array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

يتطلع الاتحاد الأوروبي لتعزيز الشراكة مع دول الخليج والعالم العربي لمواجهة التنافسات الدولية

الأربعاء، 29 أيار 2024

لايزال التوتر مُخيمًا على العلاقات الأمريكية-الصينية مع استمرار النزاع الرئيسي بين الجانبين في المجالات الاقتصادية والتجارية. حيث أعلن الرئيس الأمريكي جون بايدن في 14 من مايو 2024م، عن فرض رسوم جمركية جديدة بقيمة 18 مليار دولار على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة عبر مختلف القطاعات الاقتصادية التي تعتبرها إدارته “قطاعات استراتيجية" تمس الأمن القومي الأمريكي. يتوافق هذا الإعلان مع محاولات واشنطن تقويض قدرة بكين على تطوير التكنولوجيا الحيوية ومنح الأولوية في الوقت ذاته إلى الإنتاج المحلي الأمريكي. وفي تصريحاته التي أعقبت الإعلان عن التعريفات الجديدة، أوضح بايدن بأنه يسعى إلى "المنافسة العادلة مع الصين، وليس الدخول في صراع".

 جاء قرار الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية جديدة على السلع الصينية في سياق استمرار التوترات التجارية بين البلدين. ففي أكتوبر 2022م، أصدر الرئيس الأمريكي مرسومًا تنفيذيًا يحظر على الشركات الأمريكية تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين. وشملت الإجراءات الأحادية الأخرى التي اتخذتها الولايات المتحدة. ومن بين الإجراءات الأخرى أحادية الجانب المعلنة من قبل واشنطن؛ إصدار قانون خفض التضخم: و" الاستثمار في البنية التحتية والوظائف"، إلى جانب إقرار قانون “الرقائق الإلكترونية والعلوم". وسرعان ما تبعه الاتحاد الأوروبي بقانون الرقائق الخاص به، بالإضافة إلى قانون" الصناعة الصفرية الصافية"، ولائحة الدعم الأجنبي. وردًا على مبادرة الحزام والطريق الصينية، قامت الولايات المتحدة بتدشين "الشراكة الأمريكية من أجل الرخاء الاقتصادي"، بينما أعلن الاتحاد الأوروبي من جانبه، عن مشروع "البوابة العالمية". يأتي ذلك بالإضافة إلى التدابير التي اتخذتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث فرضت الولايات المتحدة تعريفات واسعة النطاق على واردات صينية بقيمة 300 مليار دولار. وكإجراء مضاد، قررت الصين فرض تعريفات جمركية على أكثر من 100 مليار دولار على الصادرات الأمريكية. ومن المتوقع الآن أن تعلن الصين أيضًا عن إجراءات مضادة لأحدث حزمة تعريفات أمريكية مفروضة على الواردات الصينية.

 

في الوقت ذاته، أدى النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى إضعاف حوكمة المنظومة التجارية متعددة الأطراف، بما يشمل ذلك تعطيل عمل منظمة التجارة الدولية، وهي المنظمة المنوط بها الحفاظ على علاقات تجارية متكافئة بين أعضائها وتسوية النزاعات. وفي ظل تورط الاقتصادين الأكبر عالميًا في حرب تجارية، فقد تضاءل دور المنظمة بشكل ملحوظ نتيجة لذلك وأصبح هناك اتجاه متزايد بين الدول الأعضاء نحو تبني التدابير الحمائية بما يمثل انتهاكًا صارخًا لما تنص عليه قوانين المنظمة. علاوة على ذلك، تم تهميش الآلية التي تعتمدها المنظمة من أجل فض النزاعات مما أدى لبقاء النزاعات مشتعلة دون تسوية.

نقاط الضعف والقوة والأدوات المستخدمة

تدير كلاً من الولايات المتحدة والصين سياساتها التجارية بأسلوب معقد ومتعدد الأوجه، بما يعكس استراتيجيتهما الاقتصادية، وأهدافهما السياسية، وطموحاتهما العالمية. فيما يخص الولايات المتحدة، تكمن نقاط القوة الأمريكية في الريادة التكنولوجية، والنفوذ المالي، والبيئة الابتكارية، والقوة العسكرية، التي تساهم من خلال حضورها عالميًا، في منح واشنطن أيضًا مزايا تجارية. علاوة على ذلك، فإن حقيقة استمرار اعتلاء الدولار الأمريكي عرش العملات الاحتياطية الرئيسية على مستوى العالم يخول للولايات المتحدة التأثير بشكل كبير على الأسواق المالية العالمية.

في المقابل، سطع نجم الصين كاقتصاد رائد في مجال التصنيع وجهة تصديرية عالمية وهو ما مكّنها من هيكلة وتمويل مسيرتها التنموية الاقتصادية الشاملة. وفي حين تسمح المنظومة الاقتصادية الصينية التي تسيطر عليها الدولة بالتخصيص الاستراتيجي للموارد والتخطيط طويل الأجل، تأتي مشروعات مثل مبادرة الحزام والطريق لتسهم في توسيع رقعة النفوذ الصيني من خلال الاستثمارات في البنية التحتية داخل البلدان النامية.

وتُعد السوق المحلية الصينية المزدهرة والتنمية الحضرية المتسارعة وصعود الطبقة المتوسطة، عوامل رئيسية تسهم في تعزيز القدرة الاستهلاكية الهائلة للصين.

على الجانب الآخر، لدى كل من الصين والولايات المتحدة نقاط ضعف تؤثر على مساعيهما في المنافسة الفعالة على الساحة التجارية العالمية. بالنسبة لبكين، فإن اعتمادها المفرط على الصادرات يجعلها عرضة لتقلبات الطلب العالمي. ذلك بالإضافة إلى أن توتراتها الجيوسياسية المستمرة ليس فقط مع الولايات المتحدة بل مع أوروبا وجيرانها في المنطقة، والتي أدت إلى تعطيل أنماط التجارة وتدفق السلع. ويمكن الجزم أيضًا بأن الضوء المسلط على قضية النزاعات الخاصة بحقوق الملكية الفكرية والاتهامات بشأن سرقة بكين للملكية الفكرية وعدم إنفاذ القوانين قد أضرت بمكانتها عالميًا.

أما على الصعيد الأمريكي، فإن استمرار العجز التجاري بالأخص مع الصين يؤكد الاختلالات القائمة داخل بنية الاقتصاد الأمريكي. فضلًا عن انحدار قطاعات التصنيع التقليدية لدى الولايات المتحدة، نتيجة صعود الصين كمركز عالمي في قطاع التصنيع، مما أدى إلى فقدان الوظائف الأمريكية والنزوح الاقتصادي. علاوة على ذلك، فإن حالة الاستقطاب السياسي الداخلي العميق الذي تشهدها البلاد، بخلاف الوضع مع النظام المركزي في الصين الذي لا يعاني مثل هذه الاستقطابات، يتسبب في عرقلة تفعيل سياسة تجارية متماسكة داخل الولايات المتحدة.

لذلك تلجأ الدولتان إلى استخدام مجموعة من الأدوات في سبيل تحسين موقفهما التجاري بشكل عام وإزاء بعضهما البعض بشكل خاص. وقد سبق ذكر التعريفات الجمركية والعقوبات هنا كوسيلة لحماية الصناعات المحلية وضغط الخبراء على الشركاء التجاريين. ومما لا شك فيه إن قرار البيت الأبيض بفرض تعريفات جمركية جديدة على الصين في مايو 2024م، سيتبعه إعلان الاتحاد الأوروبي عن خطوات مماثلة. فضلًا عن مشاركة الجانبان (الأمريكي والأوروبي) أيضًا ضمن مجموعة متنوعة من الاتفاقيات التجارية، سواء الثنائية او متعددة الأطراف، بهدف فتح المزيد من الأسواق ووضع المعايير. بالنسبة للولايات المتحدة، يشمل ذلك الاتفاقية التجارية مع المكسيك وكندا، والصفقات التجارية مع اليابان والاتحاد الأوروبي. ومن جانبها، استخدمت الصين ما يسمى باتفاقيات "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" من أجل تأمين أسواقها في كافة أنحاء العالم.

إن استخدام الصين للإعانات والشركات المملوكة للدولة من أجل الحفاظ على ميزتها التنافسية لا يزال محل خلافها الرئيسي مع الولايات المتحدة التي حاولت، في المقابل، توظيف مجموعة متنوعة من التدابير التنظيمية لإنفاذ قوانين مكافحة الإغراق وحماية حقوق الملكية الفكرية. وعندما يُنظر إلى هذه الأمور على أنها ليست فعالة بشكل كاف، يتم تطبيق العقوبات والتعريفات الجمركية. كذلك اتهمت الولايات المتحدة الصين باستخدام التلاعب بالعملة وإدارة اليوان الصيني من أجل تعزيز القدرة التنافسية للخبراء الصينيين. علاوة على ذلك، فإن الاستثمارات الصينية واسعة النطاق في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس سمحت لبكين بتقليص اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية. وبالتالي يمكن اعتبار ذلك أداة فعالة تستخدمها الصين لتحسين وضعها العام في الأسواق العالمية.

بالنظر إلى هذه المعطيات مجتمعة، تظهر نقاط القوة الفريدة والمزايا التي تتمتع بها الولايات المتحدة والصين في إطار جهودهما لممارسة نفوذ أكبر على التجارة العالمية، لكن يظل شبح التحديات يطارد الدولتين. فبينما تعتمد الولايات المتحدة على ميزتها التكنولوجية ونفوذها المالي، تركز الصين على براعتها التصنيعية والتدخلات الاستراتيجية للدولة. مع ذلك، ومما لا شك فيه، يستمر التنافس القائم بين الاقتصادين في تشكيل ديناميكيات التجارة العالمية وكذلك التأثير على السياسات الاقتصادية الدولية.

أوروبا عالقة في المنتصف

تتبنى دول الاتحاد الأوروبي رؤى ومفاهيم متباينة حول النزاع التجاري بين واشنطن وبكين، والتي تخضع بطبيعة الحال إلى تأثير المصالح الاقتصادية، والتحالفات السياسية، والاعتبارات الاستراتيجية لكل دولة. تجدر الإشارة هنا إلى أنه ثمة اختلافات كبيرة بين المناهج التي تعتمدها دول الاتحاد الأوروبي منفردة وبالتالي لا يسع المرء الحديث عن موقف أوروبي موحد بشأن هذه القضايا. ألمانيا، على سبيل المثال، كانت في طليعة الداعمين إلى موازنة العلاقات مع كلا الجانبين (الأمريكي والصيني) مع الدعوة إلى نظام تجاري عالمي قائم على قواعد. ويرجع ذلك إلى أن ألمانيا بالأخص يعتريها قلق بشأن تأثير التعريفات الجمركية والاضطرابات التجارية على اقتصادها المعتمد على الصادرات، لاسيما في قطاعات مثل صناعة السيارات والآلات. وخلال زيارته الأخيرة إلى بكين في إبريل 2024م، عاود المستشار الألماني أولاف تشولز محاولة عقد توازن دقيق بين تعزيز الروابط الاقتصادية مع أكبر شريك تجاري لبلاده، والتحذير في الوقت ذاته من مغبة الزيادة المطردة في نسبة الصادرات الصينية إلى أوروبا وحذر من اعتماد سياسات الحمائية التجارية.

في موقف متناقض إلى حد ما مع موقف ألمانيا، كانت فرنسا أكثر حذرًا بشأن الاستثمارات الصينية في القطاعات الاستراتيجية ودعت إلى ضوابط أكثر قوة على مستوى دول الاتحاد الأوروبي من أجل حماية الصناعات الحيوية. وكرد فعل للنزاع التجاري بين واشنطن وبكين، دعت باريس إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا الأوروبي والقدرات الصناعية من أجل خفض الاعتماد على كلا البلدين. في الوقت ذاته، كانت دول أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية حريصة بشكل عام على جذب الاستثمارات الصينية. وليس من قبيل الصدفة أن يختار الرئيس الصيني شي جين بينغ كل من فرنسا، والمجر، وصربيا كمحطات ضمن جولته الأوروبية الأخيرة في مايو من هذا العام. بالإضافة إلى استعداد الدول الثلاث للتعاطي مع الصين في المسائل الاقتصادية، فإنها متشككة أيضًا في هيمنة الولايات المتحدة على الشؤون العالمية. ورغم أنها لا تنظر بالضرورة إلى الصين باعتبارها ثقلًا موازنًا للثقل الأمريكي، لكنها تظل منفتحة للإصغاء إلى الرؤى والتصورات الصينية بشأن هذه الأمور.

على صعيد الفوائد والعيوب المحتملة، وإشكالية الاختيار بين الصين كشريك تجاري والولايات المتحدة كحليف، تسعى أوروبا إلى موازنة علاقاتها مع البلدين. فمن جهة، تُتيح العلاقات التجارية القوية مع الولايات المتحدة والصين على حد سواء للشركات الأوروبية نطاقًا أوسع من فرص السوق، في حين أن الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والتكنولوجيا ستساعد في دفع قاطرة النمو الاقتصادي داخل أوروبا. من ثم، فإن التعاون مع كلا البلدين من شأنه أن يعزز الابتكار والتقدم التكنولوجي داخل أوروبا. من الناحية الأخرى، فإن التنقل وسط أجواء النزاع التجاري القائم بين الولايات المتحدة والصين يخلق توترات دبلوماسية ويفرض خيارات صعبة على الدول الأوروبية. وفي ضوء هذا السياق، قد تترك التعريفات الجمركية والعراقيل التجارية أثرًا سلبيًا على حركة الصادرات الأوروبية وسلاسل التوريد، في حين أن الاعتماد على الجانب الأمريكي أو نظيره الصيني من أجل التزود بالتقنيات الحيوية والوصول إلى الأسواق من شأنه أن يقوض الاستقلالية الاستراتيجية لأوروبا.

في سبيل تجاوز الصعوبات أمام تحقيق هذا التوازن الدقيق، تسعى أوروبا جاهدة إلى تبني نهج متسق وأكثر تماسكًا، بقدر ما تأمل أن يعزز ذلك قدرتها على التفاوض الجماعي ضمن مفاوضاتها مع كل من الولايات المتحدة والصين. كما تواصل أوروبا أيضًا دعمها للمؤسسات التجارية متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية والدعوة إلى الإصلاحات لمعالجة الاختلالات والنزاعات التجارية. وفي الوقت ذاته، من المتوقع أن تنخرط أوروبا بشكل انتقائي مع الصين في المسائل الاقتصادية بينما تتحالف مع الولايات المتحدة في القضايا الاستراتيجية والأمنية.

أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي

من الواضح مما سبق ذكره أن التكاليف من الناحية الاقتصادية أو من حيث الأهداف المناخية من أجل حماية مستويات المعيشة والحفاظ على فرص تحقيق تعاون دولي ستترك أثرًا عميقًا على اتجاه السياسات التجارية المستقبلية لأوروبا. بالتالي، فإن التحدي أمام الاتحاد الأوروبي يتمثل في الحفاظ على توازن استراتيجي دقيق بين مواقفه التقليدية وتعزيز الشراكات التجارية الرئيسية. كذلك الحال أيضًا في ظل صعود نظام عالمي جديد يعطي الأولوية للنفوذ الاقتصادي على حساب القوة العسكرية. بشكل عام، يدرك الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه على نطاق واسع التحول نحو مثل هذا النظام العالمي حيث تؤثر القوة الاقتصادية بشكل متزايد على العلاقات الدولية. واستجابة لذلك، حرصت أوروبا على التأكيد على أهمية الاستقرار الاقتصادي، والتنمية المستدامة، والاستقلال الاستراتيجي في التعامل مع هذا المشهد الجديد.

لدى أوروبا مصالح عديدة تود أن تراها تنعكس في النظام العالمي الناشئ. أولًا، ترى أوروبا أن الاستقرار الاقتصادي والنمو هما جوهر حيويتها ونشاطها المستمر، وبالتالي، فهي ترغب في تأمين نموها الاقتصادي المستدام واستقرارها من خلال مظلة العلاقات التجارية المتنوعة والاستثمار في الابتكار. ثانيًا، تدعو أوروبا إلى مزيد من الجهود المتضافرة حول قضايا التنمية المستدامة بما في ذلك قيادة المساعي الدولية في مجال التقنيات المستدامة والصديقة للبيئة لمكافحة تغير المناخ وتعزيز الممارسات الاقتصادية المستدامة. ثالثًا، وفيما يتعلق بهذه النقطة، أعلنت أوروبا عن طموحها في أن تصبح رائدة في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتصنيع المتقدم.

وحتى هذه المرحلة، أعلنت أوروبا عن العديد من الخطوات التي ستساعد الاتحاد الأوروبي على التنافس بفعالية في ضوء هذه الظروف المتغيرة. يشمل ذلك، تدعيم السوق الأوروبية الموحدة باعتبارها وسيلة لتعزيز التكامل والمرونة من أجل ضمان الاستقرار الاقتصادي والقدرة التنافسية. يشمل ذلك أيضًا التشجيع على الاستثمارات داخل دول الاتحاد الأوروبي من أجل تعزيز الابتكار، وتدعيم البنية التحتية، والتنمية التكنولوجية إلى جانب التشجيع على التعاون في المشروعات الاستراتيجية على مستوى القطاعات الرئيسية مثل الدفاع، والفضاء، والتكنولوجيا الرقمية، والطاقة من أجل تعزيز الموقف الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي. وكما أشير سلفًا، فإن العمل على توسيع نطاق الاتفاقيات التجارية مع قطاع أوسع من الدول من أجل خفض الاعتماد على شريك بعينه، سواء كانت الولايات المتحدة أو الصين، يعتبر مسارًا آخرا للسياسة الأوروبية. وإن كانت تجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحاد الأوروبي سيكون عازمًا على الحفاظ على علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع الولايات المتحدة مع إدارة التوترات التجارية ومواءمة القضايا العالمية مثل الأمن وتغير المناخ.

في ضوء ذلك، يتطلع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية مع دول الخليج والعالم العربي الأوسع. وينظر إلى هذا التعاون باعتباره سبيلًا لخلق روابط اقتصادية متبادلة المنفعة وكذلك لمواجهة التنافسات الدولية المتصاعدة. ويتسم نهج السياسة الرئيسي بالتنوع الاقتصادي والاستثمارات التي تركز بشكل خاص على تشجيع المشروعات المشتركة والاستثمارات المباشرة في قطاعات مثل الطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، والسياحة مع التركيز بشكل خاص على التعاون في مشاريع الطاقة المتجددة. وذلك بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي لديهما مصلحة مشتركة في الاهتمام بالانتقال إلى مصادر الطاقة المستدامة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وفي حين تستطيع الشركات الأوروبية جلب الخبرة والتكنولوجيا، تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي القدرة على توفير رأس المال اللازم والوصول إلى الأسواق.

تشمل المجالات الأخرى، التعاون في مجال التبادل التكنولوجي والتعليمي مثل إقامة شراكات للبحث والتطوير في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا المعلومات، والشراكات التعليمية مثل تعزيز التبادلات الأكاديمية والتعاون بين الجامعات الأوروبية والخليجية بما في ذلك المنح الدراسية، والمشاريع البحثية المشتركة، وبرامج التبادل الثقافي. هناك أيضًا عامل البنية التحتية والربط اللوجيستي كما تم التأكيد عليه من خلال طرح مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي تم الإعلان عنه خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين في الهند العام الماضي (2023م). ومن شأن مثل هذه الاستثمارات في مشروعات البنية التحتية أن تحسن الاتصال والربط بين أوروبا والمنطقة الخليجية، بما في ذلك الموانئ، والسكك الحديدية، والمراكز اللوجستية. يشمل ذلك أيضًا التعاون في مجال تطوير البنية التحتية الرقمية لدعم الاقتصاد الرقمي، بما في ذلك شبكات الجيل الخامس وتقنيات المدن الذكية.

إلى جانب الفوائد المنظورة على صعيد النمو الاقتصادي، والتنوع، وأمن الطاقة، والاستدامة، والتبادلات التكنولوجية والثقافية، ينظر إلى التعاون الأوروبي -الخليجي باعتباره خطوة في سبيل موازنة المنافسات الدولية. فلا يرغب الاتحاد الأوروبي أو مجلس التعاون الخليجي في رؤية أنفسهم مضطرين للاختيار أو مجبرين للانحياز إلى أي من الطرفين. وعوضاً عن ذلك، ثمة تفضيل للعلاقات المتوازنة، والتعددية، وآليات تسوية النزاعات التي تعزز الاستقرار والتعاون. وتمثل "الشراكة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي مع المنطقة الخليجية"، السارية منذ يونيو 2022م، عنصرًا سياسيًا مهمًا يوفر الإطار لكيفية تعزيز هذه العلاقات بشكل أكثر فعالية وتماسكًا. 

وختاماً

يُمثل التعاون بين الدول الأوروبية والخليجية والعالم العربي الأوسع فرصة استثنائية لتعزيز النمو الاقتصادي المتبادل وتحقيق التنويع المنشود. ومن خلال التركيز على مجالات ذات أهمية استراتيجية مشتركة، مثل التجارة والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا، يمكن للمنطقتين الاستفادة بشكل كبير من تعزيز الروابط الاقتصادية. علاوة على ذلك، يُساهم هذا التعاون المشترك في إرساء التوازن في العلاقات الدولية، ودعم نظام عالمي أكثر عدالة وتعددية. ومن خلال العمل سويًا، يستطيع كلا من الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي المساهمة في الاستقرار العالمي، والتنمية الاقتصادية، والنمو المستدام.

أخيرًا، إن الدور الأوروبي والخليجي في النظام العالمي المتغير سيتم تحديده وفقًا لقدرة الجانبين على التكيف مع التحولات الاقتصادية، والاستفادة من نقاط القوة وبناء التحالفات الاستراتيجية. المطلوب هو التركيز على الابتكار والبحث من أجل الريادة في التقنيات الحديثة والحلول المستدامة: والقيادة التنظيمية التي تضع المعايير في الحوكمة الرقمية، وحماية البيانات، والاستدامة البيئية؛ `إلى جانب شراكات استراتيجية مع الدول ذات التفكير المماثل لتعزيز التعددية والنظام الدولي القائم على القواعد؛ والدبلوماسية الاقتصادية الشاملة التي تستخدم سياسات التجارة والاستثمار لتعزيز النفوذ العالمي وتأمين المصالح الاقتصادية.

يُبحر الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي حاليًا في مرحلة انتقالية نحو نظام عالمي تكتسب فيه القوة الاقتصادية أهمية قصوى. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن ما تقدم يسلط الضوء أيضًا على اتجاهين متباينين يتعارضان بشكل واضح. فبينما يطالب العالم بسبل جديدة وشاملة للتعاون العالمي، فإن تراجع التعاون متعدد الأطراف بشأن القضايا التجارية الشاملة يشير إلى الاتجاه المعاكس. وخارج إطار الفلك الأمريكي أو الصيني، تتجه العديد من الدول نحو سياسات الحد من المخاطر، بل وحتى فك الارتباط التام. بيد أن هذا النهج يؤدي إلى مزيد من التشرذم والتجزئة على صعيد التجارة والاستثمار العالمي. وفي ضوء هذه البيئة الجديدة، وبسبب أيضًا تأثير جائحة كوفيد-19، تحاول الشركات، والبلدان، والمنظمات الدولية جميعها إعادة تشكيل سياساتها استجابة لذلك وبشكل عام فإن تحقيق التوازن الدقيق بين الحاجة الملحة للتعاون العالمي الشامل، وتجنب مخاطر الاعتماد المفرط على قوى خارجية ليس بالمهمة الهينة.


 

مقالات لنفس الكاتب