array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

طمح دول الخليج في بناء نموذج أمني يعتمد زيادة التنسيق بين الحلفاء والثقة في الدفاع الجوي

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

اتفق مجلس التعاون لدول الخليج العربية على استراتيجية دفاعية تمهد لبناء منظومة مشتركة في إطار رؤية واضحة للتنسيق وتعزيز التكامل والترابط فيما بينها، وتطوير إمكانياتها للدفـاع عن سيادتها واستقرارها ومصالحها، وردع العدوان والتعاون لمواجهة التحديات والأزمات والكوارث. وعلى رأس التحديات أمام دول الخليج يأتي التعامل مع التهديدات التقليدية والناشئة، والتهديدات المتغيرة غير المتماثلة. وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي ميزانيات عسكرية كبيرة، ينبغي للحكومات توجيهها لبناء وتطوير صناعة الدفاع المحلية من خلال الحوار الهادف والشراكات المتضامنة، والتحول من الاعتماد على المُورِّد إلى الشريك في التخطيط والبحوث والتطوير والإنتاج، وحتى مراحل التصدير.

القدرات الدفاعية الإقليمية الحالية

ما تم تحقيقه من دفاعات صاروخية في الشرق الأوسط بُنِي على مستوى دول منفصلة، بدلاً من أن يكون جزءًا من إطار إقليمي. ولا تمثل أي منها أنساقًا متتالية من الدفاعات تجعلها فعالة ضد مجموعة التهديدات الجوية والصاروخية. ومن الملاحظ أن الدفاعات الجوية والصاروخية لدول الخليج ليست متعددة الطبقات. وتتكون عادة من صواريخ باتريوت للتغطية ضد التهديدات الجوية والصاروخية، وصواريخ أرض جو لتوفير الحماية ضد صواريخ كروز والمسيَّرات. ولا توجد اتفاقية رسمية للاستخبارات أو تبادل المعلومات بين دول الخليج للسماح بإعادة توجيه الأنظمة ضد الهجمات القادمة التي تكتشفها دولة ما. وليس لدى بعضها أنظمة باتريوت أو غيرها من أنظمة الدفاع أرض/ جو، مما يترك فجوات كبيرة في أي دفاعات. ولا توجد شبكة من الدفاعات أرض/ جو، ولا آليات لتنسيق القتال الجوي وتبادل المعلومات الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع (Intelligence, surveillance, and reconnaissance ISR). اشترت قطر والسعودية والإمارات نظام الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية ثاد (Terminal High  Altitude Area Defense, THAAD) ، لكن هذه لا تمثل جزءًا من بنية متكاملة. تستثمر دول الخليج في مجموعة متنوعة من أنظمة الدفاع الجوي، وتحديداً باتريوت Patriot، وآي هوك I-Hawk، وميسترال Mistral، وبانتسير Pantsir، وثاد THAAD، وفولكان Vulcan، لكن لا يزال من غير الواضح كيف سيتم إعطاء الأولوية لهذه الأنظمة كجزء من دفاعاتها الجوية. وفي 2022م، أعلن عن بيع نظام القبة الحديدية الإسرائيلي للإمارات، مما أضاف نظامًا آخر إلى مزيج خيارات الدفاع الجوي لدول الخليج.

يتم نشر أنظمة الدفاع الجوي الخليجية في المقام الأول في "نقطة دفاع" لحماية بنية تحتية حيوية واحدة معقدة أو منفصلة. ويتم ذلك لتوجيه وتعظيم القدرة ضد التهديدات الأكثر أهمية. ومع ذلك، فإن هذا النهج، وهو مكلف، ليس فعالاً ضد المُسَيَّرات وصواريخ كروز التي يمكنها تنفيذ ضربات متنوعة وتترك مناطق واسعة مثل المراكز السكانية دون حماية. وقد بدأت الاستثمارات العربية المتزايدة في تنويع هذه الأنظمة لتتناسب مع التهديدات الناشئة.

مساعي تطوير القدرات الذاتية

إن الدعوات إلى تكامل الأمن الإقليمي في الخليج ليست جديدة. ومع توقيع اتفاقيات أبراهام في 2020م، بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، ومن ثم البحرين، أُضيفت دول الخليج إلى إطار الدفاع الجوي من خلال ربط جميع أجهزة الاستشعار والأصول في الدول المشاركة. كما جرت مناقشات رفيعة المستوى بين الأطراف في شرم الشيخ/مصر في 2022م. ودعا تشريع مقترح في الولايات المتحدة إلى التعاون مع الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط، ومنهم دول مجلس التعاون الخليجي للبحث عن وسائل تعزيز الدفاعات الجماعية، من خلال تمكينهم من بناء قدرات دفاعية جوية وصاروخية متكاملة لحمايتهم من أية هجمات معادية من صواريخ كروز والصواريخ البالستية، والأنظمة الجوية المأهولة وغير المأهولة.

تطمح دول الخليج إلى بناء نموذج أمني جديد في المنطقة يعتمد آليات لزيادة التنسيق بين الحلفاء، والتكامل الهادف بين عمليات تبادل المعلومات وقابلية التشغيل البيني، وتوليد الثقة في دفاع جوي وصاروخي وبحري متكامل جديد. وسيكون التحدي الذي تواجهه دول الخليج هو تأمين المجالين الجوي والبحري ضد التهديدات التقليدية والناشئة مع التعامل مع التهديدات المتغيرة غير المتماثلة (asymmetric). وسوف تتمثل المفاتيح الرئيسية في كيفية توفير المعدات العسكرية القابلة للتشغيل البيني، ونظام التدريبات على المدى الطويل. ولابد من التدقيق في اختيار الشريك الأجنبي الذي يتحقق معه ضمان الوصول إلى الأهداف المرجوَّة بأعلى مستويات الجودة في الزمن المناسب وبالتكلفة المعقولة، خاصة وأن هناك منافسات ضارية بين الدول العارضة تقوم على المصلحة والسياسة، وتتصدر هذا المشهد الولايات المتحدة والغرب في جانب والصين وروسيا في الجانب المقابل.

بيئة الأمن البحري في الخليج والبحر الأحمر

خلال الفترة ما بين عامي 2014م و2020م، كان يتدفق ما معدله ثمانية عشر مليون برميل، أو ما يقرب من 20% من إمدادات النفط العالمية، عبر مضيق هرمز. إن أي انقطاع في إمدادات الطاقة العالمية سيكون له تداعيات جيوسياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة. يمتد الخط الساحلي حول شبه الجزيرة العربية لمسافة 5470 ميلاً، مع ستة أساطيل بحرية مختلفة، بالإضافة إلى قوة متعددة الجنسيات تحاول حماية الممرات المائية. تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي 416 سفينة دورية مشتركة بين قواتها البحرية وخفر السواحل وتكون كل سفينة دورية مسؤولة عن مراقبة وإنفاذ القوانين عبر شريط ساحلي كبير يبلغ طوله 41 ميلاً.

في 2015م، أنشأ مجلس التعاون الخليجي فرقة العمل TF-81 كقوة بحرية مشتركة تقوم بدوريات في المياه الدولية للخليج وخليج عمان وبحر العرب وخليج عدن، ولكن الخلافات أعاقت من نشاطه. وتقود الولايات المتحدة من مقرها الرئيسي في البحرين، القوات البحرية المشتركة (CMF) المعنية بالأمن البحري في الخليج والمياه القريبة. تأسس منتدى القوات البحرية المشتركة مع اثنتي عشرة دولة بعد أحداث 11 سبتمبر، وقد نما على مدى العقدين الماضيين ليشمل أربعة وثلاثين دولة. تم تشكيل فرق عمل تابعة للقوات البحرية المشتركة في 2001م، و2004م، و2009م، وأنشأت في 2022م، فرقة العمل 153 لمعالجة الأمن البحري في البحر الأحمر بشكل أفضل.

نظام الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل وتحسين الأمن الجماعي

يتطلب الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل استخدام الدول لنظام مشترك ضد التهديدات الجوية التقليدية -مثل الطائرات والمروحيات والمُسَيَّرات -بالإضافة إلى الحماية ضد الصواريخ البالستية وصواريخ كروز. ومع تزايد المَدَيات والأعداد وتنوع أشكال الهجوم وتطور القدرات المعتدية، تواجه الأنظمة الدفاعية الوطنية قصورًا يتطلب ترتيبات دفاعية أوسع، تتعلق بالتغطية الجغرافية والفجوات في المعلومات والاستخبارات. من شأن النظام المتكامل أن يجعل دول المنطقة أكثر فعالية ضد أية هجمات محتملة.

إن التضامن الدبلوماسي لمثل هذه البنية يمكن أن يساعد في ردع الهجمات. ستواجه أي دولة معتدية نظاماً دفاعياً لشبكة إقليمية تعتمد فيه دول الخليج على بعضها البعض ويتضمن أجهزة إنذار أفضل وأكثر حداثة، واستخبارات متطورة، وقدرات للدفاع ضد أي هجوم. وستعمل مثل هذه الشبكة المتكاملة أيضًا على الإعداد لحماية مواطنيها والبنية التحتية الحيوية بشكل أفضل حال نشوب صراع مستقبلي في المنطقة.

غالبًا ما تبلغ التكلفة التي يتحملها الخصوم للهجوم باستخدام مُسَيَّرات منخفضة التكلفة نسبيًا آلاف الدولارات، مقارنة بإسقاط المُسَيَّرة بصاروخ باتريوت تكلفته حوالي 1-6 مليون دولار. عند النظر إلى هذا الفارق الهائل، جنبًا إلى جنب مع الفجوات الحالية في التغطية، فإن ذلك يفرض حافزًا آخر لتطوير نهج جديد ومستدام للدفاع الجوي والصاروخي الحديث، تتعدد طبقاته وتتكامل عناصره في المنطقة.

الكثير من المعدات اللازمة لتحقيق القدرة التشغيلية الأولية للشبكة الإقليمية (نظام الدفاع الصاروخي الجوي المتكامل Integrated Air Missile Defence IAMD) موجودة بالفعل في مسرح العمليات. وتدرك دول مجلس التعاون الخليجي أن تحديث أنظمة الدفاع الجوي بأحدث التقنيات يمثل أولوية، استناداً إلى المقابلات التي أجريت مع فرقة العمل وشراء ودمج نظام ثاد مؤخراً، ولا سيما من قبل الإماراتيين. ومع ذلك، لتحسين فعالية أنظمة الدفاع الجوي، تحتاج دول الخليج الراغبة في نظام متعدد الطبقات إلى التكامل، لإزالة الفجوات الكبيرة في تغطية أجهزة الاستشعار والصواريخ الاعتراضية، وتوفير إطار مشترك للإنذار المبكر، وتحقيق أقصى قدر من الكفاءة والفعالية. علاوة على ذلك، يجب على كل دولة في المنطقة أن تراعي مستوى الاعتماد على بعضها البعض.

تعميق الشراكات للحفاظ على الأمن البحري وعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل

إن أي استراتيجية أمنية فعالة تهدف إلى مكافحة التهديدات البحرية المعتدية ستتطلب استثمارًا إضافيًا في الموارد البحرية والتكامل الوثيق للموارد المحدودة المتاحة في أي وقت. ولدى مسؤولي الأمن والدفاع في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي دافع قوي لتعزيز قدرتها على الدفاع عن مصالحها البحرية. وبالإضافة إلى الحاجة إلى زيادة المنصات البحرية ودمجها بشكل أفضل، سيكون من المفيد إنشاء منتدى لتنسيق جهود إنفاذ القانون والتحليلات في جميع أنحاء المنطقة، على غرار الإنتربول للتعامل مع انتهاكات القانون الدولي والجوانب الإجرامية المرتبطة بالإمداد البحري بالأسلحة والقدرات الأخرى للجهات المعتدية. ومن شأن مثل هذا المنتدى أن يتيح زيادة التواصل بين أجهزة الأمن الداخلي، ويسمح لها بتبادل المعلومات، والمساعدة في تحديد اتجاهات الجريمة المنظمة، وخلق سبل للتدريب لتحقيق معايير مهنية أعلى في مجال إنفاذ القانون. إن ذلك سيضع المنطقة في وضع أفضل لمواجهة التهديد الذي تفرضه أنشطة الانتشار النووي المعتدية. ويتيح هذا التعاون بناء الوعي بالمجال البحري من خلال منصات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المتكاملة، وتبادل المعلومات، وتركيز الأصول في المواقع لمواجهة أي انتشار مُعادٍ.

أهمية وحجم ما تحقق من بناء القدرات الذاتية

حظي العمل العسكري المشترك باهتمام دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية انطلاقًا من قناعة راسخة بوحدة الهدف والمصير، إضافة إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ المشتـرك. ومن أبرز إنجازات العمل العسكري الخليجي المشترك: (1) اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون في ديسمبر 2000م، وقد حددت العديد من مرتكزات الدفاع المشترك ومنطلقاته وأسسه وأولوياته، لتعزيز العمل العسكري المشترك، ورفع القدرات الذاتية الجماعية. (2) استراتيجية دفاعية لدول مجلس التعاون في ديسمبر 2009م بلورت رؤية واضحة لتنسيق وتعزيز تكاملها وترابطها وتطوير إمكانياتها للدفـاع عن سيادتها واستقرارها ومصالحها، وردع العدوان وتقييم التهديدات الاستراتيجية والتحديات والمخاطر بصفة دورية. (3) تطوير قوات درع الجزيرة في ديسمبر 2013م، تحت قيادة موحدة ومواصلة استكمال مرتباتها من القوى البشرية والتسليح، وإنشاء الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية في أبو ظبي لمواكبة التطور المتسارع في مجال العلوم والمعارف العسكرية والأمنية. (4) افتتاح مركز العمليات البحري الموحد في فبراير 2016م، ومقره مملكة البحرين. (5) تنفيذ شبكة الاتصالات المؤمنة ومشروع المسار المكمل لها، واستخدام خدمة الاتصالات الفضائية كوسيلة بديلة في حالة انقطاع الخدمة. (6) ربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي في دول المجلس من خلال منظومة "حزام التعاون"، وتطويرها المستمر لتمثل درجة جاهزية عملياتية وفنية عالية. (7) تنفيذ التدريبات المشتركة بصورة دورية ووفقـاً لبرامج زمنية محددة، لجعل القوات بدول المجلس أكثر تجانساً وتوافقاً خلال تنفيذ العمليات المشـتركة. (8) توحيد ووضع آليات عمل مشتركة لتبادل المساندة الفنية في مجالات الإمداد والتموين والصيانة والدعم الفني.

الخطوات القادمة على صعيد تطوير القدرات العسكرية الذاتية

تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي ميزانيات عسكرية كبيرة، وينبغي للحكومات بناء صناعة الدفاع المحلية من خلال الحوار والشراكات. ينطوي هذا النهج على تحويل صناعة الدفاع المحلية من الاعتماد على المُورِّد إلى الشريك في التخطيط، مما يجعلها عنصرًا رئيسيًا في نجاح المهمة من خلال تحسين الاستعداد والاستدامة. وفي حال الاعتماد الكلي على الشركات الأجنبية في توريد السلاح، فقد تفضي التوترات الجيوسياسية إلى تعطيل الإمدادات وجعل الأصول المهمة غير صالحة للعمل. ويتأسس بناء القدرات الصناعية الدفاعية المحلية بما يتماشى مع الأولويات الوطنية على دعائم رئيسية هي التخطيط المتكامل، وتقييم احتياجات الصناعة، وتطوير الخيارات والتحسين المستمر، والمراقبة.

تستخدم دول مجلس التعاون الخليجي أنظمة جاهزة  off-the-shelf لعملياتها التنظيمية، وكانت لديها دائمًا مخاوف أمنية بشأن سلامة البيانات واضطرت إلى اللجوء إلى عزل بياناتها فعليًا عن الشبكات الخارجية. ينبغي تطبيق عملية تخطيط متكاملة للقوات المسلحة تشمل الشركات المحلية المصنعة للدفاعات. إن الحوار بين وزارات الدفاع وصناعة الدفاع المحلية يثري معرفة كل جانب باحتياجات الطرف الآخر، ويسمح لكل منهما ببناء قدراته بطريقة تساهم في نجاح المهمة. وبتطبيق مفهوم التكامل المدني العسكري، سيتيح نظامًا بيئيًّا أقوى للبحث والتطوير، وخفضًا لتكاليف التصنيع، ووضعًا أكثر مرونة.

وفي دول الخليج، من شأن مشاركة الحكومات ووزارات الدفاع والقوات المسلحة مع صناعاتها الدفاعية في القدرات التي ترغب في بنائها، والتحديات التي تحتاج إلى التغلب عليها، على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة المقبلة أن تعزز النظام البيئي الدفاعي ليتمكن من إنتاج منصات رفيعة المستوى تستحق الفخر الدفاعي الوطني. عندما يكون المسؤولون في صناعة الدفاع شركاء مبكرين في عملية التخطيط، ومن خلال حوار تعاوني سيمكنهم تحديد القدرات التي يمكن إنجازها من خلال التصنيع المحلي وتلك التي تتطلب الاستيراد. وسينعكس ذلك على تحفيز جهود البحث والتطوير المشتركة. من أجل التغيير يجب أن يأتي هذا التوجيه من أعلى المستويات الحكومية -وإلا فإن القادة العسكريين و"المستخدمين" سيستمرون في استيراد أدواتهم".

بمجرد أن تحدد وزارة الدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي قدراتها العسكرية ذات الأولوية على المدى الطويل، يجب عليها تحديد المكونات الصناعية اللازمة لاستدامتها. الأصول المختلفة مثل المركبات المدرعة الخفيفة أو الطائرات المقاتلة لها متطلبات مادية مختلفة، بما في ذلك قطع الغيار والوقود. في المقابل، تتطلب الأصول مثل الدفاعات السيبرانية تحديثات مستمرة للبرامج وأجهزة مرنة مثل الخوادم. وبغض النظر عن التركيز على تطوير وتنمية القدرات العسكرية، يجب مراعاة متطلبات الاستدامة عبر المنصات والأنظمة بشكل شامل. ومن خلال التخطيط المتكامل والفهم الواضح للاحتياجات الصناعية الدفاعية، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تعميق الإنتاج الدفاعي المحلي بما يتماشى مع المتطلبات التشغيلية ونجاح المهمة، والابتعاد عن دوافع التنمية الاقتصادية البحتة.

إن الاعتراف بمركزية الصناعة المحلية في القدرات الدفاعية يمثل تحولاً عن الاعتماد السائد على الشركات الأجنبية المصنعة للمعدات الأصلية. ونظراً لميزانيات المشتريات الدفاعية الكبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن توجيه قدر متواضع من الأموال نحو الصناعة المحلية يمكن أن يولد عائداً وفيراً. ويجب على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي أن تلعب دوراً نشطاً في مراقبة وتحسين صناعاتها الدفاعية. وتعد المراقبة المستمرة أمرًا ضروريًا، حيث تقوم القوات المسلحة وأصحاب المصلحة في الصناعة بتقييم أداء الصناعة بشكل مشترك باستخدام مؤشرات الأداء الرئيسية والمعالم الرئيسية القابلة للقياس.

كيفية الحفاظ على منظومة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل

أدى انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وزيادة مشاركة روسيا والصين إلى تغيير الديناميكيات الإقليمية، ولا يزال التهديد النووي، والقدرات غير المتكافئة، والتزامات عدم الانتشار يمثل قضية مهمة. ومع ذلك، في ظل المناخ الجيوسياسي والأمني الحالي، ربما من غير المرجح أن تنضم إيران عن طيب خاطر إلى مبادرة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الخليج ما لم تتم معالجة تغيير جوهري في ديناميكيات الأمن الإقليمي، مثل الغموض النووي الإسرائيلي.

خلق التحسن الأخير في العلاقات بين طهران والرياض فرصة لإجراء مناقشات حول التعاون النووي المحتمل بين هاتين القوتين الإقليميتين. مثل هذا التعاون لديه القدرة على تعزيز تدابير بناء الثقة ليس فقط بين السعودية وإيران ولكن أيضًا بين الدول الأخرى داخل منطقة الخليج لتحرير الأسلحة النووية. وقد تشمل تدابير بناء الثقة هذه جوانب مختلفة، بما في ذلك الحوارات العسكرية فيما يتعلق يتقاسم المسؤوليات المرتبطة بالتخصيب النووي، وإنشاء آليات المراقبة، بدعم وإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن الممكن أن يؤدي هذا النهج التعاوني إلى تعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين بشكل كبير من خلال تعزيز الثقة المتبادلة والشفافية في المجال النووي.

ملاحظات ختامية

هناك في الولايات المتحدة من يحثون قادة الخليج على الالتزام علناً بمستقبل تظل فيه الولايات المتحدة شريكهم الأمني الأساسي، والتوقف عن تهديداتهم المتكررة بالتوجه إلى الصين أو روسيا لملء الفراغات الأمنية المتصورة. وهؤلاء يتطلعون إلى إصدار رؤية 2040م، بمشاركة أمريكية / خليجية، وتستهدف "أمن الخليج المتكامل"، ورسم خطة طموحة لبناء نظام مترابط تمامًا للدفاعات الجوية والصاروخية، وتحقيق تعاون متعدد الأطراف ضمن هياكل الأمن البحري القائمة. وبذلك تصبح المصالح الحيوية للولايات المتحدة وشركائها أوثق أماناً وأضمن استدامة.

طورت دول الخليج علاقاتها مع الدول المنافسة للولايات المتحدة، وأهمها الصين وروسيا من أجل حماية أمنها من التهديدات المحتملة. وكانت زيارة الرئيس الصيني للسعودية في 2022م، من المحطات الهامة في العلاقات السعودية-الصينية. ومثلت المصالح المشتركة بين بكين والخليج دافعاً للتعاون في مجالات منها الطاقة النووية والأقمار الصناعية والطاقة المتجددة. وباعتبار الصين هي المستورد الرئيسي للنفط من دول مجلس التعاون الخليجي، فقد أصبح تأمين إمدادات النفط من أولويات الصين. لم تضع الصين أي اشتراطات لشراء الأسلحة أو استخدامها من قِبَل السعودية أو الإمارات، خاصة بالنسبة للمُسَيَّرات، بل إن سعرها منخفض مقارنة بالأسلحة الأمريكية. وعقدت صفقات هامة منها طائرات F-35 ، ومُسَيَّرات وينج لونج 2، وطائرات تدريب قتالية L-15. أعلنت شركات سعودية وصينية توقيع اتفاق مشترك لصناعة مُسَيَّرات عسكرية في السعودية. وأشارت تقارير أنه يتم تطوير صواريخ بالستية في السعودية بمساعدة الصين. كما اتفقت الإمارات مع الصين لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة. وظهرت أيضًا مؤشرات لبداية تعاون عسكري في مجال الأقمار الصناعية، حيث وقعت السعودية مع الصين مذكرة تفاهم في 2019م، للتعاون في استخدام نظام بايدو للملاحة بالأقمار الصناعية. وتسعى الرياض لإنشاء مشروع نووي سلمي في إطار خطتها لتغطية احتياجاتها من الكهرباء. وقعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية مذكرات تفاهم مع مؤسسات صينية؛ لتطوير مشاريع الطاقة النووية السلمية في الإمارات. وقامت موسكو بعرض أسلحتها للبيع في معرض للسلاح بأبو ظبي. وأشارت تقارير متعددة إلى أن الرياض تتجه لإبرام اتفاقيات لاقتناء منظومة الدفاع الروسية المضادة للصواريخ "إس-400".

لابد من اختيار الشراكات الآمنة والمفيدة التي تساعد على تأمين البحار والممرات، ويجدر الانتباه جيدًا إلى دروس التاريخ، عند التعامل مع الغير في التطوير التكنولوجي، في الغرب ينظرون إلى تكنولوجيات "حرجة" ولن يسمحوا إلا بنقل التكنولوجيا إلى مرحلة أعلى درجة واحدة مما يمتلك الشريك، وربما يمدونه بمعلومات خاطئة ليتعثر ولا يستمر، لأن مصلحتهم فوق كل اعتبار، ولهم أهداف معلنة.

مقالات لنفس الكاتب