array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 194

دور أمريكا ينطلق من تبنيها مواقف إسرائيل بصورة تامة ما قضى على دورها كوسيط للسلام

الخميس، 25 كانون2/يناير 2024

تعتبر الحرب في غزة من الأحداث المحورية التي غيرت مجرى الأمور في المنطقة وربما العالم، صحيح أنها لاتزال مشتعلة ولم نشهد نهايتها بعد، لكنها ومنذ اليوم الأول أفرزت نتائج كبيرة بغض النظر عما سيأتي فيما بعد ولعل من أهم نتائجها تهاوي نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على فرض السلام من خلال القوة المفرطة وفشل المقاربة الأمريكية القائمة على دعم إسرائيل في كل ما قامت وتقوم به لقناعتها بأن العرب لن يكون لهم خيار إلا الانصياع، لذلك يمكننا القول بأن نتيجة الحرب الأولى هي أنها أعادت الصراع إلى المربع الأول الذي رفضته إسرائيل وتجاهلته الولايات المتحدة لعقود طويلة ألا وهو أهمية إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية الذي يلبي طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولة ذات سيادة على الأراضي المحتلة عاصمتها القدس الشريف. هذه القضية سعت لها الدول العربية قبل أكثر من عقدين من الزمن من خلال المبادرة العربية، لكن الحرب في غزة أعادتها إلى الواجهة، وفتحت أعين الإدارة الأمريكية وكذلك بعض السياسيين الإسرائيليين إليها بوصفها الطريق الأسلم لحل القضية ليس من باب الاستجابة لحقوق الفلسطينيين بل لقناعتهم أن الطريق الذي سلكته إسرائيل بدعم غير محدود من الولايات المتحدة ليس في صالحها على المدى البعيد ولذلك بدأ الحديث عن البدائل ومنها المبادرة، فما هي المبادرة العربية؟ وماهي حظوظها في النجاح هذه المرة، وهل الإدارة الأمريكية جادة أو قادرة على فرضها ووضع إسرائيل أمام الأمر الواقع؟  هذا ما نحاول الإجابة عليه في السطور القادمة.

 

المبادرة العربية للسلام

مبادرة تهدف للسلام الشامل بين الدول العربية وإسرائيل تقدمت بها المملكة العربية السعودية ممثلة بالراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان حينها ولياً للعهد، وأقرتها القمة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002م، نصت المبادرة على ما يلي:

  • إقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967م.
  • انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان.
  • عودة اللاجئين الفلسطينيين.
  • مقابل ذلك تقوم الدول العربية بالاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.

لاقت المبادرة التي تأسست على قاعدة الأرض مقابل السلام قبولاً عربياً واسعاً خصوصاً أنها جاءت من المملكة العربية السعودية لكنها واجهت رفضاً قاطعاً من إسرائيل التي فضلت استراتيجية أخرى تبناها اليمين الإسرائيلي قائمة على إحداث فوضى في المنطقة ودفعها للقبول بمبادرة "السلام مقابل السلام" أي عدم الانسحاب من الأراضي المحتلة.  لذلك لم تحقق المبادرة العربية التقدم المطلوب على أرض الواقع نتيجة الرفض الإسرائيلي والإهمال الأمريكي.

 

الغموض سيد الموقف الأمريكي

هناك بعض النقاط الأساسية التي يمكن أن تساعد في فهم السلوك الأمريكي من الأحداث عامة والحرب في غزة وما سيكون بعد الحرب نذكر منها:

أولاً-لابد من الإقرار بخطأ المقاربة الأمريكية تجاه المنطقة التي تأسست خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة على أساس أن أمن إسرائيل هو المصلحة الوحيدة لها في المنطقة.  هذا الموقف أفرز العديد من السياسات ومنها:

  • تضخيم الدور الإيراني والجماعات المرتبطة بها على حساب الدول العربية السنية.
  • التحالف مع الأقليات الدينية والعرقية على حساب الأغلبية في دول المنطقة.
  • إضعاف دور الحكومات على حساب الجماعات التي تمثل الأقليات العرقية والطائفية وحتى المسلحة منها والموسومة بالإرهاب.
  • إهمال العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع دول المنطقة باستثناء العلاقات الأمنية لأنها مهمة لضمان تفوق إسرائيل العسكري.
  • تبني المواقف والسياسات الإسرائيلية من دون أدنى مراعاة لواقعية تلك السياسات وآثارها البعيدة على المصالح الأمريكية في المنطقة وموقفها الدولي.

 

إن النظرة الواقعية للدور الأمريكي في المنطقة يجب أن تنطلق من نقطة أساسية وهي أن الولايات المتحدة بسبب تبنيها للمواقف الإسرائيلية بصورة تامة قد قضت على دورها كوسيط في عملية السلام.  هذه المسألة مهمة جداً بغض النظر عن طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة وهي ليست دعوة لعدم التعامل معها في هذه القضية بل العكس فهي دعوة لتقرير الحقائق لكي تكون البداية أقرب للنجاح من سابقاتها.     

 

ثانياً-صعوبة إحداث تغيير في الموقف الأمريكي: ليس من الصعب الوصول إلى نتيجة أن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة عامة والقضية الفلسطينية خاصة لم تكن صائبة ليس لأنها أضرت بمصالح دول المنطقة وقد حصل ذلك بالفعل بل لأنها أضرت بالمصالح الأمريكية في المنطقة ومكانتها العالمية.  لكن الأصعب من ذلك سيكون إحداث تغيير في دفة المقاربة الأمريكية بناءً على تلك المعطيات وهذا من أعقد الأمور إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار العوامل التي تقيد حركة الحكومة الأمريكية وخصوصاً الحالية في مواقفها من القضية والتي من أهمها مايلي:

  1. أن الأحداث تزامنت مع حملة الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في نوفمبر القادم ولأن القاعدة تقول أن السياسات تدخل في مرحلة خمود في سنة الانتخابات لكونها فترة ترقب وانتظار لنتائجها أولاً ولأن جهود الإدارة تتركز على الانتخابات وليس أي شيء غيرها خصوصاً عندما يكون الرئيس أحد المرشحين، بالإضافة إلى أن المعارضة تستغل العملية السياسية ومناكفة الحكومة كوسيلة انتخابية ولذلك تخلو هذه الفترات من أية مبادرات كبيرة خوفاً من تأثيرها على الانتخابات ومواقف أصحاب الأموال الذين يمتلكون الرأي الحاسم في توجيهها من خلال دعم أو حجب الدعم عن المرشحين.
  2. قوة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.
  3. الأثر الكبير لليمين المسيحي في أمريكا وخارجها والذي يؤمن بأن قيام إسرائيل يمهد لظهور المسيح والذي يشكل قوة انتخابية منظمة.
  4. الانقسام الداخلي الأمريكي: هناك انقسام حاد غير مسبوق في المجتمع الأمريكي وقد برز هذا الانقسام في مواطن عديدة هددت الأمن والسلم الداخليين ووصلت لدرجة تهديد النظام السياسي القائم وذلك من خلال قيام مجاميع منظمة بمهاجمة مبنى الكونغرس الأمريكي أثناء جلسة المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة في محاولة للتأثير على المشرعين من خلال التهديد بالقتل في سبيل تغيير نتيجة الانتخابات. هذه الحادثة ليس لها سابقة سوى الحرب الأهلية التي هددت أمريكا بالتقسيم بين قوى الشمال والجنوب ومن اللافت أن التعديل الدستوري الذي أفرزته تلك الحرب وهو مادة الدستور التي تمنع من شارك في محاولة الانفصال من تولي أي منصب فيدرالي هي التي استخدمتها المحكمة العليا في ولاية كولورادو في منع ترشيح ترامب للرئاسة. هذا الانقسام أدى إلى شلل واضح في العملية السياسية وعدم التقاء الأطراف على أي شيء وأوصل التعصب الحزبي إلى أعلى درجات السلطة وأفرز أمرين مهمين بالنسبة لأية مبادرة خارجية جادة والتي تحتاج أولاً إلى إجماع الأطراف الأمريكية عليها لأنها يجب ألا تكون عرضة للصراعات الحزبية، كما حصل للاتفاق النووي مع إيران الذي تحمست له وأقرته إدارة أوباما, لكن إدارة ترامب سارعت إلى الانسحاب منه وثانيًا هذا الانقسام جعل الموقف من الحرب في فلسطين وتصورات الحلول لها موضع مزايدات حزبية بين المترشحين للرئاسة دفعت بأغلبية المرشحين إلى التسابق في دعم الموقف الإسرائيلي لذلك سوف يكون من الصعب على الإدارة الحالية اتخاذ موقف جريء في قضية حساسة مثل هذه. 
  5. ضعف وانقسام الدور العربي في واشنطن والمنظمات الدولية الذي يعود السبب الأول فيه إلى غياب الجهد الاستراتيجي في المقاربة العربية وكذلك نجاح الجهود الأمريكية في تقليص الدور العربي في القضية الفلسطينية.

 

الموقف في إسرائيل من أكبر العقبات التي تقف أمام المبادرة

قد يعتقد البعض أن الدعوة إلى تبني قيام الدولة الفلسطينية بالنسبة للإسرائيليين فكرة جديدة وهذا أبعد ما يكون عن الصواب فقد نشرت صحيفة نظرت "هاآرتس" في شهر أغسطس الماضي تقريراً أشارت فيه إلى أن رئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير نظرت في إمكانية تشكيل دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل بعد ثلاث سنوات من حرب "الأيام الستة".  فإذا كانت مثل هذه القناعات موجودة عند العديد من القادة الإسرائيليين فما الذي يحول دون تحقيق رؤية حل الدولتين:

  1. رفض إسرائيل الاعتراف بالحدود: كان الموقف الإسرائيلي المتشدد من القضية الفلسطينية عامة وحل الدولتين خاصة وما يزال من أكبر العقبات التي تقف أمام أي تقدم في هذا المجال. هذا الموقف المتصلب تقف وراءه العديد من العوامل منها ما هو مبدئي ومنها ما هو تكتيكي ولعل من أهم القضايا المبدئية هو أن قبول الفكرة سوف يؤدي بإسرائيل إلى الإقرار بحدود دولية وهي التي كانت قائمة قبل حرب 1967م.  هذه المسألة شائكة وفي غاية التعقيد وتحظى بمعارضة شديدة من الأحزاب الدينية لأن ذلك من شأنه أن يقوض الرواية الدينية التي استخدمت في تبرير قيام إسرائيل من خلال وصفها بأنها أرض الميعاد.  ذلك أن الوعد الذي جاء في الكتب المقدسة ينص على أن أرض إسرائيل هي من الفرات إلى النيل فكيف تلتزم إسرائيل بأي حدود أخرى؟
  2. العامل السياسي: التشكيلة الحكومية القائمة لن توافق على أي مبادرة للسلام مهما كانت طبيعتها فهي لن تقبل بغير ترحيل سكان غزة إلى سيناء أو أي مكان في العالم وكذلك ترحيل عرب الداخل وسكان الضفة إلى الأردن لأن إسرائيل لا مكان فيها من وجهة نظرهم لغير اليهود. الحرب في غزة وسوء أداء القيادة السياسية في إسرائيل وضعت رئيس الوزراء نتنياهو في موقف ليس فيه أي مجال للمناورة فهو لابد أن يستجيب لأهواء الأحزاب الدينية المتشددة لأنها تمسك بخناقه من خلال الأصوات التي تمتلكها في الكنيست حيث يكفي انسحاب واحد منها والتصويت بحجب الثقة عن الحكومة لتهوي بها وعندها سيكون عرضة للتحقيقات التي ستكشف اخفاقاته الكبيرة وتنهي حياته السياسية على الأقل ولذلك رأيناه يتخندق وراء التخويف من مبادرة حل الدولتين لتوحيد المعارضة وراءه والتلويح بأنه الوحيد القادر على التصدي للضغوط الأمريكية.
  3. الاستيطان: العقبة الأخرى التي تقف أمام أي مبادرة جادة هي الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل من خلال التوسع الاستيطاني في الأراضي المحتلة والذي كان بموافقة الولايات المتحدة ورضاها التام ودعمه على الرغم من بعض التصريحات الفارغة التي صدرت هنا أو هناك ولعل من أكبر الأدلة على الموقف الأمريكي أن أغلب تلك المستوطنات بنيت بأموال متبرعين أمريكان وهي تبرعات معفاة من الضرائب الأمريكية.

تعود بداية "الاستيطان في الضفة الغربية مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م، حيث تم تعديل المنظومات القانونية، عبر اعتماد توليفة من الأوامر العسكرية غير القانونية، التي تشرّع مصادرة أراضي الفلسطينيين العامة والخاصة والاستيلاء عليها، بغرض استخدامها لبناء المستوطنات والخدمات الخاصة بها والأغراض الاستيطانية.  واعتمدت جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة بناء المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية، وتقديم الحوافز والتسهيلات لتشجيع هجرة الإسرائيليين إليها. وبعد أن كانت الضفة الغربية خالية تمامًا من المستوطنات عام 1967م، بلغ عددها هناك مع بداية عام 2023م، نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يسكنها 726 ألفًا و427 مستوطنًا".

  1. ضعف الكيان الفلسطيني.
  2. ضعف الدور العربي في القضية الفلسطينية.

 

المطلوب لإحياء المبادرة

كما ذكرنا أعلاه فإن المبادرة تم إقرارها في القمة العربية قبل أكثر من عشرين عاماً وهي العرض الوحيد الموجود على الطاولة من الجانب العربي منذ ذلك الحين وقد وافقت عليها السلطة وجميع الفصائل الفلسطينية ولا تكاد تعقد قمة عربية إلا وتأتي بالتأكيد عليها بوصفها السبيل الوحيد لحل الصراع وقد أكد البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في جدة قبل أشهر على استمرار تمسك الدول العربية بدعم المبادرة.  إذا فما الذي تستطيع الدول العربية أن تقوم به لإحيائها؟  والجواب هو ليس الكثير الآن.  لذلك فإن الرد على بعض الأفكار التي يتم طرحها مثل إعادة طرح المبادرة أو الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام وغير ذلك مؤجلة إلى أن تحسم الولايات المتحدة وإسرائيل أمرهما تجاه المبادرة من خلال الإعلان عن رغبة حقيقة في إيجاد حل شامل وعادل وإلى أن يحصل ذلك فإن جميع الأفكار والمشاريع هي من باب شراء الوقت للسماح لإسرائيل بتمرير مشروعها في التطهير العرقي.

 

فرص نجاح المبادرة

إن نجاح المبادرة بالتصور الشامل الذي طرحته القمة العربية سوف يتطلب حدوث معجزات عديدة على التوالي منها قيام الولايات المتحدة بإعادة صياغة دورها في المنطقة والتفكير الجدي بأهمية الأمن والسلام فيها وأهمية ذلك بالنسبة لمصالحها الكبيرة التي أهملتها خلال العقود الأخيرة.  الأمر أيضاً يتطلب تغيير القناعات في إسرائيل بفشل سياسات اليمين الإسرائيلي القائمة على التطهير العرقي والوصول إلى نتيجة أن هذه السياسات تضر بإسرائيل أكثر من ضررها بالضحايا لأن الدول إنما تقوم بالعدل والدولة التي تضحي بقيمها في سبيل البقاء سوف تخسر الإثنين معاً. فهل تتمكن الولايات المتحدة من قيادة عملية تغيير سياسي في إسرائيل يهوي بتحالف نتنياهو وأحزاب اليمين ويأتي بمنظومة سياسية أقدر على التجاوب مع التصورات والمبادرات الأمريكية؟ كذلك فإن إعادة الحياة إلى المبادرة يتطلب دوراً عربياً فاعلاً في القضية الفلسطينية فهل الدول العربية المنهكة بالصراعات التي أشعلتها إسرائيل وأمريكا في المنطقة قادرة على القيام بهذا الدور خصوصاً بعد الدمار الكبير الذي أحدثته آلة الحرب الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية؟

 

إذا سلمنا بهذه الصعوبات التي تقف أمام المبادرة والتي يبدو للوهلة الأولى استحالة تجاوزها من قبل الطرفين الأمريكي والإسرائيلي فعلى ماذا نتحدث إذاً؟  الجواب قد يكون في أن التصور المطروح ليس حل الدولتين الذي تصورته المبادرة العربية والذي هو بطبيعته تسوية شاملة لجميع القضايا العالقة لكنه نسخة مقتضبة جداً عن المبادرة أو بالحقيقة لا تشترك معها إلا بالاسم فقط أسميناها في مقال سابق حل "الدولة ونص" وهي تشمل تغيير السلطة الفلسطينية وبسط نفوذها على غزة وتحويل الصراع إلى فلسطيني-فلسطيني من خلال تولي السلطة الفلسطينية مسؤولية الأمن الداخلي بالتنسيق الكامل مع أجهزة الأمن الإسرائيلية. ولذلك فليس من المتصور العودة إلى حدود 1967م، أو أي شيء قريب منها لأن عملية إزالة المستوطنات ليست مطروحة الآن كذلك لن تكون الدولة الفلسطينية كاملة السيادة بل هي عبارة عن إدارة محلية غايتها تأمين الحدود الإسرائيلية التي فشلت إسرائيل في تحقيقها.  أما الدور العربي المطلوب فسوف ينحصر في توفير الموارد المطلوبة للسلطة الفلسطينية ودفع فاتورة الخراب الذي تسببت به آلة الحرب الإسرائيلية.

 

إن جهود الولايات المتحدة المنصبة على الدعوة إلى قيام الدولتين ليس أساسها حل القضية الفلسطينية بل لأنها تسعى إلى تحقيق التطبيع بين الدول العربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية التي تصر على الوصول إلى ذلك الشرط للتطبيع ولأن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل يعتبر نقطة أساسية في سبيل تحقيق التصورات الأمريكية للخارطة السياسية للمنطقة. 

  

بعض المقترحات للمسؤولين وصناع القرار:

  1. القضية الجوهرية في المبادرة العربية هي شمولية عملية السلام لجميع القضايا العالقة في المنطقة ومن ذلك وضع تصور شامل للأمن الإقليمي. لذلك لابد أن يشمل الحديث طبيعة دور القوى الإقليمية وخصوصاً إيران وتركيا بالإضافة إلى تصور الولايات المتحدة وإسرائيل لدور الجماعات المسلحة العابرة للحدود. 
  2. نتائج الحرب في غزة وسقوط نظرية الأمن الإسرائيلية وفشل المقاربة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية خاصة والمنطقة عامة تحتم على الدول العربية إعادة النظر في العديد من المواقف التي اتخذتها سابقاً التي كان أساسها المراهنة على التوجهات الأمريكية. إن رغبة الولايات المتحدة اليوم القائمة على دفع الدول العربية للقيام بدور أكبر في القضية ربما تشكل فرصة لدول المنطقة لإعادة النظر في المواقف السابقة واتخاذ بدائل جديدة تحافظ بها على المصالح العربية الأساسية وفي مقدمتها الأمن والسلام والتنمية الإقليمية ولعل من أول تلك القضايا القطيعة مع الفصائل الفلسطينية والذي فتح الأبواب مشرعة أمام النفوذ الإيراني للتمدد في العديد من الدول. 
  3. عدم الاهتمام بالخلافات الإسرائيلية-الإسرائيلية: الأوضاع السياسية في إسرائيل سيئة للغاية وهي مرشحة لكي تزداد سوءاً عند أول بوادر وقف القتال وظهور صور أكثر وضوحاً عن سوء أداء القيادة السياسية الإسرائيلية والخسائر التي تكبدتها إسرائيل التي هي أكبر بكثير من المعلن (على سبيل المثال فقد نشرت صحيفة هاآرتس تحقيقاً استقصائياً أثبتت فيه أن عدد الجرحى من الجنود الإسرائيليين أكثر من ضعف الأعداد التي أعلنتها الحكومة). لكن في نهاية الأمر على إسرائيل أن تتخذ موقفاً واضحاً من العملية وأن تحدد المدى الذي سوف تسير به للوصول إلى اتفاق وما يهم دول المنطقة هو الرأي الذي يحمله من يجلس على الطاولة وليس ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي.
  4. عدم الانشغال بالخلافات الأمريكية-الإسرائيلية فالبعض منها ربما يكون الغاية منه خلط الأوراق وتبادل أدوار لا غير لأن المبدأ الأساسي هنا هو وحدة الموقف الأمريكي-الإسرائيلي بغض النظر عن المواقف الفردية ولأن الخلافات إن وجدت فهي في التفاصيل ولا تمس الجوهر ولذلك فالمطلوب تقديم تصور أمريكي-إسرائيلي من المبادرة يكون أساساً لأي تفاوض بغض النظر عن الاختلاف المزعوم بينهما.
  5. على دول المنطقة أن تتذكر أن العبرة بالمسميات لا بالأسماء ولذلك يجب التركيز على الغاية النهائية وهي تحقيق السلم العادل والشامل في المنطقة. ولأن الشياطين تكمن في التفاصيل يجب التأكد من أن المعروض يشكل فرصة لتحقيق المبادرة العربية كما كانت متصورة عند عرضها قبل عقدين من الزمن وليست عملية تمرير سيناريوهات معينة وتغليفها بغطاء المبادرة العربية وهي لا تمت لها بصلة.
مقالات لنفس الكاتب