array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

4 محددات للتحرك الروسي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي لبناء شراكات استراتيجية وتنموية

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

كان القرن الإفريقي دوماً بدوله الأربعة، الصومال وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي، ساحة للتنافس الدولي والإقليمي مع اختلاف القوى الكبرى والإقليمية المؤثرة، نظراً لأهميته الاستراتيجية كونه يتحكم في واحد من أهم ممرات التجارة العالمية التي تربط آسيا بأوروبا عبر الشرق الأوسط وذلك منذ افتتاح قناة السويس في ستينيات القرن التاسع عشر وربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، مما ضاعف من أهمية مضيق باب المندب كمنفذ جنوبي وحيد للأخير من الناحيتين العسكرية والتجارية، حيث يمر عبره  ما يزيد عن 10% من الشحنات والبضائع البحرية العالمية، و60% من احتياجات أوروبا من الطاقة ونحو 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة. ويوجد بمنطقة القرن الإفريقي 6 موانئ بحرية من أكبر وأهم الموانئ الإفريقية وهي عصب ومصوع بإريتريا، وميناء جيبوتي، وموانئ بربرة وبوصاصو وهوبيو في الصومال، وتتمتع جميعها بموقع استراتيجي هام، لقربها الجغرافي من مضيق باب المندب، وكونها حلقة وصل وبوابة مهمة لأسواق بلدان شرق ووسط إفريقيا ومراكز إقليمية لنقل النفط والبضائع. كما يضم المجال البحري للقرن الإفريقي احتياطيات كبيرة من النفط والغاز تقدر بحوالي 110 مليارات برميل من احتياطيات النفط و440 تريليون قدم من الغاز البحري للصومال وحده.

رغم هذه الإمكانات الضخمة فإن دول القرن الإفريقي مازالت تصارع من أجل الاستقرار والتنمية وذلك بالنظر إلى التحديات الأمنية التي تواجهها والتي تفاقمت في الآونة الأخيرة وامتدت تداعياتها إلى العالم بأسره باختلاف درجات التأثير والتأثر. يأتي في مقدمتها من حيث الأهمية والإلحاح الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي في اليمن على السفن بالبحر الأحمر مما أدى إلى تداعيات اقتصادية واستراتيجية متصاعدة الحدة والخطورة، من أهمها تلك المتعلقة باضطراب حركة التجارة العالمية نتيجة انخفاض حركة الشحن بنسبة 30%، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي في 31 يناير، وانخفاض حركة عبور السفن في قناة السويس بنسبة 37% حيث علقت بعض الشركات رحلاتها تماماً، مثل التايوانية "إيفرجرين" و"أورينت أوفرسيز كونتينر لاين" بهونج كونج، في حين أعلنت 18 من شركات الشحن العالمية الكبرى، حتى مطلع يناير، تغيير مسارها وتجنب المرور من البحر الأحمر، منها شركة ميرسك الدانماركية العملاقة للشحن البحري التي تتولى أكثر من 20% من التجارة العالمية وتتعامل مع أكثر من 12 مليون حاوية سنوياً، حسب بيانات موقع "ستاتيستا"، وشركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية النفطية وشركة النفط والغاز النرويجية "إكوينور "ونظيرتها "فرونت لاين" لناقلات النفط و"لينيوس فيلهلمسن"، وشركة شحن الحاويات الألمانية "هاباج لويد"، والكورية الجنوبية "إتش إم إم"، و "إن واي كيه" اليابانية و"يانج مينج" التايوانية. يؤدى هذا إلى تعطيل وانكماش حركة التجارة العالمية بما يعادل حوالي 9.6 مليارات دولار يوميًا وفق إحدى التقديرات حيث ستضطر هذه الشركات إلى المرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب القارة الإفريقية، بما يطيل الرحلات بين 19 إلى 31 يومًا.

يؤثر ذلك على سلاسل التوريد العالمية واستدامة حركة التجارة وإمداد الدول بالواردات من المنتجات النهائية والمواد الخام للقطاعات الصناعية، مما سيؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار هذه المواد نتيجة زيادة تكلفة الشحن والتأمين على الحاويات حيث قامت بعض شركات التأمين برفع تكاليف الشحن بنسبة تصل إلى 200%. الأمر الذي سيزيد حدة أزمة التضخم التي تجتاح العالم منذ الأزمة الأوكرانية 2022م. يعمق من الأزمة تزامن الصعوبات في قناتا السويس وبنما، وهو أمر غير مسبوق حيث تراجعت حركة عبور السفن من قناة بنما هي الأخرى بنسبة 33% بسبب انخفاض منسوب المياه بها حيث تشهد جفافًا تاريخياً يجبر السفن على الانتظار لمدة تصل إلى شهر للعبور، مما أدى إلى رفع تكاليف الشحن لبضائع مثل القمح وفول الصويا وخام الحديد والفحم والأسمدة بشكل حاد في أواخر عام 2023م.

أما على الصعيد الاستراتيجي، فقد أعادت الأزمة منطقة القرن الإفريقي إلى قلب حلبة الصراع الدولي، وزادت من كثافة التواجد العسكري الأجنبي في المنطقة المكتظة أصلاً بالقواعد العسكرية الأجنبية نظراً لتسابق القوى الدولية والإقليمية لتعزيز نفوذها في المنطقة والاحتفاظ بنقاط تموضع تمكنها من حماية مصالحها وفرض هيمنتها. فهناك 9 قواعد في جيبوتي واحدة لكل من الولايات المتحدة، وألمانيا، والصين، واليابان، وإيطاليا، وإسبانيا، و3 فرنسية. وفى الصومال 5 قواعد لتركيا، والولايات المتحدة وبريطانيا، و2 للإمارات، وفي إريتريا قاعدتان إسرائيلية، وإماراتية. ورغم أن للولايات المتحدة ثلاث قواعد في منطقة القرن الإفريقي ، وهى قاعدة “ليمونير” في جيبوتي المسؤولة عن العمليات والعلاقات العسكرية مع الدول الإفريقية، ومقر قوات “أفريكوم” في المنطقة، وقاعدة “باليدوجل” الجوية في الصومال، وقاعدة "أربا مينش" الجوية للطائرات بدون طيار في إثيوبيا ومهمتها الاستطلاع والتجسس في شرق إفريقيا، كما أن باب المندب يقع ضمن منطقة عمل بعثة الرقابة الأوروبية على مضيق هرمز التي تشكلت عام 2020م، من ثمانية دول أوروبية، إلا إن التطورات في مضيق باب المندب أتاحت لواشنطن فرصة توسيع نطاق حضورها العسكري بتكوين تحالف "حارس الازدهار" كقوة حماية بحرية متعددة الجنسيات لتأمين الملاحة بالبحر الأحمر، وتوجيه ضربات إلى جماعة أنصار الله لإضعافهم وتقويض قدراتهم. في المقابل أعلنت إيران عن "قوة باسيج بحرية" قوامها 55 ألف عنصر و33 ألف قطعة بحرية تتواجد في مياه الخليج خلال المرحلة الأولى من نشاطها، في تصعيد واضح يرفع درجة التوتر بالمنطقة ككل ويجعل الصدام والانزلاق إلى مواجهة عسكرية أمر محتمل.

في ذات السياق، قامت إثيوبيا بتوقيع مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، مطلع يناير، لتأجير قطعة أرض بطول 20 كيلومترًا على طول ساحلها لمدة 50 عاماً من أجل إقامة قاعدة بحرية وميناء تجارى، مقابل اعتراف إثيوبيا بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة وحصولها على أسهم في الخطوط الجوية الإثيوبية. وكانت إثيوبيا قد تحولت إلى دولة حبيسة بعيدة عن المياه المفتوحة بعد استقلال إريتريا عام 1993م، إذ فقدت منفذًا بحريًا مستدامًا وسياديًا على البحر الأحمر عبر ميناءي عصب ومصوع واعتمدت منذ ذلك الحين في تجارتها الدولية على جيبوتي، حيث يمر أكثر من 95% من وارداتها وصادراتها عبر ممر "أديس أبابا – جيبوتي"، مقابل 1.5 مليار دولار سنوياً. وستؤدي الخطوة الإثيوبية إلى زيادة نفوذ إثيوبيا ودعم قدراتها الاقتصادية والعسكرية، على النحو الذي يُحدث تغيرات هامة في موازين القوى ليس فقط في القرن الإفريقي ولكن في منطقة البحر الأحمر. كما إنه يفتح جبهة أخرى للصراع في المنطقة ويضيف بعداً جديداً من أبعاد التوتر والتصعيد بها نتيجة موقف الصومال الرافض للاتفاق ودعوتها مصر لمساندتها في مواجهة أديس أبابا، في وقت تزداد العلاقات بين الأخيرة والقاهرة توتراً عقب فشل المفاوضات بينهما واتجاه إثيوبيا نحو الملء الخامس لسد النهضة دون التنسيق المسبق مع مصر والسودان.

يفاقم من تداعيات التهديدات الأمنية السابقة كونها تأتى في سياق دولي شديد التوتر والاستقطاب على خلفية الأزمة الأوكرانية، والتمدد الواضح لنفوذ الصين وروسيا في القارة الإفريقية بصفة عامة والقرن الإفريقي خاصة على حساب انكماش النفوذ الغربي. الأمر الذي يطرح التساؤل حول دور روسيا في دعم دول القرن الإفريقي في مواجهة التهديدات الأمنية والتحديات الاقتصادية التي تواجهها، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا الدعم وحدوده، وتأثير ذلك على أمن واستقرار المنطقة.

يمكن بلورة التحرك الروسي ومحدداته بالمنطقة في أربعة محاور أساسية، أولها، بناء الشراكات الاستراتيجية والتنموية مع دول القرن الإفريقي لاسيما إريتريا وإثيوبيا والصومال فيما بات يُعرف بـالهلال الروسي في القرن الإفريقي، نظراً للتعاون المتنامي في مختلف المجالات بين موسكو والدول الثلاث. فقد دعمت موسكو إثيوبيا خلال عمليتها في ولاية تيجراي، وفى يوليو 2021م، وقعت إثيوبيا وروسيا اتفاقية للتعاون العسكري تهدف إلى تحديث قدرة الجيش الإثيوبي في المعدات والمهارات والتكنولوجيا، حصلت أديس أبابا بمقتضاها على 6 طائرات من مقاتلات الجيل الخامس روسية الصنع من طراز “سو-30″، بهدف تعزيز قدراتها في القتال الجوي والهجوم الأرضي، وتأمين المجال الجوي وردع أي اعتداءات محتملة. ودخلت هذه الطائرات الخدمة خلال حفل أقيم في يناير الماضي. ويذكر أن الجيش الإثيوبي يحتل رقم 15 في ترتيب الدول التي تحصل على المقاتلات الروسية، وتعتبر أديس أبابا الدولة الإفريقية الرابعة التي تحصل على هذه المقاتلات الروسية بعد الجزائر وأنجولا وأوغندا. وفى أكتوبر 2023م، عرضت إثيوبيا أسلحتها وأنظمتها الدفاعية الحديثة خلال عرض عسكري لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، وكشفت عن إضافة جديدة إلى ترسانتها وهو نظام الحرب الإلكترونية Krasukha-4 (EW) من أصل روسي، ويعد هذا النظام من قدرات الحرب الإلكترونية المتقدمة ويتمتع بالقدرة على تعطيل إلكترونيات العدو وأنظمة الرادار.

كما تتطور العلاقات الروسية الإريترية بشكل ملحوظ. وفى الوقت الذي تشهد العلاقات الإريترية-الأمريكية توترًا متصاعدًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعدما فرضت واشنطن عدد من العقوبات على أربعة كيانات حكومية إريترية في نوفمبر 2021م، على خلفية مشاركة القوات الإريترية في حرب تيجراي شمالي إثيوبيا، وعدم دعوة الإدارة الأمريكية للحكومة الإريترية للمشاركة في أعمال قمة واشنطن-إفريقيا التي انعقدت في منتصف ديسمبر 2022م، ينمو التعاون الروسي / الإريتري ويزداد قوة ومتانة. فقد قام الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي بزيارة موسكو مرتين في عام 2023م، بحث خلالها التعاون الأمني والعسكري والاستعانة بالخبرات الروسية في إعادة تأهيل وتحديث المؤسسة العسكرية الإريترية. وخلال اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حث روسيا على "قيادة المسيرة" لوضع ما أسماه ”النظام العالمي الجديد.“ وكانت إريتريا الدولة الإفريقية الوحيدة التي صوتت ضد القرار الأممي الذى يدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عام 2022م،  وفي 10 يناير 2023م، وقعت إريتريا مذكرة تفاهم مع روسيا تنص على ربط مدينة مصوع الإريترية الساحلية مع مدينة سيفاستوبول حيث قاعدة البحر الأسود البحرية الروسية، ويتيح هذا الاتفاق لموسكو استغلال ميناء مصوع الإريتري تمهيدًا لإقامة قاعدة عسكرية روسية جديدة في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب.

كذلك تزداد العلاقات الروسية الصومالية دفئاً منذ استئنافها عام 2016م، بعد قطيعة دامت حوالي أربعة عقود، ويتطور التعاون بين البلدين على نحو ملحوظ. وفى هذا الإطار، تم تعيين ميخائيل جولوفانوف سفيراً مفوضاً وفوق العادة لروسيا لدى كل من الصومال وجيبوتي في أبريل 2019م. وزار الرئيس الصومالي محمد عبد الله (فرماجو) موسكو للمشاركة في قمة روسيا–إفريقيا التي استضافتها مدينة سوتشي الروسية في أكتوبر 2019م، والتقى الرئيس بوتين على هامش أعمال القمة. كما التقى وزير الدفاع الصومالي السابق حسن علي محمد، ونائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين، الذي أكد استعداد موسكو لاستئناف التعاون العسكري مع الصومال. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرجى لافروف، قد دعا المجتمع الدولي في عام 2018م، إلى تعزيز القوات الصومالية ودعم قدراتها لتمكينها من القضاء على حركة الشباب المجاهدين، وشدد على ضرورة بناء القوات المسلحة الصومالية كمتطلب ضروري لذلك. وسبق وأن طلب الصومال من موسكو المشاركة في إعادة بناء القوات المسلحة الصومالية. ومن جانبها أكدت موسكو دعمها للقيادة الصومالية في بناء الدولة وتعزيز وحدتها واستقرار الوضع الداخلي ومكافحة الإرهاب، وامتنعت في نوفمبر 2022م، عن التصويت في مجلس الأمن الدولي للإبقاء على قرار حظر الأسلحة على الصومال دعماً للحكومة الصومالية، في الوقت الذي أيدت فيه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا الإبقاء على الحظر.

كما رحبت الحكومة الروسية بعودة كلا من الحكومة الفيدرالية الصومالية وإدارة إقليم أرض الصومال إلى المفاوضات عام 2020م، تمهيداً لحل الخلافات القائمة بين الجانبين والتوصل إلى تسوية شاملة ونهائية. وكانت هذه المرة هي الأولى التي تنخرط فيها روسيا في المحادثات بين مقديشو وهرجيسا، وإن كانت لم تؤت ثمارها كغيرها من الوساطات في هذا التوقيت. كما دعمت روسيا اللقاء التشاوري الذي عُقد بين الجانبين بالعاصمة الجيبوتية في ديسمبر 2023م، تحت رعاية رئيس جمهورية جيبوتي إسماعيل عمر غيلي، بهدف إجراء مزيد من المناقشات وتعزيز التعاون الثنائي بين الطرفين. وعلى صعيد التعاون الاقتصادي، تعتبر روسيا ثاني أكبر الدائنين للصومال، وقامت بإعفاء الصومال مما يزيد عن 684 مليون دولار في اتفاق جرى التوصل إليه على هامش القمة الروسية / الإفريقية في سانت بطرسبرج 2023م، وتم بحث إمكانية إنشاء منصات تجارية بين الصومال وروسيا، تسمح بتفاعل الشركات التجارية من البلدين، وتعزيز فرص التعاون التجاري بينهما؛ وذلك في الوقت الذي أعربت فيه موسكو عن تطلع المستثمرين الروس إلى الاستثمار في الصومال، وبخاصة في مجال الطاقة والتعدين وغيرها من المجالات.

ثانيها، موقف روسي معارض للتمدد العسكري الأمريكي والغربي في المنطقة وتكثيف وجوده وتوسيع نطاق عملياته، انطلاقاً من كونه يزاحم الحضور الروسي وسيكون حتماً على حسابه ومعرقل لأي فرص لتطوير التعاون بين روسيا ودول المنطقة. في هذا السياق، انتقدت روسيا تشكيل واشنطن لتحالف "حارس الازدهار"، وأدانت الضربات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر ضد الحوثيين، وحذرت من تداعياتها وما يمكن أن تؤدى إليه من توسيع نطاق الحرب. وأكد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، خلال اجتماع لمجلس الأمن حول الموضوع، في 13 يناير، إن المهاجمين يسهمون "بشكل شخصي" في امتداد حرب غزة بين إسرائيل وحركة حماس إلى المنطقة بأكملها، وإن تصرفات الغرب عدوان مسلح مباشر وانتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة. كما سبق وأن عارضت روسيا تكوين البحرية الأمريكية تحالف دائم يضم قوات متعددة الجنسيات من 34 دولة من حلفائها تحت اسم قوة المهام المشتركة (CTF-153) التابعة للقوات البحرية المشترك (CMF، في أبريل 2022م، لمكافحة الأنشطة غير المشروعة وأعمال القرصنة المهددة للملاحة الدولية في البحر الأحمر ومحاولة تثبيت استقرار الملاحة وتأمين خط التجارة الدولي عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن. وقد شككت روسيا في هذه الأهداف المعلنة من جانب واشنطن ورأت إن الهدف الحقيقي هو الهيمنة وإحكام نفوذها على المنطقة وعرقلة أي آفاق للتعاون مع قوى دولية أخرى.

ثالثها، مراقبة تداعيات التصعيد في باب المندب على أسعار النفط لضبط الأسعار وتعظيم المكاسب. فقد أدى الاضطراب في حركة الشحن وسلال التوريد الناجمة عن الأزمة في باب المندب إلى ارتفاع أسعار النفط، وإن كان بمستوى أقل من المتوقع نتيجة تداخل عوامل أخرى مؤثرة. ويأتي رصد وتحليل ما يجري في أسواق النفط على قمة الأولويات الروسية، ففي الأول من فبراير أشار نائب رئيس الوزراء الروسي لشؤون الطاقة، ألكسندر نوفاك، إن روسيا "تراقب باستمرار" تداعيات هجمات الحوثيين على السفن التجارية قبالة سواحل اليمن على أسواق الطاقة العالمية لتكييف إجراءاتنا المشتركة الرامية إلى ضبط السوق وإعادة التوازن إليها.

ومن المعروف أن روسيا لم تتضرر بشكل مباشر من هذه الهجمات، وواصلت الناقلات التي تحمل النفط الروسي الإبحار عبر البحر الأحمر من دون انقطاع إلى حد كبير رغم هجمات الحوثيين على السفن الغربية، وتواجه مخاطر أقل من المنافسين، وفقًا لمسؤولين تنفيذيين في قطاع الشحن وبيانات الرحلات. وقد أصبحت روسيا أكثر اعتمادًا على التجارة عبر قناة السويس والبحر الأحمر منذ الأزمة الأوكرانية، وفرض أوروبا عقوبات على الواردات الروسية وإجبار موسكو على تصدير معظم نفطها الخام إلى الصين والهند. كما ساهمت العقوبات التي فرضتها مجموعة السبع على تجارة النفط الروسية وشركات الشحن والتأمين المتعاونة مع موسكو إلى النمو السريع لأسطول الظل من السفن التي تنقل النفط الخام والوقود الخاضع للعقوبات، ويتم استئجار هذه السفن من قبل شركات مسجلة عادة خارج الدول التي فرضت عقوبات على روسيا، كما أنها تستعين بالخدمات البحرية وعقود التأمين من الدول التي لا تفرض عقوبات، وفي غياب الروابط الواضحة مع الشركات الغربية، لم تكن تلك السفن هدفًا للحوثيين واستطاعت مواصلة عملها.

رابعها، تفعيل الطريق البحري الشمالي الروسي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، ويبلغ طوله أكثر من ثلاثة آلاف ميل بحري (5556 كيلومترا)، من بحر بارنتس إلى مضيق بيرينج، ويعد أقصر طريق بين أوروبا وآسيا، وأقصر طريق بحري بين الشرق الأقصى والجزء الأوروبي من روسيا. ويزداد الاهتمام في آسيا بالطريق البحري الشمالي في ظل الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لكونه يضمن الملاحة الآمنة للسفن التجارية التي تخشى عبور البحر الأحمر، ويقلل التكلفة في ذات الوقت حيث ينخفض زمن الرحلة من آسيا إلى أوروبا بمقدار النصف عبر الممر الشمالي.

ومن المتوقع أن يصبح الممر البحري الشمالي طريقًا تجاريًا رئيسيًا بين أوروبا وآسيا حيث تعمل روسيا بخطى حثيثة على تطويره، وتواصل تصنيع عدد إضافي من كاسحات الجليد لمرافقة السفن التجارية، وإلحاقها بأسطولها الأكبر عالميًا من الكاسحات. وفي شهر نوفمبر 2023م، صرح نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، بأنه سيكون بالإمكان إبحار السفن على مدار العام على طول ممر الملاحة الشمالي اعتبارًا من عام 2024م، وكان الممر يواجه صعوبات في استدامة الملاحة التي كانت تتوقف تقريباً شهرين أو ثلاثة نتيجة كثافة الثلوج. يفسر هذا إقبال العديد من الدول على المشاركة باستثمارات في تنمية الممر الشمالي. ففي 20 أكتوبر 2023م، أسست روسيا شركة International Container Logistics  بالتعاون مع "دي بي ورلد (DP World) الإماراتية برأس مال يبلغ 960 مليون روبل (نحو 10.33 مليون دولار)، لتطوير ممر الملاحة الشمالي. وتمتلك "روساتوم كارجو"، التابعة لـ"روساتوم" 51% من أسهم الشركة، أما 49% الباقية فهي مملوكة لشركة "دي بي ورلد" (موانئ دبي العالمية). كما أعلن وزير الموانئ والشحن والممرات المائية الهندي، سارباناندا سونوال، في 13 سبتمبر 2023، إن بلاده تسعى إلى الشراكة مع روسيا في تطوير طريق بحر الشمال عقب اجتماع جمعه في مدينة فلاديفوستوك الروسية مع وزير تنمية الشرق الأقصى والقطب الشمالي الروسي، أليكسي تشيكونكوف.

من رحم الأزمات تخرج الإنجازات، هكذا السياسة الروسية عامة وفى القرن الإفريقي خاصة، لقد استطاعت روسيا أن تتلمس مكاسب عدة استراتيجية واقتصادية مما تموج به المنطقة من تهديدات أمنية وأزمات، وتفتح مسار بديل باتجاه الاستقرار والتنمية.

مقالات لنفس الكاتب