array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

نهج "بوتين" قائم على تجاوز المجال الجيوسياسي لأوروبا "الردع الاستراتيجي"

الأربعاء، 29 أيار 2024

في أعقاب الإعلان عن فوز الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" بولاية خامسة، تم الإعلان عن انعقاد اجتماع تأسيسي للولاية الجديدة مع الرموز الأمنية، وليست السياسية. في إشارة إلى بحث الترتيبات الأمنية الجديدة، والبناء على ما سبقها إبان الولاية الرابعة، خاصة فيما يتعلق بالهدف الاستراتيجي المُعنون بـ"روسيا العظمى"، بما يؤسس لفرضية استمرار التمدد بالمجال الحيوي فضلًا عن إعادة التموضع الجيوسياسي بمناطق النفوذ السابقة بمختلف الأقاليم الفرعية، وفي مقدمتها الشرق الأوسط. 

وفي السياق ذاته.. تطرح الولاية الخامسة للرئيس "بوتين" عددًا من الصياغات النوعية والحيوية، أبرزها ملامح السياسة الخارجية لموسكو إبان تلك الفترة، كذلك فرص التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية في ظل تنامي حجم الارتدادات المتباينة لتلك الأزمة على كافة الأصعدة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية.  

أولاً -  ملامح الولاية الخامسة للرئيس "فلاديمير بوتين": 

بالنظر إلى البنود المتضمنة للـ "الاستراتيجية الجديدة" والتي تُهيكل عقيدة السياسة الخارجية الروسية والتي تم الإعلان عنها في مارس 2024م، فيُبنى نهج "بوتين" على إرساء التموضع الروسي بما يتجاوز المجال الحيوي الجيوسياسي لأوروبا، وفرض نظرية "الردع الاستراتيجي" على دول حلف الناتو، كذلك استعادة النفوذ الحيوي والسيادة العالمية لروسيا العظمى بالمناطق التقليدية بالأقاليم الفرعية. وهوما يتضح بالنقاط التالية: 

  • أولى الأولويات السياسية بالولاية الخامسة للرئيس بوتين، ما يتعلق بعودة روسيا كقطب عالمي فاعل وإعادة انتاج أمجاد حقبة الاتحاد السوفييتي، وإنهاء الأحادية الأمريكية وهيمنتها على النظام العالمي.
  • إعادة ترسيم الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالمجال الحيوي الروسي، فضلًا عن استعادة النسق الضمني في العلاقات البينية لحلف الناتو وموسكو، وتطويق ومحاصرة تمدد الأطلسي للمجال الروسي.
  • الإعلان عن المشروع الروسي في القرن الحادي والعشرين هو تحويل أوراسيا إلى مساحة متكاملة يعمها السلام والاستقرار والازدهار. وذلك في ظل معارضة موسكو لسياسة "خطوط التقسيم" في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
  • التحرك الروسي نحو تعميق العلاقات بشكل كامل مع الصين والهند ومختلف القوى الصاعدة على نحو ما بات يُعرف بإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد.

 

استنادًا لتلك الملامح السياسية، فثمة عدد من المحددات الداعمة والتي ترسخ لتلك الفرضيات/ أو التعهدات البوتينية خلال الفترة الممتدة لعام 2030م، أبرزها:

  • نجاح روسيا في التصدي لإمدادات الغرب بقيادة الولايات المتحدة في حرب أوكرانيا طوال العامين الماضيين.
  • فرض موسكو لنظرية الردع الاستراتيجية على دول حلف الناتو، وعرقلة الإمدادات الأوروبية – خاصة الأسلحة بعيدة المدى- من الوصول لكييف.
  • تخطت روسيا أزمات اقتصادية وعقوبات موسعة على سلاسل الإمدادات والتصدير وحركة التجارة من الموانئ.
  • نجحت موسكو في تثبيت أقدامها بقوة في العديد من مواطن الصراع ضد واشنطن من بينها غرب ووسط إفريقيا وفي الشرق الأوسط وآسيا.
  • التقارب الواسع بين روسيا والصين شَكل قوة اقتصادية وعسكرية كبيرة تتيح لروسيا شراكة يصعب على أي قوى عالمية إخضاعها.

ثانيًا -  المسألة الأوكرانية: 

ثمة تطور على المستويين السياسي والميدانى للمسألة الأوكرانية وذلك بالنظر لحجم التصريحات الروسية والغربية، وكذلك أبعاد العمليات الميدانية على كافة المجالات النوعية ذات التماس المباشر سواء بالدائرة الأوروبية أو الدوائر الفرعية الأخرى وفي مقدمتها الدائرة الشرق أوسطية. وذلك بالنظر إلى ما يلي: 

  1. التطورات السياسية:

بالنظر لحالة التطور السياسي بمسارات الحرب الروسية الأوكرانية والتناول الغربي والأمريكي لأبعاد الحرب وارتداداتها على مختلف المسارات والأقاليم الفرعية بالنظام العالمي، فثمة عدد من الملاحظات الاستراتيجية على تلك النقطة، أبرزها: 

  • مراجعة النظريات السياسية: التطورات اللاحقة بحالة الصراع بالمسألة الأوكرانية كشفت بدورها عن فشل نظريتين من نظريات العلاقات الدولية، الأولى: ما يتعلق بنظرية "توازن القوى"، والتي تؤسس إلى أن حالة التوازن لا تنشئ الحرب. وعلى الرغم من التوازن بين روسيا والكتلة الغربية نتيجة لحالة الردع النووى، فإن ذلك لم يمنع من نشوب الصراع القائم في أوكرانيا. والثاني: ما يتمثل في هشاشة نظرية "الاعتماد المتبادل"، إذ أنه نظريًا لو أن هناك تبادل بين الأطراف الدولية فلا تنشئ حربًا قد تدفع بالضرر لكلا الطرفين. وهو عكس السيناريو القائم بالحرب الروسية الأوكرانية وارتداداتها على النظام العالمي ككل.

 

  • مراجعة النظام الدولى: احدى أهم التطورات السياسية التي لحقت بأبعاد الحرب الروسية / الأوكرانية ما يتعلق بملامح النظام العالمي الجديد، والذي اتسق مع توقيع الرئيس الروسي والصيني بيانًا مشتركًا في 4 فبراير 2022م، للمطالبة بمراجعة النظام الدولي الذي استقر منذ نهاية الحرب الباردة والقائم على انفراد الولايات المتحدة بالأحادية القطبية وقمة الهرم الدولي. فضلًا عن صعود قوى فاعلة ومؤثرة بمختلف الأقاليم الفرعية ولديها بصمات واضحة في هيكل النظام العالمي الجديد، فعلى سبيل المثال: طرحت بكين منذ الأيام الأولى للحرب ما عُرف بـ "المبادرة الصينية"، والتي لاقت قبولًا وترحيبًا من الأطراف المتحاربة وتستند إلى محددين: الأول التأكيد على مراعاة أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأن كافة الدول تستحق الاحترام لسيادتها وسلامتها الإقليمية، والثاني التأكيد على الأخذ في الاعتبار كافة المخاوف الأمنية المشروعة لأي طرف وتقديم الدعم لجميع الجهود التي تفضي إلى التسوية السلمية للأزمة القائمة.  

 

  • إعادة الاعتبار لسياسة الأحلاف العسكرية: احدى أهم التطورات السياسية ما يتعلق بماهية "نسق التوازنات الدولية الجديدة"، فعلى سبيل المثال: أكدت الأزمة الأوكرانية على الرغم من تراجع فاعلية حلف الناتو أنه لازال يتمتع بأهمية كبرى في حماية الأمن الأوروبي، خاصة ما أسست له مكيانزم التمدد للحلف (أبرزهم فنلندا والسويد) من أهمية لحماية الأمن القومي لدول شرق أوروبا. بالسياق ذاته، أضفت "تنسياقات الأحلاف" مدخلاً هاماً لمنطقة "الإندو- باسيفيك" والتي باتت مُرشحة كمسرح لبناء شبكة التحالفات الجديدة. إلى جانب التحالفات والشراكات الاستراتيجية، والعلاقات الدفاعية القوية القائمة بين الولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة كاليابان وكوريا الجنوبية وتايوان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الأن. فعلى سبيل المثال: شهدت المنطقة إحياء "الحوار الأمني الرباعي" في نوفمبر 2017م، وتم ترقيته إلى مستوى القمة في مارس 2021م، ثم تأسس تحالف "أوكوس" في سبتمبر من العام ذاته. والذى قد يُعد بمثابة "نافذة" تدفع بدولاً عديدة للالتحاق بالهياكل والترتيبات الأمنية الجديدة.

 

  1. التطورات الميدانية:

دخلت الحرب الروسية / الأوكرانية "العملية الخاصة" عامها الثالث في فبرار 2024م، لتكشف حجم التطورات الميدانية عن حالة "اللا-حسم" بين طرفي الأزمة. إذ بالنظر إلى خرائط  المواجهة، فروسيا تحافظ على ثبات تمددها العسكرى على الأرض فضلًا عن تحقيقها تقدماً بالقرب من تشاسيف يار (غرب باخموت) وشمال غرب أفدييفكا، كما حققت القوات الأوكرانية مؤخراً تقدماً جنوب كريمينا وهو ما يظهر بالخريطة التالية، فيما تنتظر أوكرانيا استئناف الأمدادات العسكرية الغربية عقب إقرار مجلس النواب الأميركي في 20 إبريل 2024م، مشروع قانون المخصصات التكميلية الذي ينص على تخصيص ما يقرب من 60 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا، بما قد يسمح لكييف بوضع عملياتى أفضل على خطوط المواجهة بحلول النصف الثاني من 2024م.

Source: Russian Offensive Campaign Assessment, ISW, April 20, 2024, https://2u.pw/fdB5SYFr

ثالثًا – فرص التسوية والحل: 

بالتزامن مع الذكرى السنوية للحرب الروسية / الأوكرانية، فثمة حالة من الجمود على المستوى السياسي والدبلوماسي لإنهاء العمليات العسكرية الممتدة جيو سياسيًا، فضلًا عن عزوف القوى الكبرى– خاصة الولايات المتحدة الأمريكية – عن تحديد رؤيتهم/ وتصوراتهم حول كيفية إنهاء الحرب. والتركيز فقط على فرض مزيد من العقوبات على موسكو وضخ المزيد من الأسلحة الحديثة لكييف لإحداث التوازن العسكرى المطلوب. فعلى سبيل المثال: تضمن البيان الختامي الصادر عن اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع الصناعية الكبرى G7، في 16 أبريل 2023م -باليابان، الدعم الكامل لكييف "أمنيًا واقتصاديًا ومؤسسيًا" لمساعدتها في الدفاع عن نفسها، وتأمين مستقبلها الحر والديمقراطي، وردع أي عدوان روسي في المستقبل.

الجدير بالذكر، ثمة عدد من المحددات والتي قد تدفع بعرقلة فرص التسوية السياسية بالأزمة الأوكرانية وجمود المسار الدبلوماسي ككل، أبرزها:

  • مكيانزم الصراع: تبنى تلك النقطة على جوهر الصراع القائم والذي انتقل من مجرد قضايا خلافية ثنائية بين الطرفين الروسي والأوكراني، إلى الصراع على استعادة الإرث التاريخي للاتحاد السوفيتي، وهي تلك النقطة التي تتضح بشكل مباشر وغير مباشر في العديد من الخطابات الرسمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إذ أن الصراع القائم ليس مجرد صراع إقليمي فقط، وذلك في ظل الصبغة الأيديولوجية الواضحة للصراع والآخذة في التزايد والداعمة لاستمراره في ظل اختلاف الأجندات المتباينة لجوهر الصراع وداعمي أطرافه. فعلى سبيل المثال: تدعم الولايات المتحدة وحلفاؤها بالغرب النظام الأوكراني للدفاع عن القيم الديموقراطية، في حين تذهب موسكو في صراعها القائم على استعادة نمط الهيمنة السوفيتية وإعادة تقييم وإنتاج منطلقات الحرب الباردة.

 

  • ضبابية الأهداف/ والضمانات: إذ تتباين الأهداف الأساسية والخاصة بالصراع القائم والمُعلن عنها من جانب موسكو منذ بداية الصراع والتي تتلخص في: "تطهير أوكرانيا من النازيين، تحييد إمكانياتها العسكرية، منع حيازة كييف لأسلحة هجومية"، بالإضافة إلى التغير الذي لحق بذلك من استحداث للأهداف وفقًا لحالة التغير بخريطة الصراع وأطرافه. فعلى سبيل المثال: تطورت الخريطة الميدانية للصراع القائم على نحو ضم موسكو لعدد من الأراضي الأوكرانية رغبة في التمدد الحيوي بالإقليم وتحقيق أهدافها حول عودة "روسيا العظمى"، مقابل التغير الأوكراني في طبيعة الأهداف لتتسع نحو تحرير الأراضي الجديدة بجانب منطقة "شبة جزيرة القرم" التي ضُمت سابقًا في 2014م، فضلًا عن ضبابية الضمانات الأمنية التي تطالب بها أوكرانيا ومن سيضمن تحقيق تلك الضمانات وعدم المقايضة بسيادة أراضيها مستقبلًا حال تطور الصراع لخارج النطاق الإقليمي. بالإضافة إلى تخطي حاجز "الأهداف" بين طرفي الصراع، ليتسع نطاق الأهداف للأطراف المنخرطة بشكل غير مباشر بالصراع. فعلى سبيل المثال: عند تحليل سرديات الأزمة الأوكرانية، نجد أن واشنطن تدعم أوكرانيا انطلاقًا من هدفين، الأول: تقويض ومحاصرة روسيا في مجالها الحيوي، والثاني: محاولة الاحتواء والإبقاء على النمط الأحادي للهيكل التقليدي للنظام الدولي فيما بعد الحرب الباردة وتطويق التحركات الرامية لتعددية النظام الجديد. 

 

ــ جدوى المبادرات: فثمة إشكالية تتعلق بمدى نجاعة مبادرات التسوية السياسية المطروحة على طرفي الصراع. فعلى سبيل المثال: اشتملت المبادرة الصينية على عدد من القناعات المتمثلة في احترام سيادة جميع الدول، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، ووقف الأعمال العدائية، واستئناف محادثات السلام، والتعامل مع الأزمة الإنسانية التي خلفتها الحرب، والحفاظ على سلامة المحطات النووية ..إلخ. إذ يُشكل البعض منها نقاط خلاف مع أطراف الصراع المباشر كأوكرانيا، أو غير المباشر كالولايات المتحدة الأمريكية. والأمر ذاته بالنظر إلى المبادرة الإندونسية والمباردة الإفريقية. إذ أن كافة المبادرات المطروحة فشلت في خلق مساحات مُشتركة بين الطرفين الروسي والأوكراني للتفاوض والنقاش. إذ أن كلًا منهما لايزال لدية مرئياته وتصوراته الخاصة بالتسوية على نحو مغاير تمامًا لما هو مطروح في المبادرات السالف ذكرها. 

تأسيسًا على ما سبق .. يبدو أننا لا زلنا أمام جولات مستمرة من الصراع وحالة اللاحسم العسكري، مقابل استمراراً للتحركات الدبلوماسية وفقًا للـ "الأطر متعددة الأطراف" أو في إطار "مبادرات بعض الدول" مثل الاقتراح المصري لإنشاء "آلية دبلوماسية لحل الأزمة"، لاحتواء الصراع القائم وارتداداته على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والتنموية على مختلف الأقاليم الفرعية بالنظام العالمي قيد التشكيل وغيرها العديد من المبادرات كما سبق توضيحها. إلا أن الواقع العملياتي يفرض معه صعوبة التوافق حول فرص التسوية المتاحة/ والمطروحة رسميًا سواء على مستوى الدول أو المؤسسات الإقليمية والدولية لخلق تفاهمات مشتركة. ليُصبح رهان الولاية الخامسة متمثلاً في استعادة بوتين لإرث "روسيا العظمى"، وإنهاء الحرب القائمة وفقًا للتصورات الروسية القائمة على تأمين المجال الحيوي، بالإضافة إلى ترسيخ خطوات جادة نحو "تشكيل النظام الدولي الجديد" وفقًا للأطر التعددية وكسر الهيمنة الأمريكية.


 

مقالات لنفس الكاتب