array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 197

خذلان أمريكا يشرعن لدول الخليج إقامة علاقة منافع مع موسكو وشراكات متنوعة

الإثنين، 29 نيسان/أبريل 2024

متى وكيف ستنتهي الحرب الروسية – الأوكرانية وهي تدخل في عامها الثالث؟ تعمقنا فيما تطرحه ثنائية هذا التساؤل في ظل قناعة ثابتة بأن حقبة ما بعد الحرب الروسية - الأوكرانية سيكون لها انعكاسات مباشرة على الأمن الإقليمي الخليجي خاصة وعلى قضية التحالفات الإقليمية والدولية عامة، وهى – أي الانعكاسات –ستكون مرتبطة بموقف دول مجلس التعاون الخليجي من هذه الحرب، وموقفها الراهن المحايد ومبادراتها السياسية السلمية والإنسانية لن تمكنها من اختراق العلاقة الاستراتيجية المتصاعدة والمتفردة بين موسكو وطهران، بل ستعزز استفراد طهران بموسكو في ظل موقفها المنحاز لها رغم التحولات الكبيرة التي تشهدها العلاقة الخليجية الروسية منذ الثلاث سنوات الأخيرة على الأقل وخاصة بين موسكو والرياض من جهة وموسكو وأبوظبي من جهة أخرى .

 وكل من يقف مع موسكو / بوتين في الحرب - ليس بالضرورة عسكريًا - سيكون ذلك كفيلًا بصناعة علاقة استراتيجية عميقة معها قائمة على سابقة الثقة أثناء الأزمات بالنسبة للخليج، وعامل تعزيز الثقة بالنسبة لطهران رغم وجود خلافات جوهرية مع موسكو ، وما أحوج دول مجلس التعاون الخليجي لموسكو بعد انكشاف مجموعة تحديات كبرى في ظل خذلان الغرب وفي مقدمتهم واشنطن لها في قضايا كثيرة سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية، مما يظهر أن دول مجلس التعاون الخليجي تحتاج لعلاقة عميقة مع موسكو، وأن تحولاتها الشاملة معها تستلزم سابقة الثقة في الأزمات لكي تخترق العلاقة الإيرانية كمرحلة أولى ، وتجميد علاقة موسكو بطهران عند مستوياتها الراهنة، وتحويل البوصلة إلى الخليجيين العرب كمرحلة ثانية ، وهذا يمكن أن يتحقق من خلال موقف جديد للخليج من الحرب الروسية – الأوكرانية يكون مؤثرًا فيها مما سينعكس إيجابا على انفتاح موسكو للأجندات الخليجية الكبرى والمدرجة في رؤاها التنموية الجديدة، فالحياد الخليجي لا يرضي الغرب وخاصة واشنطن ، وهو مكسب لموسكو ، لكن عندما نقارنه بالموقف الإيراني المنحاز لموسكو  ، فالفارق الجوهري يظهر " كميًا ونوعيًا ".

فلابد أن تطور الدول الخليجية موقفها من الحرب باتجاه جعل موسكو الشريك المشترك للجانبين وذلك استغلالًا للشكوك المتبادلة والمنافسة الحادة والخلافات الأيديولوجية بين موسكو وطهران، فهل تستغلها دول مجلس التعاون الخليجي على خلفية تطوير موقفها من الحرب؟ نرى أن دول مجلس التعاون الخليجي  في مرحلة استدراكية ذهبية ينبغي أن لا تفوتها مهما كانت حساباتها الدولية أو الضغوطات الأمريكية عليها، فعليها أن تكون برغماتية في ضوء وجود زعيم روسي قوي وله تطلعات في استعادة الحقبة السوفياتية بأثمان كبيرة، وفي ضوء دروس الحرب الروسية – الأوكرانية، وتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، وتراجع الوجود الأمريكي عن المنطقة لصالح تعزيزه في المحيط الهادي، وفي ضوء انشغالات واشنطن ببكين وموسكو التي تعتبرهما في أحدث تقارير استخباراتها الأمنية لعام 2024 م، بأنهما لا يزالان يشكلان الخطر الأول عليها .

في المقابل، لا تزال طهران تعد الخطر الأول على المنطقة الخليجية العربية، بدليل دستورها الذي يشرعن  تصدير ثورتها داخل المنطقة، وفي الوقت الذي تعزز احتلالها لبعض الأراضي الخليجية بصورة دائمة، وتدعم جماعات مسلحة تنتمي لها أيديولوجيا بأسلحة غير تقليدية وذات تقنية عالية، وتحيط بالخليج من شماله وجنوبه ، وقد أصبحت طهران الآن قوة عسكرية تقليدية وغير تقليدية بمساعدة موسكو وبكين ، من هنا ينبغي أن تكون الدول الخليجية راديكالية بوسائل ناعمة في اختراق العقدة الإيرانية عبر استغلال الحرب الروسية – الأوكرانية لصالح مستقبل علاقاتها مع موسكو ، لكن ، كيف ؟ .

هذا ما سنبحثه في المحاور التالية:

- إعادة نظرتنا لبوتين كونه زعيمًا وليس رئيسًا؟

- الأسئلة العاجلة للدول الخليجية.

- الاستدراك الخليجي الذهبي.. فرص لا تفوت.

أولا: الزعيم بوتين واستراتيجية الاسترداد؟ 

ينبغي النظر لفلاديمير بوتين كزعيم تنتجه سياقات تفكك الاتحاد السوفياتي السابق  وليس كرئيس تخرجه آليات ديموقراطية، فكل ما يفعله حتى الآن، وما يتطلع إليه يجسد هذا التوصيف دون تردد - كما سيتجلى ذلك لاحقًا- وعلى الدول الخليجية أن تتعامل مع موسكو على أساس أن حقبة تفكك الاتحاد السوفياتي تنتج زعيمًا قويًا بفكر استرداد الحقبة السوفياتية في إطار نطاقها الجغرافي الإقليمي والجيوسياسي العالمي ، من هنا،  لن نتوقف عند متغيرات أهداف الزعيم بوتين من حربه على كييف، فتلك تمليها نتائج الحرب المتقلبة، وانعكاساتها على المفاوضات ، وإنما سنركز على الأهداف الاستراتيجية الثابتة له والتي يمكن تلخيصها في تصحيح خطأ تفكيك الاتحاد السوفياتي، وهذا يجعلنا نبحث في شخصية وأفكار بوتين كزعيم، لكي نقف على الخلفيات الحقيقية للحرب الروسية على أوكرانيا التي انفصلت 1991م، وذلك بهدف وضع الوعي السياسي الخليجي في قلب الحقيقة الروسية في عهد بوتين التي قد تحجبها مآلات الحرب الروسية – الأوكرانية .

وقد خرجنا من عملية بحثنا في المصادر وتأملاتنا لها،  أن العالم أمام زعيم روسي من النسخ السوفياتية التقليدية، وأنه قد عمل على أحداث متغيرات في النخب الروسية المختلفة، وكذلك تحولات في الأفكار لضمانة استفراده بالسلطة وجعل روسيا حلمًا متجددًا للحقبة السوفياتية، فمنتقدوه يرون أنه يتحلى ببعض السمات التي تعود إلى الحقبة السوفياتية التي شكلت رؤيته للعالم، وتاريخه يؤهله ، مما يظهر لنا الزعيم بوتين بأنه صيرورة تاريخية قد جاءت في حقبة زمنية وسياسية تاريخية ، وهى صيرورة متعدية حدودها السياسية الجديدة، وعالمية في ظل مرحلة إرهاصات تشكيل نظام عالمي جديد، لكن ما مدى ديمومتها – أي الصيرورة البوتينيه – هذا سيرتبط بمسألتين أساسيتين هما :

- مدى بقاء بوتين في السلطة، فهو من ميلاد 7 أكتوبر 1952م، وقد انتشرت شائعات عن إصابته بسرطان الغدة الدرقية وهو ما ينفيه الكرملين.

- ماذا بعد بوتين؟ وهل سيتمكن بوتين من صناعة قيادات جديدة مؤمنة بأفكاره السوفياتية؟

وقد رصدنا إرهاصات بوتين كصيرورة من سيرته التاريخية، فقبل صعوده السريع في خضم فوضى انهيار الاتحاد السوفياتي، بدأ مساره السياسي في أوائل التسعينيات كأحد كبار مساعدي اناتولي سوبتشاك عمدة سانت بطرسبرغ آنذاك الذي كان أحد أساتذة بوتين في الجامعة، وفي عام 1997 م، دخل بوتين الكرملين كمدير لوكالة الأمن الفيدرالية : اف اس بي " وهى الوكالة الرئيسية التي حلت محل " الكي جي بي " وسرعان ما عين رئيسًا للوزراء ،وفي عام 1999 م، تنحى الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين عن منصبه، وعين بوتين رئيسًا بالإنابة، وعقبها شغل بوتين منصب رئيس روسيا في أربع فترات بداية من 2000 إلى 2004 ثم من 2004 إلى 2008 ف 2012 إلى 2018م،  إلى الآن .

وقد أعاد الزعيم بوتين العروض العسكرية التي تتسم بالأبهة والعظمة كتلك التي كانت خلال الحقبة السوفياتية، كما بدأت صورة ستالين في الظهور بعد ما كانت محظورة، ويتسم حكمه بالقومية الروسية المحافظة، ويحظى بتأييد الكنيسة الارثوذكسية، وبعد توليه الرئاسة همش الشخصيات الليبيرالية واستبدلهم بحلفاء أقوياء له أو محايدين لا يخالفونه الرأي، ووصف بوتين انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه أكبر كارثة "جيوسياسية" خلال القرن العشرين ، ومنذ عام 1997 م، وهو ينتقد توسع حلف الناتو نحو الحدود الروسية، ويعتبر بوتين أن الروس والأوكرانيين شعبًا واحدًا .

ومن الأهمية معرفة كذلك أن بوتين يرى أن انضمام بيلاروسيا وأوكرانيا إلى الناتو والاتحاد الأوروبي يعني محاصرة روسيا داخل حدودها، وقد تصاعد مخاوفه بعد قمة الناتو التي عقدت في بوخارست 2008م، عندما رحبت القمة بتطلع أوكرانيا وجورجيا لنيل عضويته، وهو بمثابة إعلان حرب من قبل موسكو، وتعاظمت المخاوف كذلك بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي خلال السنوات 2015 – 2021م، في أوكرانيا تنامي الاتجاهات المؤيدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو ، فمثلًا ، كشف استطلاع في 17 ديسمبر 2021 م، عن تأييد 58% من الأوكرانيين الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتأييد   54% إلى الناتو في المقابل أيد21 % فقط الانضمام إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي بقياد روسيا .

وماذا نتوقع من ردة فعل الزعيم بوتين حيال تلكم التطورات؟ خضعنا الإجابة على التساؤل لعملية تفكيرية عميقة لكي نصل إلى نتيجة الصيرورة المستدامة، نوردها في استشرافين، هما:

  • تأطيري، ونجده في تبني الزعيم بوتين " استراتيجية استرداد النفوذ والمكانة " وهي تقوم على شن حرب هجينة شاملة على كل الجبهات، وكذلك حرب سيبرانية هجومية واسعة، وهذه لن تكون مقتصرة على الغرب فقط، ويمكن أن تكون في أي بعقة جيوسياسية لموسكو.
  • تطبيقي، ويتمثل أخر تطوراته، وهو في تاريخ 20 فبراير 2022م، عندما أعترف الزعيم بوتين باستقلال جمهوريتين انفصاليتين عن أوكرانيا هما لوغانسك ودونيسك، وفي 24 من الشهر نفسه قامت القوات الروسية بغزو شامل للأراضي الأوكرانية، يدخل الآن عامه الثالث، يبرره بوتين – أي الغزو - بأنه بناء لدعوة من تلكم الدولتين الانفصاليتين.

وقبل ذلك كانت هناك مواجهات عسكرية تكشف عن طبيعة الصيرورة البوتينية، ونجدها في الحرب الروسية الجورجية 2008 م، وقيام موسكو بضم أقاليم أبخازيا واوسيتيا الجنوبية، ثم الحرب الروسية الأوكرانية 2014م، ثم قيام موسكو بإعلان ضم شبه جزيرة القرم، وقد كانت هذه السوابق تكشف استشرافين هما فكر بوتين كزعيم، وماهية خططه المستقبلية، لكن لم تؤخذ بمحمل الجد، فهل يتجاهل مجددًا أم تبنى عليه السياسات الإقليمية والعالمية؟ ربما يكون هذا التساؤل المركب موجه أكثر للدول الخليجية الست.

ثانيًا: الأسئلة العاجلة للدول الخليجية.

السؤال الأول: متى تستدرك دول مجلس التعاون الخليجي خطأها التاريخي في علاقتها مع موسكو؟

السؤال الثاني: هل عملية الاستدراك ترتبط برؤية الأمن الجماعي لدول المنطقة عربها وفرسها أم هي في إغراقها؟

السؤال الثالث: هل الدرس الذي توصلت إليه طهران من الحرب الروسية – الأوكرانية هو نفس درس الخليجيين من هذه الحرب؟ ومن هذا التساؤل تتفرع عنه تساؤلات فرعية هامة: هي كيف تستقبل الدول الخليجية هذا الدرس الإيراني الصريح وفي الكشف عنه من عدة مصادر إيرانية عليا؟ وما هي رسائله السياسية والعسكرية والأمنية لها؟ ومن ثم كيف ستواجه الدرس الإيراني؟

ذكرنا سابقًا، أن علاقة دول مجلس التعاون الخليجي مع روسيا تشهد تحولات كبيرة منذ أخر ثلاث سنوات، وتقودها الرياض وأبوظبي بصورة مثالية خاصة في مجالات الطاقة والفضاء والطاقة النووية السلمية والتعاون العسكري التقني، وهى كفيلة بأن تجسد مفهوم الأمن الجماعي، وكلما أخذت العلاقة طابعها الخليجي الشمولي من حيث كل الدول الخليجية العربية، وكذلك النطاقين المجالي والجيوسياسي،  وكلما جعلنا من الدول الخليجية الست منطقة نفوذ روسية استراتيجية ستكون بالتالي رادعة مسبقًا للاستفزازات الإيرانية ووكلائها، أو على الأقل جعلها منطقة دعم مؤثرة للاقتصاد الروسي، فمثلًا الرياض، سنجد علاقتها الحديثة مع موسكو تسير في مسارها الصحيح من حيث الاستشراف والاستهداف والتطبيق، فرؤيتها 2030م، تعتبر موسكو شريكًا واعدًا لها، ويمكن الاستدلال بمجموعة تحولات كبري بين البلدين كمساعي الرياض لبناء " 16 " مفاعلًا نوويًا خلال السنوات العشرين المقبلة، وكذلك مفاعلين كهروذريين، وقد تم افتتاح مكتب تمثيلي لصندوق الاستثمارات الروسي في السعودية في أكتوبر 2018 م، كما وقعت شركة أرامكو السعودية والصندوق الروسي على اتفاقية لشراء حصة في شركة روسية متخصصة في صناعة مضخات عالية التقنية للقطاع النفطي .. والقائمة طويلة من التعاون ليس بين الرياض وموسكو فحسب، وإنما مع بقية دول الخليج الأخرى لكن بصور مختلفة، تأتي أبو ظبي أسوة بالرياض في المثالية والتنافسية كذلك.

لكن، هل حجم هذه المصالح الاستراتيجية الجديدة لروسيا في دول مجلس التعاون الخليجي في مستوى حجم المصالح الروسية في إيران؟ والنسبة والتناسب في الأحجام والماهيات ومدى اعتماد الاقتصاد الروسي عليها هي من موجبات تجسيد رؤية الأمن الجماعي لكل الفاعلين الإقليميين في الخليج، فلو رجحت مصلحة موسكو نحو الخليج العربي، فلن يكون هناك تلاعبًا باستقرارها ولا بشؤنها الداخلية كما هو سائد حتى الآن، فذلك معناه الإضرار بالمصالح الروسية الكبرى في المنطقة، وإذا ما حدثت أي خلافات بين دول هذه المنطقة، فسيكون الحلول التوافقية هي المستهدفة في حقبة المصالح الاستراتيجية الروسية الضخمة وغير المسبوقة في المنطقة.

واللافت الذي ينبغي أن يشغل دول مجلس التعاون الخليجي الآن ، هو كبرى الدروس التي  توصلت طهران إليها من الحرب الروسية – الأوكرانية، فقد كشفه مؤخرًا  الكثير من كبار القادة والمسؤولين الإيرانيين، ومن بينهم اللواء عزيز ناصر زاده رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية الذي قال بأن " الحرب هي مصير أي دولة تتخلى عن قدراتها الرادعة للخصوم، وتعتمد على ضمانات أمنية من قوى أجنبية " وهذه إشارة واضحة إلى مذكرة بودابست 1994 م، التي بموجبها نقلت أوكرانيا الصواريخ الاستراتيجية السوفياتية السابقة والأسلحة النووية إلى روسيا مقابل ضمانات أمنية التي لم تمنع موسكو من شن الحرب عليها.

وهذا الدرس الإيراني له مجموعة رسائل خليجية وعاجلة، صحيح غير مقصودة، لكنها تأتي ضمن سياقات الكشف عن الدرس دون التفكير في انعكاساته الإقليمية، وربما يكون المسؤولون الإيرانيون قد وقعوا في خطأ الكشف عن الدرس بصورة علنية، ونوجز هذه الرسائل في النقاط التالية:

  • الدرس الإيراني ينبغي أن تستقبله دول مجلس التعاون الخليجي بصورة عاجلة، فالدول الست طوال أكثر من خمسين سنة الماضية وحتى الآن ما تزال تعاني من تداعيات الاعتماد على الحماية الأجنبية وبالذات الأمريكية والبريطانية، وقصف الحوثيين لمواقع في قلب عواصم خليجية نموذجًا يمكن الاستدلال به هنا.
  • والدرس يعني في المقابل أن أي دولة خليجية معرضة للحرب إذا لم تمتلك القدرات الرادعة، وهي لم تعد تقليدية وإنما كذلك تقنية وتكنولوجية.
  • كون طهران تعتبر ذلك من أهم دروس الحرب، فهذا يعني أن قدراتها التقليدية وغير التقليدية بما فيها النووية خط أحمر، ويعني أنه – أي الدرس – سيعزز من وتيرة تسلحها وصناعاتها العسكرية التقنية المتطورة.

ثالثًا: الاستدراك الخليجي الذهبي.. فرص لا تفوت.

ما تقدم، يجعلنا نقول أنه كلما اتسع المدى الزمني للحرب، كلما يكون ذلك لصالح الاستدراك الذهبي الخليجي، فلابد من التفكير في أدوات تبعث لموسكو برسائل تفهم منها أنها تعاضدها في الحرب دون أن تثير حفيظة الغرب، أي أنها بحاجة إلى أدوات ديناميكية تلقائية وذكية وليست سياسية مثل تحالف " أوبك بلس " بهدف خفض إنتاج النفط لتحسين أسعاره في الأسواق العالمية رغم معارضة كبرى الدول المستهلكة للنفط كواشنط ، لكنها – أي واشنطن – لم تتخذ خطوات قهرية ضد الخليج، ربما لحاجة العالم للنفط والغاز الروسيين ، ومن هذه الخلفية يتسع هامش العمل للخليجيين .

ولا يمكن اعتبار تحالف " أوبك بلس " تعاطفًا مع موسكو لأنه مصلحة خليجية مثل هو ما هو مصلحة روسية بل كل دولة نفطية التي في أمس الحاجة إلى سعر مرتفع للنفط ، وبالتالي على الخليج العربي أن يبحث أدوات ناعمة  أخرى لكسب موسكو ، وكانت الأسعار المرتفعة من بين الأسباب التي  لم تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي وفي ظل عقوبات غير مسبوقة على موسكو وخسائر ضخمة بسبب هذه الحرب التدميرية، وهناك الكثير من الأدوات الديناميكية الناعمة التي يمكن للخليج من خلالها كسب موسكو ، وتحقيق الفارق لحقبة ما بعد الحرب، ومن كبرى الهوامش المتاحة للخليج أن يكون لهم دور مؤثر في ارتفاع الناتج الإجمالي الروسي في زمن الحرب والحفاظ على قوة اقتصادها ، فموسكو تتطلع إلى نمو نسبة  2,6 % 2024 م، وتفتقر هذه التوقعات للطمأنينة الروسية بسبب ارتفاع إنفاقها العسكري، فمن المتوقع أن تخصص نسبة 40 % من إجمالي ميزانية العام الجاري على الإنفاق الدفاعي والأمني.

 علمًا بأن الاقتصاد الروسي يعتمد بشكل كبير على النفط والغاز، وهنا من المصلحة الخليجية أن تساهم في استمرار نجاح، بل وتفعيل ما يسمى " بأسطول الظل " الذي يساعد النفط الروسي في الوصول إلى أسواق استهلاكية كبيرة مثل الصين وباكستان والهند.. لضمانة السيولة المالية لموسكو، وتذهب بعض التحليلات الغربية إلى التوقع بانهيار الاقتصاد الروسي عام 2024م، بسبب الإنفاق الصناعي العسكري، غير آخرين يستبعدون ذلك بسبب الاعتماد العالمي على مصادر الطاقة الروسية والسلع الأخرى مثل اليورانيوم، ومهما يكن، فإن مصير الحرب يتوقف بشكل كبير على أداء الاقتصاد الروسي، لذلك فهي تحتاج للدول الخليجية لوقف انهيار الاستثمارات المباشرة التي انخفضت إلى 8.7 مليار دولار في الأرباع الثلاثة الأولى من 2023م، وفقًا لبيانات البنك المركزي الروسي.

 كذلك هي تحتاج إلى تعزيز تجارتها بعد تجنب الدول الغربية التجارة مع روسيا منذ بداية الحرب ... الهوامش الاقتصادية أمام الخليج متعددة،  لأن الاقتصاد الروسي موجه بالكامل نحو مواصلة حرب مدمرة، ويبدو أنها ستكون طويلة، فواشنطن ترفض تمكين موسكو تحقيق أهدافها من الحرب، كما لا يمكن أن تقف موسكو /بوتين الحرب دون تحقيق أهداف استراتيجية، لكن، لا يمكن للحرب أن لا  تستمر بمدى زمني مفتوح، مما يعني أن هناك هامش زمني معقول للدول الخليجية لاستغلاله لتأسيس علاقة جديدة مع موسكو بعد أن تأكد أن واشنطن لم تعد لها أمان، وأصبحت دولة غير موثوقة بها سواء في عهد الجمهوريين أو الديموقراطيين على السواء، فقد خذلت الدول الخليجية في مفاصل كثيرة، مثل موقفها من طهران وطموحها النووي.

 وفي عهود أخر ثلاثة رؤساء " أوباما وترامب وبايدن الحالي " كان ينبغي أن يحدث التحول الكبير في عدم الاعتماد الحصري على واشنطن، وعلى وجه التحديد منذ إعلان الرئيس ترامب عن استعداده لقاء الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني، وتنامى هذا القلق في عهد الرئيس بايدين الذي علق مبيعات الأسلحة مع الرياض في توقيت حساس قبل أن يتم رفعه، وفي عام 2029 م، أزالت واشنطن نظام الدفاع الجوي " ثاد " من المملكة بعد أن استهدفت طائرات مسيرة وصواريخ منشآت نفطية.

وتلكم مجرد نماذج من حالات الخذلان تشرعن لدول مجلس التعاون الخليجي استغلال الحرب الروسية – الأوكرانية لتبني مسارين متوازيين ، الأول، إقامة علاقة منافع ومصالح عميقة ومتبادلة مع موسكو ثنائية وجماعية يجعلها تفتح  مخازن  صواريخها للخليج، ونقل تكنولوجيتها في قطاعات الفضاء والمسيرات والأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة النووية، وصناعة جيل خليجي تقني وتكنولوجي لتلكم القطاعات ، والآخر ، أن تجمع منطقة الخليج شراكات دولية متنوعة عوضًا عن الاعتماد الحصري على واشنطن ولندن، ولن يحلم الخليجيون أن يؤمنوا ذاتهم المعاصرة من التكنولوجيا والتقنية المدنية والعسكرية اعتمادًا حصريًا على الغرب عامة والأمريكان خاصة، لذلك فلابد من توجهات راديكالية نحو موسكو في الوقت المناسب، وهو الآن، وقبل نهاية الحرب الروسية – الأوكرانية، فعامل الزمن هنا هو الحدث .

مقالات لنفس الكاتب