array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

ضرورة تفعيل الاتحاد الإفريقي وتأسيس "هيئة إقليمية للقرن الإفريقي" ومبادرة أمنية

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

تتسابق القوى الدولية لتأمين وجودها في الخليج والقرن الإفريقي، وتأكيد نفوذها العسكري بهذه المنطقة الاستراتيجية بنشر قواعدها العسكرية هناك. ويشير ذلك إلى تنامي التهديدات الأمنية بالمنطقة، وضعف الأمن الإقليمي الذي يرتهن بالتواجد العسكري الأجنبي في ظل التنافس بين أطرافه. وتشهد منطقة جنوب البحر الأحمر واليمن تطورات خطيرة ومتسارعة، تهدد أمن الملاحة في البحر الأحمر إثر تصاعد العمليات العسكرية في المنطقة. ومع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وشن غارات جوية أمريكية داخل الأراضي اليمنية، تتزايد حدة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة. مما ينذر باتساع رقعة الصراع، وتفاقم المخاطر في تهديد السلم والأمن الدوليين، وإعادة ترتيب التوازنات الدولية.

مخاطر الصراعات العسكرية في المنطقة

يؤثر إقليم القرن الإفريقي في القوى العالمية بما ينطوي عليه من خصائص جاذبة، مما يجعله موضع استقطاب للعديد من القوى، سواء كانت من داخل الإقليم أو من خارجه. وتعتبر المنطقة منفذًا بحريًا مُهِمًّا باعتبارها من أهم الممرات والمنافذ النفطية المتجهة نحو أوروبا على مستوى العالم. من خلال ذلك تتحكم دُوَلُهُ في طريق ومحور التجارة العالمية، كما تُعَدُّ من أهم المناطق الغنية لما تحتويه من ثروات النفط والغاز والذهب، فضلًا عن معادن اليورانيوم والكوبالت اللازمة لصناعات حرجة.

حظيت المنطقة باهتمام مجموعة من القوى الدولية كالولايات المتحدة وروسيا والصين لما تمثله من عمق استراتيجي ومنبع ثرواتٍ ضخم يجعلها من أبرز المناطق أهمية على مستوى العالم. فهي تُعتبَرُ المعبر والشريان الرئيس للتجارة الدولية من باب المندب وصولاً للبجر الأحمر، ويعبُرُ خلالها نحو 30% من حمولات النفط الخليجي إلى العالم. وتُعَدُّ أحَدَ الممرات الحيوية للتحركات العسكرية لبعض القوى الكبرى المتجهة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وشبه القارة الهندية. وساهم ذلك في اشتداد التنافس الدولي والإقليمي للحصول على موقع نفوذ هناك. وهكذا غَدَت المنطقة مسرحاً لقوى خارجية لتؤكد وجودها من خلال آليات عسكرية واقتصادية، وساحة للسباق من أجل إنشاء قواعد عسكرية عديدة في المواقع الاستراتيجية القريبة من مناطق الاضطرابات بالشرق الأوسط وإفريقيا. وتسعى تلك القوى إلى تحقيق مكاسب الريادة الإقليمية وتأمين مصالحها الاستراتيجية والتضييق على منافسيها.

الدور الأمريكي في المنطقة

يوجد في جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالقارة، وبلغ تعداد قواتها ما يقارب من أربعة آلاف جندي ومهمتها مراقبة المجال الجوي والبحري والبري للسودان وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا واليمن، للحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي وحماية مصالح الأمن القومي الأمريكي. وتقوم بأدوار أمنية وعسكرية حساسة لمكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا واليمن، وتُعوِّل على إعادة تشكيل منطقة القرن الإفريقي وتوظيف أحداث باب المندب لتغليب مصالحها، وتحجيم أي نفوذ روسي أو صيني، إضافة إلى التركيز على تحسين قدرات الجيوش المحلية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومراقبة تدفقات الأموال وتحركات الأفراد. وهناك قواعد عسكرية أمريكية أخرى في إريتريا وجيبوتي وأوغندا وكينيا.

ولأمريكا قاعدة جويّة في الصومال، كما تحدثت مصادر عن وجود قواعد عسكرية سرية لها بالقرن الإفريقي وما حولها، وعن وجود قاعدتين بحريتين في كينيا. وفي إثيوبيا توجد قاعدة جوية للمُسيَّرات مهمتها الاستطلاع والتجسّس في شرق إفريقيا. وتحسباً لإغلاق مضيق باب المندب من قِبَل إيران والجماعات الموالية لها في المنطقة مع تطور الحرب في غزة، تحركت قوات وسفن للأسطول الخامس التابع للبحرية الأمريكية، إلى منطقة عمليات تشمل الخليج العربي وخليج عُمان والبحر الأحمر، وأجزاء من المحيط الهندي و3 نقاط حرجة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب.

حضور القوى الأخرى في المنطقة

تحتفظ فرنسا بأكبر قاعدة عسكرية أجنبية لها خارج حدودها في جيبوتي. وينتشر نحو 1500 جندي في القاعدة ويقومون بمهام مكافحة الإرهاب وحراسة الممرات البحرية القريبة، ومنها تأمين الحركة التجارية عبر مضيق باب المندب وحماية جيبوتي وتدريب القوات المحلية والتنسيق والدعم اللوجيستي للبعثات الأممية والفرنسية بالمنطقة. وتسعى بريطانيا إلى إقامة قاعدة في دويلة أرض الصومال، وهناك قاعدة بريطانية في منطقة "بيدوا" يتمّ فيها تدريب القوات الصومالية. وتسعى روسيا للعودة إلى القرن الإفريقي، عبر البوابة الإريترية. حيث وقّعت مع إريتريا، في يناير 2023م، مذكرة تفاهم تتيح استغلال ميناء "مصوع" الإريتري تمهيدًا لإقامة قاعدة عسكرية روسية جديدة في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب. واليابان لها قاعدة لقوات الدفاع الذاتي في جيبوتي. وتُعَدُّ القاعدةُ العسكرية التي أنشأتها تركيا في الصومال أكبر قاعدة عسكرية تركية في العالم، للتواجد في القرن الإفريقي وممر البحر الأحمر التجاري، ومضيق باب المندب.

التنافس الأمريكي / الصيني في القرن الإفريقي

تهيئ التحولات الدولية لتوازنات جديدة وانتقال إلى: "عالم ما بعد أمريكا" وفق تعددية قطبية وصعود قوى دولية أخرى أبرزها الصين. ويرى صانع القرار الأمريكي في الصعود الصيني إلى جانب روسيا وكوريا الشمالية وإيران أبرز تهديد أمني واقتصادي للازدهار الأمريكي. وتتبنى الصين مبادرة الحزام والطريق، وتستثمر مليارات الدولارات لتشييد منشآت وموانئ وطرق من الصين عبر آسيا الوسطى إلى شرق إفريقيا فأوروبا، حيث تعد منطقة شرق إفريقيا منطقة استراتيجية ومعبرًا محوريًا للحزام والطريق، كما تتمتع في ظلها جيبوتي بموقع وسيط في طريق الحرير البحري نحو القارة وأوروبا.

وفي المجال العسكري، أسست الصين أول قاعدة عسكرية خارجية بجيبوتي بهدف مكافحة عمليات القرصنة في منطقة القرن الإفريقي، وتقديم المساعدة في إعادة تموين القوات التي تنفذ مهام حربية وإنسانية أو مهام حفظ السلام، وسط مخاوف أمريكية من أهدافها غير المعلنة. وهي ترمي للدعم اللوجيستي للأسطول الصيني، وجمع المعلومات الاستخباراتية وعمليات الإجلاء غير القتالي ومكافحة القرصنة وضمان أمن باب المندب. وتسعى الصين لتعزيز حضورها بالمنطقة، وفق خطتها الاستراتيجية: "صعود الصين السلمي"، ورؤيتها لإقامة مبادرة الحزام والطريق، وارتباطها بالموقع الاستراتيجي لشرق إفريقيا.

استراتيجية النفوذ الإسرائيلي

راهنت إسرائيل على حضورها في منطقة القرن الإفريقي كاستراتيجية للأمن القومي الإسرائيلي. وسعت إلى تحقيق اختراق بمنطقة شرق إفريقيا وتحسين علاقاتها الإفريقية، لكسب أصواتها بالمنظمات الدولية وكسر الحصار والعزلة المفروضة عليها إقليميًا. استغلت إسرائيل علاقاتها المتميزة مع دول كينيا وأوغندا وإثيوبيا لحصار الدول العربية، وتأمين طريق الملاحة الجوية إلى الشرق الأقصى وجنوب إفريقيا. واستطاعت عقد اتفاقيات عسكرية أبرزها التعاون العسكري مع إريتريا وحصلت على قاعدة عسكرية لمراقبة الملاحة بباب المندب ومراقبة الأنشطة الإيرانية والخليجية وحماية المصالح الإسرائيلية. أسست إسرائيل وجوداً عسكرياً وأمنياً في تلك المنطقة، كما طورت علاقاتها السياسية مع بعض الأنظمة وخاصة النظام الإريتري والأوغندي. وفي 2016م، أنشأت سراً قاعدة استخبارات إلكترونية متقدمة في إريتريا لمراقبة مضيق باب المندب الاستراتيجي.

التنافس الخليجي-الإيراني

إن الهدف من تحرك القوى تجاه المنطقة هو السيطرة على الموارد، وترتبط التحركات الخليجية بمبررات حماية المصالح الخليجية بالمنطقة في ظل تحركات الاستقطاب الخليجية-الإيرانية. وتتزايد المخاوف الخليجية من سيطرة الحوثيين على باب المندب، ويرمي النزاع الخليجي مع إيران إلى تقليص حضورها، وتحاول إيران في المقابل تعزيز وجودها بالمنطقة. لقد راهنت إيران على محاولات الانفتاح على منطقة شرق إفريقيا في إطار استراتيجيتها لتجاوز الحصار المفروض عليها إقليميا. كانت منطقة شرق إفريقيا متنفسا لطهران بعيدا عن أزمات الشرق الأوسط، وترتكز استراتيجية التوجه الإفريقي للسياسة الخارجية الإيرانية على الاهتمام بالمنطقة باعتبارها المعبر الرئيسي لتأمين انفتاحها، وتعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية خارج محيطها الإقليمي. بالمقابل، سعت القوى الإقليمية الخليجية لتعزيز وجودها بمنطقة القرن الإفريقي، وتوقيع اتفاقيات للتعاون العسكري تُوِّجَت بإنشاء قواعد عسكرية خليجية بالمنطقة. وتَعتبر السعودية حضورها المتصاعد بالقرن الإفريقي فرصة لتقليص النفوذ الإيراني هناك.

وتنشد إيران بسط نفوذها على باب المندب عن طريق دعمها للحوثيين، الأمر الذي يضعها موضع الاتهام بنقل صراعاتها مع دول الخليج إلى مضيق باب المندب بعد الهيمنة على مضيق هرمز. وفي أكتوبر 2023م، تم إطلاق سلسلة من المُسَيَّرات الهجومية وصواريخ كروز بعيدة المدى من اليمن، قيل إنها كانت متجهة إلى إسرائيل واعترضتها مدمرة أمريكية فوق البحر الأحمر. ولاحقاً هددت جماعة الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية التي تعبر باب المندب في حال تواصل القصف على قطاع غزة.

تداعيات توسيع القواعد العسكرية الأجنبية

جلب انتشار القواعد العسكرية الأجنبية في القرن الإفريقي آثارًا إيجابية وأخرى سلبية على دول المنطقة. ففي الجانب الإيجابي ثمة فوائد اقتصادية للدول المضيفة من خلال تأجير القواعد العسكرية والموانئ والمطارات. تؤجر جيبوتي وحدها قواعد عسكرية لأكثر من 6 قوى أجنبية، كما تتحصل دول مضيفة على مبالغ مجزية من العملة الصعبة مقابل التأجير، وتتوفر لها فرص لتحقيق مصالحها الوطنية الاستراتيجية. كما ساعد وصول الجيوش الأجنبية في حماية خطوط التجارة الساحلية من القرصنة والسطو المسلح والهجمات الإرهابية، وتمكين دول القرن الإفريقي من تعزيز قدرة قواتها البحرية.

ومن ناحية أخرى، فمن شأن توسيع القواعد العسكرية الأجنبية أن يجلب آثارًا سلبية هائلة على المنطقة. ومنها إمكانية نشوب حروب بالوكالة بين القوى الإقليمية والعالمية المتنافسة، وتنافر القوى السياسية المحلية، وإعاقة التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي وإقصاء مصلحة الشعوب. وهناك أمثلة على تجاوز القوى الأجنبية أهداف السياسة الاستراتيجية للدول المضيفة، وتوظيف المساعدات الإنسانية والتنموية والتعاون العسكري والدعم الفني لتعزيز مصالحها. وتميل بعض هذه القوى إلى إثارة عدم الاستقرار في الدول المضيفة من أجل تغيير الأنظمة وخلخلة الوضع الراهن أو إلى تأجيج الخلاف بين الجهات السياسية الفاعلة والتأثير عليها لحملها على الوقوف ضد مصالح منافسيها. ويرتبط توسيع القواعد العسكرية الأجنبية بدعم الرعاة الأجانب للعملاء الاستبداديين وعرقلة التغيير الاجتماعي الداعي للديمقراطية بما يفاقم التوتر العرقي، وأزمة الشرعية، وتوتر العلاقات بين الدولة والمجتمع. كما يفتح ذلك أيضًا المجال للتجارة المسلحة غير القانونية إذ تقوم الجهات الفاعلة بالإمداد بالأسلحة والتكنولوجيا العسكرية لصالح الفرق المتخاصمة في الدول غير المستقرة في القرن الإفريقي. وهكذا يمتد أجل الصراعات العنيفة مما يشكل إخفاقًا لتطلعات إفريقيا إلى السلام والتنمية والأمن.

اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال، يشعل فتيل التوتر بالقرن الإفريقي

في تهديد صريح من رئيس الوزراء الإثيوبي أكد أن الحصول على منفذ بحري يمثل قضية حياة أو موت لبلاده، وأنها ستحصل على هذا الحق بالقوة أو بغيرها، مما أثار توتر العلاقات مع جيران بلاده الساحليين في القرن الإفريقي. وجرى الإعلان عن توقيع اتفاق عن تأجير دويلة أرض الصومال لإثيوبيا شريطًا ساحليًا بطول 20 كيلومترًا لمدة 50 عامًا، ويضمن الاتفاق لإثيوبيا وصول قواتها البحرية إلى البحر، مقابل الاعتراف الرسمي بدويلة أرض الصومال. كما تطمع دويلة أرض الصومال أيضاً في حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، مما يشكل لها فرصة اقتصادية مهمة.

تتابعت الردود من جيبوتي والصومال وإريتريا -جيران إثيوبيا الساحليين -كما تحدثت تقارير عن حشود عسكرية على الحدود الإريترية / الإثيوبية، مما أدى إلى تصاعد المخاوف من اندلاع نزاع مسلح من الطرفين. ويبدو أن طبيعة الدوافع الإثيوبية تتعدى الدواعي الاقتصادية إلى أبعاد جيوسياسية وأمنية، ولا تريد أن تبقى سلبية إزاء التهديدات الأمنية الكبيرة التي يشهدها البحر الأحمر. وتمثل دويلة أرض الصومال على خليج عدن قريبًا من باب المندب موقعًا استراتيجيًا جاذباً للعديد من القوى، للاستفادة من القرن الإفريقي وموانئه. فقد اتفقت الإمارات العربية المتحدة مع دويلة أرض الصومال لتشغيل مركز تجاري ولوجستي إقليمي في ميناء مدينة بربرة التجارية. ووقَّع الطرفان بعد ذلك اتفاقية لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة تتكامل مع مشروع تطوير ميناء بربرة، لتحتفظ موانئ دبي بحصة تبلغ 51% من المشروع، بما يمكّن الميناء من العمل بقدرة تشغيلية تصل إلى 500 ألف حاوية سنوياً. وفي مذكرات التفاهم بين دويلة أرض الصومال وإثيوبيا بموافقة إماراتية دلالة على العلاقات المتينة التي تربط الأطراف الثلاثة، ومع تحول ميناء بربرة إلى ممر رئيسي لتجارة إثيوبيا التي تشكل أكبر اقتصادات القرن الإفريقي فإن عائد أرباح دبي العالمية سيتزايد بشكل كبير. ومن المتوقع أن هذه الاتفاقية ستفاقم التوترات القائمة أصلًا في المنطقة، وفي ذات السياق أيضًا يبدو توجس إريتريا من حصول أديس أبابا على أية قواعد بحرية.

أهمية باب المندب والقرن الإفريقي خلال الحروب والنزاعات الدولية

أصبح مضيق باب المندب، الذي يقع بين منطقة القرن الإفريقي المكتظة بالصراع وشبه الجزيرة العربية، والبحر الأحمر، والدول المشاطئة ساحة للتنافس الإقليمي. وتؤكد المخاوف الأمنية على امتداد السواحل، إلى جانب تنامي الاهتمام بالاستثمارات في منطقة القرن الإفريقي على ضرورة حماية حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة البحرية. وتكمن أهمية حماية الملاحة في باب المندب في أن عُشر التجارة العالمية تمر بهذا المضيق، وهناك رغبة لزيادة هذه النسبة خاصة تجارة مصادر الطاقة والنفط بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ويتميز المضيق بأنه يسمح للسفن وناقلات النفط بعبوره بسهولة في الاتجاهين. وهناك تنافس دولي جيوستراتيجي للسيطرة على القرن الإفريقي وباب المندب، ولذلك توجد في جيبوتي وحدها تسعُ قواعد عسكرية لست دول مختلفة، وفي الصومال خمس قواعد، اثنتان منها للإمارات وواحدة لتركيا، وفي إريتريا قاعدتان، واحدة إسرائيلية وأخرى إماراتية.

ويحتل القرن الإفريقي موقعاً جغرافياً استراتيجيًا، يشمل الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، إذ يبلغ سكانه نحو 200 مليون نسمة ومساحته نحو 1.9 مليون كيلومتر مربع، ويتسع سياسيا واقتصاديا ليشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا. وبه موارد طبيعية من احتياطيات النفط والغاز وخدمات الموانئ، كما يضم أكثر من 8 موانئ بحرية متطورة في إريتريا وجيبوتي والصومال والسودان وكينيا على البحر الأحمر. وفي العقود الأخيرة أسهمت التحولات الجيوستراتيجية في العالم في لفت الاهتمام إلى منطقة القرن الإفريقي کساحة لإعادة ترتيب ميزان القوى وتعزيز النفوذ وتأكيد التواجد بالآليات الاقتصادية والعسكرية.

تدابير حماية أمن خطوط الملاحة الدولية في باب المندب

شكلت البحرية الأمريكية والبريطانية في أبريل2022م، فريقاً أمنياً مع عدد من الدول الحليفة لمراقبة البحر الأحمر ومحاولة تثبيت استقرار الملاحة وتأمين خط التجارة الدولي المهم عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن. وتقوم عدد من الدول الأوروبية على رأسها فرنسا بالدعوة إلى تمديد صلاحيات بعثة الرقابة الأوروبية على مضيق هرمز الذي تشكل بداية 2020م، من ثماني دول أوروبية ليشمل البحر الأحمر نزولاً الى الخليج الهندي عبر مضيق باب المندب. وأعلن الجيش المصري في ديسمبر 2022م، تولي قواته البحرية مهام دولية جديدة في البحر الأحمر تشمل مضيق باب المندب وخليج عدن، إثر توليها للمرة الأولى قيادة "قوة المهام المشتركة الدولية". وهذه القوة تضم كلًا من مصر والسعودية والإمارات والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، ويتركز نطاق عملها في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

نفذت طائرات حربية وسفن وغواصات أمريكية وبريطانية ضربات ضد أهداف لجماعة الحوثي في اليمن خلال الليل في اتساع لنطاق الصراع الإقليمي الذي أشعلته الحرب الإسرائيلية في غزة. وقد أثارت هذه الضربات تساؤلات بشأن تأثيرها على قدرات الحوثيين، وتبعاتها خلال الفترة المقبلة، ومدى مساهمتها في زيادة التصعيد بالمنطقة، أو كونها تمثل ردعًا وزيادة للأمن البحري في البحر الأحمر. ويرى محللون عسكريون أنها مجرد ضربات تحذيرية ولن تشل قدرة الحوثيين، ومع أنها تمثل "رسالة ردع" لمنع تفاقم الهجمات على السفن العابرة بالبحر الأحمر، فليس "رد الفعل" من قِبَل الحوثيين مستبعداً بما يتضمن شن "هجمات مؤثرة" على أهداف أمريكية وبريطانية.

الحاجة إلى تنسيق الجهود لحماية القرن الإفريقي

يتميز القرن الإفريقي بظروف فشل الدولة والانهيار المؤسسي في كثير من الحالات. ومن الواضح أن هذا يضعهم في موقف أضعف في المساومة مع القوى الأجنبية. ولذلك، فإن أول شيء يتعين على دول القرن الإفريقي أن تعمل عليه هو تقوية الوضع الداخلي وتخفيف التوتر بين الجهات السياسية المحلية من خلال الاندماج السياسي والمصالحة. ويتعين على كل دولة أن تعمل على تحسين قدراتها المؤسسية إلى المستوى الذي يمكن أن يخدم المصالح والتطلعات السياسية المتنوعة. وبهذه الطريقة فقط تستطيع كل دولة ترسيخ الحكم الرشيد مع القدرة على حماية مصالح المواطنين في الشؤون المحلية والدولية.

وتحتاج دول القرن الإفريقي أيضاً إلى تعزيز التعاون الإقليمي حول أهداف مشتركة وضد التهديدات المشتركة. ويتعين على المؤسسات الإقليمية مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية أن تبدأ التعاون التجاري والسياسي والعسكري والأمني في المنطقة من أجل تقديم حلول إفريقية لمشاكلها العالقة، وأن تكون بمثابة منصة للتعاون في تبادل المعلومات، وتجنب المنافسة المدمرة والمخاوف الأمنية بشأن القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة. ويجوز لدول المنطقة ومنظماتها الإقليمية صياغة بروتوكولات بشأن القواعد العسكرية الأجنبية والتصديق عليها بهدف تجنب المواجهة العسكرية، والحد من تدخل القوى الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول، ومراقبة حركة الأسلحة من وإلى القواعد العسكرية الأجنبية، وحماية سيادة الدول وسلامة أراضيها.

ويبرز دور الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية وغيرها من المنظمات الإقليمية في تمكين الدول المحلية لضمان أمن الخطوط الساحلية. ومن الجيد أيضًا تطوير آلية تلتزم بموجبها الدول التي لديها قواعد عسكرية في المنطقة بمساعدة الدول المضيفة في بناء المؤسسات، والحفاظ على الحياد في الشؤون الإقليمية، والمساهمة في نقل المعرفة والتكنولوجيا حتى تتولى دول المنطقة مهمة تأمين البحر الأحمر والمحيط الهندي على المدى الطويل.

تتزايد أهمية مضيق باب المندب على مستوى العالم لدوره في الربط بين التجارة العالمية من الشرق إلى الغرب، وبالأخص في ضوء ما يحدث من توترات وصراعات كما يرغب كثيرون في تشكيل حزام ساحلي آمن يضم إريتريا وجيبوتي والصومال يضمن سلامة التجارة عبر البحر الأحمر. وباعتبار القرن الإفريقي حلقة وصل بين الأنظمة الأمنية في الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ والبحر الأبيض المتوسط، فهناك تأثير مباشر عليها سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا مع أية تطورات في القرن الإفريقي. ومن الحكمة توسيع نطاق المنطقة، وتفعيل دور الاتحاد الإفريقي، وتکوين "هيئة إقليمية لدول القرن الإفريقي" كما يلزم التغلب على نزاعات الهوية، وصياغة مبادرة تتضمن رؤية لنظام "إقليمي أمني لدول المنطقة".

مقالات لنفس الكاتب