مع استمرار العدوان الإسرائيلي الدموي على غزة وقتلها ما يقارب 25 ألف فلسطيني، بينهم حوالي 10 آلاف طفل، منذ بدء القصف الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر الماضي إضافة إلى التسبب في نزوح مليونًا و850 ألف فلسطيني من منازلهم ومناطق سكنهم في قطاع غزة دون توفر أي ملجأ آمن لهم، وتسببت الغارات الإسرائيلية في تدمير 62 ألفا و990 وحدة سكنية كليًا و 172 ألفا و55 وحدة سكنية جزئيًا وهو أمر يوضح أن إسرائيل تتحدى الجميع، وتتحدى حلفاءها، والقانون الدولي، والأمم المتحدة بالتالي فإن ضحايا هذه الحرب ليسوا فقط من الفلسطينيين الأبرياء الذين يقتلون، بل من بين ضحايا هذه الحرب مصداقية القانون الدولي، والعمل الجماعي المتعدد الأطراف والقيم الإنسانية والإيمان بالسلام. ويمثل ذلك سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني منذ عام ١٩٤٨م، نتيجة احتلال أراضي عربية ولدت صراع أصبح صراع القرن.
يشكل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بؤرة صراع دائم في الشرق الأوسط، تعاني منها الشعوب العربية وأصبح هذا الصراع يؤثر على المجتمع الدولي ككل وليس فقط على الشرق الأوسط، لذلك وجب التحرك الجماعي والسريع لإنهاء هذا الصراع وإيجاد حل له. أخذاً في الاعتبار وجود تناقض ملحوظ بالوعي الدولي للقضية الفلسطينية، وهذا التناقض يشعل فتيل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي. ومن أجل خفض دائرة الصراع وجب التحرك نحو تنفيذ خطط سلام فعلية وبالتعاون مع المجتمع الدولي وجميع أطرافه.
ولن يكون ذلك بدون وقف إطلاق النار. لأن كل يوم يمُر مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة يبعدنا عن سلامٍ مستدام في المستقبل، فهذا القتل والتدمير بالجملة من ناحية، والعقاب الجماعي الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي من ناحية أخرى يزرع الكراهية والغضب في فلسطين والشرق الأوسط في الفترة القادمة وسيترك جراحاً مفتوحة لن تندمل بسهولة.
ولا شك أن وقف إطلاق النار في غزة ودخول المساعدات هو المطلب الآمن. ومن ثم فإن التفكير السليم، يقتضي العمل وبأسرع وقت ممكن على تحقيق حل الدولتين وفقًا لجوهر المبادرة العربية، بمقوماتٍها المعروفة، ومُحدداتٍها التي اتُفق عليها منذ أكثر من عشرين عاماً، والأهم من ذلك أن يحظى بالإجماع العالمي، وذلك يُمثل جوهر مبادرة السلام العربية في إنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان ومن ثم قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس لأنه السبيل الوحيد لتأمين الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
وتبنّي هذه المبادرة في الوقت الحاضر أصبح ضرورة قصوى في ظل استمرار الانتهاكات الإنسانية التي تمارسها إسرائيل على الشعب الفلسطيني. فمما لا شك فيه أن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف. وبما أن العالم يجنح للحل السلمي لهذا الصراع، فوجب مطالبة حكومة الاحتلال الإسرائيلي إعادة النظر في سياساتها لأن ثمة إجماع عالمي أن السلام العادل هو الخيار الاستراتيجي والإنساني الوحيد الآن. فالحل البديل لصراع الدولتين هو إقامة الدولة الواحدة التي ستنتهي بالفصل العنصري الذي لن يقبل به المجتمع الدولي.
وأصبح التحرك السريع لإعادة إحياء مبادرة السلام هو الحل الأمثل بعد وقف إطلاق النار، لأن المبادرة العربية للسلام تمثل فكرة سياسية جوهرية نادى بها الكثير من العرب وتزايدت الدعوات إلى شكل الدولة الفلسطينية وحدودها وهناك العديد من الأفكار التي يمكن مناقشتها، ولكن التعنت كان من الجانب الإسرائيلي.
ومن الثابت في العلاقات الدولية أن نشر السلام والأمن العالميين هو مبدأ مترسخ ويحتاج دائماً للدعم، المتمثل في حشد الدول والمنظمات الدولية والإقليمية بهدف حصر التهديدات المشتركة التي تتجاوز حدودها مبادئ القانون الدولي الأساسية، ومن جهة أخرى تعزيز التعاون بين المنظمات الدولية والإقليمية للعمل على دعم أي جهود لعملية سلام مستدامة التأثير على النطاق المحلي والعالمي. وبالتالي فإن أهم سبل تنفيذ المبادرة، هي حشد الدعم الدولي من أجل تحقيق أهدافها على أرض الواقع للوصول إلى حل الدولتين، وهذا قد يكون نقطة تحول حقيقية في مصير هذا الصراع الممتد منذ عقود.
فبدون السلام، لن تنخفض الخسائر الفادحة وستزداد الاحتياجات الإنسانية، فمن الممكن أن يكون الاستثمار في بُعد السلام أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لمعالجة الدوافع المعقدة والمتعددة الأسباب والمتغيرة باستمرار للعنف، وتعزيز المستوى المحلي لمصادر القدرة على الصمود للتصدي للنزوح القسري. مثل هذا الاستثمار في السلام يمكن أن يخفض الصراعات التي قد تؤدي إلى المزيد من الأزمات المزمنة ويوفر المزيد من الحلول للأزمات طويلة المدى. ومع ذلك، فإن ضمان التأثير الإيجابي على السلام لهذه الاستثمارات يتطلب استيعاب حقيقي لحساسية الصراع.
فالسلام الإقليمي يشمل السلام لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية، لأن أمن منطقة الشرق الأوسط يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية، يُبنى على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يكفل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.