واشنطن أم بكين .. هل سيكون خيارًا خليجيًا قهريًا؟ عندما نسلم بخيار التساؤل، وهو يعني أن تختار دول مجلس التعاون الخليجي بين من يؤمن أمنها بالرغبة في التبعية لها، وهي الولايات المتحدة، وبين من يؤمن مستقبلها الشامل، بما فيه التكنولوجي وبالاستقلالية عنها وهي الصين، فأيهما ينبغي أن تختار؟ توصلنا إلى هذا المشهد المختصر أثناء بحثنا في مستقبل الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، والخيارات الخليجية لتجنب آثارها الاقتصادية والتجارية، وخرجنا بأن الحرب التجارية تأخذ الآن أبعادًا سياسية وأمنية بمنحنيات حرب باردة دولية متحركة وليست ثابتة، وبإكراهات أمريكية لدول مجلس التعاون الخليجي، مما يضفي للتساؤل سالف الذكر أهمية طرحه خليجيًا من السياقين الزمني والسياسي الملحين تحت عامل الضرورة لواشنطن وللمنظومة الخليجية معًا.
وسنوضح لاحقًا، لماذا هما ملحان للكل؟ لكن هل سيكرر الخليج حقبة الاصطفاف أم تمتلك الآن الوعي والإرادة السياسيتين للتعبير عن حجم المصالح الخليجية الحقيقية لكل دولة من جهة، وللمنظومة الخليجية ككل؟ فحجم المصالح المعاصرة لا يمكن تحقيقها في حالة الانحياز لواشنطن على حساب بكين وإنما من خلال استمرار التعاون المفتوح معهما، واستكشاف بدائل وخيارات جديدة لكل الاحتمالات، لأن الحرب ستشمل كل المسارات التجارية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والجيوسياسية، بمعنى أن الحرب التجارية بينهما لم تعد أدواتها الرسوم والضرائب، وإنما أصبحت سياسية وأمنية، وتتطور إلى عسكرية عندما تكتشف واشنطن أنها لن تتمكن من الانتصار على بكين من خلال الأدوات الناعمة.
وستنصاع السياسة الخارجية الأمريكية منذ بداية العام 2024م، لتوجيهات الاستخبارات الأمريكية ما يعلي شأن الخطر المحدق بمركز واشنطن العالمي، ومن ثم على واشنطن أن تعمل بوسائل مختلفة لكبح طموحات الصين العالمية قبل فوات الأوان، وستجد دول الخليج نفسها أمام إكراه أمريكي قوي ومغري في آن واحد من أجل محاصرة بكين، وهذا يجعلنا نبحث الحرب التجارية بين أكبر اقتصاديين في العالم من المنظور المتغير المفاهيمي للحرب التجارية الأمريكية ـ الصينية، وطبيعة الخيارات الخليجية وفق جدلية من مع من، ومن ضد من؟ وهل التسليم بهذا الاصطفاف الآن في مصلحة الدول الخليجية العربية؟ وهل يمكن أن يحقق الخليج قوته التكنولوجية العالية المتعددة الأغراض بمعزل عن بكين؟ وهل الوعود الأمريكية ستكون محل ثقة بعد خذلانها القديم/ الحديث للخليج في مفاصل سياسية مصيرية؟
أولًا: الثروة وسيلة لتحقيق النفوذ العالمي
هناك رؤية أمريكية حديثة للحرب التجارية بين بكين وواشنطن، مفادها أن السياسة الجمركية والضرائب التي أهم أدوات الحرب التجارية مع بكين لن تنجح في كبح جماح تفوق الصين العسكري والتكنولوجي وانتشارها الجيوسياسي، بل العكس، وذلك عندما تربط بين الثروة والنفوذ العالمي، وفي هذا الصدد، يرى تحليل لمؤسسة " تي جي بي " العالمية للأبحاث أن صعود الصين الاقتصادي والمالي مقلقًا للولايات المتحدة التي تعتقد أن الثروة هي وسيلة لتحقيق السلطة السياسية والنفوذ العالمي ، وبالتالي فإن الصراع على النفوذ العالمي بين بكين وواشنطن بات يتمحور حول الثروة والتقنية، ومن هذه الرؤية، بات التقدم الذي يحرزه الصينيون في مجالات تقنيات الصواريخ والأسلحة النووية والذكاء الاصطناعي قلقًا أمريكًيا، فيما يعتقد العديد من المراقبين أن انقلابًا جذريًا يجري في ميزان الثروة والقوة العسكرية عالميًا
وفي السياق ذاته، قدمت "18" وكالة استخبارية تقريرًا توافقيًا لعام 2024م، بمثابة خارطة طريق لكل التحديات الاستراتيجية التي ستواجه واشنطن بدءًا من العام 2024م، وهى شاملة لكل ما يهدد المصالح والأمن القومي الأمريكي، واعتبرت بكين المنافس الاستراتيجي الأول لواشنطن، وأنها تشكل عليها تهديدًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وكذلك على مكانتها العالمية، وتنضوي هذه الأجهزة الاستخبارية تحت مظلة مجتمع الاستخبارات الأمريكية منذ الرابع من ديسمبر 1981م، بقرار من الرئيس السابق رونالد ريجان مع الاحتفاظ على صفتها الاستقلالية، وتصدر سنويًا تقريرًا غير سري برؤية جماعية توافقية عن التهديدات التقليدية وغير التقليدية، ويشكل التقرير إطار عمل استرشادي لصناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتلكم استدلالات كبرى على التحول المفاهيمي للحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، مما سيعني تحولًا دراماتيكيًا في المسارات والأهداف، فمن حيث المسارات ستدخل منطقة الخليج العربية ضمن الاستهداف الأمريكي نفسه لبحر قزوين، ومن حيث الأهداف، فإن هذا التحول سيطال أسس التعايش بين البلدين رغم الحرب التجارية، فقبل المتغير المفاهيمي، كانت واشنطن وموسكو تسعيان للحفاظ على علاقة تجارية واستثمارية صحية، وقد كان حجم التبادل التجاري بينهما 650 مليار دولار رغم التوترات التجارية ورغم مساعي إدارة الرئيس بايدين فك الارتباط في قطاعات تكنولوجية حساسة بين البلدين، أما المسار الجديد فسيأخذ منحى آخر يهدف وقف مساعي بكين من صناعة الثروة والقوة التكنولوجية العالية.
وهذا التحول المفاهيمي سيودي بدوره إلى تحول في سياسة الحرب التجارية الأمريكية ــ الصينية، بحيث ستجد كل الدول التي تتعامل مع بكين سواء في إطار مشروعها الاستراتيجي الحزام والطريق أو على صعيد العلاقات الثنائية تتأثر ، ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي، فجمعيها سيلحقها الضرر، وستقع في صلب الاستهداف الأمريكي الجديد، لأنها جزء من المشروع، كما أنها أبرمت معها اتفاقيات شراكة استراتيجية ضخمة تعظم الثروة الصينية وتمنحها انتشارًا جيوسياسيًا أعمق في الخليج، فلن تترك واشنطن الخليج يساهم في تعزيز الثروة وصناعة المكانة الجيوسياسية لبكين، فكيف ستدير دول مجلس التعاون هذه الإكراهات من الآن.
ثانيًا: حقبة الاصطفاف للخليجيين قد ولت
هناك خطوات أمريكية ستترجم على الأرض، وربما قد بدأت، وستأخذ مسارين أساسيين هما: التشديد في الحرب التجارية ضد الصين، وتحييد وعزلها دبلوماسيًا واقتصاديًا وجيوسياسيًا وتكنولوجيًا، ففي المسار الأول، فإن ما يزعج بكين الآن، اقتراب إدارة بايدين من وضع اللمسات الأخيرة على اللوائح التي من شأنها حظر الاستثمار الأمريكي في قطاعات التكنولوجيا الصينية ذات التطبيقات العسكرية، وسبق أن حظر بايدين في أكتوبر 2023م، تصدير رقائق الحاسوب الأكثر تقدمًا إلى الصين، وتشتكي بكين من سن بايدين تشريعات مثل قانون خفض التضخم الذي يقدم مزايا لشركات الأبحاث التي تقيم في الولايات المتحدة وتحرم الشركات الصينية منها .. الخ.
أما المسار الثاني، فإن واشنطن ستجد نفسها الآن مضطرة أن تتراجع عن سياسة تقليص تواجدها العسكري في الخليج وتجاهل المطالب الخليجية في تحديث قوتها الناعمة والخشنة، فتقليص قوة بكين العسكرية والتكنولوجية وعزلها جيوسياسيًا في ظل تخوف الاستخبارات الأمريكية من استغلال المنافسين الصين وروسيا وإيران الأزمات الإقليمية والتحديات العالمية كالهجرة والإرهاب لتحقيق مصالحها وتقويض النظام العالمي الراهن، سيجعل من واشنطن لن تركز على بحر قزوين فحسب، وإنما سيعاد الاعتبار لمنطقة الخليج، فما أقدمت عليه الدول الخليجية خلال السنتين الأخيرتين يعد بمثابة صيرورة تقترب من الثورة على واقع العلاقات الخليجية ـ الصينية ، وتميل نحو تجميد العلاقات مع أمريكا، وهى السبب – أي واشنطن – فكل حساباتها الاستراتيجية الإقليمية والدولية كانت خاطئة، والآن تحاول استدراكها.
وهذه الأخطاء الاستراتيجية الأمريكية قد خلقت مصالح وطموحات خليجية ـ صينية كبرى في فترة زمنية قصيرة جدًا، كانضمام بعض الدول الخليجية إلى منظمة شنغهاي ، والتوقيع على اتفاقيات ضخمة بين شركات استراتيجية صينية وخليجية بالمليارات، ورفعت السقف إلى مستوى تبادل العملات الوطنية على حساب تقليص نفوذ العملة الأمريكية لصالح اليوان الصيني، وستستهدف واشنطن محاصرة أسواق الصين في الدول النامية عبر ضرب مبادرة "الحزام والطريق" التي أنفقت عليها الصين حتى الآن نحو تريليون مليار دولار ، وفشلها أو حتى إضعافها ستكون خسارة كبيرة لها ، كما ستتضرر الطموحات الخليجية الاستراتيجية كالطموح النووي والتمكين التكنولوجي المتعدد الاستخدام، فهل واشنطن ستكون البديل الممكن عن الصين ؟
من المؤكد أن واشنطن سواء كان الحاكم فيها جمهوريًا أو ديموقراطيًا ستنفتح على المطالب الخليجية الاستراتيجية تحت الاضطرار ، فكل الفاعلين الأمريكيين بما فيهم مراكز الفكر والدراسات تجمع الآن على خطورة التفوق الصيني المالي والاقتصادي والعسكري على بلادهم كأكبر دولة في العالم، وينتابهم القلق من أهدافها العسكرية المستقبلية حيث تعمل على إنشاء جيش عالمي بحلول 2049م، يقول عنه شي جين بينغ الرئيس الصيني أنه ينبغي أن يكون جيشًا قادرًا على تحقيق النصر في أي معركة، وهذا التحول يأتي بعد أن عدلت بكين دستورها عام 2017م، للسماح باستخدام قواتها العسكرية خارج حدودها لحماية مصالحها الدولية.
ونراهن هنا على القيادات الجديدة في الخليج التي تعيد تحديث بلدانها بوعي التاريخ والمستقبل والتحديات الإقليمية وبأثمان كبيرة، فهي لن تحمل بلدانها مجددًا ثمن الاصطفاف مع طرف ضد آخر في تنافسهما العالمي، وعليها أن تأخذ بعين الاعتبار أكبر دروس الحرب الروسية/ الأوكرانية، وهى أن الحرب ما كان لها أن تقع بقسوتها حتى الآن لو لم تتخلص أوكرانيا من قوتها الردعية سواء عبر تفكيك أو تسليمها ترسانتها النووية للروس ضمن شروط استقلالها، والاصطفاف سيكون خيارًا مؤلمًا ، كما أن السير في الاتجاه المعاكس لواشنطن غير مطروح الآن، وعلى دول المنطقة الاستفادة من تجاربها القديمة والحديثة مع واشنطن، وعليها الإجابة على التساؤل التالي :
هل ستحصل على الطاقة النووية وتمكنها التكنولوجي من واشنطن بنفس السهولة والإمكانية من الصين؟ كل ما يمكن لواشنطن أن تفعله الآن للخليج صناعة الوهم الأمني، وهو إبرام اتفاقيات جديدة مقابل أثمان سياسية كبيرة أو حتى بدون أثمان، فهي مضطرة الآن، وكذلك الانفتاح نحو الطموح النووي والتكنولوجي الخليجي، لكن ليس بصورة واعدة كما في الحالة الصينية، لأن صناعة الردع الخليجي لن يكون في صالح مستقبل واشنطن والغرب عمومًا، وقد عملت طوال العقود الماضية على جعل دول المنطقة تسير في فلكها لديمومة حمايتها لها.
ثالثًا: الخيارات الخليجية الجماعية لمواجهة إكراهات الأحادية.
ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تسارع إلى صياغة استراتيجية للتعامل مع الحرب التجارية بين واشنطن وبكين بعد ذلك التحول المفاهيمي، فقد تجد كل دولة منها في موقع الاختيار، لأنها لن تكون الاستثناء من الآخرين في هذه الحرب، لذلك، فاستراتيجيتها ينبغي أن تكون من ثلاثة مسارات متماهية هي:
- رفض الاصطفاف، والتعايش الاستراتيجي من واشنطن وبكين.
- رسم خارطة بتأثير الحرب التجارية الأمريكية/ الصينية على كل دولة خليجية من جهة وعلى المنظومة الخليجية من جهة ثانية.
- العمل على تقوية الاقتصاديات الخليجية بصورة جماعية باعتبارها القوة الناعمة التي سيترتب عليها نجاح أو فشل تأسيس قوتها الخشنة الحديثة وسيحدد مركزها في النظام العالمي الجديد لأنه سيكون قائمًا على قوة الاقتصاد.
وهذه المسارات تبنى على أساس أن واشنطن تشهد صيرورة التغيير داخليًا وخارجيًا ، وأنها لا يمكن الثقة فيها مهما وعدت أو التزمت به، ففاقد الشي لا يعطيه، فواشنطن قدرها أن تحارب الآن الصين على كل الجبهات، ونشير كذلك إلى ما ذكره التقرير التوافقي لمجتمع الاستخبارات الأمريكية، فقد اعتبر أن زخم الانشغال الأمريكي سينتقل من الساحة الإسرائيلية إلى الساحة الأوكرانية بسبب الانتصارات الروسية في أوكرانيا منذ بداية العام 2024م، وأرجع هذه الانتصارات إلى المساعدات الصينية، وبالذات في مجال الصناعة العسكرية الروسية، وهذا يفسر لنا تحولات الموقف الأمريكي لصالح وقف الحرب في غزة ، وخلافات الرئيس بايدين مع نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وستجد واشنطن نفسها تستنزف من عدة جبهات في العالم من موسكو وبكين وبيونج يانج وإيران وجماعات مسلحة أيديولوجية كجماعة الحوثيين في اليمن مثلاً، ولن ترفع رأسها حتى تحمي غيرها.
لذلك، فمصلحة المنطقة الخليجية العربية أن تعمل دولها على جعل العلاقة مع بكين ضمن المتعايش الاستراتيجي المقبول مهما كانت الإكراهات الأمريكية عليها، فضمانة تحقيق أجندتها الاستراتيجية كالطاقة النووية والأمن السيبراني والاستثمار في تقنيات الطائرات المسيرة والفضاء .. لن يتحقق في ظل أي استعداء أو اصطفاف، وتحقيقها تعد الآن من الوسائل الوجودية لكل دولة خليجية، فهي لا تدخل ضمن الردع الإقليمي بل كذلك من وسائل تحقيق ثروتها الجديدة بمعزل عن النفط والغاز، وواشنطن ليست في مركز ممارسة الإكراه، بل هي في وضعية الاسترضاء، ولن تفرط في الخليج بسهولة لمكانتها الجيوسياسية وقوتها الاقتصادية التي ننظر إليها من ناحيتين:
الأولى: أنها ضامنة للطاقة العالمية باستحواذها على 7.32% من احتياطي النفط العالمي المؤكد البالغ 55.1 تريليون برميل لدى دول الخليج منها 510 مليارات برميل، وهذه قوة اقتصادية خليجية تحتل بها المرتبة العالمية الأولى في إنتاج الخام " 18 " مليون برميل، هنا قوة دول المجلس الخليجي الدائمة، والقادرة على صناعة التوازن في العلاقة الخليجية الدولية.
الثانية: وحدتها الاقتصادية وجاذبتها للمصالح الإقليمية والعالمية متعددة الجنسيات، وقد أصبح الآن استكمال متطلبات هذه الوحدة من الحتميات الخليجية الجماعية، كالاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والسكة الحديدية الخليجية .. فالوحدة بهذه المقومات ستؤدي إلى تحسين الانتقال وتعدده وتقليل أوقات النقل وتكاليفه بين المدن والموانئ الرئيسية الخليجية، وتحسين التدفقات التجارية وجذب الاستثمارات، والمطلوب الآن الإسراع في تحقيق هذه الأجندات في الإطار الزمني المحدد، كالاتحاد الجمركي الخليجي المحدد قبل نهاية 2024م، والبقية غالبًا ما تكون ما بين سنة وسنتين، وهي الفترة المثالية لبروز المنظومة الخليجية كقوة اقتصادية عالمية مؤثرة.
وترى بعض المصادر أنه بإنجاز الوحدة الاقتصادية في توقيتها المحدد يكتسب الاقتصاد العالمي قوة اقتصادية بإجمالي ناتج محلي يزيد على اثنين تريليون دولار سنويًا، غير ما تستثمره الدول الخليجية في مشاريع الاقتصاد الأخضر الجاذبة إليها استثمارات عالمية مليارية، قدرها البنك الدولي 37.1 مليار دولار في عام 2022م، ويتوقع أن يصل ناتجها الإجمالي بحلول 2050 إلى 6 تريليونات دولار، ويرتفع إلى 13 تريليون دولار في هذا التاريخ مع تبني استراتيجية التحول الأخضر.
وهذا لا يعني أننا نستبعد أو نقلل من تأثير الحرب التجارية الأمريكية / الصينية خاصة بعد تحولها المفاهيمي .. وإنما نبصر هنا بمكامن القوة ومسارات تعزيزها في هذا التحول الذي يدعو بدوره إلى تعزيز الشركات الخليجية مع محيطها النفعي التقليدي كالقوى الآسيوية مثلاً اليابان وكوريا الجنوبية والهند .. فاهتماماتها بالخليج قد تجاوزت الاعتيادية، ولديها كامل الاستعداد مثلاً طوكيو أن تدخل في شراكات تكنولوجية عميقة مع الخليج .. ومثل هذه التوجهات ستعوض المسارات التي قد تغلق أو تحد في وجه الخليج جراء الحرب التجارية الأمريكية الصينية، وقد تدخل هذه الدول في شراكات أمنية جديدة للحافظ على مصالحها.
الشغل الشاغل الذي ينبغي أن تركز عليه المنظومة الخليجية الآن، تحقيق الوحدة الاقتصادية عام 2025م، أولًا ، حيث ستتهافت الدول والتكتلات الإقليمية والعالمية بما فيها واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي على الاستثمار في الخليج ومن منظور الاعتداد بالمصالح وليس الاستحواذ بحصة الأسد، وهنا تبرز دول المجلس الخليجي كقوة أخرى للاستثمارات الإقليمية والعالمية يستوجب عليها من الآن تحديد المجالات الاستثمارية الخليجية ــ الخليجية الخالصة لتأمينها خليجيًا كالصناعات الدوائية والأمن الغذائي الخليجي التي تخلق لها الاكتفاء الذاتي لضمانة عدم تأثرها أي أزمة خارجية مقبلة كأزمة كرونا مثلاً .
وكذلك ما أحوج شعوب دول المنظومة الخليجية للوحدة الاقتصادية الآن قبل أي وقت مضى بعد تحولاتها المالية والاقتصادية التي مست معيشة المواطنين، ورفعت من حجم البطالة .. جراء إعادة صياغة مستقبل كل دولة خليجية .. الخ، فالوحدة ستفتح للشعوب مصادر رزق جديدة وطموحات كبيرة، كما أنها ستضمن انسياب السلع بين الدول الخليجية مما سيؤدي إلى زيادة التنافس بين المؤسسات الخليجية لصالح المستهلك .. ومن هذا المنظور الاجتماعي تبدو الوحدة الاقتصادية حتمية لوحدها، فكيف إذا ما التقت معها المنافع الكبرى سالفة الذكر.