array(1) { [0]=> object(stdClass)#13494 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

التصعيد العسكري للحوثي في البحر الأحمر لم يؤثر على العلاقات السعودية ـ الإيرانية أو حول القضية اليمنية

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

في العاشر من مارس ٢٠٢٣م، تم الإعلان بشكلٍ مفاجئ عن توصّل المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية لاتفاق بوساطة صينية على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وبالنسبة للمعنيين بالعلاقات العربية-الإيرانية فإن مكمن المفاجأة لم يكن موضوع الاتفاق، لكنه كان يتعلّق بالطرف الوسيط، إذ كان من المعلوم أن هناك جهودًا سابقة تقوم بها أطراف عربية أهمها الطرف العراقي الذي رعا خمس جولات من المباحثات لإعادة المياه لمجاريها بين البلدين وإنهاء قطيعتهما الدبلوماسية منذ يناير ٢٠١٦م، كما كانت هناك مؤشّرات على أن الدولتين راغبتان في فتح صفحة جديدة بينهما منذ عام ٢٠١٩م،وكتبتُ عن هذا الموضوع مقالًا لجريدة الأهرام المصرية بتاريخ ٥ أكتوبر ٢٠١٩م، بعنوان "هل هو ضوء في نهاية النفق؟"،أشرتُ فيه إلى المقال المشترك الذي كتبه في شهر مايو من نفس العام بجريدة الجارديان البريطانية كلُ من المفكّر السعودي البارز الدكتور عبد العزيز صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث والدبلوماسي الإيراني السابق السفير حسين موسويان -عن أن الصراع بين البلدين ليس محتومًا بل إن حوارهما ممكن، واعتبرتُ أن هكذا مقال لا يمكن إلا أن يكون معبرًا عن إرادة الدولتين، وهو ما حدث بالفعل. وبالتالي كان دخول الصين على الخط هو فقط المتغيّر الوحيد الجديد لأسباب مختلفة، منها علاقتها الوثيقة بالطرفين السعودي والإيراني، ومنها قوتّها كضامن للاتفاق وقدرتها على التدخّل للضغط في حال تعثّر تنفيذه، ومن جانب الصين نفسها فلقد كانت لها مصلحة مؤكّدة في استقرار المنطقة نظرًا لارتباط ذلك بمشروع الحزام والطريق. عمومًا ستعود الدراسة لتناوُل جوهر الاتفاق في جزئية معيّنة من قسمها الثاني، لكن الإشارة إلى الاتفاق في المقدمة هدفها القول إنه مثّل تطوّرًا استراتيجيًا مهمًا باتجاه التهدئة في منطقة الشرق الأوسط، كون الدولتين تَوَاجهتا في العديد من ساحات الصراع العربية أهمها اليمن وبدرجة أقل لبنان وسورية والعراق، وبالتالي فإن الاتفاق من هذه الزاوية يُعّد كنزًا ثمينًا وفرصة كبيرة لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة.

ولمّا كان الاتفاق على هذه الدرجة من الأهمية فإن التصعيد العسكري الذي قامت به حركة الحوثي في البحر الأحمر على أثر المجازر الإسرائيلية في غزّة، وبالنظر للعلاقة الوثيقة للحركة بإيران من جهة ولكون التصعيد في البحر الأحمر يمّس الأمن القومي السعودي مسّا مباشرًا من جهة أخرى، فإن علامة استفهام كبيرة ثارت حول مستقبل الاتفاق وبشكل أعّم حول مستقبل العلاقات السعودية-الإيرانية. وتتفرّع عن السؤال السابق أسئلة الفرعية من قبيل: ما هي أبعاد التصعيد العسكري للحوثيين في البحر الأحمر، وما هو تأثيره على التقدّم في تنفيذ بنود الاتفاق السعودي-الإيراني بعد عامٍ من توقيعه؟ وهل تأثّرت الأزمة اليمنية التي هي لبّ الخلاف السعودي-الإيراني بهذا التصعيد؟ وتحاول الدراسة الإجابة على هذه الأسئلة من خلال ثلاثة مداخل/أجزاء رئيسية هي على التوالي: أبعاد التصعيد العسكري الحوثي في البحر الأحمر، وحسابات الموقفين السعودي والإيراني فيما يخّص التصعيد، وأثر هذين الموقفين على قضايا التعاون المباشر وغير المباشر بين الدولتين.

 

أولًا: أبعاد التصعيد العسكري الحوثي في البحر الأحمر

 

  1. عند تناوُل التصعيد العسكري الذي قام به الحوثيون في البحر الأحمر ترد ملاحظات ثلاث أساسية، الأولى، هناك تاريخًا من الاستهدافات الحوثية لناقلات تتبع دولًا مختلفة عربية وغير عربية بعد سيطرة الحركة على العاصمة صنعاء عام ٢٠١٤م، وفي هذا السياق رصد أحد التقارير وقوع ٣٢ اعتداءً على ناقلات تتبع السعودية والإمارات وتركيا واليونان وجزر المارشال من عام ٢٠١٥م، وحتى يناير عام ٢٠٢٢م، واختطاف ٤ سفن تتبع الإمارات والسعودية وكوريا الجنوبية، فضلًا عن استهداف الموانئ التجارية لليمن والسعودية. واستخدَمَت الحركة الألغام البحرية والزوارق المفخّخة والصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة. لكن هذه الهجمات أتت في إطار صراع الحركة مع التحالف الدولي للشرعية والضغط عليه بشتّى الطرق ومنها تهديد حركة الملاحة البحرية. أما التصعيد الذي مارسَته الحركة اعتبارًا من أكتوبر ٢٠٢٣م، فجرى تبريره ولأول مرة بالرد على المجازر الإسرائيلية في غزّة، وإن كان من السهل التعرّف على مآرب أخرى للحركة تتمثّل في استعراض قوتها العسكرية قبيل جلوسها إلى طاولة المفاوضات لتسوية الأزمة اليمنية، وتوظيف حرب غزّة في كسب تعاطف الشارع العربي شديد الحساسية لكل ما يدور في فلسطين، وتجنيد واسع النطاق للشباب وحتى الأطفال فيما سُمّي "كتائب طوفان الأقصى" بدعوى نصرة المقاومة الفلسطينية، وصَرْف الانتباه عن مشكلات الحركة الداخلية.

 

الملاحظة الثانية، هي أنه يمكن القول بشيء من التبسيط إن التصعيد الحوثي في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزّة مرّ بمرحلتين أساسيتين، إحداهما مرحلة إطلاق الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل وبالذات إيلات على خليج العقبة، والثانية مرحلة مهاجمة السفن في ظل محدودية القدرة على إضرار رشقات الصواريخ بإسرائيل مع وجود حاملة طائرات وسفن حربية أمريكية في مياه البحر الأحمر وقواعد عسكرية إسرائيلية في إريتريا. لكن هذه المرحلة الثانية تطوّرت وتفرّعت، إذ انتقلَت من التهديد بمهاجمة السفن الإسرائيلية، إلى التهديد باستهداف السفن المتجّهة لإسرائيل وتقوم بتشغيلها شركات تابعة لدول أخرى، إلى التهديد باستهداف السفن المشاركة في تحالف "حارس الازدهار"، وتنفيذ الأشكال الثلاثة من التهديد بالفعل. وكان أخطر هجمات الحوثي ما قامت به في ١٩ نوڤمبر ٢٠٢٣م، بإنزال جوي فوق سفينة جالاكسي ليدر المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي والتي كانت ترفع علم جزر البهاما وتقوم بتشغيلها شركة يابانية، حيث تم اختطاف السفينة واقتيادها إلى ميناء الحديّدة.

 

الملاحظة الثالثة، أن هجمات الحوثيين سواء قبل ٧ أكتوبر أو بعده تتشابه إلى حدّ كبير مع هجمات الحرس الثوري الإيراني ضد الناقلات في مضيق هرمز لأسباب مختلفة، بنفس التكتيكات تقريبًا. هذا التشابه وأهم منه نوع السلاح بيد الحوثيين كان من الأسباب التي جعلَت أمريكا تداوم على اتهام إيران بالضلوع في هجمات الحوثيين، بما في ذلك اختطاف سفينة جالاكسي ليدر، وهو الاتهام الذي نفته إيران. جدير بالذكر أن أحدث تقارير جهاز المخابرات التابع لوزارة الدفاع الأمريكية في فبراير ٢٠٢٤م، أشار إلى تزويد إيران للحوثيين بطائرات بدون طيّار يبلغ مداها ١٥٠٠ ميلًا ما يجعل كل القوات الأمريكية في مرمى الخطر، كما أشار التقرير لدور التكنولوجيا العسكرية الإيرانية في تطوير منظومة الصواريخ الباليستية للحركة، ومن ذلك التشابه بين الصاروخ الباليستي "الطوفان" الحوثي والصاروخ الباليستي "شهاب ٣"متوسط المدى الإيراني.

 

  1. عند تحليل ردّ الفعل الأمريكي على التصعيد العسكري للحوثيين يمكن أيضًا إبداء عدة ملاحظات هي، الأولى،  أن أمريكا قابلَت التصعيد الحوثي بتصعيد مقابل لكنه منضبط، و تمثّل في إعلان وزير الدفاع الأمريكي ديڤيد أوستن في ١٩ ديسمبر ٢٠٢٣ م، عن مبادرة تشكيل تحالفٍ دوليٍ بعنوان "حارس الازدهار "وهو عبارة عن قوة متعدّدة الجنسيات هدفها حماية حرية الملاحة البحرية وتدفقات التجارة، وأما عن انضباط التصعيد فمظهره هو التركيز على أهدافٍ عسكريةٍ تابعةٍ للحوثيين من مخازن ومواقع إطلاق مسيّرات وصواريخ دون استهداف مفاصل الحكم في صنعاء، ما يعني أن القصد ليس تقويض سلطة الحوثيين بل إضعاف قدراتهم العسكرية. وبعد مبادرة "حارس الازدهار "تقدّمت واشنطن في يناير بمشروع قرار لمجلس الأمن لإدانة مهاجمة السفن التجارية مطالبة الحوثيين بالوقف الفوري لهجماتهم والإفراج عن سفينة جالاكسي ليدر، وهو القرار رقم ٢٧٢٢ الذي تبنّاه مجلس الأمن بموافقة ١١عضوًا وامتناع الصين وروسيا والجزائر وموزمبيق عن التصويت.  

 

الملاحظة الثانية، هي أنه كما لم تكن مهاجمة الحوثيين للناقلات البحرية جديدة، كذلك فإن تحالف أمريكا لتأمين الملاحة البحرية أيضًا لم يكن جديدًا، فهناك التحالف تأسّس عام ٢٠١٩م، في عهد ترامب باسم "سانتينال "بقيادة أمريكية ومشاركة ست دول هي بريطانيا وألبانيا واستراليا والسعودية والإمارات والبحرين-والذي استهدف حماية الملاحة في الخليج مرورًا بمضيق هرمز وانتهاءً بمضيق باب المندب -من التهديدات الإيرانية. ويُلاحَظ على هذا التحالف أن نصف المشاركين فيه كانوا من الدول العربية، بينما لا توجد سوى دولة عربية واحدة فقط هي البحرين في تحالف "حارس الازدهار "الذي يتكوّن من أكثر من ٢٠ دولة، وهي نقطة يعاد تحليلها في الجزء الثاني من الدراسة. المهم هنا أن مسألة تشكيل تحالفات أمنية بحرية، في ظل وجود كلٍ من الأسطول الخامس الأمريكي وقيادة القوات البحرية المشتركة وقوة المهام المشتركة 153 في البحرين، هدفه توزيع المسؤولية على دول العالم، وتحقيق حزمة أهداف أمريكية أهمها تعزيز النفوذ في المياه الدولية ومناوأة الصين التي تتخّذ من البحر الأحمر نقطة يلتقي فيها الممّر البرّي بطريق الحرير البحري.

 

الملاحظة الثالثة، مشاركة دول أوروبية فرادى في تحالف "حارس الازدهار" لم يحل دون إعلان جوزيف بوريل الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في ٣١ يناير ٢٠٢٤م، عن استعداد الاتحاد لإطلاق مهمة بحرية جديدة في البحر الأحمر، الأمر الذي يعني المزيد من العسكرة والتصعيد في هذا الممر المائي بالغ الأهمية. 

 

ثانيًا: حسابات الموقفين السعودي والإيراني 

  1. يمكن تلخيص موقف السعودية من التصعيد العسكري في البحر الأحمر في ثلاث نقاط أساسية، الأولى، الدعوة لوقف التصعيد والتحرّك في الوقت نفسه لنزع أسباب هذا التصعيد من خلال المطالبة بوقف تام لإطلاق النار في غزّة. وأتت تصريحات المسؤولين وتحركات الدبلوماسيين السعوديين داخل هذا السياق، كما أتى انعقاد القمة العربية-الإسلامية في الرياض على ضوء تلك الخلفية. والنقطة الثانية، رفض المشاركة في تحالف "حارس الازدهار "، على الرغم من أن السعودية صاحبة الإطلالة الأطول على البحر الأحمر. والنقطة الثالثة، تأكيد المملكة على أنه لا تطبيع للعلاقة مع إسرائيل قبل اعتراف المجتمع الدولي-وبالذات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن-بالدولة الفلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو ١٩٦٧م، وعاصمتها القدس الشرقية، مع تكرار المطالبة بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وانسحاب القوات الإسرائيلية. وأتى بيان الخارجية السعودية في هذا الشأن ردًا على المحاولات الأمريكية توظيف مسألة التطبيع في سباق الانتخابات الرئاسية نهاية ٢٠٢٤م، بفّك الارتباط بين كلٍ من مسار حرب غزّة ومسار التطبيع. 

 

مثل هذا الموقف بأبعاده الثلاثة كان إيجابيًا من وجهة النظر الإيرانية، وذلك أن تمسّك المملكة بوقفٍ كاملٍ لإطلاق النار يتفّق مع الموقف الذي تبنّته حركة الحوثي وكل الفصائل المسلّحة المرتبطة بإيران. يضاف لذلك أن السعودية رفضَت الانجرار إلى متوالية التصعيد العسكري في البحر الأحمر ومثّل غيابها مع كلٍ من مصر والأردن والصومال والسودان وجيبوتي وحتى اليمن (الحكومة الشرعية) إحراجًا لأمريكا التي أقامت تحالفها لحماية الازدهار مع دولٍ لا تطّل على البحر الأحمر، وبعضها يبعد عنه بآلاف الأميال. هذا إلى أن السعودية بربطها بين التقدّم في التطبيع من جهة واعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية من جهة أخرى تصدّت لمجاهرة العديد من ممثلي اليمين الإسرائيلي أثناء حرب غزّة بالرفض التام لفكرة الدولة الفلسطينية. وهنا من المهم التذكير بأن إيران تصالحَت-من وجهة نظر براجماتية بحتة منذ بدايات التسعينيات-مع إمكانية الاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية طبيعية مع الدول التي تقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ولا تمثّل السعودية استثناءً من هذا التحوّل البراجماتي.

 

ويمكن القول إن غياب المملكة عن المشاركة في تحالف "حارس الازدهار "على العكس من انضمامها لتحالف "سانتينال" في عام ٢٠١٩م، حكمَته مجموعة معقّدة من الحسابات أبرزها: اتجاه السعودية نحو إنهاء علاقاتها مع صراعات المنطقة سواء السياسية أو بدرجة أكبر العسكرية وإعطاء الأولوية للعملية التنموية كما وردَ في رؤية المملكة ٢٠٣٠، وفي هذا الإطار جاء استئناف المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وشروعها في التفاوض مع حركة الحوثي لحل القضية اليمنية. وذلك أن الدرس المستفاد من تجربة الثلاث عشرة عامًا الماضية، هو أنه لا حلول عسكرية للنزاعات المسلّحة. وفيما يخّص البحر الأحمر فهناك شبكة شديدة التعقيد من الصراعات بين الدول المطّلة عليها وفِي داخل كلٍ منها على حدة بما لا يحتمل المزيد. يضاف إلى ما سبق أن الغرض الحقيقي من وراء تكوين "حارس الازدهار "كان هو حماية التجارة الإسرائيلية حصرًا وليس التجارة الدولية، وذلك في وقت لم يخل يوم من أيام العدوان الإسرائيلي على غزّة من مجزرة تتّم بحق الفلسطينيين.

 

وتقودنا جزئية المصلحة الأمريكية إلى موقف واشنطن الملتبس تجاه الحوثيين، فعلى الرغم من تاريخ هؤلاء في مهاجمة الناقلات البحرية إلا أن هذا لم يمنع أمريكا والدول الغربية من الضغط لوقف تقدّم قوات تحالف الشرعية تجاه مدينة الحُديّدة والذهاب لعقد اتفاقية ستوكهولم التي لم تُنفّذ، ولا هو منع رفع اسم الحوثي من قائمة الجماعات الإرهابية، وهذا يضع علامة استفهام كبيرة أمام توقيت التصعيد العسكري الأمريكي الأخير، كما يضع علامة استفهام أكبر أمام الطبيعة المنضبطة لهذا التصعيد. 

 

  1. وفيما يخّص موقف إيران من التصعيد العسكري في البحر الأحمر، فمن الممكن إجماله في ثلاث نقاط، الأولى، الترحيب الشديد بهجمات الحوثيين والإشادة بقدراتهم العسكرية كما ورد في تصريحات العديد من المسؤولين الإيرانيين على رأسهم علي خامنئي مرشد الجمهورية نفسه الذي أشاد باستهداف الناقلات ذات العلاقة بإسرائيل وقال إنها ستستمّر، كما دعا لعرقلة صادرات النفط والمواد الغذائية لإسرائيل. وحسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيرانية الذي أعرب عن شكره وتقديره للحوثيين على دعمهم القوي للفلسطينيين. وفدا حسين مالكي عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي الإيراني الذي قال إن اليمن ليست غزّة لأنه سيكون مستنقعًا للدول الأخرى، وغير ذلك كثير. والنقطة الثانية هي نفي أي صلة لإيران بهجمات الحوثيين، والتأكيد على أن أنصار الله هم أصحاب قرارهم، ويعّد هذا النفي جزءًا من نفي أوسع لعلاقة إيران بعملية "طوفان الأقصى"، حتى أنه ما أن قال رمضان شريف المتحدّث باسم الحرس الثوري إن هذه العملية كانت جزءًا من الردّ على مقتل قاسم سليماني حتى بادر حسين سلامي قائد الحرس الثوري نفسه بنفي ذلك وتأكيد أن العملية نفذَها الفلسطينيون وأنها فلسطينية بالكامل. والنقطة الثالثة، الهجوم الحاد على تحالف "حارس الازدهار" لأنه ستترتب عليه مشاكل كبيرة ولا علاقة له بالمنطقة، أو على حد تعبير أمير أشتياني وزير الدفاع الإيراني فإن البحر الأحمر "جزء من منطقتنا"، وبالتالي فلا موضع فيه لقوات أجنبية. وبالتوازي مع هذا النقد الشديد للتحالف، لوّحت إيران بجاهزيتها لمواجهة أي محاولة للاعتداء عليها، وفي هذا السياق أعلن علي رضا تنكسيري قائد القوة البحرية بالحرس الثوري تشكيل وحدة باسيچ بحرية يمكنها القيام بعمليات عسكرية حتى شواطئ تنزانيا.

 

هذا الموقف الإيراني كان مريحًا للسعودية، إذ أمسكَت إيران العصا من المنتصف وتحلّت كعادتها بالبرجماتية الشديدة. فمن جهة دعت إيران لعدم توسيع نطاق الصراع. ومن جهة أخرى فإنها أيّدت هجمات الحوثيين في إطار مبدأ "وحدة الساحات" أو تكاملها وهو المبدأ الذي تروّج له، وتنبأت" إذا جاز التعبير" باستمرار استهداف الناقلات البحرية كما جاء في تصريح المرشد الذي سبقَت الإشارة إليه. وبطبيعة الحال يلفت النظر هنا ذلك التناقض الشديد بين تكرار إيران عدم رغبتها في توسيع نطاق الصراع، وتبنيها في الوقت نفسه مبدأ وحدة أو تكامل الساحات الذي يعني انخراط كل قوى محور المقاومة في الصراع، لكن هذه الاثنية هي جزء لا يتجزّأ من الشخصية الإيرانية ومن السياسة الخارجية. ثم أنه بينما أشادت إيران بهجمات الحوثيين فإنها أنكرَت تمامًا ضلوعها في أيٍ منها وأكدّت على ألّا دخل لها بقراراتهم، وهي جملة تتكرّر على ألسنة المسؤولين الإيرانيين في توصيف علاقتهم بالفصائل المسلحة الموالية لهم. ويمكن القول إن إيران بقدر ما حاولَت بهذا الموقف الوسط أن تبعد عنها خطر الضربات الأمريكية على أساس أنه لا شأن لها بهجمات الحوثيين، بقدر ما رفعَت الحرج عن السعودية إذ كان يصعب أن تظّل على الحياد في حال جاهرَت إيران بمشاركتها في تلك الهجمات.

والخلاصة إن التصعيد العسكري للحوثيين في البحر الأحمر لم يؤدِ إلى تعقيد العلاقات السعودية-الإيرانية، فهل نفهم من ذلك بمفهوم المخالفة أن تلك العلاقات قد أخذَت دفعة للأمام؟ هذا يقودنا للجزء التالي من الدراسة.

 

ثالثًا: أثر موقفّي السعودية وإيران على علاقاتهما المباشرة وغير المباشرة

 

  1. على مستوى العلاقات الثنائية بين الدولتين، كان الاتفاق الذي تمّ بين السعودية وإيران برعايةٍ صينية قد تضمّن ثلاثة أهداف أساسية، الأول استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارتين في غضون شهرين. والثاني تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب والتي وقعّتها الدولتان في مايو ١٩٩٨م، وتنفيذ اتفاقية التعاون الأمني وفي مواجهة الإرهاب وتهريب المخدرات وغسيل الأموال والتي وقعّتها الدولتان في ديسمبر ٢٠٠١م، والثالث هو عدم التدخّل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول ومبدأ حسن الجوار. وفيما له صلة بموضوع هذه الدراسة فإن أمامنا سؤال مهم للإجابة عليه هو: كيف نقيّم العلاقات السعودية-الإيرانية بعد توقيع الاتفاق بشكل عام وبعد طوفان الأقصى بشكلٍ خاص؟

 

بمطالعة الأهداف التي توخّاها الاتفاق السعودي-الإيراني يمكن القول إن الهدف الأول وحده هو الذي تحقّق باستئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتّي الدولتين في الرياض وطهران، مع بعض التجاوز في المدى الزمني الذي حدّده الاتفاق وهو شهران. واتصالًا بذلك تبادل وزيرا الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبد اللهيان الزيارة في شهري يونيو وأغسطس ٢٠٢٣م، على التوالي. وكان التركيز في هاتين الزيارتين على مسائل مثل: أهمية التعاون الأمني بين البلدين لضمان خلو المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وتحقيق أمن واستقرار المنطقة، والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتفعيل الاتفاقيات الموقّعة سابقًا. وكما هو واضح فإن وزيرّي خارجية الدولتين أعادا تكرار المطالبة بنفس بنود الاتفاق الذي رعته الصين، مع الدخول في بعض التفاصيل الخاصة بإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل أثناء زيارة الوزير فرحان للعاصمة الإيرانية.

 

وتقودنا الملاحظة السابقة للتطرّق لما وردَ في مباحثات وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان ورئيس أركان القوات المسلّحة الإيرانية محمد حسين باقري في ديسمبر ٢٠٢٣م، عن أن السعودية" ترحّب بزيادة مستوى تعاون القوات المسلَحة للبلدين". وما ورد في لقاء سفير إيران في الرياض علي رضا عنايتي مع رئيس اتحاد الغرف السعودية حسن الحويزي في يناير ٢٠٢٤م، عن رغبة إيران في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع السعودية ورفع مستوى التبادل التجاري والاستثمار ليكون هو الأكبر على مستوى الشرق الأوسط. وما وردَ عن اتفاق الجانبين على ضرورة تنشيط التبادل التجاري والاستثمار وإبرام شراكات بين قطاعّي الأعمال في الدولتين وتحقيق التكامل في قطاع البتروكيماويات. ومن استعراض مجمل التصريحات السابقة والتي تخّص الهدفين الثاني والثالث من أهداف الاتفاق السعودي-الإيراني، يتبيّن لنا أن هناك نوايا من الجانبين لإحداث نقلة نوعية في العلاقات التجارية التي تدهورَت بشدّة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية (أشار موقع ميدل إيست نيوز في ١٥ مايو ٢٠٢٣م، إلى أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين لم تتجاوز في عامّي ٢٠٢١ و٢٠٢٢م، مبلغ ٦٠ مليون دولار)،كما أن هناك نوايا لمواصلة التعاون الأمني (الذي كانت قد تشكّلت لجنة أمنية مشتركة دون وزارية لتنفيذه واجتمعَت في نوڤمبر ٢٠٠١ وأبريل ٢٠٠٨م، ثم لم يعد يعرف مآلها).لكن في الوقت نفسه فإن هذه النوايا لم تتم ترجمتها إلى إجراءات عملية لتحقيق هذين الهدفين-على الأقل في حدود المواد المنشورة عن تطوّرات العلاقات السعودية/  الإيرانية، وهذا الأمر كان موجودًا منذ الاتفاق الذي رعته الصين قبل وقوع طوفان الأقصى والتصعيد العسكري الحوثي في البحر الأحمر ثم استمر بعده، أي أن تعثّر تحقيق الهدفين الثاني والثالث سابق على أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من تفاعلات.

 

بعبارة أخرى يمكن القول إن التهدئة في العلاقات السعودية-الإيرانية لم تنتكس بسبب استهدافات الحوثيين للناقلات التجارية وإرباكهم حرية حركة الملاحة البحرية، وصمدَت في مواجهة مشهد إقليمي ملتهب وتدخلات دولية متزايدة لكن هذه التهدئة لم ترتقِ أيضًا لتحقيق الهدفين الثاني والثالث من أهداف الاتفاق، ما يجعل من الممكن وصف العلاقات السعودية-الإيرانية بأنها بين بين. ويرجع ذلك إلى وجود عدد كبير من العُقَد التي تكتنف هذه العلاقة، وأهمها ما يتعلّق بالأمن، ولذلك نجد مثلًا أنه حتى في ذروة ازدهار العلاقة بين البلدين في ظل حكم الرئيس محمد خاتمي لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين مليار دولار رغم الفرص الواسعة لمضاعفة هذا الحجم عدّة مرات. وهذا يعني أن البدء بحّل العُقدة الأمنية من شأنه إنعاش العلاقات التجارية، والأمر لا يحتاج إلى جهدٍ إضافي جديد، بل يمكن إحياء اللجنة الأمنية المشتركة ومواصلة ما حققته مهما كان محدودًا، فهذا وحده هو الكفيل ببناء الثقة، وبعد ذلك يأتي دور الاقتصاد.

 

 

  1. على مستوى القضية اليمنية

 

عندما اندلع طوفان الأقصى كانت قد انقضت جولتان من جولات التفاوض بين السعودية وحركة أنصار الله في شهرّي أبريل وسبتمبر ٢٠٢٣م، للتوصّل لتسوية سياسية للقضية اليمنية بوساطة عمانية. وفي مقابل تعثّر الجولة الأولى من المفاوضات التي تمّت في صنعاء وإعلان هيئة التشاور والمصالحة التابعة للمجلس الرئاسي عن أن جهود السلام وصلَت لطريق مسدود، كان هناك ترحيب بالجولة الثانية التي عُقِدَت في الرياض، حتى إذا وقع طوفان الأقصى ودخلنا في دائرة الفعل وردّ الفعل بين الحوثيين وتحالف "حارس الازدهار" جرى تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن تعطيل التسوية ذهب هانز جروندبرج المبعوث الأممي لليمن إلى أن الأوضاع كانت مهيأة للتسوية لولا التطورات الإقليمية وانخراط الحوثيين في المعركة. وذهب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى أن الهجمات التي شنّتها أمريكا وبريطانيا على اليمن وإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب زادا الوضع السياسي تعقيدًا، والحلّ السياسي أصبح صعبًا بقولٍ آخر في حين ألقى المبعوث الأممي بمسؤولية تعطيل التسوية على حركتّي حماس وأنصار الله، فإن إيران حمّلت المسؤولية للدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا. وسواء كان الاتهام لهذا الطرف أو ذاك بالتعطيل، فإن هذا يعني إننا بعد جولة سبتمبر كنّا على وشك التوصّل إلى تسوية لولا السابع من أكتوبر وتوابعه. ويذهب أحد التحليلات في هذا الاتجاه قائلًا إنه كان من المتوقّع الإعلان في ٢٣ نوڤمبر/ت ٢٠٢٣م، عن الاتفاق بمناسبة الذكرى السنوية لمبادرة مجلس التعاون الخليجي لحلّ الأزمة اليمنية عام ٢٠١١م،وأن بنود هذا الاتفاق كانت ستشمل الإنهاء الفوري للقتال وإطلاق المرحلة الأولى من المفاوضات بين الحكومة الشرعية وحركة أنصار الله، والتفاهم على إيداع عوائد النفط والغاز وإيرادات ميناء الحديّدة في حساب مشترك تتولّى إدارته لجنة اقتصادية، ودفع رواتب موظفي القطاع العام تزامنًا مع إصلاح البنية التحتية لموانئ تصدير النفط، فإلى أي مدى كان ذلك ممكنًا في هذا التوقيت؟.

 

في التعليق على التحليل السابق يمكن القول إن اشتباك الحوثيين مع طوفان الأقصى والرد الدولي عليه زادا بالفعل من إضعاف فرص التسوية، لكن هذا لا يعني في الوقت نفسه أن هذه التسوية كانت قاب قوسين أو أدنى من التحقّق بعد جولة المفاوضات الثانية في سبتمبر أما عن مصادر إضعاف فرص التسوية بفعل تطورات طوفان الأقصى فيمكن إجمالها ف ما يلي: تراجع أهمية القضية اليمنية (مثلها في ذلك مثل القضية الأوكرانية ذاتها) على قائمة اهتمامات المجتمع الدولي. وزيادة شعبية الحوثيين لدى قطاعات من الرأي العام العربي ما يدفعهم للتشدّد. وعدم إضعاف الضربات الجوية الأمريكية-البريطانية قوة الحوثيين مما يعزَز أيضًا من تشدّدهم. وأما عن تعذّر التسوية السريعة حتى قبل تطورات طوفان الأقصى فيمكن إجمالها فيما يلي: صعوبة التوافق حول القضايا الأساسية خصوصًا تلك التي تتعلّق بالشرعية (الاعتراف بحكومة أحمد عوض بن مبارك) والسيادة (مقّر البنك المركزي) واستمرار الحوثيين في محاولة التوسّع والتمدّد في مناطق الشرعية والتصعيد العسكري في الداخل. وتعقّد مشكلة الجنوب التي لا يمكن تحقيق السلام في اليمن بدون حلّها، وهذه المشكلة بالتحديد ترتبط بالأوضاع داخل معسكر الشرعية وليس بالحوثيين.

 

وبناء على ما سبق فإن الديناميات الخاصة بالأزمة اليمنية كانت مُحمّلة بأسباب تعطيل التوصّل لاتفاق سهل وسريع بين المملكة العربية السعودية وحركة أنصار الله بعد جولة المفاوضات الثانية وذلك بغض النظر عن عملية طوفان الأقصى، وإن كان شكل الاتفاق الذي يمكن التوصّل إليه في المستقبل لابد سيتأثّر بالوضع السياسي والعسكري للحوثيين بعد وقف إطلاق النار في غزّة. وبالتالي فإذا كان استئناف العلاقات السعودية-الإيرانية قد ساعد على استمرار الهدنة رغم انتهائها رسميًا في نوفمبر ٢٠٢٢م، إلا أن الطرفين الإقليميين لا يمكنهما بالضرورة الضغط لإنجاز اتفاق تسوية، لأن الصراع المسلّح طويل الأمد خلق مصالح للأطراف الداخلية في استمراره، سواء كانت تلك الأطراف هي حركة أنصار الله أو كانت موجودة في داخل معسكر الشرعية.

 

خاتمة:

كشفت الدراسة عن أن التصعيد العسكري للحوثيين في البحر الأحمر لم يكن له أثر كبير على العلاقات السعودية ـ الإيرانية، سواء بذاتها أو فيما يخّص قضية تتعلّق بها في الصميم مثل القضية اليمنية، وذلك لأن هناك مجموعة من العوامل الوسيطة سبق شرحها تحول دون الربط الميكانيكي بين متغيّر التصعيد الحوثي ومتغيّر العلاقات السعودية-الإيرانية. لكن من المهم في نهاية هذه الدراسة التأكيد على أن الطرفين السعودي والإيراني حريصان على التمسّك بالاتفاق، وهو ما يعطي الأمل في إمكانية الانتقال من المحافظة على الشكل إلى تنفيذ المضمون.  

مقالات لنفس الكاتب