تقف دول مجلس التعاون الخليجي ومعها الدول العربية في لحظة فارقة للبحث عن الحلول لإيقاف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية التي اشتعلت منذ السابع من أكتوبر الماضي ومازالت مستعرة ، وراح ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ من المدنيين العزل في حرب خارج الأعراف والتقاليد العسكرية والقانونية تستهدف قصف دور العبادة للمسلمين والمسيحيين والمستشفيات والمدارس ودور الإيواء الدولية التي تشرف عليها الأمم المتحدة مع قطع كافة أشكال المساعدات الإغاثية الإنسانية للشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من العالم، وفي ظل عجز أو فشل العالم في إيقاف هذه الحرب أو إيجاد المخرج المناسب الذي يمهد الأرض للسلام، ذلك التمهيد المطلوب وبسرعة هو الذي مهدت له المبادرات العربية للسلام وتحديدًا ما تقدمت به المملكة العربية السعودية التي استشعرت أهمية السلام لجميع الأطراف المعنية في الشرق الأوسط بشأن القضية الفلسطينية التي تحولت على مدار سنوات طويلة إلى مخلب قط لقوى دولية وإقليمية للمساومة وتحقيق مكاسب لأطراف كثيرة ليس من بينها الطرف الأساسي وهو الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة والقتل والتشريد بينما تظل هذه الأطراف تتحين الفرص للمقايضة على حساب الشعب المتضرر صاحب القضية.
واستشعارًا بخطورة القضية الفلسطينية وتداعياتها وما تلقي به من عدم استقرار في المنطقة برمتها ، تقدمت المملكة العربية السعودية بمبادرتي فاس عامي 1981و 1982م، لتحقيق السلام والتعامل الواقعي مع القضية الفلسطينية وبما يضمن حقوق جميع الأطراف عبر سلام شامل ودائم وعادل، وانتظرت المملكة سنوات لترى كيف تتعامل إسرائيل مع مبادرتي فاس، وعندما يئست من التعامل الإسرائيلي، وفشل المجتمع الدولي في الضغط على إسرائيل، تقدمت بالمبادرة العربية للسلام التي وجدت قبولًا عربيًا لأول مرة، ووجدت إجماعًا غير مسبوق في القمة العربية التي استضافتها بيروت عام 2002م، هذه المبادرة التي تعاملت بواقعية شديدة لحل النزاع برمته في المنطقة وقدمت حلولًا لسلام شامل بين إسرائيل و جيرانها العرب وإقامة تطبيع كامل مع جميع الدول العربية مقابل تطبيق قرارات الأمم المتحدة السابق صدورها بشأن النزاع العربي / الإسرائيلي بعد عام 1967م، فدعت المبادرة لانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، والاتفاق على حل مشكلة اللاجئين، لكن إسرائيل ترفض ذلك كله دون مبررات أو تقديم بدائل، سوى الرغبة في الهيمنة والتوسع وتحقيق أحلامها وما تطلق عليه إسرائيل الكبرى دون احترام حقوق الآخرين في العيش المشترك والتعامل بما لا يظهر رغبتها في إنهاء الصراع الذي جاء على حساب التنمية وأدى إلى حروب وسباق تسلح.
وفي إطار الجهود السعودية لإنهاء الحرب على قطاع غزة، ولاستئناف السلام، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ إلى عقد قمة عربية / إسلامية طارئة بالرياض في نوفمبر الماضي، وترأسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، ودعت إلى إيقاف حرب غزة فورًا وإدخال المساعدات ثم استئناف مسيرة السلام، كما أوفدت رئاسة القمة لجنة وزارية رفيعة المستوى برئاسة سمو وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إلى الدول الكبرى والأمم المتحدة لشرح مطالب الدول العربية والإسلامية في إنهاء الحرب وتحقيق السلام.
وعلى ضوء هذه الجهود المستمرة للسعودية وشقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، المطلوب من المجتمع الدولي والدول الراعية للسلام في هذه اللحظة الفارقة أن تتوحد الجهود وتتكاتف لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كخطوة أولى ملحة، ثم إدخال المساعدات الإغاثية، والبدء في إعادة إعمار غزة وعودة اللاجئين إلى منازلهم وبالتوازي يتم البدء فورًا في التفاوض حول عملية سلام جادة ووفق أجندة واضحة، وهذه الأجندة وفرتها المبادرة العربية للسلام التي سبق وارتضتها جميع الأطراف بما فيها أطراف من إسرائيل نفسها وعلى الأطراف الدولية إقناع اليمين الإسرائيلي المتطرف بقبول السلام والتخلي عن أحلام الهيمنة والتوسع وفكرة اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وابتلاع الأراضي العربية الأخرى ومنها الجولان السورية والأراضي اللبنانية، والمعادلة واضحة لتحقيق ذلك وهي الرغبة العربية الصادقة في العيش المشترك بسلام للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وفي وجود آمن لإسرائيل بعد أن تعترف بالحقوق العربية وإعادة الأراضي العربية المحتلة إلى أصحابها والتخلي عن الأطماع والأحلام التي لن تتحقق في ظل وجود شعوب عربية على أراضيها قبل الصراع العربي / الإسرائيلي بآلاف السنين ووسط ثبات الحقوق التاريخية العربية التي لا تقبل المساومة تحت أي ظرف من الظروف.
وعلى إسرائيل أن تتخلى عن رغبتها في الحصول على السلام مقابل السلام دون التنازل عن الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، ودون قيام الدولة الفلسطينية على الحدود التي أسلفنا توضيحها، وغير ذلك يظل إهدارًا للوقت والفرص وتحقيق العربدة الإسرائيلية التي تنشر المزيد من الكراهية والعداءات بين الشعوب ، وعلى إسرائيل أن تعلم أن منطق القوة لا يستطيع تثبيت إسرائيل والحفاظ على أمنها مهما كانت تمتلك من أدوات القوة الغاشمة ووسائل الإبادة، ودرس حرب غزة خير دليل، فرغم الآلة العسكرية الغاشمة لقوات الاحتلال وتشريد ما تبقى من شعب غزة توجد مقاومة فلسطينية وتمسك الفلسطينيين بالبقاء على أراضيهم، كما أن تمسك إسرائيل بخيار القوة فقط سوف يؤدي إلى خروج الحرب عن السيطرة وتوسع رقعتها ودخول جماعات ودول خارجية في تغذية الصراع، وكذلك زيادة موجات الإرهاب التي تستهدف استقرار المنطقة بكاملها بما فيها إسرائيل ومصالح الدول الكبرى، وإن ما يحدث من مخاطر وتحديات أمنية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي ما هو إلا واحدة من نتاج هذه الحرب، وقد يتسع انتشار هذه التبعات وانتقالها إلى مناطق أخرى واستهداف مصالح دول أخرى، خاصة في ظل الصراع الدولي على تشكيل النظام العالمي الجديد ، ورغبة العديد من الدول الطامحة إلى إيجاد مناطق نفوذ لها خارج حدودها ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط.
نتمنى أن تصغي الدول الكبرى وتستجيب إسرائيل لأهمية إنهاء حرب غزة والتعامل بجدية مع مبادرة السلام العربية وعقد مؤتمر دولي للسلام بمشاركة الأطراف الدولية الفاعلة خاصة أن معظم دول العالم ترحب بفكرة هذا المؤتمر المأمول لوضع نهاية للصراع وبدء السلام.