآفاق تلك الشراكة الجديدة، وقد لوحظ تبايناً في وجهات نظر دول الخليج حتى تلك التي انضمت للمبادرة ويمكن إجمالها في ثلاث نقاط أولها: أن لدى الدول الخليجية  الأربع قناعة تامة بطبيعة التحولات التي طرأت على طبيعة ودور حلف الناتو بحيث أصبح لديه خبرات أمنية متنوعة يمكن لدول الخليج الاستفادة منها  كدول صغرى ترى أن الشراكات الدولية هي صمام الأمان للحفاظ على توازن القوى الإقليمي وتلك هي المعضلة الأمنية المزمنة للدول الصغرى، وثانيها: في ظل ارتباط دول الخليج العربي باتفاقيات أمنية مع القوى الغربية الكبرى بعد حرب تحرير دولة الكويت عام 1991م، فإنها تعتبر أن تلك الاتفاقيات هي جوهر علاقاتها بالدول الغربية  ومن ثم فإن دور حلف الناتو يمكن أن يكون مكملاً لإطار التعاون الثنائي بغض النظر عما يقدمه الحلف من أوجه تعاون، وثالثها: يمكن تفسير تباين مواقف الدول الأربع التي انضمت للمبادرة بالنظر لعمومية مجالات التعاون وعدم شمولها كافة المجالات ولكن ربما تتطور المبادرة مستقبلاً لتشمل أمن الطاقة الذي لم يرد صراحة في المبادرة وكذلك التعاون في المجال العسكري بما يحقق توازن القوى، وعلى الجانب الآخر كانت لكل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان مبرراتها في عدم الانضمام للمبادرة، فالمملكة وفقاً للتصريحات الرسمية حول المبادرة كانت تريد المزيد من المعلومات حول أهداف المبادرة ،كما أنها تريد إبعاد المنطقة عن التحالفات، أما سلطنة عمان  فإضافة إلى سياسة الحياد التي تنتهجها السلطنة فإنها تفضل تطوير العلاقات الثنائية مع القوى الكبرى ولا تريد أن تكون سياساتها الإقليمية موجهة ضد هذا الطرف أو ذاك مع التركيز على تطوير منظومة مجلس التعاون.

مبادرة إسطنبول للتعاون: حصاد عشرين عاماً

عكست السنوات التي تلت إطلاق مبادرة إسطنبول اهتماماً كبيراً من الحلف والدول الخليجية الأربعة الشريكة للتعرف على سبل تفعيل مضامين المبادرة فكانت المؤتمرات سواء في مقر الحلف أو في دول الخليج والتي تناولت قضايا عديدة كان من بينها أمن الطاقة بالرغم من أنها قضية لم ترد صراحة في بنود المبادرة الست، ولكن وبشكل أكثر تحديداً فقد أسفرت المبادرة عن توقيع اتفاقيات بشأن حماية وتبادل المعلومات  الأمنية بين حلف الناتو والكويت عام 2006م ، ومع البحرين 2008م،  ومع الإمارات عام 2009م، ومع قطر عام 2018م، وجميعها اتفاقيات أمنية وليس ذات طابع عسكري، فضلاً عن اتفاقية المعابر بين الحلف ودولة الكويت عام 2016م وتتضمن عبور قوات الناتو من أراضي دولة الكويت لدولة أخرى على ألا يتم استخدام الاتفاقية لدعم هجوم عسكري ينطلق من الأراضي الكويتية ويتم تجديد تلك الاتفاقية كل خمس سنوات، بالإضافة لإجراء الحلف مناورات عسكرية استضافتها دولة الكويت خلال الفترة من 4-9 نوفمبر 2008م وقد تضمن السيناريو النهائي لتلك المناورات مكافحة تهديدات الأمن البحري، ومع أن المناورات المشتركة هي رسالة ردع فإن الأمين العام للحلف آنذاك جاب هوب دي شيفر قال رداً على سؤال بشأن دور الحلف في تأمين منطقة الخليج العربي " ليس للحلف دور في تأمين منطقة الخليج العربي حيث أنه وفقاً للبند الخامس من اتفاقية واشنطن فإن الحلف ملتزم بأمن واستقرار الدول الأعضاء فقط"، من ناحية أخرى كان لبعض دول الخليج أعضاء مبادرة إسطنبول مساهمات في دعم العمليات العسكرية للحلف في كل من أفغانستان وليبيا وكان ذلك نموذجاً لوضع البند الثاني من المبادرة  في مجال التشغيل البيني موضع التطبيق الفعلي.

ومع أهمية مجالات التعاون الأمني والعسكري المشار إليها بين الجانبين قد كان للأمن الناعم نصيب من ذلك التعاون من خلال الدورات الدراسية التي التحق بها عدد من العسكريين والمدنيين من دول الناتو والدول الشريكة فعلى سبيل المثال خلال الفترة من 2009 وحتى 2020م، شارك حوالي 600 فرد من الجانبين في تلك الدورات  والتي استهدفت زيادة قدرات هؤلاء الأفراد من خلال تعزيز التفكير الاستراتيجي وإدارة الأزمات، ولاشك أن ذلك الاحتكاك المباشر بين عناصر من الناتو وشركائهم من دول الخليج العربي كان له تأثير في بناء جسور للتفكير المشترك في مجال التعاون الأمني والدفاعي بالنظر لاختلاف العقيدة العسكرية لدى الجانبين وربما اختلاف أولوياتهما أحياناً، من ناحية أخرى فإن قرار دول الخليج العربي الست بما فيها تلك التي خارج المبادرة تأسيس كليات للدفاع الوطني أو تطوير القائمة منها قد استند في جزء منه على خبرات أفراد القوات المسلحة من دول الخليج الذين التحقوا بدورات تدريبية في كلية الدفاع بحلف الناتو بروما.

وخلال مسيرة التعاون بين حلف الناتو ودول الخليج كان هناك حرص أطلسي على تطوير  تلك الشراكة أو بمعنى آخر الدفع بها نحو المأسسة ومن ذلك  إعلان الحلف في يناير 2017م، افتتاح المركز الإقليمي لحلف الناتو ومبادرة إسطنبول في الكويت والذي استهدف تقديم مقررات تعليمية ودورات تدريبية لأفراد عسكريين ومدنيين  من الحلف ودول  مبادرة إسطنبول حول قضايا تهم الجانبين مثل الأمن البحري وأمن البنى التحتية للطاقة والأمن السيبراني وإدارة الأزمات، ففي التقرير السنوي للحلف عام 2019م، تضمن أن المركز الإقليمي للحلف بالكويت استضاف 1000 مشارك من مبادرة إسطنبول و200 خبير من دول الحلف واستهدفت كافة الدورات واللقاءات تبادل الخبرات في القضايا السابق الإشارة إليها، الجدير بالذكر أن آلية تفعيل بنود مبادرة إسطنبول بالنسبة لكل دولة خليجية على حدة تتم من خلال برامج الشراكة والتعاون الفردي بين الحلف وكل دولة ومدتها ثلاث سنوات، كما أنه لكل دولة من دول المبادرة بعثة دبلوماسية لدى الناتو وقد تكون هي ذاتها بعثة الدولة لدى بروكسيل، من ناحية ثانية كانت هناك زيارات متبادلة على مستوى مجلس التعاون ككل وحلف الناتو من خلال أمينا عام المنظمتين.

 وبوجه عام فإن مبادرة إسطنبول والتي تتضمن مجالات متعددة ومتنوعة للتعاون الأمني والعسكري قد استهدفت في الوقت ذاته تعميق الفهم المشترك بين الجانبين من خلال الحوار الاستراتيجي المستمر وكانت النتيجة المنطقية هي إتاحة الفرصة لدول الخليج  للوصول إلى قائمة كبيرة من مجالات  التعاون في ظل التحديات الأمنية المشتركة التي تواجه الجانبين وفي هذا الإطار قال ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف "لقد بات عالمنا مكاناً لا يمكن التنبؤ بأحداثه ومجرياته والطريقة المثلى للتعاون مع حالة الريبة التي تخيم عليه هو البقاء في وضع الاستعداد والاستمرار في تعزيز الروابط بين قواتنا وقدرتها على التعاون والعمل معاً، كما يتوجب علينا أن نعمق مشاورتنا السياسية" ومع أهمية الفوائد التي جنتها دول الخليج العربي من مبادرة إسطنبول وهي عديدة  فإن خبرات حلف الناتو الأمنية مهمة لدول الخليج ومنها هيكل قوات الحلف ذاته والتي تتكون من قوات الرد السريع وقوات الدفاع الأساسية وقوات التعزيز وهو ما يمكن الاستفادة منه في تطوير هيكل القيادة العسكرية المشتركة لدول الخليج العربي.

 آليات تعظيم الفائدة من مبادرة إسطنبول

لاشك أن البيئة الأمنية التي أطلقت فيها المبادرة تختلف وبشكل جذري عن تلك الحالية ، صحيح أن التهديدات الأمنية التي تضمنتها المبادرة مهمة ولكن الآن توجد قائمة كبيرة  للتهديدات الأمنية لدول الخليج العربي منها تهديدات الأمن البحري وخاصة توظيف التكنولوجيا الحديثة لتهديد السفن التجارية في باب المندب والبحر الأحمر مع الأخذ في الاعتبار أن بعثة الناتو البحرية "درع المحيط" التي أرسلها الحلف لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال عام 2008م،  ضمن الجهود الدولية آنذاك ارتكازاً على القرارات الأممية قد غادرت في عام 2016م، تجاه البحر الأسود وفقاً لأولويات الحلف الأمنية، صحيح أن الحلف لم يكن بعيداً عن إعلان مواقف محددة تجاه تهديدات الأمن البحري ومن ذلك " إصدار الحلف والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي  بيانًا مشتركاً في 20 ديسمبر 2023م، يدين "تهديد الحوثيين للحقوق والحريات الملاحية في ظل الهجمات في البحر الأحمر" وغيرها من التصريحات الأطلسية حول تهديدات الملاحة البحرية إلا أنه ليس للحلف تواجد بحري لردع تهديدات الأمن البحري في الخليج العربي، من ناحية وفي ظل تسارع جهود دول الخليج العربي للتحول نحو مفهوم الحكومة الإلكترونية فإن التهديدات السيبرانية تعد تحدياً هائلاً لتلك الدول ومن ثم فإن التساؤل المثار هو هل يمكن للحلف دعم إحدى دول الخليج العربي حال تعرضها لهجوم سيبراني شامل ؟ وإذا كانت الإجابة بلا وفق القيود التي تفرضها المادة الخامسة من ميثاق الحلف فإن التساؤل حول سبل تطوير مضامين مبادرة إسطنبول بحيث تشمل ذلك المجال وأخيراً فإن التهديدات الراهنة سواء الأمن البحري أو غيره تفرض على دول الخليج تطوير مجال إدارة الأزمات والكوارث وخاصة البحرية منها وهو مجال للحلف خبرات متميزة فيه سواء على مستوى الدورات التدريبية النظرية أو المستوى العملي.            

معوقات تطور مبادرة إسطنبول

مع أهمية النتائج التي تحققت لدول الخليج العربي من مبادرة إسطنبول فإنه بلا شك لم تصل إلى مستوى طموح دول الخليج العربي وربما الناتو ذاته ويعود ذلك إلى رؤية واضعي المبادرة لتطورها وهي التي أشار إليها الدكتور مصطفى علوي في مؤلف له بعنوان" استراتيجية حلف الناتو تجاه الخليج العربي" حيث حدد ثلاثة مسارات لتلك المبادرة وهي استراتيجية الطموح المتواضع ومضمونها مشاركة الحلف في مجال الأمن الناعم فقط من خلال الاستشارات والتدريبات ولكن عيوب تلك الاستراتيجية افتقارها إلى تعهدات أمنية ملزمة، أما الاستراتيجية الثانية فهي استراتيجية الطموح الكبير وتتضمن تحفيز دول أخرى من غير أعضاء المبادرة للانضمام إليها من خلال صفة" الشريك المضاف" من خارج الناتو ودول الخليج وتستهدف في النهاية تأسيس منتدى أمني إقليمي لدول المنطقة ولكن هناك صعوبة في تأييد كل دول الخليج وكذلك دول الحلف لها، وما بين هذا وذاك الاستراتيجية الوسيطة وهي الشراكة التي تفضي إلى الخروج من صيغة 32+1 إلى الإطار المتعدد الأطراف أي الكل مقابل الكل، ولكن يلاحظ أن مبادرة إسطنبول بعد مرور عشرين عاماً قد انتهجت المسار الأول دون سواه، من ناحية ثانية فإن استمرار غموض المفاهيم مثل القيمة المضافة للأمن وغيرها يجعل من الصعوبة بمكان تطورها نحو آفاق أرحب ومن ثم تظل إطاراً للتنسيق والتشاور أكثر من كونها تتضمن التزامات أمنية على الأقل من جانب الحلف كمنظمة دفاعية مهمة بالنسبة لدول الخليج العربي الصغرى، من ناحية ثالثة فإن دول الخليج العربي هي جزء لا يتجزأ من إطار إقليمي وآخر شرق أوسطي تتفاعل معه تأثراً وتأثيراً فهناك النفوذ الإقليمي لإيران وهناك سعي الجماعات دون الدول لتوظيف التكنولوجيا العسكرية على نحو سيء لاستهداف المنشآت الحيوية لدول الخليج العربي، وهناك تهديدات أمن الطاقة وحالة عدم  الاستقرار الإقليمي عموماً والتي يمكن للحلف الإسهام فيها بما ينعكس على شراكته مع دول الخليج العربي، ولكن تدرك دول الخليج في ذات الوقت قيود عمل الناتو خارج أراضيه بالإضافة للصراع الأطلسي-الروسي نتيجة الحرب في أوكرانيا وحالة التداخل بين عضوية الناتو والاتحاد الأوروبي حيث توجد 23 دولة لديها نفس العضوية في المنظمتين .

 خلاصات الورقة

 

  • تعد مبادرة إسطنبول إحدى الخبرات الأمنية المهمة لدول الخليج العربي في شراكاتها الدولية ولقد استفادت منها بقدر ما أتاحه لها حلف الناتو وفي وضوء احتياجاتها الأمنية دون أن يرقى ذلك إلى مستوى تعاون دفاعي على غرار الشراكات الأمنية الثنائية مع أعضاء الحلف.
  • هناك حاجة لإعادة النظر في مضامين المبادرة في ضوء المستجدات الأمنية التي تواجه دول الخليج العربي ولم ترد في المبادرة ولا يعني ذلك استدعاء الناتو عسكرياً للخليج، ولكن من منظور ممارسة قدر أكبر من الردع بالتوازي مع دور الحلف تجاه بناء قدرات دول الخليج العربي.
  • الحاجة لحوار استراتيجي سنوي بين الحلف والشركاء من دول الخليج لمراجعة مسار الشراكة ومتطلباتها في ضوء استراتيجية الحلف الجديدة تجاه الجنوب عموماً والتي أثارت تساؤلات حول موقع دول الخليج العربي منها وربما تكون قمة الحلف في واشنطن يوليو 2024م، فرصة سانحة لإعادة تقييم مسار مبادرة إسطنبول.
  • القراءة الاستراتيجية الراهنة تعكس احتدام التنافس الدولي تجاه الشرق الأوسط والخليج من خلال أجندتين الأولى روسية تتضمن مبيعات أسلحة والسعي للتواجد في مفاصل الأمن القومي لتلك المنطقة من خلال مثلث يتضمن قاعدة بحرية في سوريا وأخرى في السودان وطموحات بتواجد في شرق المتوسط، وأجندة صينية تتضمن تعزيز شراكات إقليمية ضمن مبادرة الحزام والطريق وما بين هذا وذاك تثار تساؤلات حول الدور المتوقع لحلف الناتو.
  • إن بقاء كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارج إطار المبادرة حتى الآن يحد من تطورها على نحو فاعل بالنظر لثقل الدولتين داخل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

 

مقالات لنفس الكاتب