array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 194

"المقاطعة" ترغم إسرائيل على قبول المبادرة العربية وقيام السلام المنشود

الخميس، 25 كانون2/يناير 2024

رغم مرور أكثر من ثلاثة أرباع القرن، على العدوان الصهيوني على فلسطين، والأمة العربية، وما نجم عن هذا العدوان من صراع دام، إلا أن الكيان الصهيوني لم يقدم بادرة سلام واحدة. فقد ثبت أن إسرائيل لا تريد السلام، مع الفلسطينيين والعرب، بل تريد الاستسلام لمشروعها الاستيطاني-الاستعماري. منذ قيام إسرائيل في عام 1948م، طرحت العشرات من مبادرات "السلام" لحل هذه المعضلة، وإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، التي نجمت عن قيام إسرائيل، واندلاع الصراع الفلسطيني – الصهيوني، والصراع العربي – الإسرائيلي. وقد عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الالتفاف على كل هذه المبادرات، والسعي لتمييعها ... والمضي قدمًا في خططها الرامية للاستيلاء على كامل فلسطين، عبر الاستيطان وغيره، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في وطنه.  وهناك مبادرات تظاهرت إسرائيل بقبولها ... ثم أتبعت أسلوب المماطلة الصهيونية المعروف، لكسب الوقت، ومن ثم وأد تلك المبادرات.

   ولكن، هناك مبادرات دولية لم تستطع إسرائيل وأدها كغيرها، رغم أنها أعلنت رفضها لها مرارًا وتكرارًا، ورغم قبول الفلسطينيين والعرب بها. ولكن قوى نزيهة في المجتمع الدولي تحرص على دعمها، وتحاول فرضها على إسرائيل، التي تستقوى بداعميها، وفى مقدمتهم أمريكا، لرفضها واستبعادها. وأهم هذه المبادرات (المتشابهة) مبادرتي "السلام العربية"، والمبادرة الدولية "الأممية" التي تسمى بـ "حل الدولتين".

                                   **** 

    بالنسبة لمبادرة السلام العربية، فقد أقرها مؤتمر القمة العربية، المنعقد في بيروت سنة 2002م، وأصلها مبادرة سعودية.  وهي تهدف إلى: إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ومعترف بها دوليًا على حدود سنة 1967م.  وتتضمن: التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتفق عليه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، ورفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة، والانسحاب من هضبة الجولان، وكل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، وما بعده.  وذلك مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها، وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي.

                                      ****

     أما "حل الدولتين"، فهو مشابه لمضمون مبادرة السلام العربية. ويهدف لإقامة دولتين، بدلا من دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية، هما: دولة فلسطين ودولة إسرائيل.  وهو مستمد من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967م.  وأعتمد كمرجعية للمفاوضات الشهيرة التي جرت في أوسلو عام 1993م، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي تمخض عنها الاعتراف المتبادل بين هذين الطرفين. إنه يعنى: إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967م، أي على ما يعادل 23% من أرض فلسطين.  وهناك شبه إجماع دولي بأن على إسرائيل إنهاء احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، وقبول قيام دولة فلسطين على هذه الأراضي التي تعتبر – دوليًا – محتلة من قبل إسرائيل.

                                     ****

   ومن ذلك، نرى أن معظم الفلسطينيين والعرب، ومعظم دول العالم، تدعو لحل هذا الصراع، والذي هو أصلاً عدوان صارخ على الفلسطينيين والعرب، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المذكورة، بجانب إسرائيل، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً، وإبرام معاهدة سلام دائم بين العرب وإسرائيل.  وهذا ما أكدت عليه ما يسمى بـ "اللجنة الرباعية الدولية" (المنحازة لإسرائيل) التي شكلت، من قبل مجلس الأمن، للمساهمة في حل هذا الصراع ...  

                                        **** 

   ولكن، ماذا تريد إسرائيل؟! ترفض إسرائيل، وبخاصة اليمين الإسرائيلي، بشدة، مبادرة السلام العربية، وكذلك "حل الدولتين" الأممية.   فهي ترفض بقوة إقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل.  لذلك، تعلن مرارًا وتكرارًا، وبوقاحة منقطعة النظير، رفضها للمبادرتين ... لان كل منهما تستوجب قيام دولة فلسطينية مستقلة، جنبًا إلى جنب مع إسرائيل.  ورغم بقاء هاتين المبادرتين، ونجاتهما من الخبث الصهيوني، إلا أن كل منهما تتعرض، من حين لآخر، لضغوطات، ومحاولات محمومة لتغيير جوهر كل منهما. ومع ذلك، تبقى المبادرتان، المتشابهتان لأكبر حد، مطروحتان في الساحتين الإقليمية والعالمية ... كحل شبه عادل لهذه المأساة، الناجمة عن عدوان صهيوني شرس، وغير مسبوق.

                                     ****      

   لقد عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الالتفاف على المبادرات العديدة الرامية لوضع حل سلمى، ونهاية لمأساة الشعب الفلسطيني، وواصلت السعي لتمييعها ... والمضي قدمًا في خططها الرامية للاستيلاء على كامل فلسطين، عبر الاستيطان وغيره، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في وطنه.  وأتبعت أسلوب المماطلة الصهيونية المعروف، لكسب الوقت، ومن ثم وأد تلك المبادرات.

   وبينما تتمسك القيادة الفلسطينية في رام الله بـ "حل الدولتين"، فإن هذه القيادة أعلنت مؤخرًا وصراحة، أنها لا تمانع في قبول "حل الدولة الواحدة" ... شريطة أن تكون هناك مساواة بين كل مواطنيها، سواءُ كانوا يهودًا أو فلسطينيين. ولكن إسرائيل ترفض بشدة حل الدولة الواحدة المساوية فيما بين مواطنيها في الحقوق والواجبات ... مما يؤكد "عنصرية" إسرائيل، وإصرارها على أن تكون دولة لليهود فقط ... لا يسمح فيها لغير الصهاينة بالإقامة، إلا ربما كمواطنين من الدرجة الدنيا. وكل ذلك يكشف وجه إسرائيل القبيح، ويؤكد عدوانيتها، وعنصريتها المقيتة.

  إسرائيل ترفض، إذن، "حل الدولتين"، سواء العربي أو الأممي، لرفضها قيام دولة فلسطينية مستقلة، يعيش فيها الشعب الفلسطيني الذي شرد، واحتلت أرضه.  كما ترفض "حل الدولة الواحدة " التي يعيش فيها اليهود والعرب كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات... لأنها تريد إقامة دولة يهودية عنصرية خالصة، وعلى حساب شعب بأكمله.

                                    **** 

   وللالتفاف على هذه المبادرات والحلول السلمية المقترحة، طالبت إسرائيل بتوطين الفلسطينيين في الأردن.  كما قدمت حلاً ... يتمثل في: احتفاظ إسرائيل بكامل فلسطين، أرضًا وسكانًا ... مع إقامة " كانتونات" (تسميها " إمارات ") فلسطينية متناثرة في الضفة الغربية وغزة، يقيم الفلسطينيون في كل منها ... دون رابط قومي ووطني واحد ... وبحيث يسمح لكل كانتون بممارسة الحكم المحلى على أرضه ...؟!

   وهذا "الحل" يذكر بدولة "جنوب إفريقيا" العنصرية سيئة الذكر.  وهي الدولة الهالكة التي اندثرت، وزالت إلى غير رجعة ... تحت أقدام المقاومة الإفريقية والدولية النزيهة لها.  والفلسطينيون، والغالبية الساحقة من العرب، ترفض – بالطبع – حل الدولة ذات الكانتونات العنصرية. والعجيب أن إسرائيل لا تخجل من اقتراح هذا الحل، الذي ينم عن عدوانية حاقدة وعنصرية بالية، وإصرار مقيت على عدم إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، أو الحد الأدنى من هذه الحقوق، التي سلبتها إسرائيل بكل وقاحة.

    يبقى على الأطراف النزيهة في المجتمع الدولي مسؤولية إنصاف الشعب الفلسطيني من هذا الظلم الصهيوني القاهر، وتمكين الشعب الفلسطيني، بعد هذه العقود من التشرد والمعاناة، من الحصول على الحد الأدنى من حقوقه المشروعة في أرضه، والذي يتمثل في أحد وضعين: إما "حل الدولتين"، وقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، واما إقامة دولة ديمقراطية واحدة ... يعيش فيها الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات.

                                      ****

    تعتبر مبادرة السلام العربية، في منتهى التسامح والمسالمة والواقعية.  وقد اعتبرها كذلك كل المنصفين في العالم، بمن فيهم بعض اليهود والمتصهينين.  ورغم هذا، فقد رفضتها حكومة إسرائيل في اليوم التالي لصدورها ... وقبل أن يجف الحبر الذي كتبت به.  ولم تكتف بالرفض، بل اجتاحت قواتها، عندئذ، الضفة الغربية، وأعملت فيها – كالعادة – قتلا في أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، وتدميرًا لما تبقى لديهم من منشآت ومرافق ومنازل (مذبحة جنين) ....في استهزاء صارخ بهذه المبادرة، وبكل القيم والشيم الإنسانية النبيلة.

      وبالطبع، فإن هذا الكيان الصهيوني "يستقوى" بأسياده المستعمرين الغربيين ....  وهؤلاء يستعذبون هذا الظلم، ويدعمونه. وهم الذين يهيمنون – مع الأسف – على معظم السياسة الدولية الراهنة، غالبًا بأهداف بشعة، وهمجية.   ولقد وضح أن هذا الكيان الصهيوني الغاصب، والغرب المناصر له، لا يفهم إلا لغة واحدة، هي لغة "القوة "، بكل معانيها وعناصرها.   لذلك، فإنه لا يعرف قيم التسامح والمسالمة والنوايا الحسنة، والحلول الوسط، ناهيك عن مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، لكل البشر.   والإ ما معنى هذه المذابح التي يرتكبها، على مدار الأيام، وبإصرار عجيب على القتل والتدمير، وإبادة أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين؟!

                                          ****

     وهذه الخصيصة بدأ يتجاهلها بعض العرب، إما عن قصد، أو خبث، ومآرب آنية خاصة، أو غباء.  فإن سلمنا بأن مبادرة السلام العربية هي أقصى ما يمكن للعرب أن يقدمونه ..... مقابل تنازل عن حقوقهم في أغلب فلسطين، وأنها -أي هذه المبادرة -تمثل الحد الأدنى (الذي لا مبرر للمساومة عليه، ولا يجوز إنقاصه أكثر) إن اتفق على ذلك، فإن الكرة تكون قد أصبحت في ملعب الصهاينة وأنصارهم ... إن أرادوا سلاماً (مقبولًا) فالباب مفتوح، وإن لم يريدوا ذلك – كما تشير الدلائل –   فليشهد العالم أن ذلك الكيان يدفع الطرف الآخر – دفعًا – نحو المقاومة المشروعة لأطماعه، وبكل الطرق الممكنة.

        الواقع يؤكد أن: إسرائيل لن تقبل هذه المبادرة العربية الكريمة، أو غيرها، إلا إذا أجبرت على ذلك – بشتى طرق المقاومة الممكنة.  أما إن لم تجبر، فإنها ستعود إلى أساليب: تاجر البندقية، وكوهين، وشارون ونتنياهو، وغيرهم، المعروفة.  ولا يمكن أن نتوقع ممن أنشأوا إسرائيل أن يضغطوا عليها كي تقبل إرادة معظم العالم، وقانونه الدولي. إن "الحل" مع هذا التحدي المصيري – بالنسبة للعرب – يكمن في: استخدام ما تبقى بيد العرب من "أوراق" أو – بمعنى آخر – في "القوة "، بكل معانيها، وليس في القوة العسكرية وحسب. وتتوفر معظم عناصر القوة هذه للعالم العربي، وبمقادير لا باس بها... ولا ينقص معظم دوله إلا "السياسات" الحكيمة، والإدارات الرشيدة المخلصة ...  التي تعمل على خدمة الصالح العام، واستغلال وتنمية قدرات الدول، لأقصى حد ممكن، ثم الاتحاد (أو التضامن) .... لتحقيق الأهداف الجماعية العليا.

                                          ****

        وفى الواقع الراهن، لا يمكن زحزحة إسرائيل عن تعنتها، وفرض الحل العادل، الذي تتضمنه مبادرة السلام العربية والدولية، إلا عبر الضغط الدولي، وما يمكن اعتباره "أضعف الإيمان " ...  من ضغط سياسي عربي على الكيان الصهيوني، من ناحيتين، هما:

    1 -دعم المقاومة المدنية الفلسطينية ضد إسرائيل، بأنواعها السلمية المعروفة والتي أثبت التاريخ السياسي نجاعتها .... على يد كثير من القادة السياسيين، أمثال: مهاتما غاندي، مارتن لوثر كينج، نيلسون مانديلا ... الخ.

  2 -المقاطعة العربية الجادة والحازمة ... وتنفيذ قرارات القمم العربية بعدم "تطبيع" أي دولة عربية العلاقات مع إسرائيل إلا بعد استجابة الأخيرة لمتطلبات السلام المعروفة، والمتفق عليها دوليا.

      ولا جدال، أن المقاطعة العربية الجادة والشاملة لإسرائيل هي (أو هكذا يفترض) من أمضى الأسلحة ضد هذا الكيان الإجرامي، وضد عربدته المستفزة للمشاعر الإنسانية الخيرة.   ثم: ماذا سيستفيد "المطبعون" من إسرائيل، غير إغضاب شعوبهم، وتسويد تاريخهم ؟!

      إن من المستوجب الآن أن يتعهد كل العرب بالمقاطعة الكاملة لإسرائيل، ومن يدعمها، ما لم تستجب لمطالب السلام العادل والمقبول .... التي جاءت بها مبادرة السلام العربية ... وهي المبادرة المعتمدة أصلا على نصوص معروفة للشرعية الدولية، ممثلة في قرارات "الأمم المتحدة "، وغيرها.  هذه المقاطعة هي التي سترغم إسرائيل على قبول هذه المبادرة .... ومن ثم الجنوح للسلم، وإنهاء هذا الصراع، وقيام السلام المنشود.  والجدية فيها ستدفع المجتمع الدولي للعمل على التدخل لإنهاء هذا العدوان.  أما التهاون العربي فسيؤدى إلى العكس. إن المقاطعة هي "الورقة" الأخيرة والأكثر حسماً، في يد العرب، تجاه العدوان الصهيوني.  وإن فرط العرب فيها، فلن تقدم إسرائيل شيئاً، بل ستتمادى في غيها، وتوسعها، وتحصل على ما تريد دون مقابل.  

                                         ****

      وإذا استثنينا من المقاطعة (مرحلياً، ولأسباب سياسية واضحة) كل من: مصر وفلسطين (السلطة الفلسطينية) وربما الأردن، فإن على بقية الدول العربية والإسلامية أن تقطع كل صلة لها بالكيان الصهيوني، حتى يقبل مستحقات السلام شبه العادل.  من هنا، تصبح إقامة صلات – ناهيك عن علاقات – من قبل أي طرف عربي مع إسرائيل، قبل رضوخ الأخيرة لمتطلبات السلام، متاجرة بالحقوق العربية، وتنازلاً، لا مبرر شريف له ...  بل جريمة في حق الأمة، والأمن والسلام الحقيقيين، في المنطقة ... خاصة إذا استذكرنا أن الخطر الصهيوني يهدد كل الأمة، ولا تقتصر أطماعه على فلسطين وحسب.

      وإن من يقدم على هكذا تحرك (من الدول العربية والإسلامية) إنما يشارك الكيان الصهيوني في جرمه، في حق الفلسطينيين والعرب، وفى حق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة. ويتضاعف هذا الجرم عندما يبرر من يقدم على هذه الخطوة – من العرب والمسلمين -تحركه هذا، بأنه "لخدمة القضية الفلسطينية".... فهذا يعتبر أسخف "مبرر" موجود الآن على الساحة السياسية.  إذ كيف تحسب الخيانة الكبرى للقضية بأنها "خدمة" لها ؟!!  ويقتصر "التطبيع" العربي مع إسرائيل، على العلاقات الحكومية. أما معظم الشعوب العربية، فيبدو أن من المستحيل "قبولها" بالكيان الصهيوني، كما هو.  فهل يشرع العرب بالفعل، وبجدية وصدق، في هذه المرحلة البائسة من تاريخهم، في القيام بما يقتضيه "أضعف الإيمان"، دون خوف أو وجل ....  حفظًا للأمة، وحماية لأنفسهم، وأجيالهم القادمة ؟! ما زالت الأمة بخير، وما زالت قادرة على مقاطعة/مكافحة أبشع صور الظلم والعدوان في هذا العصر.

                                       ****

   وما زال الشعب الفلسطيني يتطلع نحو الأطراف النزيهة في المجتمع الدولي، راجيًا منها تحمل مسؤولية إنصافه من هذا الظلم الصهيوني القاهر، وتمكينه، بعد هذه العقود من التشرد والمعاناة، من الحصول على الحد الأدنى من حقوقه المشروعة في أرضه، والذي يتمثل – بصفة رئيسية -في أحد وضعين: أما "حل الدولتين"، وقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، وأما إقامة دولة ديمقراطية واحدة ... يعيش فيها الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات.  أما الحلول "الترقيعية" فلن تكون حلولاً. ولا يجب أن تشكل المستوطنات الإسرائيلية عقبة مقصودة، لأن هذه المستوطنات غير مشروعة أصلاً. والعدالة المجردة تقتضي أن تعطى منشآت هذه المستوطنات للجانب الفلسطيني، كجزء من تعويضه عما مضى.

     وتظل الأنظار متجهة إلى أمريكا ودول الغرب المتنفذ الأخرى، التي لديها مفاتيح حل هذه المأساة ... والتي ربما تدرك الآن أن إسراعها في وضع حل ينهي هذه المأساة لن يكون لاعتبارات إنسانية وخيرية وحسب، بل وللإسهام في استتباب الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وبما يصب في نهاية الأمر في مصلحة الغرب، وكل العالم.

    وكما هو معروف، فإن أمريكا تلعب الدور الرئيس في هذه القضية / المأساة ... بسبب كونها الدولة العظمى الأولى حاليًا، والداعم الأكبر للكيان الصهيوني.  بل إن العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية تجاوزت الدعم والتأييد إلى التحالف الفعلي الوثيق.  وهذا الدعم الأمريكي المطلق والأعمى وضع إسرائيل فوق كل القوانين والأعراف الدولية، وأطلق يدها ... لتعمل ما تشاء، دون حسيب أو رقيب يحاسبها، ويعاقبها. كما جعل أميركا شريكًا كاملاً في العدوان الصهيوني على فلسطين، والأمة العربية.

مقالات لنفس الكاتب