array(1) { [0]=> object(stdClass)#13603 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 199

علاقات الشركاء الخليجيين مهمة للأمن عبر الأطلسي والاجتماعات غير الرسمية طورت الشراكة

الخميس، 27 حزيران/يونيو 2024

شهدت السنوات التي تلت تفكك الاتحاد السوفياتي (1991م) تغيرات جذرية في العلاقات الدولية زعزعت كل القواعد التي بنيت عليها تلك العلاقات منذ1945 م، أثر ذلك الزلزال الجيوسياسي على المسائل الأمنية الدولية بشكل بالغ، وفقد حلف شمال الأطلسي (الناتو)عدوه المعلن المتمثل في حلف وارسو فأحدث له ذلك أزمة هوية هيكلية عميقة    وبدأ يتساءل عن مدى شرعيته، وكيف يمكنه البقاء إذا ما انتهت المهمة التي أنشئ من

 أجلها؟ وكما هو الشأن لمجمل الفاعلين في تلك الحقبة بات لزامًا على الحلف البحث له عن دور جديد وأهداف جديدة ومحاور استراتيجية جديدة، وكان الطرف الأمريكي متشبثًا ببقاء الحلف فلم يعد السؤال المطروح هل يتم الإبقاء عليه؟ بل أصبح، ماهي مهام الحلف الجديدة؟

صار من الضروري تعريف محاورالتحولات الاستراتيجية الجديدة لذلك تم تحديد ثلاث وجهات استراتيجة أساسية، الأولى في اتجاه أوروبا الغربية تأكيدا للرغبة في الدفاع المشترك والثانية في اتجاه انفتاح الحلف على وسط وشرق أوروبا والثالثة بضم البحر الأبيض المتوسط ذلك المجال الذي ظل على امتداد أربعين سنة مكونًا بسيطًا في المواجهة بين الشرق والغرب وكان ينعت مع الشرق الأوسط بأنه (خارج المنطقة(  .

هكذا إذًا، سعيًا لإضفاء شرعية جديدة لحلف الناتو وإعطائه نفسًا جديدًا كان لابد من البحث له عن عدو جديد ومجال عمل جديد٠ في مؤتمر الحلف الذي انعقد بميونيخ في 7 يوليو1995م، تم التأكيد على أن "التهديدات الحقيقية للأمن الأوروبي لا تأتي من الجهة الشمالية التي تحظى بكل اهتمام الحلف ولكن تأتي من الجنوب حيث تتعدد الصراعات والكوارث " في نفس السنة تمت في شهر فبراير دعوة مصر وإسرائيل وموريتانيا والمغرب وتونس للمشاركة في حوار مع الناتو حول مسائل الدفاع والأمن وتمت دعوة الأردن في نوفمبر والجزائر في فبراير 2000م.

وولد "الحوار المتوسطي" كحوار استراتيجي يتمحور حول المسائل الأمنية الأساسية المشتركة لضفتي المتوسط، يسعى للتصدي لتحديات الإرهاب وانتشار أسلحة الدمارالشامل والهجرة غير النظامية التي يتعين إيجاد حلول مشتركة لها. ويعرف الحوار المتوسطي "كاستجابة مشتركة للتحديات الأمنية التي تهدد ضفتي المتوسط وإرساء مناخ من الثقة المتبادلة".

بعد عشر سنوات من انطلاق" الحوار المتوسطي" الموجه لدول شمال إفريقيا تم إطلاق مبادرة إسطنبول للتعاون في 28 يونيو 2004م، في قمة الناتو التي عقدت في إسطنبول، تركيا. وقد رافقت إطلاقها سلسلة من المشاورات رفيعة المستوى عقدت على امتداد عام 2004م، مع ست بلدان خليجية، وهي البحرين والكويت وعمان وقطروالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فأعربت جميع هذه البلدان عن اهتمامها بالمبادرة.

وفي الربع الأول من عام 2005م، انضمت إليها رسمياً ثلاث دول ـ البحرين والكويت وقطر، وتبعتها دولة الإمارات العربية المتحدة في يونيو من العام نفسه.

ماهي أهداف هذه المبادرة والأسباب الكامنة خلف اقتراحها؟ ماهي الصعوبات والتحديات التي تقف في طريقها؟ وماذا حققت لدول المنطقة؟ هذا ما سنحاول مناقشته في هذه الورقة

-1 أهداف المبادرة

تهدف مبادرة إسطنبول للتعاون إلى تعزيز الأمن والاستقرارالجهوي مع تفضيل التزام جديد للناتو في منطقة الشرق الأوسط. فالحلف يقترح دفع التعاون الفعلي مع دول المنطقة خاصة في الميادين التي يمكن أن يقدم فيها الإضافة مثل ميادين الدفاع والأمن. وقد تم عرض قائمة بالأعمال الممكن تقديمها. "كتطوير قدرات قوات هذه البلدان لتكون جاهزة للعمل مع قوات بلدان الحلف لمكافحة الإرهاب ووقف تهريب الأسلحة وتدفق المواد التي يمكن استخدامها في صنع أسلحة الدمار الشامل وتحسين قدرات هذه البلدان على التعاون مع الحلف للتصدي للتهديدات والتحديات المشتركة."

ولبلوغ هذا الهدف كان لا بد من التعاون الفعلي والمساعدة في ميادين ذات أولوية. أولاً بتقديم المشورة حول الإصلاحات والتخطيط في مجال الدفاع والعلاقات المدنية العسكرية ثم في دفع التعاون بين جيوش هذه البلدان وجيوش الحلف للإسهام في التشغيل البيني بالمشاركة في بعض التمارين والتدريبات العسكرية بما في ذلك مهام حفظ السلام التي يقودها الحلف.

منذ إنشائها، تطورت مبادرة إسطنبول للتعاون على المستويين السياسي والعملي. وإذا كان الحوار السياسي قد تطور وأصبح يشمل الآن اجتماعات رفيعة المستوى، فقد تم تعزيز البعد العملي تدريجياً بفضل الأدوات المبتكرة وأنشطة الشراكة الجديدة ومساهمة دول المبادرة في العمليات والمهمات التي يقودها الحلف.

منذ عام 2007م، يتم كل عام تقديم قائمة بالأنشطة العملية المتعلقة بالمجالات ذات الأولوية المتفق عليها لدول المبادرة. كانت في الأصل تتضمن أكثر من 300 نشاط. ومنذ ذلك الحين، تضاعف عدد الأنشطة ثلاث مرات، ليصل إلى ما يقرب من ألف نشاط.

 وبدأ البعد المتعدد الأطراف للشراكة في التبلور منذ نوفمبر 2008 م، مع انعقاد أول سلسلة من الاجتماعات في إطار تشكيلة الناتو+4.

لقد قرر الناتو أن يمد نظره إلى الشرق وإلى الجنوب من المنطقة الجغرافية الأورو/ أطلسية المحددة في اتفاقية واشنطن 1949م، وأن يرسخ تواجده بإدخال الشرق الأوسط في مخطط عمله، لقد أعطيت للحلف بذلك شرعية جديدة للتدخل والعمل في منطقة ذات أهمية عالمية بالغة بحكم وضعها الاستراتيجي.

ويحتوي البرنامج العملي على مكافحة الإرهاب والتصدي للتهديدات التي تشكلها أسلحة الدمار الشامل وذلك بتبادل ناجع للمعلومات وأيضًا بتعاون بحري في إطار عملية المسعى النشط ((Active Endeavour وأخيراً بدفع التعاون في ميادين المخططات المدنية للطوارئ والتنسيق المدني العسكري ومعالجة الأزمات والمشاركة كملاحظ في تدريبات الحلف. وتدرس مشاركة كل دولة من دول المنطقة في هذه المبادرة من طرف مجلس شمال الأطلسي حالة بحالة.

وبالتمعن في أهداف هذه المبادرة يبرز التشابه الكبير مع أهداف "الحوار المتوسطي" مع ملاحظة اختلاف هام يتمثل في تركيزالمبادرة على البعد التطبيقي بينما ركز الحوارالمتوسطي على البعد السياسي لتعزيرالثقة بين الحلف وبلدان الحوار وإبعاد فكرة وقناعة أن الناتو منظمة تتدخل في شؤون الدول نجت من زمن الحرب الباردة.

لذلك وجد "الناتو" نفسه أمام مجموعتين متباينتين من الدول برغم أن بلدان شمال إفريقيا وبلدان مجلس التعاون الخليجي كلها بلدان عربية وإسلامية. لقد ظلت المجموعة الأولى متشككة في نجاعة التعاون مع الناتو كفاعل دولي منعوت بالتدخلات في شؤون الآخرين. لقد وضعت هذه المجموعة منذ البداية القفازات وأخذت الاحتياطات اللازمة للتعامل مع متطلبات الحوار المتوسطي، لذلك تم التأكيد على البعد السياسي ليكونً ضامنًا لتقدمه. بالنسبة للمجموعة الثانية، كان على الناتو التعامل مع دول ذات خبرة في السياسة الأمريكية، إذ منذ حرب الخليج الأولى كانت هذه الدول الحريصة في الحفاظ على مصالحها قدمت التسهيلات للولايات المتحدة، وكان شبح تهديدات العراق سابقًا ثم شبح الإرهاب فشبح تنامي القوة الإيرانية يقلق دوائر دول الخليج. لذلك لم يكن من المفاجئ ترحيب بعض تلك الدول بالمبادرة حتى قبل أن تتبلورأهدافها بشكل نهائي، إذ عبرت كل من الكويت والبحرين وقطر والإمارات عن مصلحتها في الانتماء إليها، مباشرة بعد الإعلان عنها. ووجد مفعول ما تريده الولايات المتحدة تأثيره في المنطقة بيسر.

لكن منذ الإعلان عن مبادرة إسطنبول شرع حلف "الناتو " بحذر وبلمسات صغيرة وبإصرار في تنفيذها في منطقة الشرق الأوسط الموسع "مع الاحتفاظ بتحديد الأبعاد الجغرافية للمنطقة المعنية وترك للبلدان حرية الاستجابة للعرض من عدمها؛ وتظهر الضبابية الجغرافية المتعمدة في أن الناتو ومن خلفه الولايات المتحدة تريد التعاطي مع كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دون تمييز. لذلك تمت إعادة تسمية الشرق الأوسط الكبير في قمة الثماني تحت ضغط البلدان الأوروبية باسم أكثر توافقية "الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا "، ثم ساهمت الإجراءات المتبعة من طرف الناتو أثناء تنفيذ المبادرة من تخفيف تحفظات البلدان الأعضاء في الحوار المتوسطي إزاء مبادرة إسطنبول للتعاون، ومن شكوكها في نوايا الولايات المتحدة الهادفة إلى إعادة ضبط دور الناتو ومجال تدخله. وتجسد ذلك في عرض التعاون الذي قدمه الحلف لمنطقة الشرق الأوسط الموسع في الجانب الأمني من المشروع الأمريكي الذي تمت مناقشته في شهر يناير 2004م، من طرف الولايات المتحدة ومجموعة الثماني ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والاتحاد الأوروبي

فبرغم أن البيان الختامي للقمة يبين أن المسارين (مبادرة إسطنبول للتعاون والحوار المتوسطي) متمايزان ومختلفان، فهما يخدمان نفس الهدف المتمثل في إرساء روابط تعاون متينة مع البلدان المتوسطية وبلدان الشرق الأوسط الموسع. ولأسباب عملية كانت بداية تنفيذ مبادرة إسطنبول للتعاون مسارًا متمايزًا ومختلفًا عن مسار الحوار المتوسطي الذي كان له وقتها من العمروالتجربة عشر سنوات لذلك كانت تلك المبادرة بحاجة إلى الوقت لكي تنضج وتصل إلى مستوى تجربة الحوار المتوسطي.

لكن تبين أن المسارين ينتهيان على المدى الطويل لخدمة نفس الهدف وربما تؤول هذه المقاربة إلى إدماج المبادرتين بشكل تدريجي لفائدة مبادرة إسطنبول للتعاون لكي تخدم في كل أبعادها الجانب الأمني للمشروع الأمريكي "الشرق الأوسط الكبير"، ذلك لأن عدة مؤشرات تدل على السعي إلى تمتين وتطوير مبادرة إسطنبول للتعاون على حساب الحوار المتوسطي وتدور أساسًا حول توسع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بعد تحويل كل من العراق وأفغانستان لتبدوان كمراكز قيادة أمريكية متقدمة لخدمة تلك المصالح الاقتصادية والاستراتيجية السياسية بخطط تساهم في ضمان تلك المصالح والحفاظ عليها وتعطي للمبادرة قيمة إضافية؛ بإعادة تركيز دور الناتو بالتوسع نحو الجنوب والشرق وتركيز جهوده على المبادرة وليس على الحوار المتوسطي.

هناك أيضًا سببان رئيسيان كامنان خلف الدعائم الجيوسياسية والجيوستراتيجية لاتفاقية إسطنبول للتعاون وهما البعد الاقتصادي والبعد السياسي الاستراتيجي، بما أن الولايات المتحدة تقود وتسيطر سياسيًا وعسكريًا وماليًا على آلة الناتو العملاقة.  

يبرز السبب الاقتصادي من خلال حاجة الولايات المتحدة للطاقة، ففي تقرير "لديك تشيني" 2001م، حول زيادة الحاجة الأمريكية من النفط على امتداد القرن الواحد والعشرين، ويقترح على الإدارة الأمريكية العمل على تحقيق هدفين، الأول زيادة توريد النفط من بلدان الخليج التي تمتلك قرابة ثلثي الاحتياطي العالمي والثاني يدعو إلى التنويع الجغرافي للإيرادات لتفادي أي إشكال يمكن أن يحدث بسبب الأزمات في منطقة غير مستقرة، ويقترح زيادة التوريد من منطقة بحر قزوين ومن بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية.  لكن ليس من اليسيرعلى الشركات الأمريكية التموضع في هذه المناطق مع تنامي الشعورالمضاد لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط بسبب السياسة الاستعمارية الإسرائيلية المتغطرسة والمسنودة من الجانب الأمريكي مع ما تركته حروب الخليج من آثار في الوجدان العربي وتواجد القواعد الأمريكية في المنطقة لكل ذلك كان لا بد من يد خفية لتلطيف الأجواء وزرع بذورالقبول والتفاهم تؤكد على الثقة المتبادلة وتعزيز الصداقات وخدمة المصالح المشتركة.

أما السبب السياسي الاستراتيجي فيتمثل في بحث الولايات المتحدة على السيطرة على منطقة جغرافية تمتد من موريتانيا شرقًا إلى خط باكستان -القوقازغربًا والتي توجد في قلبها منطقة الشرق الأوسط. هذه الترتيبة التي تريد الولايات المتحدة تجسيدها ببرنامج الشرق الأوسط الكبير ترتكز على رؤية جديدة للإطار الاستراتيجي الدولي تكون بمقتضاه آسيا محور الاهتمامات الاستراتيجية للولايات المتحدة.

مبادرة إسطنبول للتعاون هي إذًا منتدى شراكة يهدف إلى المساهمة في الأمن العالمي والإقليمي على المدى الطويل من خلال إتاحة الفرصة للدول غيرالأعضاء في الناتو في منطقة الشرق الأوسط الموسع للتعاون مع الناتو.

وانضمت أربع دول من مجلس التعاون الخليجي (البحرين، والكويت، وقطر، والإمارات العربية المتحدة)؛ وتشارك عمان والمملكة العربية السعودية في بعض الأنشطة 

وتبقى المبادرة مفتوحة لجميع دول الشرق الأوسط المهتمة بها والتي تلتزم بأهدافها ومبادئها، على الرغم من أن المشاورات الأولى اقتصرت على أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

 

2 -التحديات التي تواجه المبادرة

واجهت المبادرة العديد من التحديات المتمثلة أساساً في غياب الدعم السياسي الحقيقي وتباين المصالح واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والصورة السيئة التي يحملها الناتو عند بلدان المنطقة.

لقد واجه تطور هذه الشراكة عقبات سياسية بسبب محدودية قدراتها على تقديم الاستجابات المناسبة للأوضاع المعقدة التي تميزالمشكلة الأمنية في منطقة البحرالأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط. وهناك عوامل مختلفة تعيق هذا التعاون.

إن المشاكل الأمنية في هذا الفضاء الإقليمي ليست ذات طبيعة عسكرية فحسب، بل ناتجة أيضًا عن ظروف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية وتسبب صراعات وتوترات اجتماعية تخل بالاستقراروالأمن. وفي هذا الصدد فإن الناتو، الذي يستمد مصداقيته من استعراض القوة العسكرية والمهام الأمنية الجماعية، ليس قادرًا على مواجهة هذه المخاطر.

كما أنا لخلافات المستمرة في الرأي انتشرت بين الحلفاء حول أفضل طريقة لتطويرالتعاون مع دول "خارج المنطقة" وتطوير مبادرة إسطنبول للتعاون جعلت هذا البرنامج لا يحظى بالإجماع بين دول الحلف التي لديها أولويات استراتيجية مختلفة اعتمادًا على موقعها الجغرافي واحتياجاتها الأمنية. كما توجد اختلافات ملحوظة بين الولايات المتحدة، والدول الأوروبية التي لها واجهة على البحر الأبيض المتوسط. ويتفاقم عدم التجانس داخل الحلف من خلال التوسع لبلدان أوروبا الشرقية الذي أدى إلى ظهور مجموعات مصالح متعارضة وبهذا المعنى، يؤكد جان فرانسوا داغوزان أن "عمل الناتو في البحر الأبيض المتوسط ​​لا يزال مشبعًا بالغموض. وإن طموحات الجهات الفاعلة المختلفة ليست بالضرورة متشابهة، كما أن أعضاء الناتو ليسوا مهتمين بهذه السياسة المتوسطية بنفس الطريقة".

  

وتعتبر القضية الفلسطينية عنصرًا رئيسياً وحاسماً في حل المعادلة الأمنية في الشرق الأوسط، كما أن حرب الخليج، والاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، والوضع السوري واليمني والليبي والحرب الإسرائيلية الجارية على الشعب الفلسطيني على امتداد الأشهرأثرت بشكل كبير على المنطقة. وقد أظهرت مدى تأثير هذه الصراعات على سياسات الدول العربية المشاركة في مبادرة إسطنبول للتعاون. هذه الشراكات، التي تهدف إلى البحث عن الاستقرار، لا تقدم تعاملًا فعالًا إلى حد الآن مع الدول العربية والكيان الإسرائيلي لمساعدتها على اتخاذ قرار بشأن المسارالذي ستتحرك فيه نحو مستقبل أكثرأمنًا واستقرارًا.

 

-3ماذا حققت المبادرة لدول المنطقة ؟

تتراوح الأنشطة التي يتم تنفيذها في إطار المبادرة من التخطيط الدفاعي وإنشاء ميزانيات الدفاع إلى مكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

وتعتبر العلاقات الأمنية مع الشركاء الخليجيين مهمة للأمن عبر الأطلسي، وإن عقد اجتماعات رسمية وغير رسمية بشكل منتظم على مختلف المستويات (رؤساء الدول والحكومات والسفراء والخبراء،) عزز البعد السياسي للمبادرة، وقد أتاحت العديد من الاجتماعات غيرالرسمية الفرصة لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك المتعلقة بالأمن، وكيفية النظرة إلى الناتو في الخليج، بالإضافة إلى طرق تطويرالشراكة في مجال مكافحة الإرهاب، بما في ذلك من خلال تبادل المعلومات والتعاون البحري.

لقد ساهمت دول مبادرة إسطنبول للتعاون في العديد من العمليات والمهمات التي يقودها الناتو. على سبيل المثال، قدمت البحرين الدعم لقوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) في أفغانستان. وفي عام 2012م، وقعت الكويت أول اتفاقية عبور بين الدولة الخليجية والحلف تسمح بحركة المعدات العسكرية على الأراضي الكويتية؛ كما انضمت إلى آلية (التوعية المشتركة ومنع التضارب)، وهي مبادرة دولية تهدف إلى مكافحة القرصنة في المحيط الهندي.

 وشاركت قطر في عملية الحامي الموحد التي نُفذت في ليبيا عام 2011م، كما ساهمت دولة الإمارات في ذات العملية وفي عمليات ومهام الناتو بشكل كبير على مر السنين، حيث نشرت قوات العمليات الخاصة في أفغانستان كجزء من عملية الحرية الدائمة، التي بدأت في عام 2003م، ومن خلال الانضمام إلى القوة الدولية للمساعدة الأمنية في عام 2008م، تشارك البحرين والإمارات في مبادرة التشغيل البيني للناتو بنشاط في برنامج العلوم من أجل السلام والأمن. وفي الدورات التدريبية التي يتم تنظيمها في كلية الدفاع التابعة للحلف في روما (إيطاليا)، ولا سيما دورة التعاون الإقليمي للحلف، والتي تهدف إلى إقامة روابط بين القضايا التي تهم البلدان المشاركة في الحوار المتوسطي ومبادرة إسطنبول. علاوة على ذلك، شاركت العديد من دول المبادرة، إلى جانب قوات الناتو، في التدريبات التي نظمها المركز الأوروبي الأطلسي لتنسيق الاستجابة للكوارث.

كما تم إنشاء المركز الإقليمي للناتو وطرحت الكويت فكرة استضافته. وفي قمة شيكاغو في مايو 2012م، اتفق قادة الحلف، على إنشاء هذه المؤسسة، والتي تم وصفها لاحقًا بأنها "نقطة إرساء الناتو في الخليج" -من أجل المساعدة في فهم القضايا الأمنية المشتركة بشكل أفضل واستكشاف كيفية معالجتها معًا.

وبعد خمس سنوات، وقع الناتو والكويت على الاتفاقية التي تسمح للمركز بفتح أبوابه رسميًا. وشملت مهامه تعزيز التعاون من خلال الدورات والأنشطة المفتوحة للناتو، ودول مجلس التعاون الخليجي وأعضائها، فالتفاعلات المنتظمة بين الحلف وشركائه في الخليج قد خلقت أساسًا متينًا للمستقبل، وتمتلك دول المبادرة الآن الأدوات اللازمة للاستفادة الكاملة من فرص التدريب التي يقترحها الحلف، واعتمدت برامج الشراكة والتعاون الفردية ووقعت اتفاقيات بشأن تبادل المعلومات والعبور عبر الحدود. وتمكن الشركاء أيضًا من الوصول إلى معاييروبرامج الحلف، والتي تعد بمثابة عوامل نمو للخبرات والقدرات المحلية.

لقد حاربت دول التحالف ودول المبادرة معًا القرصنة وحافظت على الأمن البحري في الخليج ضمن القوات البحرية المشتركة. إلا أن الفائدة الأعظم من هذه المبادرة تكمن في تطورمناخ الثقة المتبادلة الذي يميزالعلاقة الآن،

ختامًا، إن "الحوار المتوسطي "و"مبادرة إسطنبول للتعاون" استطاعتا تحقيق الأهداف التي وضعت من أجلها ولو بدرجات متفاوتة رغم الصعوبات والتحديات المتعددة، لقد أنشأت المبادرتان من جانب واحد وبرغبة من الناتو لاستعمالهما لإضفاء شرعية تواجد في المتوسط وفي منطقة الخليج.

في قمة الناتو التي انعقدت في بروكسل في يونيو 2021م، أكد رؤساء دول وحكومات الحلفاء التزامهم تجاه المنطقة: “نحن مصممون على زيادة مشاركتنا الطويلة الأمد في المنطقة بالحوار السياسي والتعاون العملي مع شركائنا في الحوارالمتوسطي (MD) ومبادرة إسطنبول للتعاون (ICI).

 لقد انخرط الناتو في عملية شراكة وتعاون. وفي هذا الصدد، يؤكد روبرت ويفر على أن: "التحول الذي يشهده الحلف يسير جنبًا إلى جنب مع تطور الشراكة. وفي جميع المجالات -من القيام بمهام حفظ السلام الحساسة إلى مواجهة التهديدات الجديدة لأمننا المشترك، مثل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل ويلعب الشركاء دورًا مهمًا في تشكيل وتسهيل تنفيذ استجابات الناتو لهذه التحديات الجديدة."14

 

وإن إطلاق شراكة الناتو المتوسطية (PMO) ومبادرة إسطنبول للتعاون يعكس هذا الانفتاح على البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط ويظهر هذا النهج تجاه الأمن من خلال الشراكة. وتتلخص فكرته في المساعدة على خلق الظروف المواتية للاستقرار والسلام والأمن في هذا الفضاء الإقليمي. ويتمثل الأسلوب المستخدم في إنشاء إطار للحوار والتعاون ـ في مجموعة غير موحدة ـ يسمح بمواجهة التهديدات المشتركة.

إن واجب الناتو وغيره من المنظمات والأطر المتعددة الأطراف، يتمثل أكثرمن أي وقت مضى، في تعزيز الروابط التي توحدها والتعاون لمنع عدم الاستقراروالعنف. وفي هذا الصدد، يشترك الحلفاء وأعضاء المبادرة في قناعة عميقة بأنه من الضروري الحوار والابتكار ورفع كل التحديات ودفع التعاون المشترك بشكل أوثق لحماية مجتمعاتهم وضمان أمن واستقرار دائمين في عالم جديد ثنائي الأقطاب بدأ يتشكل، تحكمه المنافسة الشرسة.


 

مقالات لنفس الكاتب