array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

ممر العقبة بتعاون (أردني/ مصري/ سعودي) يخدم الاقتصاد العربي ويعزز الأمن القومي

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2023

أعلن  الرئيس الأمريكي بايدن في قمة العشرين الثامن عشرة التي عقدت في نيودلهي بالهند سبتمبر 2023م، عن إنشاء ممر خاص " الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، وهو ممر اقتصادي يهدف إلى التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي والاتصال بين آسيا والخليج العربي وأوروبا، وتم توقيع مذكرة التفاهم حول المشروع من قبل قادة بعض الدول المشاركة في القمة وهي الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات العربية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، ويربط الممر الهند بأوروبا من خلال خط للسكك الحديدية والموانئ القائمة عبر الإمارات والسعودية والأردن على أن يمر أيضًا بموانئ البحر المتوسط ميناء حيفا، وهو ما من شأنه أن يولًد النمو الاقتصادي ويحفز الاستثمارات ويوفر فرص عمل نوعية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة.

إن الهند قوة اقتصادية تأتي في المرتبة الخامسة اقتصاديا من حيث الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي بها مرتفع وصل 7.2% والثانية على مستوى العالم بعد الصين في عدد سكانها البالغ 1432 مليون نسمة ومن المتوقع في العقود القادمة أن تصل إلى المرتبة الثانية اقتصاديًا بعد الصين في ظل توقع تراجع الولايات المتحدة مع 2050م، والولايات المتحدة حاليًا في المرتبة الأولى اقتصاديًا تليها الصين واليابان في المرتبة الثالثة اقتصاديًا في العالم والرابعة ألمانيا الاتحادية، وإذا كانت الولايات المتحدة الأولى والهند الخامسة في ترتيبها الاقتصادي فالسعودية تتقدم اقتصاديًا فهي الآن في المرتبة الثامنة عشر اقتصاديًا على مستوى العالم ومن المتوقع في خطة 2030 أن تتقدم في مرتبتها الاقتصادية ولذلك نلاحظ أن المكانة الاقتصادية للدول الموقعة على مذكرة التفاهم تسعى لتعزيز مكانتها الاقتصادية من خلال التعاون الاقتصادي وفي مجال الاتصال والاستثمارات .

الأهداف الاقتصادية خلفها أهداف سياسية

كانت الولايات المتحدة قد شكلت العام الماضي مع الهند والإمارات العربية وإسرائيل المجموعة الرباعية  (  I2U2 )  للتعاون في مجالات الطاقة والأمن الغذائي والصحة والنقل والفضاء والمياه، ويأتي الممر تطويرًا أوسع للتعاون بين الهند ودول مجلس التعاون مرورًا بدول الشرق الأوسط لأوروبا، وهذه الدول منها  المصدرة للطاقة وبعضها لها باع طويل في التقنية الحديثة وبعضها لدية الأموال للاستثمارات وتحتاج دول المنطقة إلى البناء للبنية التحتية، كما يهدف الممر أيضًا إلى ربط شبكات الطاقة وخطوط الاتصالات السلكية واللاسليكة من خلال الكابلات البحرية لتوسيع الوصول الموثوق إلى الكهرباء وتمكين ابتكار تكنولوجيا الطاقة النظيفة المتقدمة وربط المجتمعات بالإنترنت الآمن والمستقر ، وقال جون فاينر نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي إن هناك ثلاثة أسباب رئيسة لتطوير الممر ، الأول، زيادة الرخاء في البلدان المعنية من خلال زيادة تدفق الطاقة والاتصالات الرقمية، والثاني، المساعدة في التعامل مع نقص البنية التحتية اللازمة للنمو في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، والثالث، إتاحة الفرصة للشرق الأوسط من أجل لعب دور رئيس في التواصل العالمي، ويرى الرئيس بايدن أن الممر "صفقة كبيرة حقيقة، تؤدي إلى شرق أوسط أكثر استقراراً وازدهاراً وتكاملاً" ـ ويؤدي الممر إلى تطوير وتأهيل البنى التحتية تشمل السكك الحديدية وربط الموانئ وزيادة مرور السلع والخدمات، وزيادة التبادل التجاري بين الدول المشاركة في الممر، ولكن الرئيس الأمريكي يؤكد في حديثه على استقرار الشرق الأوسط وعينه على إسرائيل لدمجها في المنطقة من خلال المشاريع الاقتصادية حيث عينه في المشروع على الموانئ الفلسطينية على البحر الأبيض المتوسط .

أما الهند فهي بحاجة للطاقة وهي مستورد لها من دول الخليج كما أن لها أيد عاملة في دول المجلس، فحسب تقرير الأمم المتحدة للمهاجرين الدوليين لعام 2019م، فالهند تأتي في المرتبة الأولى عالميًا من حيث أعداد المغتربين حول العالم فقد بلغ عددهم 17.5 مليون مغترب وتقدرهم بعض المصادر بحوالي 25 مليون مغترب ثلثهم في دول مجلس التعاون الخليجي ما بين 9إلى10 مليون نسمة، ومنهم حوالي 3.5 مليون عامل في الإمارات العربية المتحدة لوحدها يشكلوا  30% من جملة عدد سكانها، ولذا فجانب العمالة مهم بالنسبة للهند ويتعزز في ظل المشاركة في الممر لتوفير فرص عمل  أكثر ، كما أن دول المنطقة، العربية تفكر في أهدافها الاقتصادية أكثر من السياسية بينما واقع الهند والولايات المتحدة وإسرائيل لها أهدافها الاستراتيجية وخاصة إسرائيل، وكان وزير النقل الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد أعلن في أبريل عام 2017م، ولأول مرة عن خطة لإنشاء ما سماه "سكة حديدية للسلام الإقليمي " ؟ وهدفها ربط إسرائيل بدول الخليج العربي مروراً بالأردن، كما صرح مرة أخرى "إن القطار العابر لمنطقة الشرق الأوسط سيسمح بربط إسرائيل بطريقة أكثر فعالية بالدول العربية " وأضاف إن " الخطة التي تعمل عليها إسرائيل وتدفع من أجل تنفيذها، هي إعادة إحياء خط قطار كان موجودًا بالفعل قبل قيام إسرائيل ".

الممر الشرقي والممر الشمالي الهند وأوروبا

يشمل المشروع الممر الشرقي الذي يبدأ من الهند والممر الشمالي المتجه لأوروبا ، والممر الشرقي يربط الهند مع الخليج العربي ـ أما الشمالي فهو يربط الخليج مع أوروبا، وتشمل الممرات سكة حديد عابرة للحدود وموانئ للسفن، فالمشروع يجمع بين النقل البحري والنقل البري حيث سكة الحديد والسفن التجارية التي تمر عبر الموانئ فالنقل البحري يكمله النقل البري فالممر الشرقي للمشروع من موانئ  الهند ( بومباي وموندرا وكاندلا ) وتمديد الكابلات البحرية وأنابيب الطاقة إلى موانئ  دول الحليج، أما الممر الشمالي فينطلق من موانئ الخليج عبر خطوط سكة حديد طويلة تصل الأردن الذي حسب مخطط المشروع تصل ميناء حيفا عبر البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي يكون هدف يخدم إسرائيل لنقل البضائع من حيفا إلى موانئ أوروبا على البحر المتوسط وهي ميناء بيريوس في اليونان وميناء ميسينا في جنوب إيطاليا وميناء مرسيليا وبعدها تنقل سكة الحديد البضائع لدول الاتحاد الأوروبي، وحسب رؤية الخبراء للتخطيط تصبح حركة التجارة أسرع 40%، ولكن المشروع يواجه عدة مشكلات أهمها، حيث يحتاج إلى أنابيب وكابلات جديدة لمدها واستكمال خطوط سكة الحديد لمسافة طويلة فالخط من ميناء أبو ظبي إلى ميناء حيفا 2449 كيلو متر ويحتاج لإكماله، ومن ميناء الدمام إلى مدينة حرض ثم حيفا فطوله 2149 كيلو متر، فخطوط سكة الحديد تحتاج لمد جديد أو صيانة أو تطوير وهي عقبة تحتاج لأموال وتعاون بين الدول المشاركة في المشروع وقد تكون التطورات السياسية أحد العوائق المهمة للمشروع في ظل الصراع بين دول الإقليم وخاصة عدم حل القضية الفلسطينية، وقد أشار الرئيس بايدن بقوله " سوف نستثمر في السكك الحديدية وخطوط الشحن من  الهند إلى أوروبا والتي سيتم ربطها عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل " ولكن كيف يتم في ظل الأوضاع السياسية المضطربة في المنطقة ؟

الممر الاقتصادي والتنافس الدولي

إن التحول في النظام الدولي وتحدي نظام الأحادية القطبية الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م، والتحول إلى نظام التعددية القطبية في عودة الدور الروسي بعد نهوضه من كبوته الاقتصادية وبروز الصين كقوة اقتصادية كبرى تتحدى الولايات المتحدة وتنافسها على المرتبة الأولى عالميًا،  جعلت الولايات المتحدة تفكر في  إعادة النظر في استراتيجيتها لمواجهة المد الصيني بعد طرحها مبادرة الحزام والطريق (BRI)عام 2013م، والذي يصل تأثيره إلى 71 دولة في آسيا وإفريقيا وأورآسيا وانفقت الصين مليارات الدولارات لتنفيذه من خلال الطريق البحري للموانئ الآسيوية والإفريقية وكذلك من خلال خطوط سكك الحديد عبر أورآسيا لتصل إلى الخليج العربي وأوروبا وإفريقيا وكلها تخدم أهداف الصين الاقتصادية في الاستثمار في البنية التحتية للدول النامية وزيادة التبادل التجاري، وتدفق الغاز الطبيعي والبترول فالصين تعزز نفوذها العالمي من خلال القوة الناعمة في الدول النامية ببناء مشاريع اقتصادية بينما الولايات المتحدة اهتمت خلال عقود ببناء القواعد العسكرية والاحتلال العسكري وإسقاط الأنظمة في الدول النامية ودعم الانقلابات العسكرية، وبعد تدهور نفوذها استيقظت واشنطن لتبني القوة الناعمة لتعزيز نفوذها وحماية مصالحها الاقتصادية فأعلنت مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والواقع أن الممر هو في جوهره لمواجهة التمدد الصيني في آسيا وإفريقيا وبالذات في منطقة الخليج العربي الذي توطدت علاقتها معها  في مجال التجارة الخارجية والاستثمارات الضخمة والشركات الصينية التي أخذت تنافس الشركات الرأسمالية الغربية.

تنبهت الولايات المتحدة لخطر التمدد الصيني فأعلنت خطتها بتعبئة مئات المليارات من الدولارات مع مجموعة السبع (Group 7 ) من أجل المشاركة في بناء بنية تحتية واستثمارات في مجال الاتصالات الرقمية والصحة والطاقة النظيفة في الدول النامية، وكان الرئيس بايدن قد طرح في قمة السبع التي عقدت في مدينة كورنويل في بريطانيا يونيو 2021م، مبادرة استراتيجية باسم "إعادة بناء عالم أفضل" من خلال تطوير البنية التحتية ومشاريعها التنموية ويتوقع إنفاق 40 مليون دولار بحلول عام 2053م، والهدف الأساسي هو مبادرة الحزام والطريق ((BRI، وقد بدأ الممر من الهند الذي تنظر لها واشنطن أنها الدولة الوحيدة القادرة لاحتواء الصين بسبب جوارها الجغرافي وعدد سكانها وقوتها النووية وحظيت الهند باهتمام كبير من قبل رؤساء الولايات وقاموا بزيارتها، ولكن الهند لها حساباتها الخاصة في تعاملها مع روسيا الاتحادية والصين فهي زبون تاريخي للسلاح الروسي وعلاقة صداقة مع الاتحاد السوفيتي السابق وعلاقة متميزة مع روسيا الاتحادية وهي عضو في مجموعة بريكس التي تضم الصين وروسيا ولكن الهند ترى في الممر الاقتصادي خدمة لمصالها بعيدًا عن المواجهة مع الصين أو روسيا الاتحادية، فالممر يخدم المصالح الهندية وتستفيذ من صيانة موانئها ونقل تجارتها وزيادة الاستثمار المتبادل مع الخليج العربي، والممر الشرقي هو المهم للهند لخدمتها لمنطقة الخليج العربي من النقل البحري وموانئ الخليج والهند، والمهمة الأخرى بالنسبة للولايات المتحدة من الممر الاقتصادي خدمة إسرائيل لدمجها في ما أطلقت عليه الشرق الأوسط الجديدة بإدخال موانئ البحر المتوسط في المشروع ميناء حيفا، والاختلاف بين واشنطن وبكين، أن الأخيرة أسهمت في المصالحة السعودية – الإيرانية لتحقيق الاستقرار في منطقة الخليج بينما واشنطن عامل عدم استقرار في المنطقة بتأييدها المطلق لإسرائيل وتدخلها العسكري في العراق وعلاقاتها المتوترة مع إيران وتأييدها المطلق لإسرائيل، ولذلك يبقى الممر الاقتصادي في التنافس الدولي يجد صعوبة في تحدى مبادرة الحزام والطريق، ولكن هذا يتوقف على مدى جدية واشنطن في تقديم التمويل لمشروع الممر أم تنتظر دول أخرى لتمويل الممر، وفي ظل تأييدها لمجازر إسرائيل بعد عملية طوفان القدس، فإن  سمعة واشنطن سلبية أمام الرأي العام العربي والإسلامي مما يعقد من تنفيذ الممر الاقتصادي .

 

الممر الشمالي في ظل صراع الشرق الأوسط

ينطلق الممر الشمالي حسب رؤية المشروع من الخليج العربي حتى البحر المتوسط ( ميناء حيفا") إلى الموانئ الأوروبية، يجمع الخط بين سكة الحديد التي تربط موانئ دول الخليج حتى الأردن وامتدادًا إلى حيفا  ثم إلى أوروبا، وقد عبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن أهميتة للاتحاد بقولها "إن المشروع أكبر بكثير من مجرد سكة حديد وكابلات، بل هو جسر أخضر ورقمي بين القارات والحضارات، وسيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع "،  والمثير في الأمر ترحيب إسرائيل بمشروع الممر الاقتصادي، فرئيس الوزراء نتنياهو قال إنها " لحظة تاريخية لإسرائيل ويجعلها في مفصل حركة التجارة الدولية وسيعيد صياغة العلاقات في المنطقة، الآن  أصبحت إسرائيل دولة عبور من نوع مختلف ، لقد أصبحت ملتقى الطريق الرئيسي في الاقتصاد العالمي وجسر السلام الذي يغير المنطقة"، ولكن الواقع السياسي الحالي يؤكد أن ما يقوله نتنياهو ما هو إلا أحلامًا لا يمكن تحقيقها، فالممر الشرقي يسير بدون عقبات بين الهند والخليج العربي، ولكن الممر الشمالي يواجه عقبات متعددة سياسية واقتصادية، فالولايات المتحدة ركزت في المشروع أن تكون حيفا الميناء الذي يكون المركز الرئيس للحركة التجارية للموانئ الأوروبية وتجاهلت ميناء بيروت وحتى قناة السويس وكذلك اعتبرت تركيا أن المشروع تجاهل الموانئ التركية والعامل المهم أن الصراع الحالي وحرب إسرائيل على غزة تجعل تنفيذ المشروع حاليًا بعيد الاحتمال  في ظل رفض إسرائيل جميع مبادرات السلام والقرارات الدولية بشأن الحقوق الفلسطينية التي لا يمكن تجاهلها والحرب على غزة الحالية تؤكد موقف الحكومات في إدانة عدوان إسرائيل ورفض الشعوب العربية التطبيع مما  يصعب تنفيذه .

 

الأردن ملتقى خطوط سكة الحديد

يتمتع الأردن بموقع جيواستراتيجي مهم فهو يمكن اعتباره دولة حاجزة بين إسرائيل ومنطقة الخليج ولا يمكن أن يمر المشروع حسب تصور التنفيذ إلا عبر الأردن فهو المجاور جغرافيًا لفلسطين المحتلة بأطول حدود لها وأيضًا قرب المسافة بين عمان وميناء حيفاء، وسكة الحديد تمر عبر الأردن منذ عهد الدولة العثمانية عندما تم إنشاء خط سكة حديد الحجاز في عهد السلطان عبد الحميد الثاني والذي تم الانتهاء منه في عام 1908م، والخط الحجازي هو وقف إسلامي لأن تمويله كان من تبرعات المسلمين عامة لتسهيل الحج، فقد وصلت سكة الحديد حتى المدينة المنورة، من اسطنبول مرورًا بالمدن السورية حلب وحماة وحمص ودمشق ودرعا والعبور للأردن إلى عمان ثم مدينة معان جنوب الأردن ثم دخول الأراضي السعودية إلى تبوك حتى المدينة المنورة، ولذلك فالخط الحديدي الحجازي بالأراضي السعودية والأردنية ويمكن ربطها بسكة حديد دول الخليج الأخرى، ولكن الخط الحجازي تعطل منذ الحرب العالمية الأولى عام 1916م، بسبب ما تعرض له خلال الحرب عندما قام رجل الاستخبارات البريطاني لورنس بنسف الخط في منطقة معان لقطع الإمدادات عن الحامية التركية في المدينة المنورة، وما زال الخط معطلاً منذ ذلك التاريخ  رغم محاولات لإعادة ربطه من جديد، وللخط الحجازي فروع فمن مدينة درعا السورية ربط الخط مرورًا من شمال الأردن إلى الأراضي الفلسطينية حتى حيفا وتعطل بعد قيام إسرائيل، ولذلك نلاحظ الأردن مرتبط تاريخيًا بسكة حديد بالسعودية بخط  السكة الحجازية وبسوريا وفلسطين، ومدينة حيفا التي ترتبط بالخط الحجازي أيضًا مرتبطة بخط  سكة حديد من بيروت مرورًا بالساحل اللبناني والمدن الساحلية الفلسطينية مدن عكا وحيفا وحتى رفح مرورًا للعريش والقاهرة، بمعنى أن وجود إسرائيل أنهى الارتباط بسكة الحديد بين لبنان ومصر من خلال المدن الفلسطينية، فإذا نظرنا لشبكة خطوط سكة الحديد من بيروت والساحل الفلسطيني حتى مصر ومن حيفا إلى درعا السورية مرورًا بالأردن، يعنى أن المنطقة قبل 1948م، مرتبطة بخطوط سكة حديد تربط البلاد العربية في المشرق العربي ولا ننسى خط برلين بغداد الذي تم تأسيسه من ألمانيا في العهد العثماني قبل الحرب العالمية الأولى، ولا زال خط سكة الحديد الحجاز فعالًا داخل الأردن في نقل البضائع بين سوريا والأردن وامتد في الأردن حتى وصل إلى مدينة العقبة الأردنية على خليج العقبة على البحر الأحمر، ومدينة العقبة مجاورة إلى ميناء إيلات وهي في الأصل أم الرشراش المصرية التي احتلتها إسرائيل عام 1949م، أي بعد إنشاء إسرائيل بعام من أجل الوصل للبحر الأحمر لأن خريطة التقسيم عام 1947م، التي أعلن عنها  في الأمم المتحدة لا تعطي إسرائيل مرورًا على البحر الأحمر.

ونلاحظ أن إسرائيل كمشروع استعماري وجد من الدول الغربية من أجل تقطيع أوصال العالم العربي واستنزاف المنطقة في الحروب وفي تصريح الرئيس الأمريكي بايدن  أثناء زيارته لإسرائيل بعد 7 أكتوبر " لو لم تكن إسرائيل لأوجدناها لخدمة المصالح الأمريكية " ـ واستنفار الدول الغربية وزيارات الزعماء الغربيين لها يؤكد على خوفهم على مشروعهم الاستعماري وأكدوا أن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي شعارات ليس لها مجال للتطبيق إذا تعلق الأمر بشعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وهذه عنصرية خطيرة على الأمن والسلام الدوليين وانحطاط حضاري يصعب على الغرب تجاوزه.

تحديات المشروع

رغم أهمية مشروع الممر الاقتصادي، يظهر بأنه رد فعل أمريكي أوروبي على المشروع الصيني "مبادرة الحزام والطريق "،  والصين تقدم مليارات الدولارات للدول في إفريقيا وآسيا لمشروعها وليس هناك حساسية في نزاعات مع دول يمر بها المشروع، ولكن مشروع الممر الاقتصادي يواجه التحديات في الممر الشمالي منه، فهو استثنى الموانئ العربية على البحر المتوسط كما استثنى موانئ إيران وتركيا مما يجعلهما ينظرا للمشروع بعين الريبة والشك، كما أن المشروع يتجاوز قناة السويس وكأن الولايات المتحدة بتركيزها على مروره بحيفا تريد تجاوز مرور البضائع من قناة السويس وهذا يدخل ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية بإضعاف الاقتصاد المصري لأنها تعتبر مصر التحدي الحقيقي لإسرائيل وهذا ما يردده قادة إسرائيل فرغم مرور أكثر من أربعة عقود على كامب ديفيد فإن التطبيع أصبح شبه مسحيل مع الشعب المصري. وتسعى إسرائيل إلى تنفيذ ما يسمى بقناة بن غوريون لربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط يبدأ من ميناء إيلات (أم الرشراش") وهدفها منافسة قناة السويس.

ويمكن القول أن هناك خيارات أخرى لتنفيذ المشروع الشمالي  بعيداً عن ميناء حيفا، وهي الموانئ العربية على البحر المتوسط والتي أيضًا مرتبطة بسكك حديد داخلية مثل بيروت واللاذقية وطرطوس وغيرها، ثم يمكن ربط خط سكة حديد الأردن من خلال ميناء العقبة الأردنية بقناة السويس المصرية، ووصول البضائع وبعدها بالسفن من العقبة تمر عبر قناة السويس إلى أوروبا، فسكة الحديد بالأردن تصل مدينة العقبة وبالتالي يصبح ميناء العقبة يربط سكة الحديد بقناة السويس، ومن ناحية تاريخية فقد قام ميناء العقبة بدور فعال بخدمة العراق في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، فكانت البضائع تصل بالسفن من أوروبا وغيرها لميناء العقبة ثم تنقل عبر النقل البري من العقبة إلى العراق، وكان تعاونًا اقتصاديًا حيويًا خدم الاقتصاد الأردني والعراقي، خاصة بعد تعذر استعمال ميناء البصرة أو ميناء الكويت  من  قبل للعراق بسبب الحرب  وقد يكون طريق العقبة يخدم الاقتصاد الأردني والمصري والسعودي فقد أعلن السفير السعودي في الأردن نايف السديري في 25 أكتوبر 2020م، ما وصفه بقوله" اضخم مشروع بتاريخ البلدين " يتمثل بسكة حديد تربط السعودية بالأردن عبر مدينة العقبة جنوبًا سيمتد إلى العاصمة عمان، وفي حالة التعاون المصري الأردني السعودي يحقق خدمة للأمن القومي العربي اقتصاديًا واستراتيجيًا خاصة في ظل الطروف الإقليمية الحالية فالعقبات متعددة بمرور الممر الشمالي إلى حيفا  لرفض إسرائيل لأي حديث عن دولة فلسطينية والحقوق الفلسطينية وكذلك الرفض الشعبي العربي الواسع للتطبيع مع إسرائيل وهو ما أثبته الرفض الشعبي الواسع للحرب الإسرائيلية على غزة، وبذلك يبقى مشروع المرور عبر العقبة الأردنية بالتعاون الثلاثي (الأردني المصري السعودي)  ليحول الممر إلى أن يخدم  الاقتصاد العربي وليعزز الأمن القومي العربي.

مقالات لنفس الكاتب