array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 193

الكويت أمام متطلبات تنويع الدخل وتحويل تحديات ما بعد البترول لفرص للتنمية والاستقرار

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

يعتبر أبرز حصاد الكويت من عام 2023م، هو تولي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم في 16ديسمبر 2023م، بعد وفاة شقيقه الشيخ نواف الأحمد الصباح -طيب الله ثراه-عن عمر ناهز86 عامًا، حيث استمر حكمه القصير لثلاث سنوات منذ عام 2020م، وحتى عام 2023م، وقد عرف الشيخ نواف بورعه وحرصه على الصلاة في أوقاتها حتى في اشتداد المرض، بالإضافة إلى تسامحه و إصراره على إصدار العفو عن كافة المبعدين السياسيين وبذلك لقب "أمير العفو"، بالإضافة إلى زهده حيث سارع بتفويض صلاحياته لولي عهده فور وصوله للسلطة، وبرحيله تكون قد انطوت  صفحة من صفحات التاريخ السياسي الكويتي لتفتح صفحة جديدة عنوانها مشعل الأحمد و الذي يعتبر آخر أبناء الشيخ أحمد الجابر-الحاكم العاشر للكويت و أحد أحفاد الشيخ  مبارك الكبير- وهو البالغ من العمر 83 عامًا، ومن آخر الجيل المؤسس لاستقلال و نهضة الكويت و انطلاقتها في مطلع الستينيات، وذلك يعني بأن الكويت خلال الفترة القادمة ستكون على موعد مع الصف الثاني من قيادات الأسرة الحاكمة و الذين سوف يكملون ما بدأه الآباء المؤسسون من استقلال و نهضة و إنجازات طالت كافة الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الإقليمية و الدولية. يأتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وهو البالغ من العمر 83 عامًا بخبرة واسعة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الداخلي فهو شارك في ترتيب شؤون الحكم، وإعادة هيكلة الدولة وإطلاق المشاريع الاقتصادية وهي ملفات عمل عليها طوال السنوات الثلاث الماضية بحكم منصبه كولي للعهد بالإضافة إلى صلاحية التفويضات التي فوضت إليه من قبل الأمير الراحل، والتي سوف توضع موضع التنفيذ خلال الفترة القادمة. أما على الصعيد الخارجي، فصاحب السمو الشيخ مشعل كان الرجل الثاني -إلى جانب أخيه الأمير الرحل الشيخ صباح الأحمد ـ طيب الله ثراه ــ الذي كان يتقلد منصب وزير الخارجية -في التعامل مع كافة الوفود الرسمية التي انطلقت تجوب الدول والعواصم للذود عن مصالح الكويت وسيادتها، ولا زلت اتذكر حديثي معه وصفه تفاصيل رحلة الوفد الكويتي الذي انطلق إلى العاصمة الروسية موسكو لرفع الفيتو الروسي عن قبول الكويت في الأمم المتحدة وتدشين العلاقات الروسية-الكويتية الدبلوماسية في عام 1963م، والتي عرفت بأنها الأقدم في منطقة الخليج. فقد كان الشيخ مشعل حاضرًا لهذه الزيارة التاريخية وغيرها من زيارات دبلوماسية لعبت دورًا مفصليًا في تاريخ الكويت السياسي والدبلوماسي وبذلك كان مؤسسًا وصانعًا وشاهدًا لنهضة كويتية كان هو أحد صناعها وأعمدتها.

الملفات السياسية

سيكون الملف السياسي، أحد أهم الملفات تداولًا خلال الفترة القادمة، إلا أن تطورات ذلك الملف بنيت على أحداث سياسية تراكمت خلال السنوات الثلاث الماضية منذ وفاة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد في سبتمبر 2020م، وقد شهدت نهاية تلك السنة في ديسمبر 2020م، انتخابات برلمانية حيث تنافس على الرئاسة كل من بدر الحميدي ومرزوق الغانم حيث حٌسمت للأخير. إلا أن تلك الانتخابات شهدت عودة للمعارضة، وبذلك استمر الخلاف النيابي طوال عام 2021م، حتى استقالت الحكومة في نوفمبر 2021م، وتم إعادة تشكيلها في ديسمبر 2021م، واستمر الخلاف مجددًا بين الحكومة والبرلمان حتى قدمت الحكومة وقبلت استقالتها في مايو 2022م، وفي يونيو 2022م، تم حل مجلس الأمة وألقى الشيخ مشعل الأحمد خطابًا تاريخيًا انتقد خلاله أداء كلا الرئيسين (الحكومة والبرلمان) ودعا إلى انتخابات جديدة داعيًا الناخبين إلى انتخاب الأفضل، وإرجاع الخلاف السياسي إلى الشعب للفصل فيه، وكان الهدف هو الدخول في حقبة سياسية جديدة خالية من تلك الخلافات والصراعات السياسية. حارب خلال تلك الانتخابات المال السياسي والفساد والفرعيات بهدف تحقيق الشفافية الانتخابية. وفي يوليو 2022م، تم تعيين الشيخ أحمد النواف رئيسا للوزراء، بعد استقالة الشيخ صباح الخالد، والتي كانت الحكومة الأولى التي قام بتشكيلها آنذاك. وفي أكتوبر 2022م، أجريت انتخابات مجلس الأمة، والتي شكلت على أثرها الحكومة الثانية القصيرة العمر للشيخ أحمد النواف، والتي أنهت عمرها القصير الذي لا يتجاوز الساعات استقالة النائب عمار العجمي باعتباره النائب المحلل من البرلمان المنتخب، وبذلك تشكلت حكومة جديدة وهي الحكومة الثالثة للشيخ أحمد النواف. بالرغم من ذلك، إلا أن الصراع النيابي الحكومي استمر مما دفع حكومة الشيخ أحمد النواف إلى تقديم الاستقالة في يناير 2023م، وفي مارس 2023م، أصدرت المحكمة الدستورية قرارًا ببطلان انتخابات مجلس 2022م، (والذي يعتبر المجلس المبطل الثالث في التاريخ السياسي الكويتي)، وعودة مجلس 2020م، برئاسة مرزوق الغانم. وقد كلف الشيخ أحمد النواف بتشكيل حكومته الرابعة في أبريل 2023م، وفي مايو 2023م، تم حل مجلس 2020م، مجددًا، والدعوة إلى الانتخابات خلال شهر. وفي يونيو 2023م، أجريت الانتخابات النيابية، والتي تمخض عنها عودة الغالبية العظمى من المجلس المبطل 2022م، والأقرب إلى المعارضة النيابية والتيار المحافظ. وعلى أثرها قام الشيخ أحمد النواف بتشكيل حكومته الخامسة والتي كان أبرز سماتها عودة الشيخ أحمد الفهد الأحمد إلى المشهد السياسي بتوليه نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، بالإضافة إلى عدد من الأسماء القريبة من التيار المحافظ. وقد تحقق التوافق النسبي البرلماني-الحكومي والذي لم يخلو من تقديم الاستجوابات وأشهرها استجواب النائب مهلهل المضف إلى رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف. ويعتبر إصدار مراسم العفو، ومرسوم إيقاف التعيين والندب والنقل أبرز القرارات السياسية التي صدرت خلال تلك الفترة.

الملفات الخارجية

شهد عام 2023م، اهتمام الكويت بالملفات الخارجية التي تمس أمنها بشكل رئيسي. ويعتبر البعد الخليجي لاسيما العلاقات الكويتية-السعودية أحد أبرز الركائز الاستراتيجية الأمنية لأمن الكويت، وهي قناعة تعود لقدم العلاقة الثنائية ما بين البلدين، بالإضافة إلى موقف المملكة إبان الغزو العراقي على دولة الكويت وكلمات الملك فهد بن عبد العزيز-طيب الله ثراه-والتي أكدت على وحدة المصير السعودي-الكويتي. تلك حقيقة تجلت بوضوح في أول زيارة خارجية للشيخ مشعل الأحمد فور توليه ولاية العهد وذلك من خلال مشاركته في مؤتمر الشرق الأوسط الأخضر ومن خلال كلمته التي ألقاها في ذلك المؤتمر حينما قال "إن السعودية هي القبلة والمظلة". استمر هذا النهج خلال عام 2023م، فقد باركت الكويت الاتفاق السعودي-الإيراني الذي أعلن في مارس 2023م، حيث تؤمن الكويت أن ذلك سوف ينعكس على الاستقرار الإقليمي في كافة الملفات التي تمس أمن الخليج والشرق الأوسط. لذلك حينما تفجرت أزمة حقل الدرة مع إيران، جاء الموقف الكويتي ليؤكد أهمية التفاوض الثلاثي بين البلدين بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية كونها الشريك الثالث. كما أطلقت الكويت دبلوماسية استباقية ونشطة في معالجة أزمة خور عبد الله، وهو أزمة مفتعلة أطلقها الجانب العراقي حيث عالجتها الكويت بإطلاق الحوارات الثنائية مع الجانب العراقي، بالإضافة إلى التأكيد على البعد الخليجي والعربي والدولي وصولاً إلى مجلس الأمن. وذلك بفعل السابقة العبثية للعراق في افتعال الأزمات الحدودية كما حدث في عام 1990م، والتي نتج عنها الاحتلال. فالقيادة السياسية عكست رسالة للعالم أجمع بأن لا مكان للنوايا الحسنة في افتعال أزمات الحدود والتراشق الإعلامي والتي استخدمت في السابق كمصوغات للعدوان والاحتلال. لاسيما أن الكويت منذ زوال نظام صدام حسين أطلقت يد التعاون فكانت الأكثر حرصًا على سلامة الحدود من الإرهابيين، وأطلقت مؤتمرات إعادة الإعمار والاستثمار بل أن كافة مشاريع الشمال المستقبلية أطلقتها الكويت بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي مع العراق وإيران كبديل عن سياسة الحرب والابتزاز والتوتر الحدودي الإقليمي. وهو ما يجب تعزيزه عبر الانتقال من سياسة التخطيط إلى سياسة التنفيذ، وإشراك كافة الوسطاء والشركاء المعنيين في الأمن الإقليمي في منطقة الخليج. كذلك الكويت كانت حاضرة وداعمة لكافة المؤتمرات الخليجية والعربية الداعمة لخطط التنمية الخليجية والاستقرار الإقليمي والدولي. كما سارعت الكويت لأن تكون على قائمة أولى الدول الداعمة للقضية الفلسطينية على إثر أحداث طوفان الأقصى فقد أطلقت أكبر جسر جوي عربي-بعد مصر وليبيا-لإيصال المساعدات الإنسانية الرسمية والشعبية للمدنيين الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال والقوة الغاشمة الإسرائيلية.

الشراكات الدولية

يعتبر الملف الاقتصادي أحد أبرز الملفات أهمية في السياسة الداخلية الكويتية وقد سعت الكويت خلال عام 2023م، إلى اسناد العديد من المشاريع إلى مستثمرين دوليين سواء من الشرق والغرب للمساهمة في دفع عجلة التنمية. فالشراكات الدولية سواء مع الحلفاء التقليديين من الغرب أو الحليف الصيني يعكس احتياجات التنمية والاقتصاد في قطاعات هامة وحيوية في الطاقة المتجددة وتحقيق الأمن المائي والغذائي والدوائي وهي احتياجات وخطط وتوجهات خليجية والكويت تشكل جزءًا أصيلًا في تلك الخطط الطموحة. وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال زيارة الشيخ مشعل الأحمد الصباح إلى الصين في سبتمبر 2023م، حيث حضر دورة الألعاب الأولمبية الآسيوية، فالكويت حريصة على إبقاء تحالفاتها التقليدية إلا أنها تؤمن في الوقت نفسه بالشراكات الدولية، وهي شراكات تاريخية بالنسبة للكويت، فهي الأقدم في انطلاق العلاقة مع القوى الصاعدة سواء كانت روسيا أو الصين، أما الهند فهي علاقة بقاء ووجود تعود إلى البدايات الأولى لنشأة الكيان السياسي و تاريخ لا يقل عن 300 عام، وذلك حينما اتخذ الكويتيون من الهند وجهتهم الأولى للتجارة و الانفتاح و التعليم و طباعة صحفهم وكتبهم الأولى في المطابع الهندية و حتى انتقالها إلى الكويت.

التحديات الاقتصادية

تعتمد الميزانية العامة للكويت على إيرادات النفط الخام بنسبة 90%، فالكويت تملك 8% من احتياطات النفط في دول الأوبك.  وخلال عام2022م، استفادت الكويت من ارتفاع أسعار النفط حيث زاد الناتج المجلي الإجمالي 8.2% مع بدء الحرب الروسية-الأوكرانية. أما في عام 2023م، فقد شهد تخفيضات إنتاج النفط، إلا أن ذلك لن يؤثر على نمو الناتج المحلي الإجمالي الغير نفطي كونه مدفوعًا بالطلب المحلي. وفي عام 2022م، بلغ معدل التضخم 4.7% ثم تراجع إلى 3.7% بفضل تشديد السياسة النقدية، وبالتالي فإن معادلة التضخم ستكون من أبرز الملفات الاقتصادية التي تحتاج إلى معالجتها. وذلك إلى جانب ملفات اقتصادية أخرى لاسيما الضرائب، والتهرب الضريبي، والبطالة الحقيقة والمقنعة. في أغسطس 2023م، أصدر صندوق النقد الدولي تقريره حيث أشار إلى أن تأخر الكويت في الإصلاحات المالية والهيكلية اللازمة سوف يؤدي إلى تضخيم مخاطر السياسة المالية المسايرة للدورة الاقتصادية وتقويض ثقة المستثمرين. فالتأخير سوف يعيق التقدم نحو تنويع الاقتصاد مما يجعلها أكثر عرضة لمخاطر التحول المناخي والاتجاهات العالمية نحو الطاقة النظيفة والمتجددة.

الحصاد والمستقبل

يتبين مما سبق، بأن حصاد 2023م، يعد حصادًا مصيريًا يضع الكويت في مفترق طرق ما بين الانتقال عبر الأجيال ونهوض الشباب وسعيهم لإكمال مسيرة تاريخية تقوم على ركائز الحكمة واتزان السياسة الخارجية والنهوض بالمؤسسات السياسية لاسيما مجلس الوزراء والبرلمان وتحقيقات التطلعات التنموية. ويعتبر العامل الاقتصادي الأبرز في تلك الركائز، فهي الأداة التي اتكأت عليها الكويت في سياساتها الخارجية القائمة على البعد الإنساني والخيري والتنموي والنهوض بالبنى التحتية. فقد أصبحت الكويت أمام استحقاق اقتصادي تنموي هام ينتظرها في المستقبل، يتطلب وضع الخطط التنموية موضع التنفيذ والانطلاق ضمن البوتقة الخليجية الاقتصادية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل وإحالة تحديات عصر ما بعد البترول إلى فرص خلاقة ومبدعة عمادها الرؤية الثاقبة والتنمية البشرية والاستقرار الإقليمي.

مقالات لنفس الكاتب