array(1) { [0]=> object(stdClass)#13180 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

التنافس الإقليمي يؤدي لظهور الحمائية والقومية في التجارة والممر يمتد في جغرافيا سياسية معقدة

الأربعاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2023

خلال اجتماع قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في الهند في سبتمبر 2023م، أعلن عن اتفاق لإقامة ممر اقتصادي يربط الهند ودول الخليج بأوروبا أطلق عليه اسم "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا". ومن شأن الممر، الذي سيشمل الهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، أن يساعد في تعزيز التجارة وتوفير موارد الطاقة وتحسين الاتصال الرقمي. وفقا لمذكرة التفاهم التي وقعتها الأطراف يعتزم المشاركون على بناء مسار للسكة الحديد، ومد كيبل للكهرباء والاتصال الرقمي، بالإضافة إلى أنابيب لتصدير الهيدروجين النظيف. وسيعمل هذا الممر على تأمين سلاسل التوريد الإقليمية، وزيادة إمكانية الوصول إلى التجارة، وتحسين تيسير التجارة. ويعتزم المشاركون أن يؤدي الممر إلى زيادة الكفاءة، وخفض التكاليف، وتعزيز الوحدة الاقتصادية، وتوليد فرص العمل، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة -مما يؤدي إلى تكامل تحويلي لآسيا وأوروبا والشرق الأوسط.

سيكون للممر محطة شرقية من الهند (مومباي أو موندرا) إلى موانئ جبل علي أو الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة. ويتمتع جبل علي بميزة كبرى تتمثل في كونه أحد أكبر الموانئ ومراكز الشحن العابر وأكثرها كفاءة في العالم. وهي أيضًا موطن موانئ دبي العالمية، التي تدير محطات الحاويات في موندرا ومومباي وكوتشي على الساحل الغربي للهند، وتنقل ربع حركة الحاويات في الهند. وسيشهد المسار البري للممر نقل الحاويات بالسكك الحديدية من الفجيرة إلى ميناء حيفا الإسرائيلي على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث استحوذت مجموعة أداني الهندية على محطة حاويات مقابل 1.2 مليار دولار. ومن المخطط أن يعمل الممر على جعل التجارة أسرع وأرخص وتعزيز التعاون الاقتصادي والاتصال الرقمي عبر المنطقة.

وقال رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا سيكون “منارة للتعاون والابتكار والتقدم المشترك”. وقال بايدن إن هذا "استثمار سيغير قواعد اللعبة". ووصفته فون دير لاين رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي بأنه "أكبر بكثير من مجرد خط سكة حديد أو كيبل". وقالت: "إنه جسر أخضر ورقمي عبر القارات والحضارات". وقال ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إن الممر الاقتصادي "سيحقق المصالح لمختلف الشركاء". ويمكن للمشروع، الذي يسمى الشراكة من أجل الاستثمار العالمي في البنية التحتية، أن يسرّع التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40% ويساعد في تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، وهو ما كانت إدارة بايدن تضغط من أجله.

النشأة والتأسيس

أعلن عن خطة البنية التحتية لأول مرة في يونيو 2021م، خلال قمة مجموعة السبعة في المملكة المتحدة. تشمل دول مجموعة السبعة المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والاتحاد الأوروبي. وقد أطلق عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن اسم إطار عمل إعادة بناء عالم أفضل إلا أنها لم تسجل تقدمًا كبيرًا.

وفي عام 2022م، خلال قمة مجموعة السبع في ألمانيا، تم إطلاق المشروع رسميًا ليكون مبادرة مشتركة للمساعدة في تمويل مشاريع البنية التحتية في البلدان النامية من خلال الاستثمارات العامة والخاصة. وكان بايدن قد قال على موقع X (تويتر سابقًا): "بشكل جماعي، نهدف إلى تعبئة ما يقرب من 600 مليار دولار من مجموعة السبع بحلول عام 2027م، للاستثمار في البنية التحتية الحيوية التي تعمل على تحسين الحياة وتحقيق مكاسب حقيقية لجميع شعوبنا".

تطوّر مشروع الممر الاقتصادي عندما شارك الرئيس بايدن في القمة الأولى لزعماء مجموعة جديدة مكونة من إسرائيل والهند والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. وشكل وزراء خارجية هذه الدول الكتلة، المعروفة باسم I2U2، (يشير حرف I الإنجليزي إلى كل من الهند وإسرائيل عندما يكتبان بالإنجليزية، ويشير حرف الـ U الإنجليزي لكل من الإمارات والولايات المتحدة عندما يكتبان بالإنجليزية) في 18 أكتوبر 2021م، لتعميق التعاون التكنولوجي والقطاع الخاص في المنطقة ومعالجة التحديات العابرة للحدود الوطنية في ستة مجالات تركيز هي: المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي. وينظر إلى تشكيل التجمع إلى حد كبير على أنه محاولة استراتيجية من قبل الولايات المتحدة للحد من نفوذ الصين المتزايد في آسيا والشرق الأوسط.

تنظر الدول الغربية لمشروع الممر الاقتصادي على أنه منافس لمبادرة الحزام والطريق الصينية. ويصادف هذا العام (2023م) مرور عقد من الزمان منذ أطلق الرئيس شي جي بينغ مبادرة الحزام والطريق. غير أن الطموحات الكبرى للمشروع الصيني تضاءلت بشكل كبير، حيث تباطأ الإقراض للمشاريع وسط التباطؤ الاقتصادي في الصين. وأعلنت دول مثل إيطاليا عن انسحابها من المبادرة، وتجد دول مثل سريلانكا وزامبيا نفسها عالقة في فخ الديون، وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالقروض. كما واجهت مبادرة الحزام والطريق انتقادات لأسباب أخرى مثل سعى الصين لاكتساب نفوذ استراتيجي من خلال ربط مشاريع المبادرة بخططها التنموية. وربط المناطق المختلفة بقوة بسلاسل القيمة المتمركزة في الصين، وعدم الاهتمام الكافي بالاحتياجات المحلية، والافتقار إلى الشفافية.     

لذلك تعرضت الصين لانتقادات في الغرب ومن قِبَل بعض الدول الأخرى بسبب تقديم ديون لا يمكن تحملها لدول لن تكون قادرة على سدادها. ووفقا لتقرير البنك الدولي لعام 2019م، من بين اقتصادات الممرات الثلاثة والأربعين التي توفرت عنها بيانات مفصلة، يمكن أن يواجه 12 اقتصادًا وضعًا لا يمكّنها من تحمل الديون، وهو ما قد يؤدي إلى تسليم الأصول العامة إلى مقاولين أجانب أو الصين نفسها.

لهذا وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن مشروع الممر الاقتصادي بأنه "الصفقة الكبيرة الحقيقية". لأنه سيتحدى النفوذ الاقتصادي للصين في المنطقة. ويسعى الرئيس الأمريكي إلى مواجهة مبادرة بكين للحزام والطريق في مجال البنية التحتية العالمية من خلال تقديم واشنطن كشريك ومستثمر بديل للدول النامية. وقال البيت الأبيض بالنظر إلى المستقبل، "نؤكد في الولايات المتحدة التزامنا الثابت بمتابعة الاستثمارات الإقليمية التحويلية والعمل على بناء هذا الممر مع شركائنا. وتشكل هذه الاستثمارات بوابة إلى مستقبلنا وتدعم رؤيتنا المشتركة لمستقبل مفتوح وآمن ومزدهر".

يختلف الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا عن مبادرة الحزام والطريق الصينية لأنه مشروع "قابل للتمويل بدرجة كبيرة"، وفقًا لوزير السكك الحديدية الهندي أشويني فايشناو الذي قال أيضًا: لقد جاءت مبادرة الحزام والطريق مصحوبة بالكثير من الشروط. فهي تأتي مصحوبة بأطنان من الديون، مما يضع البلاد في فخ الديون. وعلى النقيض من ذلك، في مشروع الممر الاقتصادي، يمكن لكل دولة أن تنظر إلى احتياجاتها الخاصة وأساس تلك الاحتياجات والمتطلبات. وفي حين تركز مبادرة الحزام والطريق إلى حد كبير على التجارة، فإن الممر الاقتصادي، بحكم مهامه، سيتجاوز النطاق الضيق المركّز على التجارة في المنتجات المادية.

يتناسب مشروع الممر الاقتصادي أيضًا مع حماس إدارة بايدن للعمل مع الهند في الشرق الأوسط، بما يتماشى مع النظرة الإقليمية المتغيرة لواشنطن. وفي عهد بايدن، تعيد الولايات المتحدة ضبط سياستها في الشرق الأوسط. منذ مغامراتها المكلفة في العراق وأفغانستان، فقد تخلت واشنطن عن فكرة التدخلات العسكرية البرية لتحقيق التوازن في الخارج. وأضحت تعوّل على القوة البحرية. لذا يقوم الأسطول الخامس الأمريكي بدوريات في مياه الخليج العربي والبحر الأحمر وخليج عمان وأجزاء من غرب المحيط الهندي – بهدف الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. إن أحد العناصر الأساسية في تحقيق التوازن الخارجي لواشنطن هو إشراك القوى المحلية ذات الثقل، وهنا يكمن دور الهند. فقد تحقق المشاركة الهندية النشطة في الشرق الأوسط من خلال الممرات التجارية بعدًا براغماتيًا اقتصاديًا في منطقة مليئة بالصراعات.

ومن شأن هذا التشبيك الإقليمي أن يعزز العلاقات الاقتصادية الوثيقة ويسمح بحركة السلع والخدمات والعمالة بشكل أكثر سلاسة. والأهم من ذلك، أن إنشاء هذا الممر قد يكون بمثابة حافز لزيادة التعاون الدبلوماسي والاستقرار الجيوسياسي بين الدول المشاركة. ومن شأن العلاقات الاقتصادية الوثيقة الناتجة عن الممر أن تحفز التعاون على مختلف الجبهات، بما في ذلك الأمن ومكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي.

وبالدخول في هذه المبادرة، فإن كل دولة لديها حساباتها الاستراتيجية الخاصة. تنظر الولايات المتحدة إلى مشروع الممر من خلال عدسة مواجهة الوجود الصيني المتنامي في الشرق الأوسط بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الضخمة للصين في جميع أنحاء العالم، من خلال مبادرة الحزام والطريق. كما تسعى إلى إبقاء دول مجلس التعاون الخليجي قريبة من الغرب ومواجهة العديد من الالتزامات الهندية لمشاريع العبور الكبرى مع إيران، مثل ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب وتطوير ميناء تشابهار الإيراني.

هناك أبعاد جيوسياسية للـممر الاقتصادي تستحق النظر فيها في سياق تكيف دول مجلس التعاون الخليجي الست مع واقع التعددية القطبية. باستثناء عُمان، يتمتع جميع أعضاء هذه المنظمة بوضع شريك حوار في منظمة شنغهاي للتعاون. على صعيد مشابه تلقت في أغسطس 2023م، كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة دعوات للانضمام إلى كتلة البريكس؛ وقد قبلت كلتا الدولتان الدعوة. وسيعمل ممر النقل هذا على تعزيز مركزية دول الخليج العربية الغنية بالطاقة في الاقتصاد العالمي، حيث يستمر مركز الثقل الجيواقتصادي العالمي في التحول بعيدًا عن الغرب إلى الشرق والجنوب العالمي.

وفي السنوات الخمس الماضية، نما نفوذ بكين بشكل جدي في الشرق الأوسط. منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق. وقد سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى الحصول على استثمارات صينية لمشاريع البنية التحتية الخاصة بها ــ سواء كان ذلك ميناء أبو ظبي، أو ميناء حمد في قطر، أو مدينة الحرير في الكويت، أو شبكاتها الرقمية. كما يتضح من سلسلة العقود الممنوحة لشركة هواوي. كما اهتمت دول الخليج، أيضاً، بالترتيبات المتعددة الأطراف التي تقودها الصين. ففي ديسمبر/كانون الأول 2022م، خلال زيارة شي إلى المملكة العربية السعودية، أيدت الدول الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي أحدث مشاريع الصين: مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي. وفي الوقت نفسه، أصبحت المملكة العربية السعودية شريك حوار لمنظمة شنغهاي للتعاون في مارس الماضي. وقد احتلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى والثالثة من حيث حجم البناء لمشاريع مبادرة الحزام والطريق في النصف الأول من عام 2023م، حيث حققتا 3.8 مليار دولار و1.2 مليار دولار على التوالي. وفي يونيو، وقعت شركة باوشان للحديد والصلب الصينية اتفاقية بقيمة 4 مليارات دولار لبناء مصنع للصلب في المملكة العربية السعودية، وهو جزء صغير من الصفقات البالغة قيمتها 50 مليار دولار التي التزم بها البلدان خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر 2022م.

وعلى صعيد علاقة إسرائيل بالصين فقد أثّر عليها التنافس الأمريكي / الصيني. فعندما اختارت إسرائيل شركة "مجموعة موانئ شنغهاي العالمية" الصينية لتشغيل ميناء حيفا الجديد، هددت البحرية الأمريكية بوقف زياراتها إلى المنطقة. وقد اضطرت إسرائيل إلى سحب العرض المقدم للشركة الصينية ومنحته لتحالف من شركتين هندية وإسرائيلية. وتعد إسرائيل المورد الدفاعي الرئيس للهند حيث تشكّل الهند 42٪ من صادرات الأسلحة الإسرائيلية بقيمة سنوية تقدر بمليار دولار بين عامي 2015 و2019م، وقد زادت واردات الأسلحة الهندية من إسرائيل بنسبة 175%.

بدأ التقدم السريع في العلاقات بين الإمارات والهند في عام 2015م، تقريبًا. وتعد الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند. وقد وقع البلدان اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في فبراير 2022م، ودخلت حيّز التنفيذ في الأول من مايو 2022م، ومن المتوقع أن يزيد حجم التجارة الثنائية بين البلدين من 84 في منتصف 2023م، مليار دولار إلى أكثر من 100 مليار دولار في غضون سنوات قليلة. كما وقعت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل، وتخطط لزيادة التجارة الثنائية السنوية إلى أكثر من 10 مليارات دولار في السنوات الخمس المقبلة.

لم تتبلور بعد خطة معلنة عن الخطوات المستقبلية لمشروع الممر الاقتصادي. فمن المقرر أن يجتمع الموقعون في أواخر عام 2023م، للإعلان عن خطة العمل. ومطلوب استثمار حوالي 17 مليار دولار أمريكي وإنشاء حوالي 100000 فرصة عمل لإكمال المخطط. وينتظر المراقبون نتيجة هذا الاجتماع لقياس مدى عمق التزام الأطراف المختلفة.

تجمع عدد من الدول المشاركة في مشروع الممر إلى جانب عضويتها فيه عضوية عدد آخر من المشاريع الإقليمية والدولية مثل مبادرة الحزام والطريق. فالهند والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية لا ترى في عضويتها في هذه المبادرات تضاربا بل تنظر إليها من باب التكامل. وهذه العضوية المتعددة ستجعل هذه الدول مراكز لأعمال اقتصادية ولوجستية تعزّز من قدراتها الإقليمية والدولية.

التحديات التي تواجه المشروع

أولًا، تحدي المنافسة الصينية

يمكن للنفوذ الاقتصادي العالمي المتزايد للصين ومبادرات الاتصال، مثل مبادرة الحزام والطريق، أن تخلق منافسة اقتصادية على الممر الاقتصادي. وباعتبارها منافسًا استراتيجيًا، ستسعى الصين إلى تحويل التجارة والاستثمارات نحو ممراتها الخاصة، مما قد يقوض فعالية الممر. رغم أن وزارة الخارجية الصينية في رد فعلها حول الممر الاقتصادي الجديد قالت إن الصين ترحب بجميع المبادرات التي تساعد الدول النامية حقًا في بناء البنية التحتية والجهود المخلصة لتعزيز الارتباطية والتنمية المشتركة. وقالت الوزارة "في الوقت نفسه، ندعو إلى أن تكون مبادرات الاتصال المختلفة مفتوحة وشاملة وتشكل تآزرًا، ولا ينبغي أن تصبح أدوات جيوسياسية".

ثانيًا، تحدي التنسيق والإرادة السياسية

يتطلب مشروعاً بمثل هذا الالتزام المالي الضخم، الذي يشمل العديد من البلدان التي تواجه تحديات خاصة بها فيما يتعلق بالموارد إلى جانب قضايا الجدوى الاقتصادية، قدراً هائلاً من التنسيق والإرادة السياسية لتنفيذه. تواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صعوبات طويلة الأمد بسبب الصراع الذي طال أمده في أوكرانيا، والذي لا يبدو أنه سينتهي قريبًا. وقد أظهر الاقتصاد الألماني، الذي كان محرك النمو الأوروبي، علامات الركود.

ثالثًا، تحدي تنوع النظم القانونية والسياسات

يشمل الممر العديد من البلدان ذات الأنظمة القانونية والسياسات وبروتوكولات النقل واللوائح المختلفة. ويعد تبسيط وتوحيد هذه الأطر أمرًا ضروريًا لتسهيل التجارة والاستثمار والتعاون الاقتصادي. وينبغي مواصلة المناقشات والمفاوضات التعاونية لمعالجة العوائق التنظيمية وتعزيز بيئة أعمال متسقة وشفافة عبر الممر. نصف الدول المشاركة في مشروع الممر الاقتصادي لم توقع على اتفاقية منظمة التجارة العالمية (WTO) بشأن المشتريات الحكومية، وهي اتفاقية تهدف إلى تعزيز التخصيص الأكثر شفافية للعقود الحكومية. إن دمج البنود في نظم ولوائح مشروع الممر سيحمي ممارسات الشراء الشفافة وهي قضية مرتبطة بمسألة الفعالية. وستخفض الشفافية والمساءلة في صرف العقود لبناء وتشغيل الممر تكاليف البناء والصيانة على ممرات العبور من السفينة إلى السكك الحديدية.

رابعًا، تحدي المنافسة الإقليمية

هناك جهات فاعلة إقليمية مهمة أخرى غير مدرجة في مبادرة الممر، على سبيل المثال صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه "لا يمكن أن يكون هناك ممر بدون تركيا". وقال أردوغان إنه يدرك أن العديد من الدول تحاول توسيع مناطق نفوذها من خلال إنشاء ممرات تجارية، وعرض بدلاً من ذلك بناء طريق تنمية العراق الذي يهدف إلى ربط الخليج بتركيا وأوروبا عبر خط سكة حديد وطريق سريع عبر موانئ في الإمارات وقطر والعراق. ويربط تركيا بميناء الفاو العراقي عن طريق البر والسكك الحديدية. وتخطط الحكومة العراقية أن تعمل القطارات بسرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة لتسهيل نقل الركاب والبضائع. بالإضافة إلى ذلك، تشمل الخطط إنشاء مراكز لوجستية ومجمعات صناعية والتكامل المحتمل لخطوط أنابيب النفط والغاز. ومن المقدر أن يتطلب هذا المخطط الطموح استثمارًا يبلغ حوالي 17 مليار دولار، مع عوائد سنوية متوقعة تبلغ 4 مليارات دولار وخلق ما لا يقل عن 100 ألف فرصة عمل.

نموذج آخر على المنافسة الإقليمية هو مشروع ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب. ويمثل أحد الطرق التجارية الرئيسية التي تربط الهند وإيران وروسيا وجرى الاتفاق عليه في عام 2002م، ووسّع لاحقًا بانضمام 13 عضوًا رئيساً في الممر مثل أذربيجان وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وعمان وروسيا وطاجيكستان. وتركيا وأوكرانيا وعضوية مراقب بلغاريا.  ويتكوّن من شبكة نقل متعددة الوسائط تربط الهند والخليج العربي بروسيا وشمال أوروبا. يعد ممر النقل أمرًا بالغ الأهمية للعلاقات والتجارة الروسية والإيرانية. وتعمل إيران وروسيا عبره على تعزيز علاقاتهما التجارية وتحسين البنية التحتية المشتركة للنقل. ويشمل الممر موانئ بحرية على الخليج العربي ومنطقة بحر قزوين، بالإضافة إلى الطرق والسكك الحديدية. وبتجاوز قناة السويس، يكون الطريق أقصر بنسبة 40% وأرخص بنسبة 30% من الطرق التقليدية من حيث المسافة والوقت. يأتي الممر تعزيزًا لاتفاقية عشق أباد التي وقّعت عليها كل من الهند وإيران وعمان وتركمانستان وكازاخستان وأوزباكستان الرامية لتسهيل نقل البضائع بين آسيا الوسطى والخليج.

بينما كانت مصر أحد المدعوين الخاصين إلى قمة مجموعة العشرين، فقد قررت عدم التوقيع على مذكرة التفاهم التي أنشأت الممر. لذا لم يكن مفاجئًا أن يقول مستشار رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش، ردًا على الإعلان عن الممر الاقتصادي، إنه “لا يوجد بديل لقناة السويس، لأنها أسرع ممر مائي للنقل البحري”، مشيرًا أيضًا، إلى أن الممر متعدد الوسائط، حيث يشمل نقل البضائع بحرًا وبرًا وسكك حديدية، في عملية مكلفة للغاية لا يمكن مقارنتها بقناة السويس.

هذا التنافس الإقليمي الحاد بين تجمعات مختلفة سيؤدي إلى ظهور الحمائية والقومية في التجارة العالمية. كما أن ذلك سيؤدي إلى ظهور مصفوفة معقدة من العلاقات في عالم متعدد الأقطاب لا تكون واضحة دائماً عندما تسعى الدول إلى تحقيق مصالحها الذاتية.

خامسًا، التحديات السياسية

أحد التحديات التي تواجه مشروع الممر. ويمتد الممر في دول متنوعة ذات ديناميات سياسية ومصالح وتوترات سابقة مختلفة التعامل مع الجغرافيا السياسية المعقدة للمنطقة. وقد تعيق هذه التعقيدات التعاون وتعوق تطوير الاتصال السلس بين البلدان المعنية. كما أن التوترات الأمنية والنزاعات المسلحة تشكّل تحديًا مهمًا لعمل الممر. فالحرب الأخيرة في غزة وما أفرزته ستشكل قيدًا على أعمال الممر

مقالات لنفس الكاتب