array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال قد تغلق منفذ البحر الأحمر وتشعل القرن الإفريقي

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

عادت المدارس الجيوبوليتكية الكلاسيكية الأمريكية والبريطانية إلى الظهور من جديد وبقوة في البحر الأحمر، وفق أطروحاتها القائمة على من يتحكم في البحار والمضائق يتحكم في السيادة العالمية، بعد قرار الحوثيين منع كل سفن الشحن التي تمر عبر باب المندب إلى إسرائيل ردًا على عدوانها على قطاع غزة، كما برز النزاع الدبلوماسي بين إثيوبيا والصومال بعد التوقيع على مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال التي تحصل بموجبه أديس بابا على ممر بحري استراتيجي بطول 20 كلم في مياه خليج عدن وبناء قاعدة عسكرية بحرية واستئجارها لمدة خمسين سنة. فكيف ستؤثر الهجمات الحوثية على أهم ممر حيوي بحري في العالم؟ وما هو مستقبل الأمن البحري في البحر الأحمر بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن عملية حارس الازدهار؟ وكيف يمكن للاتحاد الإفريقي أن يواجه نزاع جيوبوليتيكي بين إثيوبيا والصومال على ضفاف خليج عدن؟

 

أولًا: تأثيرات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر.

تقديرات البنتاغون في الفترة ما بين 19 نوفمبر 2023 إلى 31 يناير 2024م، تشير إلى خمسة وثلاثين هجومًا مسلحًا قامت به جماعة الحوثيين بالصواريخ والمسيرات ضد السفن البحرية في البحر الأحمر وفي خليج عدن، مما أدى إلى حالة اضطرابات شديدة في منطقة حساسة حيث تشهد عبور ما يقارب 12 % من التجارة العالمية.

وكل المؤشرات تشير إلى التأثيرات الثقيلة لتهديدات الحوثيين على عمليات الشحن البحري والنقل الطاقوي في البحر الأحمر، وفق تقرير لصندوق النقد الدولي، فإن النقل البحري للحاويات عبر البحر الأحمر تراجع بنسبة 30 % في سنة 2023م، بسبب تضاعف الهجومات الحوثية على الناقلات البحرية على طول الحدود البحرية لليمن، مع تراجع معتبر للتجارة عبر الحاويات في بداية سنة 2024م. وفي نفس الاتجاه، أكدت منصة الموانئ لصندوق النقد الدولي بأن حجم العبور عبر قناة السويس الذي يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، انخفض بنسبة 37 % في الفترة ما بين أول يناير إلى 16 يناير 2024م، مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023م.

والملاحظ أن النقطة القصوى لتأثير الهجمات الحوثية على حركة سفن الشحن في البحر الأحمر، التي أدت إلى الارتباك الشديد، ترجع إلى 19 نوفمبر 2023م، بعد الهجوم على سفينة جالاكسي ليدر، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، حيث اقتحمها الحوثيون واحتجزوا أفراد الطاقم البالغ عددهم 25 كرهائن، مما أدى إلى تراجع حركة نقل الحاويات بما يقارب 70 %. وربطت جماعة الحوثيين هذه الهجمات في إطار التضامن مع الشعب الفلسطيني على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، وهي بذلك تبحث عن تعزيز رأسمالها الرمزي لبسط سيطرتها على الواجهة البحرية اليمنية الحيوية عبر خليج عدن، باب المندب والبحر الأحمر.

ومن الانعكاسات البارزة لهجومات الحوثيين على النشاط التجاري البحري، لجوء أهم شركات الشحن العالمية إلى تغيير المسار البحري من باب المندب وقناة السويس إلى الطريق التقليدي عبر رأس الرجاء الصالح قبل إنشاء قناة السويس، حيث تعد هذه الأخيرة أقصر الممرات البحرية بين آسيا وأوروبا، ومن بين أهم شركات الشحن التي غيرت مساراتها أو تعليق مرورها في البحر الأحمر مؤقتًا، أربع شركات أوروبية تشكل نحو 54% من إجمالي التجارة العالمية، وهي "ميرسك الدنماركية، و"هاباغ لويد الألمانية، و" سي إم إيه سي جي" إم الفرنسية، و "إم إس سي" السويسرية.

تغيير المسار البحري يكلف خسائر إضافية في عمليات الشحن البحري من حيث القيمة المالية وقيمة عامل الوقت، فالشحنة البحرية من آسيا إلى أوروبا يمكن أن تضيف حوالي 9 أيام إلى الرحلة التي تستغرق عادة 18 يوما إلى أوروبا. ولتبسيط أهمية قصر المسافة وربح الوقت عبر باب المندب وقناة السويس، من باب الوقت هو المال، فإن المتخصصين في هذا المجال يقدمون نموذجًا لسفينة شحن تنطلق من ميناء تايوان باتجاه ميناء روتردام بهولندا، في حالة اتخاذها مسار قناة السويس فإنها تستغرق 25 يومًا لمسافة 10 آلاف ميل بحري. أما في حالة اضطرارها لسلك المسار البحري عبر الرجاء الصالح عبر جنوب إفريقيا فإنها ستقطع 13500 ميل بحري وتستغرق 34 يومًا، أي بزيادة 9 أيام.

يضاف إلى تكلفة النقل الارتفاع الكبير في تأمين الشحنات، نشير هنا إلى بعض المؤشرات التي تؤكد تأثيرات الهجمات الحوثية على الأمن البحري، حسب الموقع المتخصص في أخبار النقل اللوجستيكي، فإنه ابتداء من 15 يناير2024م، تزايدت أسعار نقل حاوية من الموانئ الآسيوية، بما في ذلك اليابان وجنوب شرق آسيا وبنغلاديش إلى دول المنطقة المتوسطية، من 2000 دولار إلى 3500 دولار إلى غرب البحر الأبيض المتوسط ​​ومن 2100 دولار إلى 3600 دولار إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، أي 1500 دولار أكثر مما كانت عليه في اليوم الأول من العام. ويشير مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات، الذي يقيس تكلفة حاوية بطول 20 قدمًا يتم شحنها من شنغهاي إلى أوروبا قد وصل إلى 3101 دولار لكل حاوية، مما يؤشر على زيادة بنسبة 310 % مقارنة ببداية نوفمبر 2023م.

كما أثرت الهجومات الحوثية على الأمن الطاقوي بتهديد ناقلات النفط والغاز، لأن البحر الأحمر يعد طريقًا حيويًا لتدفق الطاقة، حيث تعبر ناقلات النفط التي تحمل ما بين 8 إلى 10 % من النفط العالمي، وما يصل إلى 8 % من الغاز الطبيعي المسال سنويًا، وقد سارعت شركة بريتش بتروليوم إلى التعليق المؤقت لجميع حركة ناقلاتها عبر البحر الأحمر حفاظًا على سلامة وأمن موظفيها كما جاء في بيانها الرسمي. وبعد الضربات الجوية للقوات الأمريكية-البريطانية ضد مواقع الحوثيين في اليمن في منتصف يناير 2024م، توقفت شركة قطر للطاقة، ثاني أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، عن إرسال ناقلاتها عبر البحر الأحمر، متخذة من طريق الرجاء الصالح بديلًا في غياب الأمن البحري في المنطقة. كما حولت شركة النفط والغاز النرويجية "إكوينور" سفنها التي تحمل النفط والغاز المسال مسارها عن البحر الأحمر، مثلها مثل شركة ناقلات النفط البلجيكية "يوروناف" التي أكدت تغيير المسار إلى حالة استباب الأمن البحري في المنطقة.

استمرار التصعيد المسلح بين الحوثيين والتحالف الأمريكي-البريطاني وخيارات المواجهة المسلحة أدى بالمنتدى الدولي للتفاوض إلى تصنيف جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب كمنطقة عالية المخاطر، وبالتالي فإن البحارة، الذين تغطي اتفاقيات المنتدى الدولي للتفاوض عقودهم، سيحصلون على مكافأة تعادل راتبهم الأساسي طوال مدة العبور وتعويض مزدوج في حالة الوفاة أو العجز. فضلًا عن إلزام الاتحاد الدولي للسفن كل السفن العابرة من باب المندب اتخاذ تدابير أمنية إلزامية من المستوى الثالث، أي التهديد الاستثنائي، الذي يعني حادث أمني محتمل أو وشيك من المدونة الدولية لأمن السفن ومرافق الموانئ، وهي كلها أعباء وتكاليف مالية وبشرية لا تطيقها شركات الشحن أو ناقلات النفط والغاز في ظل استمرار الأوضاع وإطالة عمر النزاع المسلح في البحر الأحمر.

ثانيًا: البحر الأحمر والقرن الإفريقي: تحول جيوسياسي دائم

إلى جانب التصعيد المسلح بين الحوثيين والدول الغربية في المنطقة الجنوبية للبحر الأحمر وتأثيراتها على الأمن البحري والطاقوي العالمي، فإن النزاع الدبلوماسي والسياسي بين إثيوبيا والصومال على ضوء مذكرة التفاهم بين أديس بابا وإقليم أرض الصومال، الموقعة بتاريخ أول يناير 2024م، قد عمق من حالة اللاستقرار الأمني في منطقة جغرافية يمكن أن تؤدي إلى غلق كل المنفذ البحري من خليج عدن وباب المندب وتشعل منطقة القرن الإفريقي الضيقة، الممتدة بين الصومال، إرتيريا جيبوتي وإثيوبيا، أو القرن الإفريقي الموسع الممتد إلى غاية كينيا جنوب السودان، السودان وأوغندا. قد تبرز النزاعات المجمدة أصلًا والعودة إلى حالة الصوملة المنقسمة على مناطق هشة مثل أرض الصومال وأرض بونت، وتصاعد النزاع في إثيوبيا مع حركات انفصال التيغراي، وإحياء النزاع المتجذر بين إثيوبيا والصومال حول أوجادين أين يقطنها صوماليون لكن تابعين لإثيوبيا، وتحريك النزاع البحري بين الصومال وكينيا في منطقة بحرية غنية بالموارد الطاقوية.

إن الاتفاق الذي أبرمه رئيس الوزراء الإثيوبي، أحمد آبي، مع رئيس إقليم أرض الصومال، موسى بيحي عبدي، باستئجار 20 كلم مربع من الأراضي الساحلية حول ميناء بربرة على خليج عدن في مدخل باب المندب لمدة 50 سنة من أجل تعزيز ما سمته إثيوبيا بالشراكة الأمنية، يحقق أحلام الطرفين على حساب السيادة الإقليمية للصومال، فإقليم أرض الصومال يبحث من خلال مذكرة التفاهم مع إثيوبيا فضلًا عن الاعتراف الدولي بالإقليم الانفصالي، شرعنة النظام السياسي واستمرارية سلطته في ظل الشرعية الهشة بعد سخط المعارضة بسبب تأجيل الانتخابات الرئاسية وتمديد تاريخها لفترة سنتين تنتهي في سنة 2024م، من جهة، ومواجهة الاضطرابات الأمنية الناتجة عن المطالب الانفصالية لعشائر إقليم صول، من جهة أخرى، الذي يعد ثاني أكبر إقليم في أرض الصومال، التي تسعى إلى قيام إقليم مستقل تابع للصومال، لأن الدوافع نفسها التي عززت انفصال أرض الصومال عن جمهورية الصومال تتكرر مع عشيرة "دولبهنتي" التي انتفضت ضد ما تسميه باحتكار السلطة والثروة لعشيرة "آل إسحاق". وهي ورقة استراتيجية بيد مقديشيو يمكن الضغط بها على النخبة الانفصالية في أرض الصومال. كما يمثل الاتفاق مع إثيوبيا محاولة لبناء مشروعية من خلال البحث عن الثروة لتجاوز حالة الفقر المنتشرة في الإقليم باستغلال المجال البحري الحيوي، حيث سبق وأن عقد أكبر صفقة مع مؤسسة ميناء دبي العالمية في سنة 2017م، تتضمن تحديث وتوسيع ميناء بربرة، عاصمتها الاقتصادية أين دشنت المنطقة التجارية في مارس 2023م. كما استغلت الاكتشافات النفطية بالقرب من الحدود الإثيوبية بالشراكة مع شركة جينال للطاقة البريطانية.

بالنسبة لإثيوبيا، فإنها تبحث دوما عن الوصول إلى الممرات البحرية باتجاه البحر الأحمر وقناة السويس، بسبب موقعها الجغرافي الذي يحبسها في اليابسة، وقد كرس رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، مقولة المجال الحيوي في خطابه أمام البرلمان بتاريخ 13 أكتوبر 2023م، بقوله:" الحصول على منفذ بحري قضية حياة أو موت لإثيوبيا، وسنحصل على هذا الحق بالقوة أو بغيرها"، لأن في النهاية الجيوبولتيكا تلوي عنق حتى دعاة السلام، باعتباره حاصلًا على جائزة نوبل للسلام سنة 2019م، لمساهمته في تسوية النزاع المسلح مع إيريتريا. إن الاتفاق الذي أبرمه آبي أحمد، الذي صوره بالتاريخي، يمنح لإثيوبيا هذا الحق على المنفذ البحري من أجل تعزيز ما سمته إثيوبيا بالشراكة الأمنية، الاقتصادية والسياسية، مع إقامة قاعدة عسكرية بحرية. وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل الاستقرار السياسي والأمن البحري في الضفة الإفريقية للبحر الأحمر وعلى الساحل الجنوبي لخليج عدن مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس. عقدة إثيوبيا الجيوبوليتكية أنها لم تستطع بناء شراكات أمنية واستراتيجية مستقرة مع الدول المشاطئة للبحر الأحمر، فبعد استقلال إريتريا سنة 1993م، بعد نزاع مسلح طويل معها تم تجريدها من المنفذ البحري على البحر الأحمر، كما أنها لم تحافظ على شراكة استراتيجية ثابتة مع أسمرة بعد منحها الاستفادة من ميناء بحري بسبب العودة إلى النزاع المسلح ما بين 1988-2000م، ووجدت في جيبوتي المنفذ المؤقت لتبادلاتها التجارية، وعينها على المنفذ البحري الصومالي، لأنها سبق وأن استحوذت على 19 % من ميناء بربرة في عام 2018م، بالشراكة مع شركة موانئ دبي العالمية التي تملك 51 % بينما تمتلك أرض الصومال النسبة المتبقية 30 %.

تشكل مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال تحدي أمني لدولة الصومال التي تعتبر الإقليم ولاية تابعة لها، وقد اتخذت جملة من الإجراءات القانونية والسياسية قبل التلويح باستخدام كل الخيارات لضم الإقليم الذي أعلن انفصاله سنة 1991م. فمن بين الإجراءات المتخذة، توقيع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، على قانون إلغاء الاتفاقية كرسالة لكل من يريد الغزو البري، البحري والجوي للشعب الصومالي، على حد الخطاب الرسمي الصومالي. كما قامت باستدعاء سفيرها لدى إثيوبيا تنديدًا بالموقف الإثيوبي. وفي إطار الضغوطات التي يمكن أن تلجأ إليها الصومال إلى جانب الضغط القانوني والدبلوماسي، فإنها قد تعقد شراكات أمنية في إطار لعبة التوازنات والأحلاف العسكرية الإقليمية، خصوصًا وأن البيئة السياسية الإفريقية تميل لصالحها على الأقل من حيث التأييد الدبلوماسي، التي تؤيد الوحدة والسيادة الإقليمية للصومال مع دعوة الهيئة الحكومية لتنمية شرق إفريقيا "الإيغاد" إلى التوصل إلى حل ودي وسلمي بين الدولتين العضوين في المنظمة الجهوية. ولعله من أكبر المخاطر في حالة تصعيد النزاع في المنطقة العودة إلى صعود الجماعات الإرهابية التي تستفيد من حالات هشاشة الدولة في القرن الإفريقي وتزايد النزاعات الحدودية اللامتناهية، وهو ما يشير إليه معظم المراقبون للمنطقة، مثل ما أشار إليه، مايك هامر، المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي، حيث أكد في اجتماع للإيغاد حول النزاع الإثيوبي-الصومالي بقوله:" إن مذكرة التفاهم تهدد بمزيد من التقويض للأمن الإقليمي وإن حركة الشباب الصومالية تستخدمها كسلاح، وهناك مؤشرات لتجنيد مقاتلين جدد". والملاحظ في هذا الصدد، أن النزاع المجمد بين حركة الشباب الصومالي وإثيوبيا لا تزال تختزن الكثير من الأحقاد التاريخية بسبب الدور الذي لعبته إثيوبيا في الإطاحة بالمحاكم الإسلامية في الصومال بعد تدخلها المباشر في مقديشو ما بين 2006 و2009م، وتنتشر حركة الشباب في الحدود الصومالية الإثيوبية الواسعة التي تستغل فيها الغالبية من الصوماليين المسلمين والأورومو التي تسعى للانفصال عن إثيوبيا. وأي تصاعد للنزاع بين إثيوبيا والصومال بعد مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال، ستستفيد منه حتما حركة الشباب المجاهدين التي تشكل فرع تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، وتقوض كل الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين دول الجوار لإيجاد آليات للتنسيق الأمني في مكافحة التهديدات الإرهابية، ونذكر هنا على سبيل المثال من بين مخرجات القمة التشاورية المنعقدة بالصومال بتاريخ الأول من فبراير 2023م، بحضور رؤساء الصومال، كينيا، جيبوتي وإثيوبيا، الاتفاق على تدشين آلية مشتركة لمنع التهديدات العابرة للحدود، إطلاق حملة عسكرية بمشاركة قوات الدول الأربعة لملاحقة حركة الشباب الإرهابية. ومن بين الاحتمالات الأكثر ورودًا أنه سيتم التحالف بين الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة على ضفاف خليج عدن وباب المندب، إذ تم التأكيد فعليا على عودة أعمال القرصنة في منطقة القرن الإفريقي بشكل ملفت للانتباه، كما يشير إلى ذلك المعهد الملكي للخدمات المتحدة الذي لاحظ تصاعد أعمال القرصنة خلال الثلاثة أشهر الأخيرة لسنة 2023م، بشكل لم تشهده المنطقة منذ 6 سنوات سابقة، ومن بين الدوافع المحركة لذلك البحث عن الفدية وتحويل السفن. وهي الوضعية التي أدت في السابق ولا تزال آثارها حاضرة معنا إلى عسكرة إقليمية ودولية للبحر الأحمر، حيث قام القراصنة الصوماليون في سنة 2011م، بشن 212 هجومًا مما أدى إلى تدويل القضية على مستوى مجلس الأمن الدولي، الذي أصدر سبعة قرارات في الفترة ما بين 2010 و2022م، استدعت التواجد العسكري الأجنبي لحماية الناقلات البحرية على غرار عملية أتلانتا للقوات البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة القرصنة البحرية. وأثبتت التجربة في محاربة القرصنة البحرية أن القدرات العسكرية الضخمة أضحت عاجزة عن مواجهتها في غياب بناء الاستقرار السياسي والأمني في دول منطقة القرن الإفريقي، فتقديرات شركة الأمن البحري درياد غلوبال، لا تزال تصنف الشحن من ساحل القرن الإفريقي إلى ساحل الهند باعتبارها منطقة عالية المخاطر رغم انتشار قوات عسكرية بحرية لخمسة وعشرين دولة.

ثالثًا، من أجل الأمن البحري في البحر الأحمر والخيارات البديلة

في إطار ترابط النزاعات بين الضفة الآسيوية والضفة الإفريقية للمنفذ الجنوبي للبحر الأحمر، فإن التهديدات الحوثية من جهة، وعودة القرصنة والتهديدات الإرهابية في القرن الإفريقي يختبر من جديد قدرة التدخلات العسكرية للقوى الدولية في البحر الأحمر، لا سيما العملية المتعددة الجنسيات "حارس الازدهار" التي أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية، بتاريخ 12 ديسمبر 2023م، على تأمين الملاحة وحماية السفن التجارية وناقلات النفط، خصوصًا في ظل الرؤى الاستراتيجية المتناقضة بين واشنطن والعواصم الأوروبية الفاعلة، باريس، مدريد، روما وبرلين، التي تصر على فصل مهامها في إطار العملية الأوروبية "أتلانتا" عن عملية "حارس الازدهار"، التي ترى فيها تهديدًا لمصالحها الحيوية في البحر الأحمر في حالة التصعيد العسكري ضد الحوثيين في اليمن التي قد تدعم قوى غير نظامية في المنطقة لتحريك وتعبئة قدراتها لمواجهة التواجد العسكري الأوروبي في البحر الأحمر. التفاؤل الأمريكي يتحدث عن نتائج إيجابية ما بين تاريخ إنشاء قوات "حارس الازدهار" إلى غاية الرابع من يناير 2024م، استطاعت أن تضمن أمن 1500 سفينة تجارية عبرت البحر الأحمر، لكن بدون ربطها بجوهر النزاع المرتبط بما يجري من العدوان الإسرائيلي الذي يلقى دعمًا دبلوماسيًا، عسكريًا أمريكيًا على غزة التي تعد دينامو التصعيد في منطقة البحر الأحمر، بالنسبة للحوثيين. وقد تقوض كل المسارات التفاوضية لإيجاد حلًا نهائيًا للنزاع اليمني خصوصًا بعد الدور الدبلوماسي الصيني الذي توصل إلى تقارب بين فاعلين أساسيين في المنطقة الرياض وطهران، لما لهذه الأخيرة من تأثير ونفوذ على مجموع التنظيمات الغير نظامية في المنطقة العربية.

أما بالنسبة للجهة الإفريقية من باب المندب، فإن الاتحاد الإفريقي يجد نفسه في إدارة النزاع الإثيوبي-الصومالي متأرجحًا بين بالمبادئ والواقعية السياسية التي تفرضها المجالات والمنافذ البحرية، فمن جهة، يتمسك الاتحاد بالميثاق التأسيسي الذي يكرس مبدأ قدسية الحدود الموروثة عن استقلال الدول الإفريقية، وهو ما بادر به رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي في بيان طالب فيه بضرورة احترام الوحدة والسلامة الإقليمية والسيادة الكاملة لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بما في ذلك الصومال وإثيوبيا، وطالب بنهج سياسة التهدئة والتفاوض بين البلدين. كما حاول مجلس السلم والأمن الإفريقي تطويق النزاع في اجتماع طارئ بتاريخ 17 يناير 2024م، بعد الاستماع إلى الطرفين المتنازعين وطالب بضبط النفس والحوار الهادف لتسوية سلمية للنزاع. إلا أن الموقف الصومالي بقي متشبثًا بموقفه القائم على رفض أية مفاوضات أو وساطات قبل انسحاب إثيوبيا من مذكرة التفاهم غير القانونية. وتوجهت الصومال بتاريخ 23 يناير 2024م، برسالة إلى مجلس الأمن الدولي، تحتج على مذكرة التفاهم التي اعتبرتها تهدد سيادة الصومال وسلامته الإقليمية. بينما رفضت إثيوبيا أي نقاش للقضية بمجلس الأمن الدولي وطالبت بالحوار في إطار مجلس السلم والأمن الإفريقي. من الصعب على الاتحاد الإفريقي أن يجد حلًا وتسوية نهائية للقضية إلا بتنازلات محتملة يمكن أن تقدم عليها إثيوبيا بإلغاء مذكرة التفاهم تجنبًا لأي تصعيد تبحث عنه أرض الصومال من خلال الاعتراف الدولي بإقليمها.

من السيناريوهات القليلة الاحتمال والأكثر تأثيرًا في اتجاهاتها الإيجابية أن يلجأ الطرفان إلى الوساطة الدولية، ونتصور هنا إعادة محاكاة سيناريو اتفاق الجزائر في النزاع الإثيوبي-الإرتيري، بحيث تملك الجزائر بعض الخبرة في الوساطات الإفريقية خصوصًا في هذه الفترة التي تمثل القارة الإفريقية والمجموعة العربية في مجلس الأمن الدولي، لاسيما وأن الصومال قد لجأ بالشكوى إلى مجلس الأمن الدولي، ونجاح هذا السيناريو يكون بشرط أساسي، أن يتقلد رئيس الوزراء الإثيوبي، أحمد آبي، وسام نوبل للسلام ويتخلى عن المصالح الجيوبوليتكية التي تهدف إلى تحقيق المصالح الحيوية ولو بالقوة.

مقالات لنفس الكاتب