array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 197

انعدام الثقة والانقسامات يؤدي لتآكل التعاون الدولي ويدفع النظام المتعدد الأطراف للجمود والخلل الوظيفي

الإثنين، 29 نيسان/أبريل 2024

مع دخول حرب روسيا وأوكرانيا عامها الثالث، تتكشَّف تأثيراتها العالمية، حيث أدى الصراع الطاحن إلى قلب الافتراضات السياسية رأسًا على عقب، وضَرْبِ الاقتصادات، وفتْحِ الباب أمام إعادة الخريطة الجيوسياسية. أظهرت الحرب أن العالم يشهد مرحلة تحوُّل في التاريخ تشير إلى نهاية الهيمنة السياسية والاقتصادية الغربية في ظل صعود الصين لتكون قوة عظمى بالشراكة مع روسيا. كما يشهد بزوغ تطبيقات لتكنولوجيات حديثة توظف الفضاء والذكاء الاصطناعي والمُسَيَّرات والاتصالات سوف تُحدث تطوراتٍ نوعية في أنظمة التسليح، وهي في بداية طريقها لتكون من أدوات الحرب الأعظم حسماً والأقوى فتكاً.

مستقبل الحرب الروسية-الأوكرانية

ربما يشهد عام 2024م تعرض تحالفات أوكرانيا مع الولايات المتحدة وأوروبا لمزيد من زعزعة الاستقرار، مما يضع مستقبل حِزَم المساعدات العسكرية موضع شك. ويعتمد النجاح أو الفشل في جهود أوكرانيا الحربية على حجم ما تتلقاه من الدعم والمُعَدَّات العسكرية. ومما لا شك فيه أن الحرب قد استنزفت الموارد العسكرية الغربية وأن التمويل المستمر لأوكرانيا لن يظل آمنًا على الإطلاق، ويقول خبراء عسكريون إن مسار الحرب الروسية الأوكرانية سيتم تحديده حسب نتائج الانتخابات الرئاسية في أمريكا، أكبر داعم عسكري بالمساعدات إلى أوكرانيا. وإذا لم يكن هناك فائز واضح، فسيكون هناك طريق مسدود، وربما سيكون هناك صراع مجمَّد في المستقبل.

يرتبط التغيير لصالح أوكرانيا برفع القيود المفروضة على الأسلحة التي تُقدَّم لهم لتشمل الصواريخ الأطول مدى، والطائرات الغربية المتقدمة، ومنحهم المزيد من الميزة التكنولوجية. وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية إن هدفها الرئيسي في عام 2024م هو تعزيز صناعتها الدفاعية المحلية في مواجهة الإمدادات المستقبلية غير المؤكدة من حلفائها الغربيين. وعلى التوازي تعمل روسيا أيضًا على تعزيز الإنفاق العسكري بشكل كبير، حيث سيتم توجيه ما يقرب من 30٪ من إنفاقها المالي نحو القوات المسلحة. كما قام مُجمَّعها الصناعي العسكري بزيادة إنتاج مختلف أنواع السلاح، استعدادًا لحرب طويلة. ويتوقع خبراء عسكريون أن يستمر القتال العنيف، وأن روسيا ستركز على تعزيز سيطرتها على الأراضي التي استولت عليها بالفعل، وخاصة في شرق أوكرانيا، ومن غير المرجح أن تشن قوات كييف مزيداً من الهجمات المضادة أو أن تُجرى أية مفاوضات لإنهاء الصراع أو الاتفاق على وقف إطلاق النار.

تأثير الحرب على التوازن العسكري الدولي

على الرغم من الخسارة المُطَّردة لمئات المركبات المُدرَّعة وقطع المدفعية، فقد تمكنت روسيا من الحفاظ على استقرار أعداد مخزونها النشط. وفي العام الماضي، يُقدَّر أن روسيا أعادت تنشيط ما لا يقل عن 1180 إلى 1280 دبابة وحوالي 2470 مركبة قتال مدرعة وناقلة جنود مدرعة من التخزين. بل تمكنت من تصنيع دبابات جديدة ومركبات مدرعة أخرى.

تمتلك روسيا 10 قواعد احتياطية مركزية للدبابات، وما لا يقل عن 37 قاعدة مختلطة لتخزين المُعَدَّات والأسلحة، وما لا يقل عن 12 قاعدة لتخزين المدفعية. ويبدو أن تجديد المُعَدَّات كان يعوِّض ما يُستنزَف في ساحة المعركة وهناك من يرى أن روسيا يمكنها مواصلة هجومها على أوكرانيا بمعدلات الاستنزاف الحالية لمدة عامين أو ثلاثة أعوام أخرى. كما تكبدت أوكرانيا خسائر فادحة، على الرغم من أن عمليات الإمداد الغربية سمحت بالحفاظ على حجم مخزونها على نطاق واسع مع تحسين جودة المُعَدَّات.

اضطرت الحكومات إلى إعادة تقييم الأولويات الأمنية والإنفاق الدفاعي وخطط المُعَدَّات وإلى الاهتمام بتحديث الأنظمة التقليدية مثل المدفعية، وتبنِّي تقنيات أحدث مثل الأنظمة غير المأهولة والأسلحة عالية السرعة. وقد دفعت الحرب الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي إلى زيادة الإنفاق الدفاعي إلى نحو 50% من الإجمالي العالمي، مع إضافة فنلندا إلى القوة القتالية. وبإضافة ميزانيات الدفاع في الصين وروسيا والهند يصل المجموع الإجمالي إلى أكثر من 70% من الإنفاق العسكري العالمي.

كما تسببت وتيرة إنفاق الذخيرة في هذه الحرب في اعتقاد الغرب بأن القدرات الإنتاجية قد تهاوت، وسعت الدول جاهدة لتصحيح أوجه القصور الناجمة عن سنوات من نقص الاستثمار. كما تركت الحرب في أوروبا بصماتها بطرق أخرى أيضاً، فقد أدى استخدام أوكرانيا لمركبات بحرية غير مأهولة (Unmanned Marine Vehicles, UMVs) لاستهداف الأسطول الروسي في البحر الأسود إلى تحفيز الآخرين للاهتمام بملاحقة مثل هذه المُعَدَّات. وبينما كانت المركبات الجوية غير المأهولة (Unmanned Air Vehicles, UAVs) عنصرًا أساسيًا في القوات المسلحة الحديثة لبعض الوقت، فقد أظهرت الصراعات الأخيرة جدوى كثير من أنظمة أخرى، مثل ذخائر الهجوم المباشر، والمروحيات الرباعية، والمنصات التقليدية ذات الارتفاعات العالية والمتوسطة (High/Medium Altitude Platforms, HAPs/MAPs). وقد أدى الطلب على تلك الأنظمة إلى مَوجةٍ من صفقات التصدير، كالمُسَيَّرات التي وفَّرتها تركيا وإيران لمختلف الجهات.

وتعمل الصين على تحديث قواتها الاستراتيجية، فهي تواصل العمل على صاروخ باليستي متوسط المدى مزوَّد بمركبة انزلاقية تفوق سرعتها سرعة الصوت، بهدف التغلب على الدفاعات الصاروخية. وتكثف جهودها لتحويل جيش التحرير الشعبي إلى قوة لا يستهان بها، وتواصل التدريبات والتجارب البحرية في وجود حاملة الطائرات الثالثة والأكثر قدرة في البلاد. وتوالي التطوير في مجالات مثل الفضاء السيبراني والذكاء الاصطناعي والقدرات الصناعية الدفاعية باعتبارها عوامل نوعية بالغة الأهمية في تَشَكُّل الصراع.

حلف شمال الأطلسي والتمدد نحو الشرق

كان أحد مطالب روسيا المستمرة هو أن تتوقف منظمة حلف شمال الأطلسي عن التوسع نحو الشرق، وأن تتعهد بعدم ضم كييف إلى التحالف الأمني، وتُقابَل تلك المطالب بالرفض من قِبَل الولايات المتحدة والحلف. ومنذ سقوط الاتحاد السوفييتي، زاد عدد دول الحلف من 17 دولة في عام 1990م إلى 30 دولة اليوم، وكان العديد منها جزءًا من حلف وارسو. وظلت مسألة توسيع حلف شمال الأطلسي سبباً في تأجيج التوترات لسنوات عديدة بين روسيا ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

كان الروس قد وقعوا على وثيقة القانون التأسيسي بين حلف شمال الأطلسي وروسيا في عام 1997م، أصبحوا من خلالها شركاء يلتزمون بضمان السلام والأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية وكذلك السلامة الإقليمية لجميع الأعضاء. واليوم تهدد موسكو باعتبار أن عضوية كييف المحتملة في الحلف خط أحمر لا ينبغي تجاوزه. وتتمتع أوكرانيا حاليًا بوضع” دولة شريكة“ مع الحلف، ولكن طريقها للعضوية طويل لأن قواعد الحلف تشترط حل جميع قضاياها الحدودية أولًا حتى لا تضيف أزمة جديدة للمنظمة.

آثار الصراع على شرق أوروبا

اختار بوتين استراتيجية حرب الاستنزاف، حيث تتمتع روسيا بفرصة أفضل من أوكرانيا، لأن كييف تعتمد على الحلفاء الديمقراطيين، الذين يمكن أن تتغير مواقفهم بعد الانتخابات. ومن المؤكد أن روسيا سوف تتدخل بشكل مكثف في هذه الدول لحماية مصالحها الخاصة. وتؤدي التغيرات الديمقراطية للسلطة في الدول الغربية تدريجياً إلى انخفاض الدعم لأوكرانيا، ولن تتمكن من مواصلة الحرب وستضطر إلى التفاوض على السلام بشروط روسيا. ومع انتشار التوترات في العالم، سينصرف الانتباه عن أوكرانيا، كما ستبدأ قدرة الغرب على توفير الأسلحة في الاستنفاد.

ويبدو أن الهدف التالي سيكون بولندا، لكن هذا الغزو سيكون مختلفاً. بوتين لا يحتاج إلى جيوش من الدبابات، وسوف يجمع بين الهجمات الصاروخية والمُسَيَّرات والهجمات السيبرانية ضد البنية التحتية الحيوية مع مجموعات داخلية من اليساريين واليمينيين المتطرفين المدعومين بأموال روسية. وسيتم أيضًا استخدام الشركات العسكرية الخاصة غير المشهرة، فضلاً عن المواجهة السياسية الداخلية الحادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وسيتم تعبئة ملايين الأوكرانيين قسراً في الجيش الروسي، تمامًا كما كان الحال مع سكان الأجزاء المحتلة سابقًا من شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.

كل ما يريده بوتين هو تقسيم الغرب، وإطاحة الحكومات في بعض البلدان الرئيسية، وجلب المتطرفين اليمينيين واليساريين إلى السلطة، وتقويض الاقتصادات وجر أوروبا لتعتمد مرة أخرى على الموارد الروسية، وبالتالي ضمان هيمنة غير محدودة في المناطق التي تهمه. ونظراً لصعوبة تحقيق ذلك، فقد يدفع الحلفاء الغربيون أوكرانيا إلى التفاوض على تجميد الصراع، وممارسة ضغوط قوية على بوتين. وربما يكون البادئ بالمفاوضات المحتملة في ربيع 2025م هو الفائز في الانتخابات الأمريكية. وبعد تجميد الحرب، سيبدأ بوتين في الاستعداد للغزو القادم. وسوف يتم تعزيز روسيا بالمال والتكنولوجيا الصينية، إذ تنتهج الصين سياسة متوازنة لتقويض القدرة السياسية الغربية، مع قيام روسيا بدور الشريك. ومن غير الممكن تحقيق النصر لروسيا دون إجبارها على خفض الإنتاج العسكري. وهي اليوم تصنع الصواريخ والمُسَيَّرات من مكونات أوروبية وأمريكية من خلال تجاوز العقوبات. ومع توفر جميع المكونات الحديثة بكميات ضخمة في السوق السوداء، تتضاءل الجهود السياسية لإنهاء الحرب.

تأثر منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا

كان هناك اعتقاد سائد في آسيا الوسطى بأن التعاون مع روسيا سيكون مستحيلاً، ومع ذلك كشفت الحرب عن واقع مختلف، حيث لا تزال روسيا، على الرغم من عزلتها والتحديات الاقتصادية التي تواجهها، شريكاً مهماً للمنطقة. ويبدو أن دول آسيا الوسطى نجحت في الإبحار عبر البيئة الجيوسياسية الأكثر استقطاباً والتي جلبها الغزو الروسي لأوكرانيا. ولا تزال هناك بعض قطاعات الشراكة حيث تعتبر موسكو شريكاً قيماً لأنظمة في آسيا الوسطى، في حين تجد روسيا أن الدول الخمس في المنطقة (كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان) تبحر في عالم مختلف تمامًا منذ بداية الحرب.

لعبت الحرب في أوكرانيا دوراً محورياً في إعادة تشكيل المشاعر العامة، وتزايد اهتمام المجتمع الدولي نحو آسيا الوسطى، وتجد المنطقة نفسها الآن في دائرة الضوء الدولية. وسُجل أول اجتماع على الإطلاق بين رئيس أمريكي ونظرائه الخمسة من آسيا الوسطى على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. تلت ذلك محادثات بنفس الصيغة بين الزعماء الخمسة والمستشار الألماني، ثم زيارة الرئيس الفرنسي إلى كازاخستان وأوزبكستان. ويستمر تعزيز العلاقات مع دول مثل تركيا والشرق الأوسط على نطاق أوسع.

بعد مرور عامين على الحرب، يظل موقف الصين تجاه موسكو بمثابة عمل متوازن، على الرغم من أن الدبلوماسيين الصينيين حاولوا تطوير خطاب أكثر تماسكاً حول الحرب وتكثيف جهودهم الدبلوماسية تجاه أوكرانيا من خلال اجتماعات رفيعة المستوى والدعم الاقتصادي غير المباشر. أعلنت بكين وموسكو عن شراكة” بلا حدود“ قبل وقت قصير من الحرب، وحاولت الصين في بعض الأحيان إعطاء الأولوية لعلاقتها مع روسيا، للتلميح بالرد بشكل مشترك ضد الغرب ومصالحه الأخرى. وفي آسيا الوسطى، شهد هذا قيام الصين بعقد قمة تاريخية مع الدول الخمس، أعقبتها خارطة طريق لتعزيز الشراكة الاقتصادية والسياسية. وتتطلع بكين أيضًا إلى إعادة تشكيل صورتها العالمية حول الحرب، حيث تقدم نفسها كصانع سلام محايد وتكشف عن مخططها الخاص لكيفية إنهاء الصراع. لقد جعلت حرب أوكرانيا دول آسيا الوسطى أكثر جرأة في سياستها الخارجية وعززت أهمية المنطقة كممر للتجارة العالمية.

قبل الحرب مَثَّلَ الطريق التجاري الشمالي بين آسيا وأوروبا عبر روسيا أهمية خاصة لكل من الاتحاد الأوروبي والصين، إذ تميزه شبكة السكك الحديدية الواسعة في موسكو والممارسات الجمركية المتساهلة. في ذلك الوقت، كان الممر الأوسط، الممتد من البحر الأسود عبر بحر قزوين إلى آسيا الوسطى، مهملاً إلى حد كبير، ولم يتلق سوى الحد الأدنى من الاستثمار أو الاهتمام من القوى الكبرى. لكن الحرب حفزت القوى الغربية والصين وتركيا والدول الأصغر لبذل الجهود لتوسيعه. أدت الحرب والعقوبات الغربية اللاحقة المفروضة على موسكو إلى تحويل روسيا إلى لاعب واحد فقط من بين العديد من اللاعبين الرئيسيين في آسيا الوسطى، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وإيران وتركيا والصين ودول الخليج. وربما تكون الحرب في أوكرانيا قد أنهت حقبة من الهيمنة الروسية في آسيا الوسطى، والتي ستستمر في التآكل بسبب البدائل الجديدة، سواء كانت في شكل طرق تجارية أو شركاء سياسيين.

حرب باردة بين روسيا والغرب على أرض أوكرانيا

ترتبط الحرب الباردة ارتباطًا وثيقًا بالأزمة في أوكرانيا جزئيًا لأنها تؤثر بشكل كبير على رؤية بوتين للعالم. إن المقصود من حرب أوكرانيا هو ردع النفوذ الغربي وانتهاكات حلف شمال الأطلسي في مناطق النفوذ الروسي، وربما استعادة جزء بحجم ولاية تكساس من الاتحاد السوفييتي السابق. ويلوِّح بعضهم بالقول: لقد عادت أمريكا وهي على حصان أبيض تنقذ دولة بيضاء في وسط أوروبا ضد الدب الروسي الرهيب. وفي استعادةٍ لمشهد من مشاهد الحرب الباردة، أمر الرئيس الروسي بوتين جيشه بوضع قوات الردع النووي في” حالة تأهب قتالية خاصة“ بسبب التصريحات العدوانية ضد روسيا من جانب حلف شمال الأطلسي، وهو ما وُصف بأنه يزيد من مخاطر تحول التوترات الحالية بين الشرق والغرب إلى حرب نووية.

ولكن هناك من لا يتوقع عودة الحرب الباردة، فالعالم ليس ثنائي القطب كما كان قبل عقود. أما الصين، التي وقعت على اتفاق مع روسيا قبل وقت قصير من الحرب، فلها ثقلها في التعاون والتكامل مع الروس. كما أن الترابط بين الاقتصاد العالمي -حيث قطعت موجات من الشركات علاقاتها مع روسيا- يجعل التعايش المنعزل أكثر صعوبة. ويبدو من المؤكد أن الصراع في أوكرانيا سيكون على الأقل نهاية للحرب الباردة.

موقف الأمم المتحدة من إيقاف الحرب

حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أنه” مع استمرار الحرب، سنرى المزيد من القتلى والجرحى من المدنيين الأوكرانيين والروس“، مكررًا النداء العاجل لوقف الهجمات على المراكز المدنية والمناطق السكنية والبنية التحتية للطاقة. وأعرب العديد من أعضاء مجلس الأمن عن انزعاجهم العميق إزاء الهجمات المتزايدة على المدنيين والبنية التحتية الحيوية. وحثت الوفود على وقف تصعيد القتال والعودة الفورية إلى الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف الأعمال العدائية. حيث إنه من المؤسف للغاية أن البلدين المتجاورين اختارا المنطق العسكري لحل النزاعات.

وندد المندوب الروسي، باستخدام أوكرانيا للذخائر العنقودية، بما في ذلك صواريخ مصاص الدماء التي تنتجها براغ. وألقى بالمسؤولية على عاتق دول الاتحاد الأوروبي، التي تواصل إمداد أوكرانيا بالأسلحة. بينما شدد مندوب أوكرانيا على أن” هناك طريقة واحدة فقط لوقف المعاناة الإنسانية والدمار الناجم عن الحرب، وهي وقف الحرب نفسها“. وجرى اتهام مستشارين بريطانيين وأمريكيين بتورطهم بشكل مباشر في تنظيم هجوم إرهابي، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي التي تواصل بعناد غير مسؤول إمداد أوكرانيا بالسلاح. وأطلقت دعوات لأطراف النزاع إلى احترام القانون الدولي، وتوقف موسكو عن انتهاك قرارات المجلس من خلال الحصول على أسلحة من إيران وكوريا الشمالية. وجدد مندوب الصين الدعوة إلى إنهاء مبكر للأعمال العدائية، مع قيام جميع أصحاب المصلحة الدوليين بتكثيف الوساطة الدبلوماسية بإلحاح أكبر، مشيرًا كذلك إلى أن الصين ستواصل الوقوف إلى جانب السلام والحوار وستظل ملتزمة بتيسير محادثات السلام.

ملامح عالم ما بعد الحرب الروسية-الأوكرانية

بعيداً عن المعاناة والأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب نجد آثار تباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم. فهناك ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة، وانقطاع التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج والطفرة في تدفق اللاجئين، وتراجع الثقة في مجتمع الأعمال وتدهور الأوضاع المالية. ومن شأن زيادة حدة ارتفاع أسعار الغذاء والوقود أن تدفع إلى مخاطر أكبر تثير القلاقل في بعض المناطق، من إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية إلى القوقاز وآسيا الوسطى، بينما من المرجح زيادة انعدام الأمن الغذائي في بعض أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط.

يرى كثيرون أن التغيير الجيوسياسي الأكبر في هذا القرن سيأتي من الصين، وسوف تندرج الصين في محور مشترك مع روسيا ضد المحور الغربي، ليصبح العالم ثنائي القطب أو متعدد الأقطاب. لقد بلغت الصين قوتها حين ركزت على الاقتصاد ولم توغل في خيارات العسكرة والتسلح والتوسع، وأنجزت تطورات هائلة في مجالات التكنولوجيا والفضاء. وهكذا فستلعب الصين دورًا قياديًا عالميًا في المستقبل القريب وسيبقى دور روسيا أساسيًا في لعبة التوازنات والتناقضات الدولية. وسيتمكن التحالف الصيني-الروسي وبدعم من بعض الدول كمجموعة البريكس من مواجهة المحور الغربي والأطلسي بقوة، دون الانزلاق إلى مواجهات عسكرية مباشرة. سلطت حرب أوكرانيا مزيدًا من الضوء على المخاوف بشأن مخططات الصين إزاء تايوان. ويكثف الاستراتيجيون العسكريون من دراستهم لهذه الحرب، التي تضمنت ألفين من الأقمار الصناعية وهكذا يجب الاستعداد لخوض نوعية مختلفة من الحروب في المستقبل. وقد جلبت الحرب طفرة لِمُصَنِّعي الأسلحة إذ قررت ألمانيا إعادة تسليح نفسها، وتعمل اليابان وكوريا الجنوبية على زيادة الإنفاق الدفاعي.

جعلت الحرب الأوكرانية الغرب أكثر اتحادًا، لكنه أضحى أقل نفوذًا في العالم. مثلت الحرب فرصة لإعادة صياغة حلف شمال الأطلسي وإعادة تحديد أولوياته من خلال تقديم الدعم لأوكرانيا، وأصبحت جهود الدول الأوروبية والغربية تتم بشكل موحد بعد أن كانت تشوبها بعض الاختلافات. حوّل الغرب أوكرانيا لساحة تجارب وتدريب لأسلحته الحديثة للوقوف على مدى فعاليتها وقدراتها، بينما زرعت روسيا حقولًا من الألغام لتعطيل تقدم قوات كييف وأيضاً لاختبار أسلحتها ومنظوماتها العسكرية الجديدة.

خاتمة

سلطت الحرب الروسية الأوكرانية الضوء على التوترات الجيوستراتيجية والمخاطر النووية المتزايدة. ولا يزال العالم معرضًا للخطر بسبب وجود عدد كبير جدًا من أسلحة الدمار. لقد أدت الآلاف من الرؤوس الحربية النووية، التي لا تزال موجودة إلى خطورة المشهد الاستراتيجي في القرن الحادي والعشرين. حذر زعماء العالم من أن الدول القوية تدفع العالم نحو حافة الصراع النووي، حيث يؤدي تزايد انعدام الثقة والانقسامات إلى تآكل أسس التعاون الدولي، مما يدفع النظام المتعدد الأطراف نحو الجمود والخلل الوظيفي. يعيش العالم وسط صراعات تُفاقِم عدم الاستقرار، وقد أدى الاقتصاد السياسي العالمي الممزَّق، والارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والوقود، وأزمة المناخ التي تلوح في الأفق، وسباقات التسلح المتزايدة، إلى ذيوع مشاعر خيبة الأمل بين ملايين البشر. كما أن المحاولات العقيمة لفرض نظام عالمي أحادي القطب تدفع المجتمع الدولي بشكل متزايد نحو كوارث أكثر خطورة. ومهما كانت الطريقة التي تنتهي بها هذه الحرب فإن العالم سيتغيَّر بعدها، ولن يعود إلى ما كان عليه من قبل. ستكون علاقة روسيا بالخارج مختلفة، وسيكون التعامل مع القضايا الأمنية مختلفاً، إذ لابد للنظام الدولي أن يعود إلى حقيقة الوظيفة التي أنشئ من أجلها.

مقالات لنفس الكاتب