أعاد الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا بشأن حصول إثيوبيا على تسهيلات بحرية في ميناء بربرة على البحر الأحمر مقابل الاعتراف بأرض الصومال ومزايا أخرى التذكير بطبيعة العلاقات الصومالية / الإثيوبية على مدار التاريخ والتي أتسمت بالتنافس والصراع بين الدولتين خاصة في ضوء اقتطاع جزء من الأراضي الصومالية وهو إقليم أوجادين وضمه إلى الأراضي الإثيوبية، وكذلك أثار إشكاليات الجغرافيا السياسية ليس فقط لإثيوبيا بعد استقلال إريتريا وفقدان موانئها على البحر الأحمر بل في منطقة القرن الإفريقي.
وقد أضاف الاتفاق أعباء أمنية أخرى إلى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر والذي يعاني منذ عدة عقود من إشكاليات أمنية أثرت على أمن الملاحة به والتي نتجت من أحداث عدم الاستقرار السياسي والأمني في الدول المطلة عليه وتمركز الجماعات الإرهابية وعلى رأسها كل من الصومال واليمن ناهيك عن التنافس والصراع بين العديد من القوى الإقليمية والدولية في البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي والتي ألقت بتأثيراتها على استقرار الملاحة في الممر الملاحى الاستراتيجي، وبما يستدعي معه تحليل أسباب وتأثيرات التوجه الإثيوبي تجاه البحر الأحمر والتحديات التي ستواجه الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال والمسارات المحتملة له.
أولًا: العوامل الدافعة للاتفاق الحالي بين إثيوبيا وأرض الصومال
تقع إثيوبيا في منطقة شرق إفريقيا بما في ذلك القرن الإفريقي وحوض النيل والبحيرات العظمى وهى بحكم هذا الموقع دولة إقليمية كبرى لها مصالح استراتيجية وتنظر إلى تلك المناطق باعتبارها منطقة نفوذ إقليمي تسعى لإبراز هيمنتها هناك رغبًة منها في توسيع نفوذها على الصعيد القاري، ولتحقيق ذلك وجدت إنه عليها حل معضلة أسر الجغرافيا السياسية لها والبحث عن منافذ بحرية دائمة تقلل من حدة المعضلة الجغرافية التي تعانيها منذ استقلال إريتريا عام 1993م، وفقدانها مينائي عصب ومصوع المنفذين المطلين على البحر الأحمر، فقد ظل هذان الميناءان يمثلان جزءاً من الجغرافيا السياسية للإمبراطورية الإثيوبية طوال قرون ماضية، وما تبع ذلك من تفكيك قوتها البحرية وافتقاد جزءًا كبيرًا من قوتها الإقليمية.
حاليًا توجد عوامل ضاغطة على صانع القرار الإثيوبي للحصول على ميناء بحري وإحياء أسطولها الحربي ناهيك عن المشاركة في وضع الخطط والاستراتيجيات الخاصة بحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، فتعاني إثيوبيا من كثافة سكانية عالية والبالغة نحو 120 مليون نسمة وهو ما تستند إليه التصريحات الإثيوبية المتعددة حول أحقيتها في الحصول على منفذ على البحر الأحمر، كذلك وقوع منفذ تجارتها من خلال دولة جيبوتي والتي تستحوذ على 95% من تجارتها مع العالم على رأس منطقة تشهد تهديدات متصاعدة مع زيادة في عامل التوظيف لتلك الممرات الملاحية الاستراتيجية لتحقيق مصالح قوى إقليمية ودولية ومنها ما يحدث مؤخرًا من جماعة الحوثيين في اليمن من تهديد للملاحة والاستيلاء على السفن.
أيضًا الاضطرابات الأمنية في الداخل الإثيوبي حيث شهدت إثيوبيا عدة محاولات لقطع الطريق الرئيسي والواصل بين العاصمة أديس أبابا وميناء جيبوتي خلال الصراع بين الحكومة الفيدرالية وإقليم تيجراي، يضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف شحن الواردات لا سيما الأسمدة الضرورية للمزارعين الإثيوبيين نتيجة تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، والتي من شأن امتلاك إثيوبيا ميناءً بحرياً على البحر الأحمر أن يسهم في خلق (25–30%) من الناتج المحلي الإجمالي لإثيوبيا وفقاً لدراسة أعدتها الأمم المتحدة في عام 2018م.
أيضًا فان اختيار الصومال قائم على حسابات القوة والضعف بالأساس، وأن الصومال بوضعها السياسي والعسكري الحالي غير قادر على دفع إثيوبيا للرجوع عن هذا الاتفاق، لذا فقد أسرعت بعقد الاتفاق مع أرض الصومال استباقًا لتعزيز الصومال قدراته على مواجهة المخططات الإثيوبية بعد رفع حظر اسيتراد السلاح بقرار من الأمم المتحدة.
وقد تبنت إثيوبيا استراتيجية قائمة على الوجود في أي ترتيبات سياسية وأمنية في دول الجوار الجغرافي المطلة على البحر الأحمر والتي تتمثل في السودان والصومال وإرتيريا وجيبوتي، وما يتيح لها الحصول على مزايا بحرية بالنسبة لصادراتها ووارداتها.
كذلك العمل على عدم استتباب الأمر في دول الجوار الجغرافي وبما يتيح لها الهمينة الاقتصادية والعسكرية مع الاستعداد الدائم لتجدد النزاع المسلح بما يتيح لها الوصول إلى الموانئ الإريترية أو الصومالية سواء بالاتفاقات السلمية أو في حالة النزاع المسلح.
وأخيرًا العمل على إعادة إحياء أسطولها الحربي مرة أخرى والذي بدأت تتخذ خطوات عملية في هذا الاتجاه من خلال الاتفاق مع قوى لبناء أسطولها الحربي وإعادة تكوين تشكيلات عسكرية بحرية استعدادًا لخطوة الحصول على ميناء بحري في إحدى دول الجوار الجغرافي.
ثانيًا: الأهمية الاستراتيجية لميناء بربرة في أرض الصومال
يقع ميناء بربرة على الساحل الجنوبي لخليج عدن عند مدخل مضيق باب المندب والذي يعد رابع أهم المعابر البحرية العالمية للتزود بالطاقة والمؤدي إلى قناة السويس، ويوصف هذا الميناء بأنه مفتاح البحر الأحمر. ويمثل عامل الاستقرار الأمني لأرض الصومال ويُنظر إليه كبديل مستقبلي محتمل لميناء جيبوتي في المنطقة، فالموقع يوفر للدولة التي تستحوذ عليه موقعًا فريدًا للحصول على دور أكثر تأثيرًا على القضايا الاقتصادية والتجارية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وقد بدأ التركيز الإثيوبي على جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها مبكراً حيث وقعت إثيوبيا اتفاق مع أرض الصومال حول استخدام ميناء بربرة منذ عام 2005م، ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ لأسباب تتعلق بالاعتراف القانوني الدولي بأرض الصومال بالإضافة إلى الخدمات اللوجيستية التي لم يستطع الاقتصاد الإثيوبي تحملها في تطوير الميناء.
ولأهمية الموقع الاستراتيجي لميناء بربرة فقد أتجهت إليه شركة موانئ دبي التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2016م، باستثماراتها من خلال توقيع عقد امتياز مدته 30 عامًا لتطوير الميناء، وبما يجعل بربرة أحد الموانئ الإفريقية الثلاثة التي تدعمها جنبًا إلى جنب مع موانئ دبي العالمية (الاثنان الآخران هما داكار في السنغال والسخنة في مصر)، ثم في عام 2018م، أبرمت إثيوبيا اتفاقية أخرى لم تستكمل للمشاركة في تطوير ميناء بربرة، تمتلك بموجبها موانئ دبي العالمية 51% من المشروع، و30% لـموانئ أرض الصومال، بينما تبلغ حصة إثيوبيا 19%، ويؤمن الاتفاق لإثيوبيا زيادة تقدر بنحو 25%-30% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لدراسة للأمم المتحدة.
ثالثًا: تحديات الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال حول ميناء بربرة.
الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال والذي أطلق عليه بأنه أشبه بصفقة مقايضة بين طرفين، حيث اتخاذ إثيوبيا خطوات نحو الاعتراف بأرض الصومال التي لم تعترف بها دول العالم منذ إعلان استقلالها عن الصومال في عام 1991م، والحصول على مزايا أخرى منها حصة في شركة الطيران الإثيوبية الوطنية قدر بـ 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية التي تعد كبرى شركات الطيران في إفريقيا والتي بلغت إيراداتها نحو 6.9 مليار دولار خلال عام 2022م، الأمر الذي يشكل فرصة اقتصادية مهمة لأرض الصومال، في مقابل الحصول على تسهيلات في ميناء بربره تتيح لها تسهيل تجارتها مع العالم وتحقيق حلمها بإعادة إحياء أسطولها الحربي والذي قد بدأت تتخذ خطوات تنفيذية منذ عدة سنوات استباقًا لخطوة إنشاء قاعدة بحرية حربية، وقد أكدت تصريحات لرئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي إن إثيوبيا تسعى إلى استئجار جزء من الخط الساحلي لإقامة قاعدة بحرية ومؤكدًا أن حكومته ستمضي قدمًا في الاتفاق، وتتمثل تحديات الاتفاق في التالي:
- الشرعية القانونية للاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال
يعد عدم الاعتراف بأرض الصومال كدولة لها حق التوقيع على الاتفاقيات الدولية أحد أهم الإشكاليات التي تواجه قانونية هذا الاتفاق خاصة وجود مناطق في عدد من دول العالم ترغب في الانفصال عن الكيان الأم كأقليم كتالونيا في أسبانيا على سبيل المثال والذي تعده مملكة إسبانيا منطقة ذات حكم ذاتي داخل حدودها، ووفق القانون الدولي فأن الدول المعترف بها دوليًا وذات السيادة هي التي لها الحق في التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وهو ما تفتقده هذه الاتفاقية، ولا تخضع لبند إعطاء الحق للدول غير الساحلية الحق في الاستعانة بموانئ دول الجوار من خلال اتفاقيات دبلوماسية تعتمد على القواعد واللوائح الدولية، فهذا الاتفاق خالف أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي، ومعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار.
وقد حرصت العديد من المنظمات ودول العالم على معارضة الاتفاق في ضوء الخلل القانوني الذي شاب هذا الاتفاق وترسيخًا لمبدأ سيادة الدول وخشية من تصاعد الصراع بين الصومال وإثيوبيا وبما يلقي بأعباء أمنية أخرى على الممر الملاحي الهام، حيث مالت إلى الحرص على احترام سيادة الصومال واعتماد القانون الدولي في هذا الشأن، فمثلًا سارعت الولايات المتحدة الامريكية: بإرسال رئيس المخابرات المركزية للصومال مع إصدار تصريحات متتالية حول موقفها من الاتفاق، وشددت على وجوب احترام سيادة الصومال، وأدانت جامعة الدول العربية الاتفاق، وأكدت رفض أي مذكرات تفاهم تخل أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية، أو تحاول الاستفادة من هشاشة الأوضاع الداخلية الصومالية بينما حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلا من أديس أبابا ومقديشو على فتح حوار لتسوية نزاعهما بشأن الاتفاق البحري الذي أبرمته إثيوبيا مع منطقة أرض الصومال الانفصالية دون إدانة واضحة للاتفاق. وبالنسبة للاتحاد الأوروبى فأكد على أهمية احترام وحدة جمهورية الصومال الفيدرالية، وسيادتها، وسلامة أراضيها، وفقاً لدستورها ومواثيق الاتحاد الإفريقي والأمم المتّحدة،
وفي إفريقيا فقد خالف الاتفاق أحد المبادي الهامة لمنظمة الدول الإفريقية سابقًا والاتحاد الإفريقي حاليًا وهو مبدأ عدم المساس بالحدود الجغرافية للدول الإفريقية والتي تم وراثتها منذ عهد الاستعمار وذلك خشية من الصراعات بين الدول الإفريقية.
- تعارض المصالح بين إثيوبيا ودول الجوار الجغرافي وقوى إقليمية
أيضًا سيواجه الاتفاق تحدى تعارض المصالح بين إثيوبيا وقوى إقليمية لها مصالح متعارضة مع إثيوبيا وبما سيدفع هذه الدول للانتفاض ضده دفاعاً عن مصالحها مثل إريتريا وجيبوتي والسودان ومصر، وقد عارضت دول الجوار الجغرافي التصريحات الإثيوبية المتلاحقة تجاه الحق الشرعي لها في الوجود على البحر الأحمر كجيبوتى وإريتريا والصومال، وقامت مصر بمعارضة صريحة للاتفاق وأبرزت دعمًا سياسيًا وأمنيًا واضحًا للموقف الصومالي خلال زيارة الرئيس الصومالي للقاهرة بعد توقيع الاتفاق.
- تحدي توفير التمويل اللازم لبناء القاعدة البحرية والميناء التجاري:
تتوقف قدرة إثيوبيا في حال نجاح تنفيذ الاتفاقية على مرونتها السياسية في جلب تمويلات خارجية لتمويل الميناء وبناء قاعدتها البحرية هناك، خاصة في ضوء تعثر إثيوبيا في سداد مديوناتها مؤخرًا، ولذلك قد تتجه إثيوبيا في سبيل الحصول على الدعم الإقليمي والدولي الذي سيوفر لها الاستثمارات إلى السعي نحو بناء تحالفات وشراكات سياسية مع الدول التي تمتلك مصالح عبر البحر الأحمر وتقيم تحالفات بشكل أقوى مع دول قد يكون لها مصلحة في نفاذ الاتفاق وللتأثير على مصالح الدول المتضررة منه كمصر على سبيل المثال.
رابعًا: التأثيرات المحتملة للاتفاق على منطقة القرن الإفريقي والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر
- إحياء دور المتطرفين مثل حركة الشباب وداعش في منطقة القرن الإفريقي.
تبنت حركة الشباب الصومالية والتي تعد أبرز الحركات المتطرفة في داخل الصومال وعامل لعدم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي نفس الموقف الحكومي المتشدد برفض الاتفاق الأخير بين أديس أبابا وهارجيسا،ومن المتوقع أن تتجلى تداعيات هذه المعارضة في توسع العمليات الإرهابية لحركة الشباب، والتي من المحتمل أن تستهدف كلاً من أرض الصومال وإثيوبيا في المستقبل القريب جدًا.
وقد أشارت الحركة إلى بطلان الاتفاق، واعتبرته بمثابة عملية نهب وسرقة لثروات الصومال، وأنها لن تقبل باستيلاء إثيوبيا على جزء من الأراضي الصومالية، كما أنها دعت الشعب الصومالي لحمل السلاح لمحاربة الإثيوبيين للدفاع عن بلادهم.
ويستخدم هؤلاء المتطرفون مذكرة التفاهم كذريعة للدفاع عن الدولة الصومالية المسلمة من الإثيوبيين، حيث تزودهم بقوة دافعة لتعبئة الشعب الصومالي باسم الجهاد ضد مسيحيي إثيوبيا.
فإثيوبيا كدولة مسيحية قد تحفز الجماعات الجهادية في القرن الإفريقي والذي بحكم العداء الذي تكنه التنظيمات الإرهابية النشطة في القرن الإفريقي تجاه إثيوبيا سيكتسب بعداً دينياً وسياسياً؛ وقد يمتد الأمر إلى مصالح الدول التي تدعمها، الأمر الذي ينذر بخطر أكبر قد يطال العديد من دول المنطقة التي تعاني وضعاً أمنياً وسياسياً واقتصادياً غير مستقر، علاوة على ما تمتلكه التنظيمات الإرهابية في المنطقة من قدرة على تنفيذ عمليات داخل العديد من دول المنطقة، وسبق لها بالفعل تنفيذ العديد من الاستهدافات في إثيوبيا وجيبوتي وكينيا وأوغندا، فضلاً عن توطنها بالصومال.
وفي حال تصاعد الصراع بين الصومال وإثيوبيا فإنه قد يضيف عاملًا آخر لتهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن إلى جانب ما تمثله جماعة الحوثيين والتي اتخذت إسرائيل ذريعة لتهديد الملاحة في البحر الأحمر وأثرت في الملاحة في البحر الأحمر كما يتضح من الشكل التالي:
حجم تراجع سفن الشحن عبر قناة السويس بعد هجمات الحوثيين
(المتوسط المتداول لعدد السفن لمدة 7 أيام)
- عودة أحداث القرصنة
نتج عن انهيار دولة الصومال عام 1991م، أحداث قرصنة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر أدت إلى تكوين تحالف دولى لمواجهتها، وقد تؤدي الرغبة في عدم نفاذ الاتفاق بالإضافة إلى تدخل الجماعات الإرهابية في المشهد إلى تصاعد حالات القرصنة بما يهدد الملاحة الدولية، يضاف إلى ذلك أن البيئة الصومالية مهيئة لذلك المشهد بسبب الجفاف الذي يعانى منه الصومال منذ عدة سنوات وأدى إلى نزوح أكثر من مليوني شخص من منازلهم بحثًا عن الماء والغذاء والمراعي، هذه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة تشجّع الشباب على الانضمام للعمل مع القراصنة.
وتزيد عودة القرصنة الصومالية الضغط على شركات الشحن الدولية للتخلي عن الطريق المؤدي إلى قناة السويس، وتوجيه سفنها حول طريق رأس الرجاء الصالح، وبالتطبيق على شركات النفط فإنه قد ترتفع أسعار النفط مع دخول أوروبا أشهر الشتاء، وزيادة أسعار الشحن.
- تجدد الصراع الصومالي / الإثيوبي
ورثت الصومال وإثيوبيا عداوات وطموحات قديمة ولطالما كانت الخصومات التاريخية بين الطرفين والرغبات الوطنية والمشاكل الاقتصادية والتدخلات الأجنبية تشكل العناصر الخطيرة التي تذكى نار الصراع بين الدولتين، بالإضافة إلى جذب الصراع قوى دولية وإقليمية عديدة لها مصالح بالمنطقة وخاصة فيما يتعلق بالبحر الأحمر وخليج عدن، وقد خاضت الدولتان العديد من المصادمات عبر الحدود منها المصادمات التي حدثت في أعوام 1961م، 1964م، 1977م، وصولًا للتدخل الإثيوبي في الأراضي الصومالية بدعم أمريكي واضح للحد من سيطرة الجماعات المتطرفة بها.
وقد نتج عن الاتفاق الحالي تصاعد في الشعور القومي لدى الشعب الصومالي، وقد راهنت إثيوبيا على الضعف والانقسام بين الصوماليين وبما سيمكن إثيوبيا من نجاح مخططها، إلا إنه واقعيًا فقد تسبب الاتفاق في لفت انتباه الصوماليين إلى الأطماع الإثيوبية في الأراضي الصومالية، وإعادة التذكير للشعب الصومالي بتاريخ هذا الصراع خاصة أن إثيوبيا تحتل بالفعل إقليم أوجادين الصومالى، وللدولتان تاريخ من الصراع والتنافس الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي وبما قد يؤدي إلى دعم التوجهات الصومالية الحكومية تجاه هذا الاتفاق.
- بروز حركات انفصالية داخل الصومال أو في القرن الإفريقي.
سلطت الاتفاقية الضوء على الانقسامات والتطلعات العميقة داخل مجتمع أرض الصومال واماكن أخرى في الصومال، وقد يؤدي الاتفاق في حال نفاذه إلى تأجيج الصراعات العشائرية داخل الصومال خاصة أن بعضها له تطلعات نحو تكوين كيان خاص به.
أيضًا أعاد الاتفاق طرح توحيد كيانات الدولة الصومالية التي تسعى إلى الانفصال أو الحكم الذاتي على أولويات متخذ القرار الصومالي، وبما قد يؤدي إلى التوافق بين الحكومة الفيدرالية وحركات المعارضة الصومالية تجاه التحدي الإثيوبي.
وفضلاً عن الانقسامات الواردة في الصومال فقد يؤدي الاتفاق إلى بروز حركات انفصالية تؤدي إلى حدوث انقسامات في المنطقة، وتكرار النموذجين الإريتري والجنوب سوداني، لذلك قد تكثف بعض القوى الدولية جهودها في الضغط على إثيوبيا، للحفاظ على الاستقرار في القرن الإفريقي.
- المخاطر الاقتصادية على دول منطقة القرن الإفريقي وقوى أخرى
بالنسبة لدول القرن الإفريقي والتي ترتبط مصالحها بالمنطقة وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نجد أن إريتريا وجيبوتي والصومال سيشعرون بالقلق من وجود إثيوبيا البحري الكبير في البحر الأحمر وخليج عدن الاستراتيجيين، فجيبوتي ستشعر بالقلق خاصة أن فقد حوالي 1.5 مليار دولار سنوياً من إثيوبيا لاستخدام موانئها قد يؤدي إلى عدم استقرار حكومة الرئيس إسماعيل عمر جيله.
أيضًا فميناء بربرة يؤثر على الدول الأخرى التي تقدم خدمات الموانئ للسفن المتجهة إلى قناة السويس، وهناك حرب تدور الآن بين دول المنطقة بخصوص هذه المسألة خاصة وأن هذا الميناء قد يؤدي لخصم نسبة من حصص الموانئ الأخرى التي تقدم هذه الخدمات للسفن المارة بقناة السويس وهذا جانب اقتصادي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً".
خامسًا: المسارات والتأثيرات المحتملة للاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال
بتحليل خريطة المصالح والدول المتضررة من هذا الاتفاق فقد يواجه الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال ثلاثة مسارات، ويتمثل المسار الأول: في أن يحدث ما يطلق عليه فرض أمر واقع أمام المجتمع الدولي يتعامل معه ولكنه لا يعترف به، وذلك بناءً على عدم وجود ضرر واقعي يحتم التعامل معه وأن تطغي حسابات المصالح مع إثيوبيا وكافة الأطراف المتعلقة بتلك الأزمة.
وتتمثل العوامل المرجحة لهذا المسار والمتعلقة بنفاذ الاتفاق في إنه رغم كون أرض الصومال كيان غير معترف به إلا إنه واقعيا العديد من دول العالم تتعامل مع الإقليم تحقيقًا لمصالحهم في المنطقة وبما يضيف إلى عوامل الدعم للاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال.
فقد قام وفد من الاتحاد الأوروبي بمراقبة الانتخابات الأخيرة التي تمت في أرض الصومال، وتهنئته على إجراء الانتخابات بنجاح، يشير إلى أن المواقف السياسية لتلك الدول تتعامل مع الواقع القائم والذي قد يحقق مصالحها.
كذلك تمت زيارة عدة دول لأرض الصومال و القيام بعقد صفقات تجارية معها وبما يعد تكريسًا للانقسام الصومالي ومن ذلك: سجلت زيارات متبادلة بين المسؤولين في كينيا وأرض الصومال خلال الفترات الماضية، ويتحرك الصوماليون بجوازات تابعة لأرض الصومال إلى جميع أنحاء العالم من دون أي عقبات.
أيضًا وإفريقيًا، نجد أن منظمة الإيجاد "الهيئة الحكومية للتنمية" رفضت الانحياز، ودعت الأطراف إلى ضبط النفس والتعاون من أجل التوصل إلى حل سلمي وودي، بينما دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسى فقيه” في بيان إلى التهدئة والاحترام المتبادل، مع ذكر ضرورة احترام وحدة وسيادة الأراضي والسيادة الكاملة لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي دون إدانة واضحة للاتفاق، وبما يوضح حجم النفوذ الإثيوبي داخل المؤسسات الإفريقية.
أما المسار الثاني فيتمثل في أن تكون المخاطر الناتجة من هذا الاتفاق أكبر من قدرة إثيوبيا وأرض الصومال ودول العالم على احتوائها وبما يؤدي إلى عدم نفاذ الاتفاق، وتعد العوامل المرجحة لهذا المسار في حجم المخاطر التي سينتجها هذا الاتفاق لمنطقة القرن الإفريقي وأمن الملاحة في البحر الأحمر والعالم، وبما قد يؤدي إلى تدخل القوى المختلفة للحد من تلك المخاطر، من خلال إجبار الطرفين الموقعين على الاتفاقية بعدم استكمالها.
فمثلًا، لم يحقق التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة نتائج جدية نحو الحد من قدرات الحوثيين على مهاجمة الملاحة في البحر الأحمر.
ويرجح في حال عودة القرصنة مرة أخرى وتحالف التنظيمات الإرهابية في منطقة القرن الإفريقي مع جماعة الحوثيين خاصة في ضوء ورود مؤشرات حول سعي جماعة الحوثي للاستعانة بتنظيم القاعدة لتهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن وقد تمتد آثاره إلى مناطق ملاحية أخرى، فإن المجتمع الدولي سيتجه إلى إحداث تسوية لعدم نفاذ الاتفاق واحتواء آثاره السلبية لتهدئة الوضع في منطقة القرن الإفريقي والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
أما المسار الثالث فيتمثل في قدرة المجتمع الدولي على تحمل المخاطر الناتجة عن الاتفاق والتكيف معها وقدرة إثيوبيا على الحد من تأثيراته على الأمن والاستقرار في المنطقة وعلى أمن الملاحة في البحر الأحمر.
ويرجح وفق هذا المسار أن يتجه المجتمع الدولي نحو إيجاد تسوية لإيجاد منفذ بحري لإثيوبيا على البحر الأحمر وذلك بمحاولة إرضاء الأطراف المتضررة من الاتفاق سواء بوقف الاعتراف الإثيوبي بأرض الصومال أو بتعزيز المكاسب الصومالية بمشاركتها في صياغة جديدة للاتفاق تتيح لها الحصول على مكاسب مادية مع الدعم المالي والسياسي للصومال، مع توظيف إثيوبيا لعوامل الإغراء وتشبيك مصالح دول المنطقة معها ومنها الطاقة المولدة من المشروعات المائية الإثيوبية.
في الإجمال، حققت إثيوبيا نجاحًا كبيرًا في مسار استراتيجيتها نحو الوجود في البحر الأحمر، والمآلات النهائية لهذا الاتفاق ستكون نتاج الصراع بين المصالح المتناقضة في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر وما ينتج من هذا الصراع من تأثيرات على استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في تلك المنطقة الاستراتيجية.
ومن ناحية أخرى يخدم الاتفاق على مصالح طرفي الاتفاق الاستراتيجية وقوى أخرى إقليمية ودولية ترى في الوجود الإثيوبي في البحر الأحمر بما يخدم مصالحها ويدفع نحو إيجاد تسوية ترضي كافة الأطراف المرتبطة بالأزمة ومنها الدولة الصومالية خاصة موقفها من الاعتراف بأرض الصومال والتي قد تتخلى مؤقتًا عن الاعتراف بها نتيجة الضغوط الدولية على إثيوبيا في هذا الشأن وحجم المزايا الاقتصادية التي قد تحصل عليها والحماية التي قد توفرها لها إثيوبيا، وبما يحد جزئيًا من الآثار السلبية لهذا الاتفاق على الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي وأمن الملاحة في البحر الأحمر.