تواجه الولايات المتحدة الأمريكية تحدياً اقتصادياً كبيراً من قبل الصين التي استطاعت خلال العقدين الأخيرين إزاحتها من العديد من مناطق نفوذها التقليدية في آسيا وإفريقيا وأوروبا وصولاً إلى أمريكا الجنوبية، هذا الحال يصدق أيضاً على منطقة الشرق الأوسط التي انحسر فيها النفوذ الأمريكي في المجالات الاقتصادية والثقافية باستثناء المجال الأمني الذي بدأ يشهد هو الآخر منافسة من لاعبين دوليين وإقليمين جدد في مقدمتهم الصين وروسيا والهند. لكي نختصر الطريق على القارئ في شرح خلفية الموقف الأمريكي تجاه تمدد القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم عامة والمنطقة خاصة نقول بأن الولايات المتحدة كذبت كذبة وصدقتها وهي تحصد اليوم ما كسبت يداها. لقد كانت الكذبة التي هي في الحقيقة كذبتان أولهما أن دوائر الاهتمام التقليدية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية مثل منطقة الشرق الأوسط وأوروبا الغربية فقدت أهميتها الاستراتيجية لذلك أعلنت في العديد من المناسبات أنها بصدد إعادة تقييم أولويات سياستها الخارجية من أجل السعي وراء فرص أكبر توفرها منطقة المحيط الهادي ومن هنا جاءت مبادرة إدارة الرئيس الأسبق أوباما التي سميت بالميل نحو المحيط الهادي، كذلك دعوات الرئيس السابق ترامب إلى الانسحاب من حلف شمال الأطلسي. أما الكذبة الثانية فهي أن النفط فقد مكانته كسلعة استراتيجية في الاقتصاد العالمي لذلك دعت الإدارة الأمريكية إلى تقليل الاستثمار في الصناعة النفطية بكل مراحلها وأعلنت أن منطقة الخليج لم تعد بتلك الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة وأن على دول المنطقة أن تحل مشكلاتها مع إيران بنفسها. هذه الأفكار لم تقتصر على أحد بل لقيت ترحيباً من القوى المنافسة للولايات المتحدة مثل الصين التي اتخذت لنفسها استراتيجية بعيدة للوصول إلى الأسواق ومصادر الموارد الأولية سميت بمبادرة الحزام والطريق وكذلك دفعت بشركاتها النفطية إلى شراء حصص شركات النفط العالمية الغربية في التنقيب والحقول في المنطقة. كانت لهذه الأوهام نتيجة أخرى وهي أنها دفعت بالولايات المتحدة إلى إهمال مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وخصوصاً الاقتصادية تماشياً مع التوجهات الإسرائيلية. لكن الذي حصل هو توالي ثلاثة أحداث جسام في أعوام ثلاث وهي أزمة الكوفيد-19 والغزو الروسي لأوكرانيا والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. هذه الأحداث الكبيرة التي هزت أركان النظام العالمي وكشفت سوءة تلك الأوهام وأبرزت أمام الملأ الفراغ القيادي الكبير الذي يعيشه العالم نتيجة غياب الرؤية الأمريكية الواضحة لدورها العالمي وأهمية قيامها بذلك الدور. أمام هذه الحالة التي وصلت إليها الأوضاع في المنطقة والعالم أصبحنا بحاجة للعودة إلى الوراء نسترجع فيها طبيعة التحديات التي تواجه النفوذ الأمريكي في المنطقة والعوامل والأسباب التي حالت وتحول دون اتخاذ الولايات المتحدة للاستجابة المطلوبة لتلك التحديات والاحتمالات المستقبلية للعلاقة الخليجية-الأمريكية وتنامي الدور الصيني على ضوء المستجدات وتطوراتها القريبة والبعيدة.
خلفية العلاقات الأمريكية-الخليجية
الولايات المتحدة قوة عالمية عظمى وهناك نقاش محتد فيما إذا كانت القوة العالمية الوحيدة التي تجلس على رأس هرم نظام عالمي أحادي الهيمنة، أم أننا أمام نظام متعدد القطبية. هذا النقاش لا يهمنا هنا لكن المهم هو الإقرار بأهمية الدور الأمريكي العالمي بغض النظر عن الموقف منه ومن طبيعته. وبسبب هذا الدور وأهميته فإن من شأن أي قصور أو إهمال في أدائه أن يؤدي إلى فراغ كبير وأن يرسل الرسائل الخاطئة للأصدقاء والأعداء والتي قد تنبني عليها مواقف تؤدي إلى نتائج وخيمة بسبب سوء التقدير في الحسابات.
لابد من التذكير بأن الولايات المتحدة التي ورثت النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية ليس إكراماً لبريطانيا بل بسبب حاجتها الكبيرة إلى رعاية مصالحها المتعدد في المنطقة والتي كان من أهمها:
- الولايات المتحدة كانت تنظر إلى المنطقة باعتبارها أحد أهم خطوط الدفاع المتقدمة أمام تنامي المد الشيوعي الزاحف من أوروبا الشرقية والصين وهي النظرة التي أسست لمبدأ ترومان لعام 1947م، الذي قام على أساس تقديم جميع أنواع المساعدات للدول المهددة بالتمدد الشيوعي ومنها دول المنطقة.
- استمرارية التعامل مع المنطقة على أسس التصورات البريطانية-الفرنسية التي عرفت باتفاقية سايكس-بيكو وإدامة حالة الانقسام التي أفرزتها تلك السياسات وضمان عدم قيام مبادرات إقليمية جادة لتوحيد دول المنطقة سياسياً واقتصادياً لأن ذلك من شأنه أن يفرز نظاماً بديلاً للدولة العثمانية.
- السيطرة على الموارد الطبيعية للمنطقة والحيلولة بينها وبين السقوط تحت سيطرة المعسكر الشيوعي المنافس وضمان تدفق النفط إلى الأسواق العالمية بأسعار زهيدة.
- رعاية المصالح الاقتصادية والتجارية والثقافية مع دول المنطقة باعتبارها واحدة من أهم الأسواق الواعدة.
- الاهتمام بالملف الأمني باعتباره الأولوية الأولى والاستفادة من مكانة الولايات المتحدة في سبيل إعادة رسم الخارطة السياسية والأمنية للمنطقة لكي تشمل ضم إسرائيل إلى المنظومة الأمنية والسياسية للمنطقة.
المقاربة الأمريكية الخاطئة تجاه المنطقة
جاءت إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون إلى الحكم عام 1993م، بتوجهات جديدة ونظرة مختلفة لدور الولايات المتحدة في المنطقة تقوم على أساس أن المصلحة الاستراتيجية الأمريكية الوحيدة في المنطقة هي ضمان أمن إسرائيل. لذلك تشكلت المقاربة الأمريكية الجديدة حول المحاور التالية:
- إدارة الملف الأمني بالطرق التي تضمن التفوق العسكري الإسرائيلي على جميع دول المنطقة منفردة ومجتمعة ومن هنا جاءت القيود المتشددة على كميات وطبيعة التسليح وأخيراً الضغط على دول المنطقة في سبيل تغيير العقيدة القتالية لجيوشها من محاربة العدو الخارجي إلى ما يسمى الحرب على الإرهاب فأصبحت غاية الجيوش في دول المنطقة مقاتلة أعداء داخليين حقيقيين ومتوهمين وليس أعداء خارجيين.
- الاستمرار في تقوية وتطوير الدور الإيراني على حساب الدول العربية مما أدى بالنتيجة إلى وضع دول المنطقة بين فكي كماشة لا خلاص لها منه إلا بطلب الحماية من إسرائيل.
- التحالف مع الأقليات العرقية والدينية في دول المنطقة وإبراز أدوارها السياسية على حساب التعامل مع الدول والأغلبية العربية السنية التي تعتبرها إسرائيل مصدر الخطر عليها.
- تنمية الدور العسكري للميليشيات المسلحة في المنطقة واستخدامها في إضعاف وإسقاط هيبة الدولة في العديد من دول المنطقة من خلال إدخال تلك المجتمعات في دوامات الصراعات الداخلية المستدامة مثل اليمن ولبنان والعراق وليبيا والسودان.
- التركيز على الدور الأمني والتواجد العسكري في المنطقة وإهمال الجوانب الأخرى مثل العلاقات الاقتصادية والتجارية والتبادل الثقافي.
يقول المثل الغربي فكر ملياً بما تتمناه فقد يصبح حقيقة وهذا ما حصل بالفعل فقد حققت السياسات الأمريكية كل الذي كانت ترجوه من المنطقة لا بل وأن نسب النجاح فاقت التوقعات فلم يكن البعض يعتقد بأن إيران سوف تنجح في تحقيق الدور المطلوب منها بهذه الدرجة وفي هذه السرعة ولم يدر بخلد أحد أن دول المنطقة سوف تضحي بالعراق الذي كانت تسميه يومياً بوابة دفاعها الشرقية وليصبح باباً مفتوحاً على جحيم الطائفية والدمار والمخدرات والفشل وكذلك الحال مع سوريا والسودان وليبيا واليمن ولبنان.
أحد أهم المشكلات في عالم السياسة تكمن في أن القرارات التي تتخذ قد تترتب عليها آثار عكسية تظهر بعد حين فعلى سبيل المثال فقد بذلت دول التحالف التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية جهوداً كبيرة في تفكيك اقتصاديات الدول المهزومة في الحرب وخصوصاً ألمانيا واليابان فقامت بنقل المصانع والخبراء إلى الدول المنتصرة. لكن ما يدور على بال دهاقنة السياسة في واشنطن ولندن أن هذه السياسات سوف تكون لها آثار عكسية عليهم ، ذلك أن إفقار هذه الدول والطريقة التي تم التعامل بها مع شعوبها جعل منها بيئة خصبة لانتشار الأفكار الاشتراكية والشيوعية المعادية للغرب لذلك سارعت الولايات المتحدة إلى تبني "خطة مارشال" التي ترمي إلى إعادة بناء اقتصاديات الدول التي دمرتها الحرب ومن سخريات السياسة التي تروى عن المستشار الألماني آنذاك تساؤله عن الحكمة في قيام البعض من جنود الحلفاء بتفكيك المصانع ونقلها إلى خارج ألمانيا وفي ذات الوقت يقوم البعض الآخر منهم بتقديم العون في إعادة البناء. وهذا ما يحصل اليوم في المنطقة فإن إهمال الولايات المتحدة لدورها في حل المشكلات وتقديم الرؤى البعيدة تسبب في فتح أبواب المنطقة مشرعة أمام المنافسين الذي يسعون إلى إزاحة النفوذ الأمريكي بدءاً من الاقتصاد وانتهاءً بالأمن ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك مبادرة الصين في التوسط بين إيران والمملكة العربية السعودية.
التحديات الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة في المنطقة
لا شك أن النفوذ الأمريكي في المنطقة أصبح يواجه منافسة قوية في مختلف القطاعات وخصوصاً الاقتصاد وأن ذلك كان نتيجة مباشرة للمقاربة الأمريكية الخاطئة تجاه المنطقة التي أعطت الانطباع للجميع بأن الولايات المتحدة تسعى إلى تقليل اهتمامها بالمنطقة في مقابل مناطق أخرى كما أسلفنا. كذلك فشل الولايات المتحدة في تقديم رؤية تنموية للمنطقة أدى إلى فتح المجال أمام الآخرين للتقدم بمشاريع ومقترحات للاستفادة من الموقع الاستراتيجي المهم للمنطقة وما فيها من موارد وما تمثله من أسواق واعدة وكان في مقدمة تلك الأفكار المشروع الصيني العملاق المسمى "بالحزام والطريق" وهو المشروع الذي يسعى إلى تطوير شبكة طرق برية وبحرية تربط الصين بالأسواق العالمية والموارد الطبيعية وفي مقدمتها الطاقة والمعادن، وهي المبادرة التي تقدم بها الرئيس الصيني شي في أول فترة رئاسية له عام 2013م، حيث رصدت الصين مبلغ ترليون دولار للاستثمارات الداخلية والخارجية في سبيل تطوير المبادرة. وهي مبادرة لم تلق في حينها الاهتمام من الولايات المتحدة بسبب انشغالها حينذاك بالخروج من المآزق التي أوقعت نفسها فيها في العراق وأفغانستان وغيرهما.
ما هو المطلوب من الولايات المتحدة؟
الولايات المتحدة تقف أمام منعطف خطير ليس في المنطقة فحسب بل في العالم ولذلك فهي تقترب من اختيار كبير سوف يحدد طبيعة المرحلة القادمة على المستوى العالمي. وهذا الاختيار يعني واحداً من أمرين أولهما أن تقوم بفهم حقيقة دورها العالمي في عملية حفظ الأمن والسلام وقيادة عملية تنموية لاقتصاد المستقبل وأما الثاني فهو الاستمرار فيما تقوم به اليوم في عملية إدارة الأزمات والتعامل مع الأحداث بردود الفعل.
يقول ألبرت آينشتاين: "لا يمكننا أن نحل مشكلاتنا بنفس طريقة التفكير التي كانت عندنا عندما نشأت تلك المشكلات". إذًا فالمشكلات التي نعاني منها اليوم هي نتاج تفكير الأمس لذلك فلابد من مراجعة شاملة لجميع القضايا التي تسببت في حصول المشكلات ولعل في مقدمة ذلك القضايا التالية:
- الانتقال من طور المشكلات إلى العمل الجاد على المستويات الثنائية ومتعددة الأطراف على إيجاد الحلول لها. ولعل الأولوية الأولى هي إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية من خلال تبني المبادرة العربية.
- الإدراك الكامل لما تمثله المنطقة من فرص وتحديات بالنسبة للمصالح الأمريكية والاختيار الواعي بين العمل على خدمة تلك المصالح مقابل الاكتفاء بالتوجهات السابقة التي تعتبر أن أمن إسرائيل هو المصلحة الوحيدة بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة.
- الوصول إلى فهم مشترك مع دول المنطقة حول طبيعة التحديات التي تواجه الأمن الإقليمي مثل الميليشيات الخارجة عن سلطة الدول والتطرف والقرصنة والجريمة المنظمة والأمن السيبراني وإيجاد التصورات والخطط لتحقيق الأمن الإقليمي المشترك والتعامل الجاد مع ملف أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمة ذلك البرامج النووية في إسرائيل وإيران التي تهدد بدخول المنطقة في سباق تسلح خطير.
- وضع تصور مشترك عن طبيعة دور المنطقة في الاقتصاد العالمي يشمل تحديد دور الولايات المتحدة كشريك اقتصادي استراتيجي بالنسبة لدول المنطقة مجتمعة ومنفردة. وترجمة ذلك من خلال مبادرات اقتصادية أساسها الاستفادة من الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي والقوى العاملة والأسواق والفرص الاستثمارية التي توفرها المنطقة.
السيناريوهات المحتملة للصراع الأمريكي-الصيني في المنطقة
ليس من المتوقع أن تدوم حالة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وخصوصاً فيما يتعلق بعلاقة الطرفين في المنطقة ورعاية مصالحهما الحيوية فيها. ولعل التغيير يمكن أن يأتي على شكل واحد أو أكثر من الاحتمالات التالية:
- استمرار المقاربة الأمريكية تجاه المنطقة على ماهي عليه من دون تغيير جذري يطرأ عليها وهذا هو الاحتمال الأقرب الذي نصل إليه من خلال قراءة ما يجري وما يمكن أن تؤول إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وفي هذه الحالة فلن يطول الزمن حتى تكتشف الولايات المتحدة أنها قد خسرت الكثير من قدرتها على التأثير في المنطقة وفقدت زمام المبادرة فيها ليس فقط في الجانب الاقتصادي بل في غيره من الجوانب ومنها الأمني.
- قيام الولايات المتحدة بإحداث تغيير كبير في مقاربتها تجاه المنطقة والعالم ويبدأ ذلك من خلال تحديدها لمصالحها الاستراتيجية فيها وإيجاد وسائل تضمن تحقيق وتوسيع تلك المصالح والتقدم بمبادرات جريئة لإحداث شراكة استراتيجية مع دول المنطقة وهذا الاحتمال ضعيف في ظل الأوضاع القائمة في واشنطن.
- التحدي الكبير الذي يواجه الصين هو في إثبات قدرتها على المحافظة على معدلات النمو في اقتصادها مع وجود العقوبات الأمريكية المفروضة عليها .
ذلك أنها إذا أثبتت قدرتها على كسر القيود الأمريكية المفروضة عليها من خلال تقديم مبادرات اقتصادية جريئة فإن ذلك سوف يمنحها الثقة بالنفس وعلى مرأى من العالم بأنها قادرة على تحدي السياسات الأمريكية في أي مكان وسوف يمنح الآخرين الثقة بما تقدمه الصين من مبادرات. ولعل من أهم تلك المبادرات تحقيق نجاح كبير واختراق جيوسياسي في استراتيجية الحزام والطريق أو العمل من خلال بريكس أو منظمة شانغهاي على منافسة الدولار في بعض المجالات الاقتصادية وخصوصاً التعاملات في أسواق الطاقة التي هي اليوم حكراً على الدولار.
- السيناريو الرابع يقوم على عدم قدرة الصين على تحقيق النمو الاقتصادي مما يدفعها إلى التوصل لتفاهمات مع الولايات المتحدة حول تقاسم الأدوار في العالم وهذا يعني تأخير عملية انحسار النفوذ الأمريكي من المنطقة ربما لعقد من الزمن.
- أدركت الصين أن انحيازها للموقف الروسي في الحرب على أوكرانيا أفقدها الكثير من المواطن خصوصاً في علاقاتها مع الدول الأوروبية وأن عملية الغزو دفعت بالدول الأوروبية إلى تقوية علاقتها الأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة وعلى حساب الصين التي بدأت تشعر بثقل العقوبات التي وضعتها الولايات المتحدة وأن الموقف الأوروبي زاد من حدة هذه العقوبات. لذلك بدأت الصين تعيد حساباتها في التقارب مع روسيا من خلال مد يد السلام إلى أوروبا ومن هنا جاءت الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني إلى باريس والرسائل التطمينية التي أطلقها خلال الزيارة فهل تستطيع الصين إحداث شرخ في العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين؟ أو أنها تستطيع تغيير السلوك الروسي وتقديم مبادرة لإنهاء الحرب في أوكرانيا على أساس التفاوض وقيام أوكرانيا بتقديم تنازلات لروسيا والاعتراف بسيادتها على القرم وشرق أوكرانيا ولعل الهجوم الروسي على خاركيف وتزامنه مع زيارة بوتين إلى الصين ربما تكون مقدمات لمثل هذه التطورات.
- السيناريو الأخير هو السيناريو الانقلابي والذي يقوم على أساس حصول تطورات كبيرة في العلاقة بين الصين والولايات المتحدة والتي قد تأتي على واحد من إثنين:
- قيام صراع عسكري مباشر أو بالوكالة بين الطرفين وقد تشكل إحدى نقاط التماس مثل تايوان أو كوريا الشمالية أو الاحتكاكات في بحر الصين الشرارة التي تخرج عن السيطرة. بالطبع لابد من القول هنا بأن الصين لا تسعى إلى الصراع المباشر مع الولايات المتحدة لأن هذا ليس من طبيعة تفكير القيادة الصينية لكن احتمال التصعيد يبقى وارداً.
- قيام أحد الطرفين بتطوير تقنيات عسكرية أو استراتيجية تقلب ميزان القوى العالمي وهذه قد تكون على شكل تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي الذي يمنح طرفاً من الأطراف القدرة على الوصول إلى إعماق أسرار الطرف الآخر أو تطوير تقنيات وأسلحة تستطيع اختراق دفاعات الطرف الآخر. ولعل هذا العامل هو الذي تعول عليه الإدارة الأمريكية من خلال دعمها الكبير للعديد من المبادرات في مجالات الذكاء الاصطناعي والكمبيوتر الكمي وشبكة المعلومات بالإضافة إلى الطاقة البديلة.
خلاصة القول تقف الولايات المتحدة ومن ورائها العالم أمام منعطف خطير هو الأخطر في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية والذي يستدعي منها الاختيار بين القيام بدورها العالمي أو اللجوء إلى المعتاد من خلال إهمال المشكلات أملاً في أن تحل نفسها وهو الخيار الذي سوف يضع العالم في مزالق خطيرة غير معروفة النتائج.