array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 193

أزمة غزة أثبتت خطأ المقاربة الأمريكية وتبحث عن معين للحل والخروج من المأزق

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

تعتبر نهاية العام وبداية عام جديد فرصة لتقويم الإداء في أي نشاط، ويكون ذلك من خلال عملية مراجعة للإنجازات والإخفاقات وأسباب كل منهم، رغبة في أن تكون بداية العام الجديد انطلاقة فاعلة بروح جديدة تعالج مواطن القصور وتبنى على النجاحات. ولأن السياسة الأمريكية ومواقفها من القضايا الإقليمية والثنائية من أهم العوامل التي تؤثر في واقع المنطقة ومستقبلها على المدى المنظور وجب أن نستغل نهاية العام لإلقاء نظرة على حالة العلاقات الأمريكية-الخليجية عامة والعلاقة مع المملكة العربية السعودية مع محاولة استشراف عام جديد نأمل أن يأتي بالجديد الذي عجزت عنه الأعوام التي سبقت.  

 

الأمن الإقليمي هو مقياس العلاقات الخليجية-الأمريكية

 

إن عملية تقويم العلاقات الأمريكية-الخليجية يجب أن تبدأ من حالة الأمن والاستقرار في المنطقة ذلك لأن الولايات المتحدة أخذت على عاتقها تلك المسؤولية منذ ورثت بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية وكان ذلك التعهد من قبل الولايات المتحدة ليس من باب التفضل على المنطقة بل هو لحماية مصالحها الواسعة ورغبتها في الحيلولة دون وقوع المنطقة تحت تأثير القوى المنافسة.  كانت للولايات المتحدة مصالح عديدة في المنطقة منها الاقتصادية التي تركزت على القطاعين النفطي والتجاري بالإضافة الى المصالح الجيوسياسية والأمنية.  لكن الولايات المتحدة اختزلت تلك المصالح مؤخراً إلى الجانب الأمني وتأمين أمن إسرائيل لذلك فإن فاعلية الدور الأمريكي اليوم يجب أن تقاس بمقياس واحد هو حالة الأمن الإقليمي وهي حالة سارت من سيء إلى أسوأ في السنوات الأخيرة ومنها العام المنصرم. حصل هذا على الرغم من محاولات الإدارات الأمريكية التي توالت خلال العقود الماضية الترقيع وإظهار الاهتمام من خلال مبادرات ومحاولات احتواء الأزمات بدلاً من العمل على إيجاد حلول ناجعة.  ولعل من أهم الأدلة على الدور الأمريكي وأثره على الأمن الإقليمي الإخفاق في العراق والفشل في التصدي للإرهاب حيث كانت السياسة الأمريكية فيما يسمى بالحرب على الإرهاب قائمة على العمل على احتواء الجماعات الإرهابية والاستعانة ببعض الجماعات الموسومة بالإرهاب ضد أخرى سواء كان ذلك في العراق أو سوريا أو اليمن مما جعلها تفقد مصداقيتها في المنطقة.  كذلك تجلى قصور المبادرات الأمريكية من خلال عجزها أو قل إن شئت تلكؤها في إيجاد حل للصراع الدائر في اليمن الذي تحول إلى حرب استنزاف لمقدرات دول المنطقة سمحت فيه الولايات المتحدة لوكلاء إيران بالتمكن.  وأخيراً وليس آخراً قصور المبادرات الأمريكية لحل النزاع العربي-الإسرائيلي على الرغم من أن هذه القضية كانت الأهم ، بل المصلحة الوحيدة التي تعمل من أجلها وهي تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية وخصوصاً بين المملكة وإسرائيل.   

 

أسباب التراجع الأمريكي عن المنطقة

 

مرت العلاقات الأمريكية-الخليجية عامة والسعودية بشكل خاص بعام شهد العديد من حالات الشد والجذب وأعطت صورة موجزة عن حالة التأرجح التي مرت بها العلاقات خلال العقود الثلاثة الأخيرة وخصوصاً منذ مجيء إدارة بيل كلينتون إلى الحكم وهو الذي كان يميل إلى سياسة حزب الليكود اليميني على خلاف العادة التي جرت في الحزب الديمقراطي الذي كان معروفاً بصلاته بأحزاب اليسار الإسرائيلي وخلافه مع الليكود الذي يوالي الجمهوريين ومما زاد الطين بلة أن كلينتون أوكل إدارة السياسة الخارجية إلى مادلين أولبرايت التي قامت باختزال العلاقات الأمريكية مع المنطقة إلى قضية واحدة وهي ضمان أمن إسرائيل وتبعت ذلك سيطرة باعة الأوهام على السياسة الخارجية الأمريكية والذين لم يؤلوا جهداً في ترسيخ تلك السياسات من خلال ادعاءات واهية بأن المنطقة لم تعد مهمة بالنسبة للولايات المتحدة التي يجب أن تتجه نحو جنوب شرق آسيا لأنها مصدر الفرص والتحديات كما وأنهم ادعوا بأن تكاليف المساعدة في حفظ أمن المنطقة كبيرة مع تجاهل ذكر تكاليف وآثار الانسحاب من المنطقة وأخيراً الادعاء بأن تطوير إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة ووصولها إلى الاكتفاء الذاتي قد أغناها عن المنطقة إلى الأبد. لكن أزمة الكوفيد-19 وتبعاتها على الاقتصاد العالمي سرعان ما أثبتت بطلان تلك الدعاوى حيث سارع بايدن والذي كان من أكثر المتحمسين لتلك الأوهام إلى الطلب الشخصي من المملكة زيادة الإنتاج لأنه أكتشف أن قطاع النفط يعني الكثير للولايات المتحدة واقتصادها بغض النظر عن كمية الاستيراد لكون النفط سلعة عالمية لها دورها في الاقتصاد الأمريكي بصورة مباشرة من خلال الأسعار التي تؤثر في العديد من القطاعات وفي مقدمتها النقل وغير مباشرة من خلال التأثير على وضع الأسواق العالمية التي في أغلبها إما موردة أو مستوردة للبضائع الأمريكية كما أن سوق النفط وارتباطه بالدولار يعني الكثير بالنسبة للاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد وبشكل كبير على الطلب على الدولار في الأسواق العالمية لكن ذلك كله لن يفت في عضد باعة الأوهام الذين لن تنقصهم الحيلة في إيجاد أوهام جديدة لأنهم يؤمنون بالمثل الغربي "لاتدع الحقائق تقف عائقاً بينك وبين ما تريد تحقيقه". 

 

تفجرت العلاقة بين الديمقراطيين وحزب الليكود خلال إدارة أوباما التي قامت بالتوقيع على اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي ومع أن الدافع الأساس وراء التوقيع كان أمن إسرائيل وأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كانت تدفع باتجاه الاتفاق إلا أن زعيم الليكود نتنياهو أبدى معارضته لتلك الخطوة وبذل الجهود في محاولة لابتزاز الولايات المتحدة ودعم المعارضة الجمهورية وقد وصلت العلاقة بين نتنياهو وإدارة أوباما إلى أدنى مستوياتها عندما قام الأول بزيارة واشنطن بدعوة من رئيس مجلس النواب الجمهوري ومن دون تلقي دعوة رسمية من الرئيس أو نائبه بايدن وفوق ذلك قام بإلقاء خطاب ناري انتقد فيه إدارة أوباما بشدة في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ ولم يحضرها نائب الرئيس بايدن على الرغم من أنه يعتبر رئيساً لمجلس الشيوخ كما أنه من أكبر مؤيدي إسرائيل. تلك الأحداث تركت أثراً مراً عند الديمقراطيين خصوصاً أوباما وبايدن ولذلك لم يقم الأخير بدعوة نتنياهو إلى واشنطن منذ تسلمه الرئاسة واكتفى بلقائه في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

 

الموقف الأمريكي من الصراع في غزة

 

نذكر هذه القضية لأنها تشكل جزءًا من خلفية مواقف إدارة بايدن من الأحداث الأخيرة في غزة والتي شكلت فرصة كبيرة وصداعاً هي في غنى عنه خصوصاً في النواحي التالية:

  1. تنظر إدارة بايدن إلى أحداث غزة على أنها مثل العديد من المواقف والصراعات على الساحة العالمية كالحرب في أوكرانيا فرصة للدفع بتصوراتها وتوجهاتها تجاه المنطقة وإحكام قبضتها على الأحداث التي تجري فيها وتوجيهها الوجهة التي تخدم تلك التصورات والتي من أهمها إعادة رسم خارطة المنطقة السياسية. هذه العملية تأخرت في العام الماضي بسبب المتغيرات السياسية في إسرائيل التي أوصلت اليمين المتشدد إلى الحكم والذي يولي الأوضاع الداخلية أهمية كبيرة مقابل التوجهات الإقليمية وهو أقل رغبة في التفاهم مع الولايات المتحدة وخصوصاً إدارة بايدن.
  2. كذلك سعت الإدارة جاهدة إلى عدم توسيع دائرة الصراع في المنطقة وذلك لخشيتها من أن ذلك قد تكون له آثار سلبية على حلفائها في المنطقة والترتيبات التي سعت خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى ترسيخها ومنها الدور الإيراني وكذلك اقترابها من الوصول إلى الحلم الذي عجزت عنه الإدارات الأمريكية المتعاقبة المتمثل بتطبيع العلاقات بين الدول العربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
  3. الحرب في غزة كانت بمثابة هدية كبيرة لروسيا والصين لأن من شأنها أن تشغل أمريكا ولفترة طويلة عن العديد من القضايا الأخرى مثل دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا وعملية احتواء الصين كما وأن الموقف الأمريكي المتحيز كلياً لإسرائيل قد فتح أبواب المنطقة مشرعة أمام توسيع أدوار روسيا والصين في ظل غياب التوازن في المقاربة الأمريكية وقلة اهتمامها بالمنطقة ولعل هذا يفسر سبب زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى المملكة والتي جاءت ربما لجس النبض وقياس مدى الاستعداد في دول المنطقة لتطوير علاقات استراتيجية على حساب الدور الأمريكي.
  4. لا يمكننا إغفال أثر العلاقات الشخصية وفقدان الحب بين بايدن ونتنياهو والتي دل عليها رفض بايدن دعوة الأخير لزيارة واشنطن. ولعل بايدن كان يتطلع إلى الفرصة التي يجثو فيها نتنياهو أمامه طالباً منه العون والمساعدة وهو الغريم الذي كان يعتقد أنه يمتلك تأثيراً في واشنطن يفوق مستوى الرؤساء.  لذلك رأينا بايدن يغالي في تأييده لإسرائيل ومواقف حكومتها غير المتزنة ويتبنى العديد من الآراء والتصريحات حول قيام حماس بتقطيع رؤوس الأطفال الإسرائيليين واغتصاب النساء وهي المواقف التي أحرجت الإدارة وتسببت في إحداث انقسامات كبيرة بين كبار الموظفين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووكالة العون الخارجي.
  5. هناك اعتبار آخر يتمثل بعدم الرضا في أمريكا عن تحركات وأفكار الأحزاب الدينية المتشددة التي سيطرت على القرار مؤخراً في إسرائيل. ويعود ذلك إلى أن هذه الأحزاب بعيدة عن المؤسسة العسكرية التي حكمت إسرائيل منذ قيامها كما وأن لها سياسات تتعارض في بعض جوانبها مع التوجهات الأمريكية تجاه المنطقة.  الحرب في غزة دفعت بهذه الاختلافات إلى الواجهة وهي مرشحة للتصعيد مع استمرار الحرب وظهور الفجوة حول أساليب إدارة الحرب بين الولايات المتحدة من جهة ونتنياهو والأحزاب اليمينية التي تنظر إلى الحرب على أنها فرصة لإحداث عملية التطهير العرقي وإخلاء ليس غزة فقط بل الضفة الغربية من الفلسطينيين وإنهاء أي فكرة عن حل الدولتين من جهة أخرى. هذه الأفكار والسياسات تثير القلق في العديد من الدوائر في واشنطن ليس من باب المشاعر الإنسانية أو الحرص على الشعب الفلسطيني بل لأنها تضع إسرائيل على طريق الهزيمة ربما ليس في المعركة بل في نتيجة الصراع النهائية من خلال خسارة إسرائيل للدعم الدولي وقد أشار بايدن مؤخراً إلى هذه القضية أثناء لقائه مع داعمي حملته الانتخابية حين قال: "إنَّ الإسرائيليين بدأوا يفقدون الدعم الدولي" لذلك حضّ رئيس الوزراء نتنياهو، على تغيير تركيبة الحكومة، مؤكدًا أن تلك الحكومة تعارض حلّ الدولتين، مؤكداً على أن "سلامة الشعب اليهودي على المحكّ بالتأكيد."  وقد سار وزير الدفاع الأمريكي على نفس النهج حين حذر من خطورة توجهات نتنياهو واليمين على إسرائيل لأنها قد تؤدي إلى هزيمة استراتيجية لإسرائيل إذا لم تلتزم بحماية المدنيين في قطاع غزة.  ولذلك فليس من المستبعد أن تكون إحدى نتائج الحرب في غزة نهاية حكم الأحزاب اليمينية ونهاية نتنياهو السياسية وهذا يفسر خشية الائتلاف الحاكم من أي هدنة طويلة في هذه الحرب لأنها سوف تنهي التحالف وتدخل إسرائيل في شلل سياسي سوف تكون نتيجته انتخابات مبكرة تقصي أحزاب اليمين من الحكم وإلى فترة قد لاتكون قصيرة وتأتي بحكومة أكثر قدرة على التفاهم مع الولايات المتحدة والعالم.

              

المصاعب لا تأتي منفردة

 

لم تكن الولايات المتحدة بحاجة إلى أي مشكلات جديدة فعندها من المصائب ما يكفيها فقد كانت هناك الحرب في أوكرانيا والاندفاع الأمريكي تجاه ترتيب الأوضاع الأمنية في أوروبا وتشكيل جبهة موحدة ضد الغزو الروسي لأوكرانيا واستغلال تلك الجبهة في عملية احتواء الصين.  ثم هناك الجبهة الداخلية المتصدعة التي صارت تشبه خزين البارود وهي مهددة بالاشتعال من أية شرارة قد تتطور إلى عملية التحام بين فئات المجتمع ومما زاد في البلوى التضخم الاقتصادي الذي يحاول البنك المركزي كبح جماحه من خلال سياسات فاقمت من معاناة الطبقتين الفقيرة والمتوسطة ولا أحد يدري متى سوف يتجاوز الرفع المتواصل لمعدلات الفائدة نقطة اللاعودة وإدخال الاقتصاد الأمريكي في عنق زجاجة الكساد الاقتصادي الذي لن يكون الخروج منه بنفس سهولة الدخول فيه.

 

ولعل من أبرز نتائج الانقسام الداخلي حالة الاستقطاب التي يعيشها الكونغرس الأمريكي الذي تسيطر على مجلس النواب فيه أغلبية من الحزب الجمهوري المعارض تحكم بفارق أصوات قليلة جداً مما جعلها تحت وطأة أقلية من اليمين المتشدد تعتقد بأن بايدن لا يمتلك الشرعية ولذلك تسعى لفتح تحقيق نيابي مع بايدن لأسباب عديدة منها اتهام ابنه بالرشوة والتكسب غير المشروع كما أنها ترفض أي فكرة للتعاون مع الإدارة لذلك أطاحت بالقيادة الجمهورية للمجلس لأنها مررت مشروع موازنة مؤقتة بالتعاون مع الديمقراطيين.  وأمام الحكومة والمشرعين استحقاق كبير أول السنة ألا وهو إقرار الموازنة العامة التي سوف تواجه الكثير من الصعاب وقد يؤدي التأخر في إقرارها إلى إغلاق الحكومة.

 

وإذا لم تكن تلك المصاعب كافية بالنسبة لإدارة بايدن فقد جاءت القشة التي قد تقصم ظهر البعير متمثلة بلائحة اتهام بجرائم التهرب الضريبي تقدم بها المحقق الخاص دفيد وايس ضد ابن الرئيس هنتر بايدن وذلك في الثامن من ديسمبر (كانون أول) الماضي.  هذه التهم التي قد تصل عقوبتها إلى 17 سنة قد لا تكون على درجة كبيرة من الخطورة بالنسبة لبايدن خصوصاً أن التحقيقات لم تثبت تورط الرئيس بأي محاولة لعرقلة العدالة أو التأثير في مجرى القضاء لكنها قد تكون مكلفة سياسياً من ناحيتين؛ أولهما أنها تأتي في وقت حرج خلال حملة انتخابات رئاسية تواجه فيها تطلعات الرئيس إلى ولاية ثانية العديد من التحديات وهو ليس بحاجة إلى المزيد وثانيهما تتعلق بطبيعة التهم الموجهة إلى ابن الرئيس حيث أشارت اللائحة إلى سلوك ابن الرئيس الذي أنفق الأموال على المخدرات وفي محلات المجون والخلاعة وهي قضايا من شأنها أن تشد الرأي العام وتضع الرئيس في مواقف لا يحسد عليها.  

 

استشراف عام جديد

 

العلاقات الأمريكية-الخليجية سوف تواجه استحقاقين مهمين هذا العام وهما الانتخابات الرئاسية وإدارة الحرب في غزة وترتيب الأوضاع لما بعدها. ذلك أن هذا العام هو عام انتخابات رئاسية بدأت مراحلها التمهيدية بين المرشحين الجمهوريين منذ أشهر أما الحزب الديمقراطي فسوف يمثله الرئيس الحالي بايدن, على الأقل هذا المعلن لحد الآن ولا ندري إن كانت الأيام القادمة سوف تأتي بمفاجأة في هذا المجال والسبب وراء ذلك هو أن حملة الرئيس تواجه العديد من المصاعب من أهمها تدني شعبيته التي تقف اليوم عند أدنى مستوياتها وهو 38% لكن الأهم من ذلك وهو أن 56% من الناخبين لهم نظرة سلبية تجاه الرئيس مما يعني أن نسبة الذين لم يحسموا أمرهم لا تكفي للوصول إلى حاجز الخمسين بالمائة. هناك عوامل عديدة أدت إلى هذه النسبة المتدنية منها عامل العمر حيث يبلغ بايدن 81 سنة. وقد أشارت استطلاعات الرأي أن أكثر من 70% من الناخبين لديهم شكوك حول قدرة الرئيس على القيادة.  وكذلك الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم.  هذا إضافة إلى وجود ثلاثة مرشحين مستقلين أشهرهم من عائلة كيندي التي لها شعبية كبيرة في الحزب الديمقراطي ومن المتوقع أن يلتقط هؤلاء بعض الأصوات الديمقراطية وهو الأمر الذي يشكل صداعاً لحملة بايدن ويساعد المرشح الجمهوري.

 

العامل الأساسي في الحملات الانتخابية الأمريكية عامة والرئاسية خاصة هو ليس شعبية المرشح فهذه تأتي بالمرتبة الثانية أمام قدرة المرشح على جمع المال المطلوب لحملة انتخابية ناجحة لأن الحملة الرئاسية السابقة بين بايدن وترامب وصلت كلفتها إلى أرقام خيالية فاقت 4 مليارات دولار.  إن جمع مثل هذه الأموال يتطلب إمكانيات وقدرات فائقة وهذه لا تأتي من المتبرع العادي الذي قد يتبرع ببعض الدولارات إلى مرشحه المفضل لذلك يقال بأن الانتخابات يحسمها أصحاب المال قبل صناديق الاقتراع.  الحاجة إلى الكثير من المال تدفع بالمترشحين إلى عدم اتخاذ مواقف ومبادرات جريئة تجاه القضايا المطروحة خشية إغضاب الداعمين وخصوصاً الأثرياء منهم. 

 

أما بالنسبة للحرب الدائرة في غزة فإن الحكومة الأمريكية سوف تسعى لاستغلال الأزمة من أجل الدفع بما تسميه "الصفقة الكبرى" من خلال إحياء حل الدولتين والذي أسميه مشروع "الدولة ونص" ذلك أن الفلسطينيين لن تكون لهم دولة ذات سيادة كاملة وليست على جميع أراضي 1948م، ولذلك فهي "نص دولة" على أحسن تقدير لأن بعض الأفكار المتداولة تشمل وضع غزة تحت حكم إداري تشترك فيه مصر والسلطة الفلسطينية مقابل التعهد بنزع سلاح حماس وإسقاط بعض الديون عن مصر.  هذا الحل سوف تعرضه الولايات المتحدة على أساس أنه يستوفي الشرط السعودي للتطبيع.  وسوف تطالب الولايات المتحدة من دول الخليج توفير الأموال لإعادة إعمار غزة التي دمرتها الآلة العسكرية الإسرائيلية وهي عملية سوف تضخ الكثير من الأموال في الاقتصاد الإسرائيلي في نفس الوقت.  الخطط الأمريكية سوف تواجه العديد من العقبات وفي مقدمتها معارضة نتنياهو الذي شن حملة شعواء على الأفكار الأمريكية ولعل رسالته كانت موجهه إلى أحزاب اليمين الإسرائيلي ومفادها أنه الوحيد القادر على التصدي للخطط الأمريكية ولذلك وجب عليهم الاصطفاف خلفه.  العقبة الثانية هي أن هذه الأفكار مناقضة لكل ما عملته الحكومة الأمريكية في الماضي وهو العمل الدؤوب على إضعاف دور الدول العربية وخصوصاً مصر والمملكة العربية السعودية في القضية الفلسطينية بالإضافة إلى إضعاف دور المنظمات الدولية وكذلك السلطة الفلسطينية التي أصبحت بعيدة كل البعد عن تمثيل تطلعات الشعب الفلسطيني.

 

الأزمة في غزة أثبتت مرة أخرى خطأ المقاربة الأمريكية وآثارها السلبية ليس على دول المنطقة فحسب بل على السياسة الأمريكية ومصالحها لذلك نراها اليوم تبحث عن المعين في إيجاد الحلول والمخارج من المأزق الذي وضعته إسرائيل لها ولنفسها ولا تكاد تجد أحداً فهل حان الوقت لتتعلم من أخطائها؟ هناك مقولة مشهورة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرتشل تشرح السلوك الأمريكي بشكل عام يقول فيها: "كن واثقاً بأن الأمريكان سوف يقومون بفعل الشيء الصحيح ولكن بعد أن يجربوا كل شيء" أما أنا فلا أشارك تشرتشل تفاؤله بشأن الولايات المتحدة ومواقفها تجاه المنطقة في الوقت الحالي لأني لا أعتقد أن الإدارة الحالية أو القادمة سوف تقوم بفعل الشيء الصحيح وتعطي المنطقة الأهمية التي تستحقها وإن غداً لناظره قريب.

مقالات لنفس الكاتب