array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

الصين قد تقوض ممر الهند فهي الشريك التجاري الثاني لأوروبا بــ 850 مليار دولار مقارنة 90 مليارًا للهند

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2023

يمثل الإعلان عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) محاولةً لإحياء طريق قديم يربط آسيا والشرق الأوسط بأوروبا. وهو الطريق الذي سلكه الإسكندر الأكبر للتوجه إلى الهند، من البحر المتوسط عبر الشرق الأوسط عام 334 قبل الميلاد، حيث مهدت له الانتصارات المتتالية ضد الامبراطورية الفارسية طريقه إلى الهند، وخاض آخر معركة في حياته مع الملك بوروس ملك البنجاب على ضفاف نهر جيلوم عام 326 قبل الميلاد.

ويمثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا تطورًا مهمًا لمبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII)، التي تم الإعلان عنها عام 2022م، خلال الرئاسة الألمانية لمجموعة السبع (G7). وكانت المملكة المتحدة هي التي صاغتها في البداية باسم إعادة بناء عالم أفضل (B3W) في عام 2021م، أثناء رئاسة مجموعة السبع، ثم أعيدت تسميتها لاحقًا بالشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار PGII، وهي مبادرة تركز على توفير البنية التحتية لمساعدة البلدان النامية على تحقيق التنمية من خلال معالجة متطلبات تمويل البنية التحتية عبر الاستثمارات العامة والخاصة.

ويهدف الممر الاقتصادي المقترح على ربط وتحفيز التنمية الاقتصادية والنمو وكذا تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي من خلال دمج ثلاث مناطق هي آسيا والخليج العربي وأوروبا، ويُقترح كممر نقل متعدد الوسائط يشمل الطرق والسكك الحديدية والموانئ والبنية التحتية اللوجستية ذات الصلة، حيث من المتوقع أيضًا أن يحتوي على خط أنابيب للهيدروجين النظيف، وكابلات للكهرباء، وكابلات بيانات للاتصال الرقمي ذي النطاق الترددي العالي.

وكما هو مبين في الخريطة المرفقة، يتكون الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC من ممرين رئيسيين: ممر شرقي يربط الهند بالخليج العربي والشرق الأوسط، عبر مسار بحري وبري من المتوقع أن ينطلق الممر من الهند، ويربط بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل. وسيشمل خطاً ملاحياً يربط مومباي وموندرا (غوجارات) مع الإمارات، وشبكة سكك حديدية تربط الإمارات والسعودية والأردن بميناء حيفا للوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وسيتم بعد ذلك ربط حيفا عن طريق البحر بميناء بيرايوس في اليونان ليتم ربطها في النهاية بأوروبا، وهو ما يمثل الممر الشمالي الذي سيربط الشرق الأوسط بأوروبا.

الإمكانات المتاحة عبر الممر الاقتصادي IMEC

يحمل ممر IMEC إمكانات كبيرة لتعزيز التكامل الاقتصادي والتجارة والاستثمارات وتعزيز التعاون بين الدول المشاركة على جبهات متعددة. فمن خلال إنشاء طريق تجاري سلس يربط بين الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومن ثم أوروبا، من المتوقع، إحداث ثورة في ديناميكيات التجارة العالمية. وذلك من خلال إنشاء طريق تجاري موحد من شأنه أن يقلل تكاليف التجارة، ويعزز الوصول إلى الأسواق، ويشجع فرص الاستثمار بين البلدان المشاركة. إذ أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، السيدة أورسولا فون دير لاين، وفي حديثها في اجتماع قمة مجموعة العشرين الأخيرة، إلى أن الممر المقترح سيساعد في تخفيض التكاليف بنسبة 40٪ تقريبًا على شبكات النقل الحالية بين المناطق الثلاث.

من حيث الأهمية الاقتصادية لدول الممر، يبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلدان المشاركة في مشروع IMEC حوالي 47 تريليون دولار، أو ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وهي تمثل سوقًا استهلاكية تضم 2.25 مليار شخص، كما هو موضح في الشكل المرفق. مما يجعل الممر بمثابة فرصة نمو هائلة للمناطق المعنية وللعالم. ومن المتوقع أيضًا أن يتيح الممر عبر زيادة الاتصال والمساعدة في تشكيل سلاسل التوريد الإقليمية إمكانية الوصول وتوفير الفرص التجارية لأطراف أخرى. إذ تشير التقديرات إلى إمكانية زيادة التجارة بين المناطق الثلاثة بنسبة 30%، وكذا الاستثمارات بنسبة 10%، مما يعزز النمو الاقتصادي بنسبة 2%، ويسهم في خلق 10 ملايين فرصة عمل جديدة في الدول المشاركة.

 

التحرك على عدة مسارات

يتضمن الممر الاقتصادي عدة مسارات لربط المناطق الثلاث، أهمها ربط الموانئ بخطوط السكك الحديدية، حيث توفر البنية التحتية للسكك الحديدية شبكة نقل موثوقة ومرنة وفعالة من حيث التكلفة عبر الحدود لنقل البضائع من الموانئ برًا عبر السكك الحديدية لاستكمال طرق النقل البحري والبري الحالية، مما يتيح سهولة الوصول إلى السلع والخدمات بين الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن ومن ثم نحو أوروبا. وسيكون تطوير شبكة السكك الحديدية التي تربط آسيا وأوروبا بمثابة الجزء المهم من الممر، حيث يمكن الوصول إلى موانئ دبي وحيفا من قبل أي شركة أو دولة ترغب في نقل البضائع من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي. كما ستوفر البنية التحتية للنقل بالسكك الحديدية المقترحة ضمن الممر ميزة إضافية للاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية في المملكة العربية السعودية (NTLS)، وهو برنامج شامل يهدف إلى جعل المملكة العربية السعودية مركزًا لوجستيًا عالميًا يربط بين ثلاث قارات (آسيا وأوروبا وإفريقيا) دعمًا للرؤية السعودية 2030، حيث يعتبر النقل والخدمات اللوجستية مجال تركيز مهم لرؤية المملكة 2030 وعامل تمكين حيوي للقطاعات الاقتصادية نحو التنمية المستدامة. إذ تخطط المملكة العربية السعودية أيضًا للاستثمار في توسيع شبكة السكك الحديدية الخاصة بها من خلال مد 8000 كيلومتر من السكك الحديدية الجديدة، وهو ما يعني في الواقع، مضاعفة شبكة السكك الحديدية الحالية ثلاث مرات.

كما يسعى مجلس التعاون الخليجي، الذي تعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من أصحاب المصلحة الرئيسيين فيه، إلى إحياء مشروع السكك الحديدية لدول مجلس التعاون الخليجي، ويمكن أن تساعد استثمارات البنية التحتية لـلممر الاقتصادي IMEC في إعادة تنشيط تطويره. كما يمكن أن تساعد الخطط الإقليمية للاستثمار في خطوط السكك الحديدية في تحول وتطور منطقة الخليج العربي إلى كتلة اقتصادية مترابطة ومندمجة بشكل أكبر.

وإلى جانب الاستثمار في البنية التحتية للنقل، من المتوقع أن تستثمر دول الممر الاقتصادي في البنية التحتية للطاقة، وخطوط الأنابيب للهيدروجين النظيف. وهذا سيمكن من تجارة الطاقة النظيفة بين دول المنطقة ويوفر أيضًا خيارات لنقل الصادرات. وسوف يساعد إنشاء البنية التحتية للطاقة في إحراز تقدم في المبادرة التي تقودها الهند، التي تحمل اسم شمس واحدة وعالم واحد (OSOWOG)، والتي تهدف إلى ربط الشبكات الإقليمية المختلفة من خلال شبكة مشتركة سيتم استخدامها لنقل الكهرباء النظيفة عبر عدة مناطق. وتسعى مبادرة شمس واحدة وعالم واحد OSOWOG إلى توفير إطار عالمي للاستثمار في توليد الكهرباء النظيفة المعتمدة على الطاقة الشمسية وبناء خطوط نقل لمسافات طويلة عبر الحدود لربط ونشر الطاقة المتجددة. وبدأت الهند، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بالفعل، مناقشات أولية لربط شبكات الطاقة الخاصة بها من خلال الكابلات البحرية. كإحدى نتائج الاجتماع الأول لمجلس الشراكة الاستراتيجية بين الهند والمملكة العربية السعودية الذي اختتم مؤخرًا، خلال زيارة الدولة التي قام بها ولي العهد ورئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حيث وقعت الهند والمملكة العربية السعودية مذكرة تفاهم سعيًا للتعاون في بناء كابل تحت البحر لربط شبكات الكهرباء الخاصة بكل منهما.

وفي حين أنه من المتوقع أن تكون خطوط النقل والطاقة جزءًا من الممر الاقتصادي، فإنه يتضمن أيضًا بنية تحتية رقمية لربط وتبادل البيانات إلى جانب البنية التحتية المادية. وهذا ما أشارت إليه رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني خلال إعلان مبادرة IMEC، بضرورة توسعة نظام كابلBlue Raman، الذي اقترحته جوجل، بما يسهم في ربط أوروبا بآسيا. من خلال ربط إيطاليا واليونان وإسرائيل (كجزء من نظام الكابل الأزرق) مع الأردن والمملكة العربية السعودية وعمان والهند (كجزء من نظام كابل رامان). ومن المتوقع أن توفر هذه الطرق السريعة الرقمية التي تربط هذه البلدان المرونة للاقتصادات الرقمية الصاعدة بشكل متزايد، وتعزز فرص الاتصال بالاقتصادات ذات النمو المرتفع على طول مسار العبور لنظام الكابلات.

 

الممر الاقتصادي بين الحسابات الاقتصادية والجيو سياسية: ممر التحديات

على الرغم من أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي تم الإعلان عنه خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة، قد يحمل إمكانات كبيرة للدول المشاركة، إلا أنه يواجه العديد من التحديات والعقبات الحاسمة التي يجب معالجتها لضمان تنفيذه بنجاح وتعظيم فوائده.

فعلى الجانب الاستثماري، فإن إحدى العقبات الحاسمة أمام تنفيذ ممر IMEC هي تأمين التمويل الكافي. إذ تتطلب مشاريع البنية التحتية الضخمة عادةً موارد مالية كبيرة، وقد يكون من الصعب الحصول على الاستثمارات اللازمة في الوقت المناسب نظرًا لمشاركة العديد من الدول. وفي هذا الصدد، يتطلب جذب استثمارات ضخمة من العديد من أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات والمنظمات الدولية وكيانات القطاع الخاص، تحديا قويًا يربط جميع الدول المعنية. وبخلاف ذلك، فإن التأخير في تمويل أي من مشاريع البنية التحتية المرتبطة بـالممر في أي من الدول المشاركة سيؤثر بلا شك على التقدم العام لكل المشروع.

كما تعد التعقيدات المرتبطة بالتحديات اللوجستية للمشروع بحاجة إلى معالجة، نظرًا لأن مثل هذا المشروع الكبير يشمل منطقة جغرافية واسعة. ويعتمد نجاح الممر إلى حد كبير على تطوير شبكات نقل فعالة لربط المناطق الثلاث بسلاسة. إذ أن إنشاء نظام نقل متكامل يغطي مسافات شاسعة وتضاريس جغرافية متنوعة وقدرات بنية تحتية متنوعة يفرض تحديات لوجستية كبيرة، وسوف يتطلب إلى جانب ضخ استثمارات كبيرة، خبرة، وتخطيطاً دقيقاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن معالجة القضايا اللوجستية مثل الإجراءات الجمركية، وأنظمة الحدود، وتأخير النقل سيكون أمرًا بالغ الأهمية لمنع الاختناقات وضمان التدفقات التجارية السلسة. ناهيك عن أن الأطر السياسية والقانونية المتنوعة التي تحكم جميع الدول المعنية قد تخلق عقبات بيروقراطية، وحواجز تجارية، وتأخيرات في عمليات صنع القرار، مما يؤدي إلى تباطؤ تقدم الممر. وفي هذا الصدد، يرتبط التغلب على التحديات اللوجستية أيضًا بمعالجة الجوانب التنظيمية والاستثمارية الجماعية للمشروع بشكل فعال.

وبقدر تعظيم الفوائد الاقتصادية لدول الممر، من المهم أيضًا النظر في المنافسة الاقتصادية المتوقع حدوثها مع أطراف آخرين، خاصة الصين. إذ يمكن للنفوذ الاقتصادي العالمي المتزايد للصين ومبادراتها، مثل مبادرة الحزام والطريق (BRI)، أن تخلق منافسة اقتصادية أمام مبادرة الممر الاقتصادي IMEC. باعتبارها منافسًا استراتيجيًا، إذ من المتوقع أن ستسعى الصين إلى تحويل التجارة والاستثمارات نحو ممراتها الخاصة، مما قد يقوض فعالية ممر IMEC. ومن الأهمية بمكان بالنسبة للهند ودول الشرق الأوسط وأوروبا أن تأخذ في الحسبان استراتيجيًا هذه المنافسة، على الرغم من أنها قد تكون صعبة بالنسبة لأوروبا نظرًا لأن الصين هي الشريك التجاري الرئيسي الثاني لأوروبا بعد الولايات المتحدة، حيث تجاوز حجم التجارة الثنائية 850 مليار دولار أمريكي في عام 2022م، مقارنة بالهند التي لا يتجاوز حجم تجارتها مع أوروبا 90 مليار دولار. وفي هذا الصدد، فإن المنافسات التجارية القائمة التي تسعى إلى ممارسة النفوذ داخل المناطق المشاركة في الممر موجودة بالفعل وبالتالي تمثل مخاطر جيو اقتصادية للدول المشاركة فيه. وقد يؤدي تضارب مصالح القوى التجارية إلى منافسة اقتصادية محتملة للمشروع أثناء التنفيذ الفعلي له.

وبعيدًا عن الحسابات الاقتصادية، يمثل التعامل مع الجغرافيا السياسية المعقدة للمناطق التي يجتازها الممر أحد أهم التحديات الكبرى التي تواجه مبادرة IMEC. حيث يمتد هذا الممر إلى دول متنوعة ذات ديناميكيات سياسية ومصالح وتوترات سابقة مختلفة.

فمع اختلاف المصالح الجيوسياسية ووجهات النظر حول التعددية القطبية، فإن كل دولة على طول مسار الممر الاقتصادي IMEC ستنظر إلى هذا الممر العابر للقارات بشكل مختلف. ففي حين ستنظر واشنطن إلى المبادرة من خلال عدسة وقف الصعود الجيو اقتصادي والسياسي للصين في الشرق الأوسط وتقريب دول مجلس التعاون الخليجي من مدار النفوذ الغربي، فإن المسؤولين في المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج سوف ينظرون إلى هذا الممر التجاري كوسيلة لتحقيق المزيد من التوازن في علاقاتهم بأوروبا وأمريكا مع تلك الموجودة مع الصين ودول أخرى في الشرق والجنوب العالمي. وبدلاً من دعم الجهود التي تقودها الولايات المتحدة للتصدي لإعاقة مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، يجب أن تنخرط دول الخليج في هذا الممر بهدف تعزيز دورها كجسور بين الغرب والشرق والجنوب العالمي، من خلال جعل IMEC فرصة لتصبح منطقة الخليج مركزًا ذا أهمية متزايدة للتواصل بين الأقاليم، ولتعزيز مركزية دول الخليج العربية الغنية بالطاقة في الاقتصاد العالمي. ففي سياق تكيف دول مجلس التعاون الخليجي الست مع واقع التعددية القطبية، يتمتع جميع أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء عُمان) بوضع شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون. وفي أغسطس الماضي، تلقت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية دعوات للانضمام إلى تجمع البريكس BRICS؛ وسرعان ما قبلت الإمارات الدعوة، ومن المرجح أن تفعل المملكة العربية السعودية ذلك أيضاً. وعلى الرغم من اندماج بعض دول مجلس التعاون الخليجي في منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس، وقعتا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على مذكرة تفاهم مبادرة IMEC، مما يؤكد تأثيرهما المتزايد على إعادة التوازن إلى النظام الاقتصادي العالمي والمشهد الجيوسياسي.

من الناحية الأمنية، تعد المنطقة التي يمتد عبرها الممر عرضة لتهديدات أمنية مختلفة، بما في ذلك الإرهاب والصراعات الإقليمية أو الصراعات بالوكالة، أو محاولات السيطرة على البنية التحتية البحرية الرئيسية، وعدم الاستقرار السياسي. مثل النزاع الهندي / الباكستاني، وتاريخ التنافس السعودي / الإيراني، والصراعات المستمرة في سوريا واليمن، واستمرار الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي. ويمكن لهذه التوترات الجيوسياسية أن تعيق التعاون وتعيق تنفيذ مشاريع الربط الإقليمية. علاوة على ذلك، قد يمثل تنوع الأنظمة السياسية بين البلدان المشاركة تحديًا، حيث يمكن أن يؤدي وجود أيديولوجيات وقيم سياسية مختلفة إلى إعاقة التنفيذ الفعال للمشاريع، ويمكن أن يخلق تباينات بين أصحاب المصلحة. وعليه، فإن تحقيق توافق وتنسيق واضح بين الدول المعنية أمر في غاية الأهمية نظرًا لوجود أولويات مختلفة ووجهات نظر تاريخية متعارضة بشأن مختلف المسائل الاقتصادية والسياسية.

ولا تمثل الاعتبارات والمعوقات السياسية بين الدول المشاركة سوى جانب واحد من التحديات الجيوسياسية التي ينطوي عليها ممر IMEC؛ إذ ينبغي أيضًا معالجة المخاطر المرتبطة بالدول غير المشاركة بشكل استراتيجي ومراعاتها. فعلى سبيل المثال، يمكن اعتبار إعلان IMEC بمثابة مبادرة مضادة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وهذا قد يدفع الأخيرة، إلى التحرك المضاد من أجل تأخير أي خطوات تقدمية نحو تنفيذ المشروع. وتظهر مخاوف وتحركات الصين الاستراتيجية في اعتقادها أن الممر يعد ملاحقة لطموحاتها في إطار مبادرة الحزام والطريق. وبقدر ما يتعلق الأمر بالصين، فإن المخاطر تذهب إلى ما هو أبعد من مبادرة الحزام والطريق، إذ يتعلق الأمر بتزايد نفوذ الصين في عدة مناطق كالشرق الأوسط. ويعد التوصل إلى اتفاق تطبيع العلاقات السعودي/ الإيراني الذي تم الإعلان عنه في وقت سابق من مارس 2023م، بوساطة الصين خير مثال على ذلك.

كما أن الموقف والدور الإيراني جد حساس، حيث إن موقع إيران الجغرافي على مفترق الطرق بين الشرق الأوسط وآسيا يمنحها نفوذاً كبيراً في المنطقة. كما تعد سيطرتها على مضيق هرمز، وهو طريق الاتصال الأساسي الأول بين الهند والإمارات العربية المتحدة في إطار ممر IMEC، تحديًا واضحًا لهذا المشروع. إذ أن أي إجراءات مضادة من جانب إيران، مثل التهديد بإغلاق المضيق، يمكن أن تؤثر بشدة على نقل البضائع والطاقة عبر الممر، وبالتالي إعاقة عمله. علاوة على ذلك، يثير دعم إيران لعدة جهات فاعلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط قلقًا دوليًا. ويمكن لمثل هذه الأنشطة أن تهدد سلامة وأمن الممر.

وينبغي أيضًا معالجة استجابة بعض الدول المجاورة الأخرى مثل مصر وتركيا، اللتين تعتبران حليفتين وثيقتين لدول الممر. فمن ناحية، يلعب الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمصر دورًا مهمًا في طرق التجارة الدولية عبر قناة السويس، وهي طريق شحن حيوي يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، فضلاً عن كونها مصدرًا رئيسيًا لدخل العملة الأجنبية للبلاد. قد يشكل ممر IMEC، باعتباره طريقًا بريًا بديلاً، تهديدًا محتملاً لدور مصر في المنطقة، مما يؤدي إلى تحويل التجارة بعيدًا عن قناة السويس وربما يؤدي إلى تداعيات اقتصادية سلبية. فمن الضروري معالجة مخاوف مصر والدخول في حوار طوال مرحلتي التخطيط والتنفيذ. إن الإطار الشامل الذي يدمج مصالح مصر ويستفيد من موقعها الاستراتيجي ويمكن أن يوفر وضعًا مربحًا لجميع الأطراف. ومن شأن هذا النهج أن يضمن بقاء مصر شريكًا معتبرًا للدول المشاركة في الممر. ومن ناحية أخرى، وبينما أثار هذا المشروع حالة من النشوة في اليونان، التي أعربت عن رغبتها في أن تكون "بوابة الهند إلى أوروبا"، هناك قلق في تركيا. وقد أخذ الرئيس رجب طيب أردوغان بنفسه زمام المبادرة في معارضة المشروع. وقال: "نقول إنه لا يوجد ممر بدون تركيا". "نحن مركز إنتاج وتجارة مهم، الطريق الأكثر ملاءمة لحركة المرور من الشرق إلى الغرب يجب أن يمر عبر تركيا". وكما هو الحال مع بقية الأطراف غير المشاركة، فمن الضروري أن نأخذ في الاعتبار مخاوف تركيا واعتراضاتها المحتملة. ولتركيا، باعتبارها مركز عبور رئيسي وقوة إقليمية، مصالح خاصة في الحفاظ على موقعها الاستراتيجي، وحماية مصالحها الاقتصادية، وحماية نفوذها الجيوسياسي. ولذلك، فإن الاعتراف بمخاوف تركيا ومعالجتها سيكون أمرًا بالغ الأهمية في التغلب على الاعتراضات المحتملة التي قد تنشأ وتعزز التعاون الإقليمي الأوسع في إطار ممر موسع.

الخلاصة

تمتلك الدول المشاركة في الممر الاقتصادي IMEC إمكانات هائلة للنمو الاقتصادي، وتعزيز التجارة، وتعزيز الاتصال الإقليمي، والتعاون في مجال الطاقة، وتعزيز التبادلات الثقافية. ولا شك أن التنفيذ الناجح للمبادرة سيتطلب التزاماً وتعاوناً مستدامين من جانب الدول المشاركة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المصلحة الاقتصادية المشتركة ستخلق سبلاً لعلاقات دبلوماسية أقوى، وللتعاون الأمني، ولتسهيل الحوار، وتعزيز التوازن الجيوسياسي.

وعلى الرغم مما يحمله المشروع من فوائد اقتصادية واستراتيجية كبيرة، إلا أن تنفيذه يأتي مصحوبًا بالعديد من الصعوبات والمخاطر التي يجب دراستها بعناية. وتشمل هذه التحديات، التوترات بين الدول، والمنافسات الجيوسياسية، والتهديدات الأمنية. لذا يبقى من الصعب التنبؤ بكل ما يحمله هذا الممر المتعدد القارات، خاصة في ضوء المتغيرات العديدة غير المعروفة في المعادلة في هذه المرحلة المبكرة.

مقالات لنفس الكاتب