array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 193

صعود تيار الشعبوية في أوروبا المنغلقة والمقيدة لوصول اللاجئين لحماية نمط حياتها

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

تَسير العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي بشكل عام على المسار الإيجابي. حيث تكثفت نقاط الاتصال بين الجانبين طوال عام 2023م، على المستوى الحكومي، والمؤسسي، والمجتمعي. وقد ساعد في ذلك قرار تعيين أول ممثل خاص للاتحاد الأوروبي إلى منطقة الخليج في شخص لويجي دي مايو، وزير الخارجية الإيطالي السابق. من جانبها، واصلت أوروبا تأكيد عزمها الاضطلاع بدور أمني إقليمي أكثر قوة، بما في ذلك المساهمة في تهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط. وهنا تحديدًا، أقر الاتحاد الأوروبي بالدور النشط الذي تلعبه دول مجلس التعاون الخليجي في جوارها، حتى أنه وصفهم بأنهم "لاعبون صاعدون على الساحة الدولية"، وشدد على النفوذ المتنامي للبلدان الخليجية على الساحة الإقليمية والعالمية. وعلى صعيد سياسات المناخ والتحول الأخضر، تضاعفت نقاط الاتصال بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي لاسيما على الجبهة ثنائية الجانب.

في الوقت ذاته، لا تزال أوجه القصور التي تُميز الثغرات في العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي قائمة، بما في ذلك الأطر المؤسسية المختلفة، والعجز عن فهم وجهات نظر الطرف الآخر، فضلاً عن اختلاف المفاهيم بشأن كيفية المضي قدمًا. وفي ظل المرحلة الانتقالية التي يشهدها العالم بأسره وتَشكُل نظام عالمي جديد، لم تعد المجالات التقليدية للقرب الجغرافي والعلاقات الاقتصادية كافية لتوفير الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي. وبالفعل، لم يُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكثر أهمية لدول مجلس التعاون الخليجي بعد أن تغلب عليه المارد الصيني. وعلى صعيد الجغرافيا السياسية والاقتصادية، تنعم دول الخليج الآن بمزيد من الخيارات في جعبتها إلى جانب الاتحاد الأوروبي الذي أضحى واحدًا من بين العديد من الدول التي تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى التعامل معها. وقد سلطت المواقف المختلفة بشأن الحرب في أوكرانيا والحرب على قطاع غزة الضوء على المفاهيم المُتباينة حول الأولويات والمبادئ التي يجب تطبيقها في الأوقات التي يسودها عدم اليقين والتقلبات.

يُشير ما سبق أعلاه إلى أن العلاقات الخليجية-الأوروبية لا تزال قيد التطور مع ضرورة إعادة تقييم العلاقات المتبادلة بشكل متواصل وتعديلها وفقًا للظروف والمعطيات المُتغيرة. بشكل عام، لا يزال الجانبان يتقاسمان قطاعًا واسعًا من المصالح المشتركة، وبينما يحتفظ التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي بقدر من الزخم، يظل هناك شعور بتكرار التجربة. وذلك نظرًا إلى أن العديد من التصريحات التي صدرت في الماضي إما أنها لم تتحقق أو أنها لم ترتق إلى مستوى التوقعات. مع ذلك، تظل أوروبا الشريك المفضل لدول مجلس التعاون الخليجي في العديد من المجالات، لكنها في حاجة لأن تتوصل لفهم سريع وأفضل للديناميكيات الجديدة التي تحدث في منطقة الخليج، وإلا فإنها ستخاطر بتهميش دورها أو عدم إيلاء مصالحها الاعتبار.

صورة مختلطة حول العلاقات الخليجية-الأوروبية

شهد العام المنصرم 2023م، بالفعل محاولة من جانب الاتحاد الأوروبي لتوضيح موقفه بشأن الشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي. في حين تظل وثيقة “الشراكة الاستراتيجية" التي أصدرها الاتحاد الأوروبي في مايو 2022م، هي المبدأ التوجيهي الرئيسي للسياسات الأوروبية لدفع العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى الأمام من خلال التركيز على ستة مجالات رئيسية: التجارة والاستثمار؛ التحول الأخضر وأمن الطاقة؛ والأمن والاستقرار الإقليميين؛ القضايا الإنسانية والتنموية؛ الحكم والإصلاح وحقوق الإنسان؛ وكذلك التعاون المؤسسي. وعلى صعيد المجالات التقليدية مثل التجارة، والاستثمار، والتبادلات التجارية، تحتفظ العلاقات الثنائية بقوتها على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي لم يعد اللاعب المُهيمن على هذه الجبهة وسط منافسة متزايدة من قبل الأسواق الأخرى التي لا تقتصر على أسواق آسيا فحسب، بل تشمل أيضًا دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال. وبينما لا يزال هناك مستوى معين من التفضيل للمنتجات الأوروبية من قبل المستهلكين في الدول الخليجية، بيد أن الصادرات الأوروبية لم تعد الخيار الأول الذي يهرع له المستهلكين تلقائياً. وبالرغم من ارتفاع إجمالي الميزان التجاري مع الاتحاد الأوروبي إلى 175.15 مليار يورو في عام 2022م، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، إلا أن الفجوة مع دول مثل الصين مُستمرة في التزايد. حيث بلغ إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع الصين 315.8 مليار دولار في عام 2022م، وهو ما يمثل ما يقرب من 20% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي.

تعد العلاقات المؤسسية بين المُنظمتين أحد المحاور التي شهدت تحسنًا ملحوظًا على مدار العامين الماضيين. وإلى جانب الاجتماع الوزاري الــ 27 للمجلس الأوروبي -الخليجي المشترك، الذي عُقد في مدينة مسقط بسلطنة عمان  خلال يومي 9 و10 أكتوبر 2023م، اتفق الجانبان على عدد من الآليات المؤسسية الأخرى بما في ذلك إنشاء برنامج العمل للفترة من عام 2022 إلى عام 2027م، والذي يتم تحديثه باستمرار، إلى جانب إجراء حوار أمني إقليمي بشكل منتظم بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي يشمل أربع مجموعات عمل، وإقامة منتدى رفيع المستوى حول الأمن والتعاون الإقليميين لاستكمال العمل المُنجز في الاجتماعات الرسمية لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي. ومن المقرر عقد الاجتماع الأول لمجموعة العمل حول قضية الأمن البحري في بروكسل في يناير 2024م.

تشمل الجلسات الأخرى التي تم عقدها؛ الاجتماع الـ 31 للجنة التعاون الخليجية الأوروبية المشتركة (فبراير 2023)، والاجتماع ال 24 للجنة السياسية (يناير 2023م)، بالإضافة إلى انعقاد النسخة الـ 12 من الحوار الاقتصادي الكلي بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي (نوفمبر 2022م)، والنسخة الـ 5 من الحوار حول التجارة والاستثمار (مارس 2023م). علاوة على ذلك، تم عقد الاجتماع الأول للجنة المساعدات والخدمات التابعة للاتحاد الأوروبي (سبتمبر 2023م). كما عُقد منتدى الأعمال الـ 7 لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2023م، في البحرين بدعم من الاتحاد الأوروبي.

في السياق ذاته، شهد عام 2023م، العديد من الزيارات لمسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى إلى الخليج من بينهم؛ رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، بالإضافة إلى جوزيف بوريل، نائب رئيس الاتحاد الأوروبي والممثل الأعلى للسياسات الخارجية والأمنية. والذي قد قام في واقع الأمر بالعديد من الزيارات إلى دول مجلس التعاون الخليجي، حتى أن أصبحت مثل هذه الزيارات رفيعة المستوى هي القاعدة أكثر من كونها الاستثناء كما كان في الماضي. وبعيدًا عن قيادات الاتحاد الأوروبي، قام العديد من المفوضين الأوروبيين بزيارات إلى البلدان الخليجية أيضًا، بما يعكس إصرارًا أوروبيًا على بناء علاقات أوثق عبر مختلف قضايا السياسات. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن نفس القدر من الاهتمام من جانب زوار دول مجلس التعاون الخليجي إلى بروكسل لم يتحقق.

وقد انعكس التحسن المشهود في العلاقات المؤسسية بين الكتلتين منذ تولى الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج، لويجي دي مايو، منصبه في يونيو 2023م. فمنذ بداية تعيينه، حرص دي مايو على التعامل مع كافة القطاعات الخليجية دون انقطاع تقريبًا، مؤكدًا من البداية أن مهمته الأولى هي الإصغاء إلى أصحاب المصلحة الإقليميين من أجل التعرف على رؤاهم ووجهات نظرهم قبل اتخاذ قرار بشأن خطة عمل واضحة من جانب الاتحاد الأوروبي.  كما نشرت صحيفة "ذا ناشيونال" مقالًا للمسؤول الأوروبي دي مايو في نوفمبر 2023م، كتب فيه: “يمكننا في بروكسل أن نسطر ونصوغ الاستراتيجية المثلى، لكننا بحاجة إلى العمل معا حول كيفية إحداث تقارب وتنفيذ طموحاتنا وأولوياتنا المشتركة. النقطة الحقيقية والمهمة الآن هي تحديد الأولويات مع دول مجلس التعاون الخليجي … ووضع خريطة مشتركة للمضي قدما. بشكل عام، لقي نهج دي مايو استحسانًا وبالتالي يمكن القول بأنه نجح في التغلب على الشكوك الأولية حول تعيينه وكسب درجة عالية من القبول بين قادة السياسة الخليجية. 

من ناحية أخرى، لا تزال هناك أوجه تباعد واختلاف بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي تُميز هذه العلاقة إلى جانب عدم القدرة على متابعة تنفيذ العديد من الأنشطة المُعلنة والمخطط لها. فمن جهة، لم تشهد المبادرات المُبينة في وثيقة الشراكة الاستراتيجية مثل إنشاء غرفة تجارة تابعة للاتحاد الأوروبي، أو افتتاح مكتب لبعثة الاتحاد الأوروبي في عمان تقدمًا ملموسًا. وبشكل عام، لا يزال هناك افتقار لسرعة التنفيذ فيما يتعلق بالعديد من الأفكار الملموسة المدرجة في الوثيقة. هذا التباعد المتزايد بين الجانبين مشهود أيضًا على الجبهة السياسية، حيث لم تعد العلاقات تتسم بالصعوبة فحسب، بل أصبح هناك مزيدًا من التباعد في مواقف الجانبين. فيما قوبلت المواقف الأوروبية والدعم غير المشروط لإسرائيل باتهامات بالنفاق والمعايير المزدوجة والفشل الأخلاقي وذلك عند مقارنتها على وجه الخصوص بالموقف الأوروبي المتخذ بشأن أوكرانيا. بالتالي فإن الشكوك داخل عواصم دول مجلس التعاون الخليجي حول اعتماد الاتحاد الأوروبي كلاعب أمني ذي صلة لم تعد قائمة فحسب، بل تعمقت بشكل أكبر. وفقط مع استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة، بدأ الموقف الأوروبي في التحول مع اكتساب الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار زخمًا بحلول نهاية عام 2023م. مع ذلك، يمكن وصف ذلك بأنه جهد ضئيل ومتأخر جدًا من حيث الحيلولة دون وقوع كارثة أكبر تزج بمنطقة الشرق الأوسط بأسرها مرة أخرى إلى حالة مطولة من عدم الاستقرار والضبابية.    

ما يظل جليًا مع نهاية 2023م، هو أن اكتساب الشراكة الخليجية -الأوروبية الاستراتيجية مصداقية يظل مرهونًا بضخ استثمارات إضافية وأكثر استهدافًا. فلا سبيل لأن تتقدم العلاقات الثنائية إذا تركت ببساطة على "مثبت السرعة" دون بذل مجهود. عوضًا عن ذلك، ينبغي أن تدار العلاقات بشكل نشط وأن تمنح الاهتمام الدائم. في ضوء هذا، ثمة العديد من الانقسامات المُتسببة في تعطيل العلاقات الخليجية الأوروبية في السابق، لا تزال قائمة حتى الآن؛ بما في ذلك تفضيل العلاقات الثنائية والتعددية الشاملة بين الأعضاء التأسيسيين والافتقار إلى عمق العلاقات السياسية والأمنية. لذلك يجب أن يكون عام 2024م، عامًا تتجلى فيه الروابط المؤسسية الأفضل في مجالات تعاون أكثر جوهرية وملموسة عبر مجموعة متنوعة من المستويات.

نمو روابط الطاقة والممر الاقتصادي مع الهند والشرق الأوسط

يعتبر قطاع الطاقة أحد المجالات التي تشهد بالفعل نموًا ملحوظًا، لاسيما مع اضطلاع دول مجلس التعاون الخليجي بدور متزايد الأهمية على خارطة الطاقة الأوروبية، بسبب اضطراب إمدادات الطاقة بعد العقوبات المفروضة على روسيا. نتيجة لذلك، تم التوقيع على العديد من الصفقات في مجال الطاقة بين دول مجلس التعاون ودول الاتحاد الأوروبي في مقدمتها كل من ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا. حيث أبرمت ألمانيا صفقة مدتها 15 عامًا لشراء الغاز الطبيعي المسال من قطر، على أن تبدأ عمليات التسليم في عام 2026م، كما وقعت اتفاقية بشأن أمن الطاقة وتسريع الصناعة مع دولة الإمارات، والتي تتضمن صفقة توريد الغاز الطبيعي المسال والديزل بالإضافة إلى التعاون في إزالة الكربون. والعمل المناخي، إلى جانب التوقيع على إعلان مع سلطنة عمان للتعاون في مجال الهيدروجين الأخضر. من جانبها، أبرمت فرنسا مبادرة تعاون ثلاثية مع الإمارات والهند بشأن التحول الطاقي، كما وقعت مذكرة تفاهم مع المملكة العربية السعودية في مجال الطاقة النووية واحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه من بين مجالات أخرى. في السياق ذاته، وقعت إيطاليا اتفاقية مع المملكة العربية السعودية في مجالات الاقتصاد الدائري، والتنقل، والصناعة الكيميائية. ويأتي ذلك متماشيًا مع طموحات دول مجلس التعاون الخليجي بشأن التحول الأخضر، والتي أدت إلى استثمارات كبيرة في الانتقال الطاقي بما في ذلك مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين.

جاء غالبية التقدم المُحرز في مجال الطاقة على المستوى الدول الأعضاء منفردة فيما تأخر عن الركب إحداث تحرك أكثر جوهرية على مستوى الكتلتين. حيث لم تتقدم الشراكات المخطط لها في مجال الهيدروجين، كذلك لم يتم الربط بين المشروع الأوروبي الرائد “الصفقة الخضراء" والمبادرات الخليجية المماثلة مثل المبادرة الخضراء السعودية أو مبادرة الشرق الأوسط الخضراء. ثمة انفصال ينبغي إصلاحه لاسيما بالنظر إلى حقيقة أن كلا الجانبين يعير اهتمامًا وقيمة كبيرة للمضي قدمًا في عملية التحول الطاقي. في ضوء هذا السياق، ساهم الاختتام الناجح للمؤتمر العالمي للمناخ في نسخته الـ 28 الذي استضافته دولة الإمارات في إعطاء بصيص أمل في ظل التقدم الملحوظ في مجال العدالة المناخية، والانتقال الطاقي، والمرونة الزراعية، والأمن الغذائي، بجانب الإجماع بشأن أهمية الابتعاد عن الوقود الأحفوري. ومن أجل متابعة تنفيذ القرارات المتخذة في دبي، سيكون ضروريًا أن يتم العمل على تضافر الجهود المشتركة على الجبهة الخليجية-الأوروبية.

في الوقت ذاته، يشكل مشروع الممر الاقتصادي الذي يربط أوروبا بالهند عبر بوابة الشرق الأوسط المُتفق عليه خلال قمة مجموعة العشرين في سبتمبر الماضي عنصرًا إضافيًا مهمًا قد يكون له دور في توطيد العلاقات الخليجية-الأوروبية. من جانبه، سلط الاتحاد الأوروبي الضوء بالفعل على المنافع الرئيسية المتوقع أن تعود من وراء الممر الاقتصادي الذي يأمل أن يتم من خلاله توسيع نطاق التعاون الوثيق مع الدول الأخرى بما في ذلك دول آسيا الوسطى، وإفريقيا، والشرق الأقصى. وقد وُصف الممر الاقتصادي الجديد من قبل رئيسة المفوضية الأوروبية يورسولا فون دير لاين بـ “الإنجاز التاريخي" و"المشروع الأكثر طموحًا لجيلنا".

ومن خلال التركيز على الروابط بين الطاقة، والبيانات، والاتصال، والموارد البشرية، بالإضافة إلى التوسع في حركة الطيران وشبكة السكك الحديدية، يحمل الممر الجديد العديد من الإمكانات والمنافع المحتملة من حيث توسيع التجارة بين الجنوب والجنوب، وبين الشمال والجنوب نظرًا إلى أنه يمر من خلال المنطقة الخليجية والشرق الأوسط. كذلك يمكن أن يكون للممر دور حاسم من حيث توفير البنية التحتية اللازمة للسماح بإمدادات الطاقة دون انقطاع، وخاصة في مجال الهيدروجين. علاوة على ذلك، يُنظر إلى مشروع الممر الاقتصادي على أنه مكون محوري لمقترح "البوابة الاستراتيجية الخاصة بأوروبا" والتي تسعى إلى تقديم نفسها كبديل موثوق لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

مع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن المشروع لا يزال يواجه العديد من التحديات التي تهدد قابليته للتطبيق. فبينما يشعر الاتحاد الأوروبي بتفاؤل حيال النجاح الحتمي للممر الجديد، تظل هناك أمورًا غير محسومة بما في ذلك قدرة الشركاء في المشروع على التغلب على التحديات المالية واللوجستية، وقدرتهم أيضًا على تجاوز العديد من القضايا السياسية الشائكة لاسيما تلك الناشبة عن الحرب الدائرة في قطاع غزة. في ضوء الوضع الراهن، تعد مبادرة الممر الاقتصادي ذات أهمية أكبر للجانب الأوروبي عما هي عليه بالنسبة للجانب الخليجي نظرًا إلى الروابط الاقتصادية القائمة بالفعل بين دول الخليج وآسيا، فضلًا عن تطلعاتها لتحقيق مزيد من النمو على هذه الجبهة.

عام مليء بالتحديات في انتظار الاتحاد الأوروبي

بالنسبة للاتحاد الأوروبي، قد يثبت عام 2024م، أنه عام محوري، فقد أنتهى عام 2023م، وسط خلافات وانقسامات داخلية متزايدة سواء كانت على صعيد السياسات الداخلية أو جبهة السياسة الخارجية. فداخليًا، هناك تحول ملحوظ إلى تيار الشعبوية مع اكتساب المواقف والسياسات اليمينية أرضية وشعبية داخل دول مثل هنغاريا، وسلوفاكيا، وهولندا، وإيطاليا، وحتى ألمانيا. كان لذلك أثره المُباشر على سياسات الهوية والهجرة بما يشير إلى أن أوروبا أصبحت أكثر انغلاقًا على نفسها، عازمة على بذل المزيد من الجهود في سبيل حماية حدودها وتقييد وصول تدفقات اللاجئين. وبالفعل، بدأ الخطاب داخل أوروبا يتحول من خطاب يدعو إلى بناء نظام ليبرالي عالمي وحماية التعددية إلى آخر يؤكد ضمان الاستقلال الاستراتيجي وحماية نمط الحياة الأوروبي. ومن الممكن أن تمنح الانتخابات الأوروبية المقرر إجراؤها في يونيو 2024م، مؤشرًا إضافيًا للاتجاه السياسي في الداخل الأوروبي على المدى القريب.

على مستوى السياسات الخارجية، لم تعد الانقسامات حول أزمة قطاع غزة واضحة للعيان فحسب، بل أضحت تطفو على السطح فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية. حيث أصبح الالتزام الأوروبي الراسخ بحماية أوكرانيا موضع تساؤل بشكل مفاجئ نظرًا للاعتراضات التي أثارتها المجر، والصراعات التي تخوضها أوروبا على الجبهة الاقتصادية للحفاظ على قدرتها على تلبية احتياجات أوكرانيا والمساعدات عالية المستوى. وقد حذر الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل من الخطر الذي يُداهم أوروبا، مشيرًا إلى أن الأشهر المقبلة، وليس العام، يمكن أن تكون حاسمة فيما يتعلق بسلام وأمن القارة.

على صعيد العلاقات الخليجية-الأوروبية، لا تعتبر النظرة المستقبلية قاتمة ومتشائمة إلى هذا الحد. حيث لايزال هناك التزام متواصل من جانب الطرفين الخليجي والأوروبي حيال البناء على الانطلاقة الجديدة التي شهدتها العلاقات تزامنًا مع إصدار وثيقة الشراكة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي. وسيكون المفتاح خلال العام المقبل هو تفعيل بعض الأفكار العديدة المطروحة في المبادرة. غير أنه كلما طال أمد الانتظار، كلما أصبح الأمر أكثر صعوبة.

مقالات لنفس الكاتب