شهدت المنطقة في عام 2023م، تصعيداً عسكرياً بين إسرائيل وقطاع غزة، تسبب في حرب شاملة ومدمرة. وفي الوقت نفسه تعد هذه الحرب محفزاً قوياً لإعادة طرح المبادرة العربية السعودية التي تم تقديمها عام 2002م، كآلية للسلام وأن يحتض إعادة طرح المبادرة مؤتمر دولي لإعادة طرح وتبني هذه المبادرة التي تمثل فرصة لإحداث تغيير جذري وفعال في القرارات والمباحثات السلمية، لتجنب تكرار الحرب بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في المستقبل.
وتظهر الظروف الراهنة إمكانية إعادة طرح مبادرة السلام 2023م، من قبل المملكة العربية السعودية التي تعتبر قوة إقليمية قوية وتحظى بتأييد دول العالم الكبرى ولديها القدرة والسمعة للتدخل في قضايا المنطقة، مما يعطيها القوة اللازمة لإعادة طرح مبادرة السلام ودعمها.
وتعتبر المبادرة العربية أداة مناسبة لتسوية القضية الفلسطينية، وفق أسس في صالح جميع الأطراف، تلك المبادرة التي قدمتها المملكة العربية السعودية ووافقت عليها الدول العربية التي تعتبر القضية الفلسطينية مرتكزًا أساسيًا ضمن الاستراتيجية السعودية المتوازنة، وكان قد أطلق المبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2002م، وهي من أهم المبادرات العربية التي تسعى إلى إيجاد حل سلمي في المنطقة وتحقق الحل العادل للصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، وتجسد التزام العالم العربي بالسلام وتضامنه مع الشعب الفلسطيني في سعيه لتحقيق السلام الشامل والدائم، فهي تقوم على مبدأ حل الدولتين كحل للصراع، حيث تسعى إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة في إطار حدود 1967م، بعاصمتها القدس الشرقية، وبالمقابل توفير الاعتراف العربي بإسرائيل وتطبيع العلاقات العربية معها، وتأتي المبادرة في سياق مهم جداً، ويعتبر توقيتها في عام 2002م، كان مهمًا، حيث جاءت بعد فشل عملية السلام التي تمت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وهدفت المبادرة إلى الاستفادة من صعود الرئيس جورج بوش إلى السلطة، وتعزيز الدور العربي في العملية السلمية.
وتعد المبادرة نقطة تحول في تاريخ العملية السلمية بين العرب وإسرائيل، حيث تم تقديمها بالاشتراك مع الجامعة العربية، في القمة العربي التي انعقدت في بيروت 27-28/3/2022م، مما منحها الشرعية والتأييد العربي اللازمين لنجاحها وتبنى المؤتمر المبادرة وحوَّلها إلى مبادرة عربية شاملة، وقد لقيت المبادرة ترحيباً عالمياً أمريكياً وأوروبياً.
وقد تم قبول المبادرة من قبل دول عربية مهمة مثل مصر، الكويت، قطر، الإمارات،
الأردن، والمغرب، وهذا التأييد يشير إلى إمكانية التأثير على حدوث تغيير إيجابي في السياسات والمواقف الإقليمية تجاه القضية الفلسطينية.
وتركز المبادرة العربية لتسوية القضية الفلسطينية على عدة نقاط رئيسية وأحد هذه النقاط هو إقرار قرارات مجلس الأمن 242 و338، والتي تعتبر من القرارات الدولية الهامة التي تدعو لانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة في حرب الأيام الستة عام 1967م، وتطبيق قرارات مجلس الأمن يعتبر خطوة أساسية في تحقيق السلام بين الطرفين، ويجب على الأطراف المعنية العمل بجدية لتنفيذها، وتتضمن المبادرة اعتراف الدول العربية بإسرائيل وتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية معها، وهذا يعتبر نقلة تاريخية في عملية السلام في المنطقة، حيث يتم تعزيز وتنمية التفاهم والتعاون بين الشعوب والدول، كما إنها تقدم حلاً عادلاً وشاملاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لذا يجب على إسرائيل أن تستجيب لهذه المبادرة وتتفاوض بجدية مع الجانب الفلسطيني، من أجل بناء مستقبل مستدام ومزدهر لكل الشعوب في المنطقة.
تحديات تتطلب تحقيق التوازن:
توجد عدة تحديات تواجه تطبيق السلام العادل والشامل في المنطقة وتتطلب التعامل معها بجدية ووضوح ومنها:
أولًا: المعضلة الرئيسية تتمثل في موقف إسرائيل الذي يرفض أي خطوة نحو السلام فهي لا ترغب في التوصل إلى اتفاق عربي -عبري، لأن ذلك سيضعها في موقف ضعيف حيث يتعين عليها أن تواجه التحديات أمام تكتل عربي، فالموقف يستند دائمًا إلى تعامل إسرائيل بشكل فردي مع الدول العربية وليس مع الدول العربية مجتمعة، للحفاظ على وجودها وتعزيز موقعها في المنطقة. فقد تعودت إسرائيل على مواجهة التهديدات والتحديات من دول الجوار بشكل فردي، وتعتبر الاتحاد العربي يعطي هذه الدول المزيد من القوة والتأثير في التعامل معها.
والقضية الرئيسية الثانية التي تعترض المبادرة تتمثل في المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويجب على إسرائيل أن تكون مستعدة للتنازل عن هذه المستوطنات وإعادة الأراضي المحتلة للفلسطينيين لتحقيق التسوية.
ويعتبر الاستيطان عائقًا رئيسيًا أمام التقدم في عملية السلام. فإسرائيل تواصل بناء المستوطنات وتوسعها في الأراضي الفلسطينية بشكل غير قانوني، مما يعرقل العمليات السياسية والدبلوماسية. ويرى الجانب الفلسطيني أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا لحقوقهم وإقامة حواجز وصعوبات أمام تحقيق الاستقلال، ثم أن تحقيق السلام يتطلب اعتراف إسرائيل بدولة فلسطين المستقلة وأن تتراجع عن استيطان الأراضي الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.
ثانيًا: الانقسام الفلسطيني: حيث أن حركة فتح وحماس ما زالتا تتباعدان في الرؤية والأهداف، مما يصعب على الجانب العربي التفاوض على الأساس الواحد، فالانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس يعد عاملاً رئيسياً يعوق التوصل إلى اتفاق سلام دائم في المنطقة، وهذا الانقسام الفلسطيني أدى إلى تشتت السلطة الفلسطينية وتعطيل عملية صنع القرار. فمن الصعب تحقيق توافق بين الفصيلين واتخاذ قرارات هامة تتعلق بتقديم تنازلات في سبيل السلام. وهذا يؤثر سلباً على مصداقية الإرادة السياسية الفلسطينية ويجعلها غير قادرة على التفاوض بنجاح مع إسرائيل.
ولا يمكننا تجاهل تأثير هذا الانقسام على موقف الجهات الخارجية تجاه عملية السلام، فالانقسام الفلسطيني يعطي إسرائيل والعالم فرصة للتحفظ على تقديم تنازلات في اتفاق سلام نهائي. فعندما تتجاهل الأطراف الفلسطينية المتنازعة على السلطة وجود مبادرة سلام واحدة، فإنها تضع إسرائيل في موقف قوة وتحرم الفلسطينيين من الدعم والدفاع الدولي عن حقوقهم.
ثالثاً: تتطلب المبادرة العربية للسلام 2002م، توافقًا واسعًا بين الدول العربية التي تدعمها. وعلى الرغم من تأييد العديد من الدول العربية للمبادرة، إلا أن هناك دولًا أخرى لا تزال غير مستعدة للتطبيع الكامل مع إسرائيل. وفي هذا السياق، يتعين على الدول العربية العمل بجدية على إقناع هذه الدول بأهمية الحل العربي لتحقيق السلام الشامل في المنطقة.
إن توافق الدول العربية على المبادرة يُعَدُّ قاعدة أساسية للتمكن من خلق بيئة مناسبة للمفاوضات وتحقيق تقدم حقيقي نحو السلام. عليه، فإن الدول العربية يجب أن تعمل بشكل مشترك على تبادل الآراء والمعلومات وتعزيز الوعي بأهمية السلام والتعاون بين الدول في المنطقة. ومن الضروري أن تستخدم الدول العربية الوسائل الدبلوماسية والمفاوضات لإقناع الدول الأخرى بأن المبادرة العربية للسلام هي الحل الأمثل والمستدام لتحقيق الاستقرار والتعايش السلمي في المنطقة.
رابعاً: تواجه المبادرة العربية تحديات متعلقة بمستقبل القدس، فهي تعد المدينة المقدسة بالنسبة للمسلمين والمسيحيين، ولا يمكن مناقشة تاريخها العربي وثقافتها، فهما جزء لا يتجزأ من هويتها. لذا، يتعين على الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي جميعهم أن يعترفوا بحق الفلسطينيين في السيادة على القدس الشرقية وأن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية.
إن هذا الاعتراف يتطلب أيضًا جهودًا دبلوماسية واقتصادية وثقافية لتعزيز الوجود العربي في القدس الشرقية، وتعزيز الوعي العالمي بأهمية المدينة والحفاظ على هويتها المتعددة الثقافات، وينبغي للدول العربية أن تعمل معًا لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة، ولتعزيز الاستثمار في البنية التحتية والتطور الاقتصادي للمنطقة، في هذه الفترة من الضروري أن تصبح المبادرة العربية 2002م، القوة الدافعة للجهود مستقبلا، ويجب أن تتعاون الدول العربية لضمان أن تظل القدس مفتوحة للجميع، وأن تكون مدينة للسلام والتعايش السلمي بين الأديان.
الدور السعودي الداعم للسلام في الحرب على قطاع غزة 2023
المملكة العربية السعودية رائدة وداعمة للسلام وإيجاد الحلول الدبلوماسية للنزاعات، وفي حالة غزة، استجاب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بسرعة للأحداث وبدأ البحث عن طرق لوقف الحرب والوصول إلى حل سلمي، وقام بتكثيف جهوده الدبلوماسية وتوجيه دعوات إلى القادة العرب والإسلاميين لبحث الأوضاع في غزة وإيجاد حلول سلمية للصراع.
وعقد اجتماعات ومفاوضات مع القيادات الفلسطينية كما وجه دعوات لمنظمات غير حكومية ومنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات للسلام والعدالة واستضافتهم السعودية لمناقشة القضية وتبادل وجهات النظر.
والقى الأمير محمد بن سلمان كلمة أمام القمة السعودية الإفريقية التي عُقدت في الرياض 10/11/2023م، وتناولت كلمته أزمة الحرب على قطاع غزة، وكان لها تأثيرًا كبيرًا على المجتمع الدولي، وبدأ كلمته بتسليط الضوء على الظروف الصعبة التي يعيشها السكان في قطاع غزة نتيجة الحرب المستمرة، وأشار إلى أهمية التضامن الدولي وضرورة وقف العنف وحماية الحقوق الإنسانية للفلسطينيين المحاصرين في غزة، وقدم اقتراحات عملية لتحقيق السلام واستعادة الاستقرار في المنطقة. وفي ختام كلمته، دعا المجتمع الدولي إلى التعاون والتضامن للعمل على وضع حد للحرب في قطاع غزة وتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
وفي اتصال هاتفي أجراه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، جرى تناول قضايا هامة تتعلق بالتطورات الأخيرة في غزة وأمن المنطقة بشكل عام. وأكد خلال هذا الاتصال التزام المملكة العربية السعودية الكامل بدعم الشعب الفلسطيني ووقوفها إلى جانبهم لتحقيق تطلعاتهم وتحقيق السلام العادل والشامل. وكل ذلك يعكس التزام السعودية الثابت بالقضية الفلسطينية ودعم حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وإقامة السلام في المنطقة، وجاءت المبادرة العربية /السعودية في إطار جهود تعزيز أمن واستقرار المنطقة والعمل على إيجاد حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
إعادة طرح مبادرة السلام العربية السعودية مستقبلًا
تعَدّ إعادة طرح المبادرة العربية السعودية للسلام إطلاقًا جديدًا ومبتكرًا في جهود تحقيق السلام في المنطقة، وتعبر عن إصرار السعودية لتعزيز الاستقرار والتعاون في الشرق الأوسط، وتعكس إرادة حقيقية لإحلال السلام في المنطقة وتحقيق تعاون مشترك بين الدول العربية، خاصة بعد أن تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة في دمار كبير وسقوط عدد كبير من الضحايا، ما يبرهن على أن العنف والتصعيد العسكري ليس الطريق الصحيح لتحقيق السلام المستدام. لذلك، يعتبرإعادة طرح المبادرة خطوة هامة نحو تسوية دبلوماسية عادلة وإعادة جمع الأطراف المتحاربة.
وفي الظروف الحالية وتداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ثمة دعم قوي ومساندةً واسعة من المجتمع الدولي لإعادة طرح المبادرة كآلية للسلام في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يرى المجتمع الدولي أن الاستقرار الإقليمي والعالمي يتأثر سلبًا بالحرب والتوتر المستمرين في هذا الصراع، وفي المقابل تهدف المبادرة العربية السعودية إلى توفير بيئة مواتية لبدء مفاوضات جديدة بين الأطراف المعنية، وتسوية كل القضايا العالقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بل والمنطقة برمتها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للدول المشاركة في المبادرة أن تعمل بشكل مشترك في مجالات مختلفة، مثل الأمن، والتجارة، والاقتصاد. بالتعاون مع بعضها البعض، ويمكنها إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية ثابتة بينها، مما يعود بالفائدة على جميع الدول المعنية ويسهم في تعزيز التعاون الإقليمي، وتعزيز الثقة بين الأطراف المعنية من خلال العمل المشترك وتبادل الخبرات والمعرفة، ويمكن للدول أن تبني علاقات أكثر تواصلاً وتعاوناً، وتحقق مصالحها المشتركة.
كما يمكن للمبادرة أن تلعب دورًا حاسمًا في دعم إعادة الإعمار في غزة وتحقيق استقرارها الاجتماعي والاقتصادي لسكان القطاع، حيث يعتبر الدعم المادي والتنموي الذي تقدمه المملكة العربية السعودية ضروريًا لإعادة بناء البنية التحتية التي تضررت بسبب الحرب، ولتحسين الظروف المعيشية للسكان من خلال الاستثمار في المشاريع التحتية وتوفير فرص العمل، ويمكن للمجتمع الدولي والدول العربية أن يساهموا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في غزة.
ويعد التعاون الدولي لدعم إعادة الإعمار ضروريًا لخلق بيئة آمنة ومستدامة للسكان في غزة. من خلال توفير المساعدات المالية والتقنية اللازمة، يمكن تحقيق تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل جديدة. يجب أن تتعاون الدول العربية والمجتمع الدولي معًا لتحقيق هذه الأهداف، ويمكن استثمار الخبرات والموارد العربية في مشروع إعادة الإعمار، وبالتالي تحقيق نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية في غزة، إن إعادة بناء غزة ليست مهمة سهلة، ولكن العمل المشترك والتضامن بين الدول العربية يمكن أن يجعل منها مشروعًا ناجحًا لتحقيق التنمية الشاملة والاستقرار في المنطقة.
ورغم التحديات التي واجهت مبادرة السلام 2002م، إلا أننا نستطيع أن نجد حلاً ممكنًا لهذه المعوقات عند إعادة طرح هذه المبادرة مرة أخرى، ويتعين على جميع الأطراف التعامل مع هذه المشاكل بحكمة وذكاء لضمان نجاح المبادرة من خلال المقترحات الآتية:
أولاً: بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة: حيث يجب بناء ثقة قوية ومتينة بين الأطراف المشاركة في المفاوضات لضمان نجاح المبادرة، يمكن أن تتضمن هذه الجهود تعزيز التفاهم المتبادل وتبادل المعلومات بصدق وإثبات الالتزام بالتعهدات المتفق عليها.
ومن الضروري توزيع الموارد بطريقة عادلة ومتوازنة. بين جميع الفلسطينيين حتى يشعر جميع الأطراف بأنهم مشاركون في صنع القرارات ومستفيدون من النتائج. ويمكن تحقيق ذلك بالشفافية والمشاركة الشاملة في جميع مراحل المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
كما يجب التعامل بشفافية ووضوح مع التحديات الثقافية والدينية التي قد تؤثر على سير المفاوضات. واحترام وتقبل التنوع الثقافي والديني وأن نتعلم كيفية التعايش بسلام من خلال الحوار المفتوح والمستمر، وبناء جسورًا من التفاهم والاحترام بين الأديان والثقافات المختلفة.
أخيراً، يجب أن نتعامل مع التحديات القانونية والسياسية التي يمكن أن تعرقل تنفيذ المبادرة، والعمل على تشكيل أطر قانونية وسياسية مناسبة لتحقيق أهداف المبادرة ومعالجة أي انتهاكات تحدث، وضمان تنفيذ ومراقبة الالتزام بالقوانين والاتفاقات المتعلقة بالمفاوضات، والتصدي لأي تحد يعرقل تنفيذ المبادرة.
ثانيًا: التوافق السياسي، تحتاج مبادرة السلام 2002م، إلى جهود مشتركة من الأطراف الفلسطينية لتحقيق توافق سياسي وطني، ويجب على حركتي فتح وحماس تجاوز الانقسام القائم بينهما والعمل بروح المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني. وبالتالي، ينبغي على الأطراف الفلسطينية المتنافسة أن تدرك أن الانقسام الفلسطيني يعد عائقًا يعوق تحقيق اتفاق سلام دائم وعليهم أن يعملوا جنبًا إلى جنب بروح المصالحة والوحدة الوطنية للتغلب على التحديات وتحقيق الأمان والاستقرار للشعب الفلسطيني، وأن يسبق ذلك مشاورات وحوارات فلسطينية داخلية لتعزيز الوحدة الوطنية بين الفلسطينيين، وهي خطوة أساسية لتحقيق الاستقلال والسيادة وإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية. عن طريق العمل المشترك والتعاون، حيث يمكن للفلسطينيين تحقيق طموحاتهم الوطنية وبناء دولة فلسطينية قائمة على حدود عام 1967م، وبالقدس الشرقية عاصمتها.
ثالثًا: دور الأمم المتحدة، ينبغي أولاً أن يتم استئناف المفاوضات بين الطرفين بمشاركة الأمم المتحدة والجامعة العربي، ويجب أن تكون هذه المفاوضات مبنية على قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن، من أجل تحقيق السلام والعدالة في المنطقة. ومن الضروري أن يحظى هذا العمل بدعم قوي من المجتمع الدولي لضمان تنفيذه.
رابعًا: حقوق الشعب الفلسطيني، يتعين على المفاوضات أن تأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، ومن بينها حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويضهم بالملكية الخاصة بهم، كما يتعين على الدول العربية أن تتخذ مبادرات اقتصادية لتوفير المساعدات اللازمة لهم، ولدعم الاستقرار الاقتصادي والتنمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالتنمية الاقتصادية لها دور كبير في تحقيق الاستقلال الفلسطيني والحفاظ على الكرامة الإنسانية. ويجب أخذ هذه الاعتبارات عند المفاوضات المستقبلية، وأن يتعاون المجتمع الدولي والدول العربية كلها لتحقيق هذه الأهداف العادلة والمشروعة.
في الختام، يُمكن القول إن إعادة طرح المبادرة العربية/ السعودية لتسوية القضية الفلسطينية، تعد فرصة فريدة لتحقيق التسوية السلمية المُطلوبة في المنطقة. ويَعتَبَرُ توقيتُها هام بشكلٍ دقيق، وأنها تمثل أداةً قوية في بَناء جسور الثقة بين الفلسطينيين والإِسرائيليين، وتَحقيق الحل النهائي والعادل للقضية الفلسطينية.
هذه المبادرة ستكون فرصة هامة لتَسْوِية الخلافات وإِنهاء النزاع الطويل الأمَد القائم بين الجانبين، ويَنبَغِي للأَطْرَافِ الدولية والإقليمية دَعْمُ المبادرة العربية / السعوديَّة، وتَعزيزُ الجهود الرامية لتحقيق العدالة وَإِنْهَاء النزاع بين الفلسطينيين والإِسرائيليين.
على الرغم من أهمية هذه مبادرة وإمكانية إعادة طرحها في مؤتمر دولي للسلام، إلا أنه ينبغي أيضًا أن يكون هناك التزام حقيقي من قبل الأطراف المشاركة لتحقيق السلام، ويجب أن تكون هناك استعدادات وتنازلات من الأطراف المتصارعة، وإرادة حقيقية للتوصل إلى حلول سلمية.