إن أحداث السابع من أكتوبر 2023م، والحرب التي تلتها على قطاع غزة تمثل منعطفاً تاريخياً هاماً أمام منطقة الشرق الأوسط. فمن ناحية، من المحتمل أن تتسارع وتيرة انتشار العنف، والاستقطاب، والتقلبات الجيوسياسية المشهودة حاليًا عبر مختلف أنحاء الشرق الأوسط بما ينذر بعواقب وخيمة طويلة الأمد يتجاوز مداها ما هو أبعد من المنطقة. من ناحية أخرى، وعلى الرغم من المشاهد المروعة التي نطالعها يوميًا، ثمة فرصة من أجل مواصلة المسار التحويلي الذي تقوده دول مجلس التعاون الخليجي في سبيل خفض التصعيد داخل المنطقة على مدى الأعوام القليلة الماضية والذي أثمر عن فتح مسار دبلوماسي مع إيران، وتجاوز الانقسامات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي وبدء عملية سياسية جوهرية في اليمن. وفي ظل الأحداث الأخيرة التي أكدت استمرار مركزية القضية الفلسطينية في شؤون الشرق الأوسط الإقليمية، تقف مبادرة السلام العربية كنقطة انطلاق يمكن من خلالها اختيار طريق بناء السلام والازدهار.
موقف الاتحاد الأوروبي حيال مبادرة السلام العربية
يعرب الاتحاد الأوروبي بصفة مستمرة عن دعمه لحل الدولتين عبر التفاوض، وفي ضوء ذلك أبدت الكتلة الأوروبية ترحيبها بمبادرة السلام العربية باعتبارها خطوة إيجابية صوب تنفيذ سلام شامل في المنطقة. وفي ديسمبر 2003م، أي بعد عام واحد فقط من المصادقة على مبادرة السلام العربية، صرح المجلس الأوروبي خلال القمة التاريخية لجامعة الدول العربية المنعقدة في بيروت، أن " السلام الشامل يجب أن يتضمن سوريا ولبنان وشدد على أهمية مبادرة السلام العربية…" كما أشاد الممثل الأعلى السابق للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية للاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، بالمبادرة في خطاب ألقاه أمام البرلمان الأوروبي في فبراير 2009م، وأوضح المسؤول الأوروبي أن المبادرة كانت حاسمة وأن "الحلول والمقترحات يجب أن تكون مُستلهمة محليًا". في حين وصفت خليفته في المنصب، فريدريكا موجيريني، مبادرة السلام العربية بأنها "صفقة من شأنها أن توفر الأمن المستدام للجميع". بشكل عام، يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي يرى تناغمًا إلى حد بعيد بين مبادرة السلام العربية والمواقف والأولويات الأوروبية. ويشمل ذلك منح الأولوية لحل الدولتين، وتعزيز التعددية، وإشراك الجهات الفاعلة الإقليمية في الضغط من أجل التوصل إلى تسوية دائمة والاتفاق عليها.
لم يقتصر الأمر على الاتحاد الأوروبي ككتلة بل شمل الدول الأعضاء التي حرصت كل منها على التعبير عن مواقفها لتتفق مع الموقف الأوروبي العام. إسبانيا، على سبيل المثال، كانت داعما صريحا منذ البداية لمبادرة السلام العربية واعتبرتها مكونا أساسيا في مسعى السلام الشامل. كذلك أعربت كل من فرنسا وألمانيا عن دعمهما للمبادرة ودعت الدولتان إلى النظر في المبادرة العربية ضمن المساعي الرامية إلى إقامة سلام شامل في المنطقة. وفي الوقت ذاته، أعربت المملكة المتحدة عن تفاؤل يشوبه الحذر وأكدت على الحاجة إلى الإصغاء إلى مخاوف الجانبين. وحتى وقت قريب كانت العديد من بيانات الدعم لاتزال تصدر، وبحسب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، فإن الكتلة الأوروبية تسعى إلى المساهمة في مبادرة السلام العربية كجزء من جهودها الرامية إلى إحلال السلام في المنطقة.
وفي كلمته أمام المجلس الأوروبي في مارس 2023م، قال بوريل أنه اتفق مع وزير الخارجية السعودي والأمين العام لجامعة الدول العربية من أجل:" العمل سويًا نحو صياغة حل قابل للتطبيق وإعادة إحياء مبادرة السلام العربية والبناء عليها، من خلال إضافة إسهامات السلام الأوروبية إليها، وسنعمل بشكل وثيق مع الشركاء العرب والشركاء الدوليين الآخرين". كما أكد البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي الذي عقد في مسقط، بسلطة عمان في أكتوبر 2023م، التزام الجانبين "بحل الدولتين، والعيش بشكل آمن جنبًا إلى جنب، على أساس حدود 1967م، وفقًا لمبادرة السلام العربية وكافة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ومن الأهمية بمكان التأكيد على نظرة الاتحاد الأوروبي إلى مبادرة السلام العربية باعتبارها جزءًا من آليات أخرى تهدف للتوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية إلى جانب القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتوصيات مؤتمر مدريد للسلام عام 1992م، وخارطة طريق اللجنة الرباعية، وجهود السلام الأخرى التي يبذلها الاتحاد الأوروبي بما في ذلك المقترح الذي تقدم به لدعم السلام في عام 2013م، في ضوء هذا، ينظر الاتحاد الأوروبي إلى مشاركته ومشاركة المجتمع الدولي في جهود عملية السلام على أنها أمر أساسي.
وفي هذا الصدد، أطلق الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية والجامعة العربية، بالتعاون مع مصر والأردن، ما يشار إليه بــ “جهود يوم السلام من أجل السلام في الشرق الأوسط " وذلك على هامش الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2023م، وأوضح البيان الصحفي الصادر في هذا الشأن أن:" المبادرة الجديدة تأسست، من بين أمور أخرى، على مبادرة السلام العربية، التي تبنتها الدول العربية لوضع رؤيتها لتسوية شاملة للسلام الإقليمي، وشروطه، ومتطلباته". ويتضمن هذا الإطار اتفاقًا مشتركًا بين الاتحاد الأوروبي وأطراف مبادرة السلام العربية بضرورة الحفاظ على حل الدولتين وضرورة بذل الجهود لإعادة تنشيط عملية السلام. وأكدت المملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي دعمهما المستمر لجهود يوم السلام في يناير 2024م، خلال اجتماع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي بوريل ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان.
ورغم العديد من بيانات الدعم التي تم التعبير عنها، إلا أنها تقف على النقيض من الجهد السياسي الفعلي والمستدام الذي يبذله الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه من أجل منح مبادرة السلام العربية فرصة كي تُنفذ ورؤيتها تمضي قدمًا. وخارج نطاق البيانات والتصريحات العامة، لا يتوفر الكثير عما يُشير إلى أن الاتحاد الأوروبي قد بذل جهودًا كافية وراء الكواليس لضمان حصول مبادرة السلام العربية على الاعتبار والاستجابة اللازمين، على سبيل المثال، من الولايات المتحدة من جهة، وبالطبع إسرائيل من جهة أخرى. ويعد غياب الالتزام الدولي المستدام وواسع النطاق سببًا رئيسيًا في إخفاق مبادرة السلام العربية بنهاية المطاف في اكتساب الزخم المطلوب كي تحرز تقدمًا. بالتالي، يمكن وصف هذا الفشل والوقت الضائع بأنه فرصة مهدرة. وكما خلص الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي إلى أن الوضع الحالي هو نتيجة "الفشل السياسي والأخلاقي الجماعي للمجتمع الدولي".
وفي أعقاب هجمات السابع من أكتوبر، تزايدت احتمالات أن يُعاد إحياء مبادرة السلام العربية ورؤية عملية سلام حقيقية تتحقق أخيرًا والتي ستشهد بحلول نهايتها قيام دولة فلسطينية. وكلما طال أمد الحرب الإسرائيلية على غزة، كلما تنامى الإجماع الدولي على الحاجة إلى حل سياسي للمطلب الفلسطيني. وقد عبرت بالفعل العديد من الدول الأوروبية عن مطلبها الواضح لهذا الحل بما في ذلك إسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وأيرلندا، وبلجيكا، والبرتغال. والأهم من ذلك، هو اعتراف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس بسويسرا في يناير بأن إسرائيل لا يمكنها تحقيق "الأمن بمفهومه الحقيقي" إلا من خلال تطبيق حل الدولتين. وبشكل عام، اكتسبت الدعوات لوقف إطلاق النار والمسار السياسي اللاحق زخمًا.
وينبغي الاعتراف بأن دولا مثل المملكة العربية السعودية عبرت عن دعمها لعملية التطبيع مع إسرائيل في حال تم إحراز تقدم في حل القضية الفلسطينية. وخلال اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي أيضًا، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على استعداد بلاده للاعتراف بإسرائيل كجزء من إطار عمل سياسي أوسع، بما يُشير بوضوح إلى أن المعالم والمعايير الرئيسية لمبادرة السلام العربية لازالت صالحة وأن البلدان العربية لا زالت راغبة في رؤية المبادرة تخطو للأمام.
المضي قدماً
ولكي يتم اغتنام بعض من الزخم الراهن وعدم رؤية فرص أخرى تضيع، ينبغي أن يستثمر المجتمع الدولي رأس المال السياسي اللازم من أجل المضي قدمًا في تنفيذ حل سياسي للمطلب الفلسطيني على أن تكون مبادرة السلام العربية عنصرًا محوريًا في هذه العملية. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، يعني ذلك ضرورة تصحيح المسار وإبداء استعداد واضح للالتزام بخارطة طريق ذات مصداقية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. وكما أوضح الممثل الأوروبي السامي جوزيف بوريل:” ثمة مسؤولية أخلاقية وسياسية تقع على عاتق الأوروبيين من أجل المشاركة في ذلك ليس فقط من خلال توفير المساعدات بل أيضا عبر المساهمة في الوصول إلى حل دائم.
كما ينبغي أن تشمل خارطة الطريق سلسلة من الخطوات المتكاملة والمتوازية التي تضمن التزام المجتمع الدولي ككل واتخاذ خطوات ملموسة صوب تحقيق الهدف المشترك. وبينما ينبغي على الاتحاد الأوروبي تقرير الخطوات التي يجب أن تتخذ بالتعاون مع شركائه في المنطقة، بالأخص دول مجلس التعاون الخليجي، في إمكان الكتلة الأوروبية أيضًا اتخاذ العديد من الخطوات من أجل دعم مبادرة السلام العربية والمساهمة في الوصول إلى حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وتشمل بعض من هذه التدابير المحتملة ما يلي:
المشاركة الدبلوماسية: ينبغي على الاتحاد الأوروبي المشاركة بشكل فعال في كافة الجهود الدبلوماسية من أجل تشجيع الأطراف المعنية على استئناف مفاوضات مثمرة. يشمل ذلك، التعاون مع الشركاء الإقليميين، والأمم المتحدة، وغيرهم من الأطراف الفاعلة الدولية من أجل خلق بيئة مواتية لإقامة محادثات سلام. ومن الأدوار ذات الأهمية الخاصة التي ينبغي أن يلعبها الاتحاد الأوروبي، هي التعاون المستمر مع الولايات المتحدة من أجل إشراك واشنطن بشكل كامل في مثل هذه الاستراتيجية الدبلوماسية الواسعة. فمن ناحية، ثمة اعتراف واضح أنه لن يتم المضي قدمًا في تطبيق حل الدولتين في ظل غياب قيادة أمريكية مستدامة وفعالة. ومن ناحية أخرى، لم تبد الولايات المتحدة نفس مستوى دعم الاتحاد الأوروبي لمبادرة السلام العربية. بالتالي، فإن العمل على جعل الصوت الأوروبي مسموعًا أمر بالغ الأهمية. فقد تجاهلت أوروبا كثيرًا الحاجة إلى وجود إجماع قوي عبر الأطلسي كأساس لعملية سلام ناجحة في منطقة الشرق الأوسط. من ثم، يجب أن تُركز غالبية الجهود الدبلوماسية على واشنطن.
الدعم السياسي: بالتوازي مع العمل الدبلوماسي، ينبغي أن يواصل الاتحاد الأوروبي التعبير عن دعمه السياسي لمبادرة السلام العربية، ومبادئها، وللعملية الشاملة من أجل الوصول إلى حل سياسي. فإن الالتزام المؤكد حيال تنفيذ حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية، وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والبلدان العربية يعد محوريًا ويستدعي تكراره والتأكيد عليه في كل مناسبة.
الدبلوماسية العامة: خارج إطار المشاركة الدبلوماسية الرسمية، ينبغي أن يتم استثمار جهد واسع النطاق في الدبلوماسية العامة بين الرأي العام الأوروبي والدولي لما يحمله ذلك من أهمية في المساعدة على خلق وعي ودعم للحل السلمي. وكجزء من هذه الدبلوماسية العامة، يجب أن يتم استخدام كافة الآليات لتعزيز التفاهم ودعم مختلف عناصر عملية السلام بما في ذلك مبادرة السلام العربية.
تسهيل المحادثات: إقامة المحادثات في حد ذاتها تعتبر عملية شاقة وتتطلب الكثير من الابتكار من أجل رؤية القضايا الشائكة تصل إلى حل. ويتمتع الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد بخبرات غنية يمكن أن يطرحها على الطاولة، ويمكنه أن يلعب دورًا رئيسيًا في تسهيل أو التوسط في أجزاء مختلفة من المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك مع أطراف ثالثة. وقد يشمل ذلك توفير منصة محايدة للمناقشات وتعزيز الحوار بين الأطراف، ويمثل النجاح في هذا الصدد اختبارًا مهمًا لمصداقية الاتحاد الأوروبي.
المساعدات الاقتصادية والدعم الإنساني: يعد الاتحاد الأوروبي بالفعل أكبر مساهم في المساعدات الاقتصادية المُوجهة للشعب الفلسطيني. حيث تبلغ قيمة المخصصات المالية للاتحاد الأوروبي متعددة السنوات للفلسطينيين بموجب الاستراتيجية الأوروبية المشتركة 2021-2024م، نحو 1.177 مليار يورو. ويشمل ذلك، المساعدات المالية، ومشروعات التنمية، ودعم النمو الاقتصادي المستدام. بالإضافة إلى ذلك، يقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات إنسانية لتلبية الاحتياجات الفورية لأبناء الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الدعم واسع النطاق للمدنيين الفلسطينيين خلال الأزمة الراهنة. وستكون هناك حاجة إلى استمرار حزم المساعدات الاقتصادية خلال العملية السياسية برمتها من أجل تهيئة بيئة أكثر استقرارًا للمفاوضات، وضمان الاستقرار، والظروف المواتية لعملية سلام بناءة. ومن شأن التنسيق الوثيق مع دول مجلس التعاون الخليجي على هذه الجبهة أن يضمن فعالية برامج المساعدات الاقتصادية في المساهمة في ترتيبات الحكم الذي ينعم بالاستقرار.
سيادة القانون والحوكمة: سيكون الاتحاد الأوروبي عاملًا مهمًا حينما يتعلق الأمر بضمان العمل على تعزيز سيادة القانون والحكم الرشيد في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب تدعيم المؤسسات التي سيكون دورها محوريا في مسيرة إقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية. ومن المرجح أن تستغل إسرائيل كل فرصة كي تزعم عدم وجود شريك فلسطيني للعمل معه أو أن الفلسطينيين يعجزون عن تلبية متطلبات الحكومة الخاضعة للمساءلة. بالتالي، سيكون للاتحاد الأوروبي دور حاسم في ضمان عدم السماح لمثل هذه الحجج أن تقوض العملية برمتها.
تشجيع التعاون الإقليمي: كما اتضح من خلال " جهود يوم السلام: جهد من أجل السلام في الشرق الأوسط"، التي تم الإعلان عنها خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2023م، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون محاورًا فعالا لتشجيع التعاون والتنسيق الإقليميين بين الدول العربية بهدف توطيد الدعم لمبادرة السلام العربية. ومما لا شك فيه أن هذه الجهود التعاونية ستعزز تأثير المبادرة وتخلق جبهة موحدة شاملة للسلام.
المراقبة والدعوة: سيكون للاتحاد الأوروبي دور أساسي في مراقبة التطورات في المنطقة والدعوة بشكل صارم إلى الالتزام بالقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان بوجه عام. يشمل ذلك معالجة القضايا مثل: المستوطنات، ووضع مدينة القدس، واللاجئين. ومن اللافت أن الاتحاد الأوروبي كان قد اقترح بالفعل فرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين في الضفة الغربية.
التحديات والآفاق المستقبلية
تعتمد الخطوات المذكورة سلفا ومدى فاعليتها على عوامل عدة. أولًا، وقبل أي شيء، توافر الإرادة السياسية لدى الاتحاد الأوروبي من أجل الاتعاظ من دروس الماضي وبذل جهود متسقة من أجل الدفع قدمًا صوب التوصل لتسوية سياسية. ولكي يحدث ذلك، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى ترتيب أوضاعه الداخلية بما يسمح بالتوصل إلى إجماع بين الدول الأعضاء كي يتم متابعة هذا المسار. حيث كشفت ردود أفعال الدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوروبي بشكل منفرد في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر عن انقسامات أوروبية عميقة وأعادت التأكيد مرة أخرى على الثغرات ونقاط الضعف التي تظهر عندما يتعلق الأمر بممارسة الاتحاد الأوروبي دورًا استراتيجيًا في العلاقات الدولية. ويعد تجاوز هذه الانقسامات عملية بالغة الصعوبة لاسيما في عامٍ من المقرر أن يشهد انعقاد الانتخابات الأوروبية، مما يهدد بحدوث مزيد من الاستقطاب. إلا أن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل أكد بشكل قاطع أنه: "إذا لم ينجح الاتحاد الأوروبي، فسنكون بالتأكيد في دوامة من العنف والكراهية المتبادلة لأجيال".
ثانيًا، ينبغي أن يصيغ الاتحاد الأوروبي مطالبه الخاصة فيما يتعلق بسياسة الشرق الأوسط وأن يدرك أنه لم يعد بوسعه الانتظار حتى تبادر الولايات المتحدة بالتصرف الصحيح. فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الخاصة التي تريد تحقيقها عندما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وهذه المصالح لا تتوافق في كافة المجالات مع مصالح الاتحاد الأوروبي. لذلك لابد من الاعتراف بهذا الأمر والعمل على تحقيقه إذا أردنا أن نسطر فصلًا جديدًا للسلام في الشرق الأوسط.
أخيرًا، يتعين على الاتحاد الأوروبي تعميق علاقاته مع شركائه العرب والقيام بدور أفضل في الإصغاء لتقييم حلفائه داخل المنطقة للأوضاع إذا ما أراد اعتماد نهج موضوعي ومثمر. وبالعودة إلى عام 2002م، كانت جامعة الدول العربية قد اقترحت مسارًا لحل الصراع العربي -الإسرائيلي بُناء على خطة السلام التي طرحها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. ولم يقصد من الخطة أن تكون الوثيقة النهائية المعتمدة لمعاهدة السلام، بل أن تمثل الأساس الذي يمكن أن تنطلق منه المفاوضات. ولسوء الحظ، لم تؤخذ الخطة على محمل الجد ولم تحظ بالدعم اللازم. لذلك، ينبغي لأوروبا ألا تكرر الخطأ ذاته.