array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

رد السعودية على التطبيع يشترط حل الدولتين والردع النووي واتفاقية دفاع أمريكية - سعودية

الأربعاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2023

ما إن اندلعت أحداث غزة في السابع من أكتوبر 2023م،  عبر عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس، حتى قفزت ثلاث روايات على الواجهة  رامية إلى تحليل وتفسير العوامل التي أفضت إلى اندلاع تلك الأحداث، أولها إنها جاءت برغبة من حركة حماس لإيقاف الجهود الرامية إلى التطبيع الإسرائيلي-السعودي، الثانية أنها جاءت برغبة إيرانية لإيقاف مشروع الممر الاقتصادي الهندي الذي يمر عبر الإمارات-السعودية-إسرائيل-أوروبا، و الثالثة ان طوفان الأقصى و الذي ردت عليه إسرائيل باستخدام القوة الغاشمة المفرطة التي أفرغت الجهود الإنسانية المتراكمة في تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان و القانون الدولي حتى بات العالم أجمع شريك في الأزمة الإنسانية والدماء الفلسطينية المسالة بفعل القصف و الجوع والقهر و الألم و فقدان الأمل، إنها سوف تفضي مجددًا لبعث قيام الحركات الدينية المتطرفة، ودللوا على ذلك بإعادة نشر رسالة أسامة بن لادن التي أطلقها إثر تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر و التي ذكر فيها أن أحد أسباب قيام تلك التفجيرات هي السياسة الأمريكية الداعمة لدولة الكيان الإسرائيلي الذي لا يتوانى عن قتل الأبرياء و بناء المستوطنات. وبتلك الروايات الثلاث، أصبحت أحداث غزة 2023م، في مواجهة مستقبل الممر الاقتصادي الهندي الجديد. لذلك من المهم أن نتعرف على طبيعة ذلك المشروع ومن ثم نتساءل حول دقة تلك الروايات الثلاث، كونها مرتبطة بمستقبل هذا المشروع الواعد.

الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا

في9-10 سبتمبر 2023م، أعلن عن إنشاء هذا الممر الاقتصادي بين الهند والخليج العربي وأوروبا بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وذلك خلال قمة العشرين في نيودلهي. يهدف المشروع إلى تعزيز التنمية الاقتصادية بين دول المنطقة و يتحول إلى ممر تجاري عالمي يخدم الاقتصاد الدولي.ويتكوّن المشروع من ممرّين: هما الممرّ الشرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، لاسيما من ميناء موندرا الهندي بميناء الفجيرة ثم يستخدم خط السكة الحديد عبر السعودية و الأردن لنقل البضائع عبر حاويات إلى ميناء حيفا في إسرائيل، حيث سيكون ميناء موندرا نقطة الوصول للبضائع الآسيوية القادمة من فيتنام و تايلاند و ميانمار و بنغلاديش والتي لديها 6 نقاط خروج للسكك الحديدية إلى الهند والممرّ الشمالي أو الغربي الذي يربط دول الخليج بأوروبا عبر الأردن وإسرائيل وذلك من خلال ميناء حيفا إلى موانئ مختلفة مثل مرسيليا الفرنسي و موانئ في اليونان و ايطاليا. وقد وقعت على مذكر التفاهم كل من الهند والسعودية والإمارات إلى جانب كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

حقيقة التنافس بين "أيمك" في مواجهة الحزام والطريق

بعد سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية للإدارات الأمريكية المتعاقبة والتي تبنت أفكارًا مثل الإسلام الشيعي من مواجهة الإسلام السني، وتقاسم العبء والمشاركة الجماعية، والقيادة من الخلف، وانتهاء بجعل السعودية دولة منبوذة عالميًا، وجدت نفسها محاصرة بالحضور الروسي ومن ثم الصيني الصاعد في الخليج والشرق الأوسط ممثلا بمبادرة الحزام والطريق. ناهيك عن سعي السعودية لإطلاق رؤيتها العالمية والتنموية الرامية إلى خلق كيان مستقل قادر على التعامل شرقًا وغربًا. لذلك تعاقبت المبادرات الغربية لمواجهة الواقع الجديد والحضور الروسي والصيني ومنها مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" التي أطلقتها الإدارة الأمريكية خلال قمة الدول الصناعية السبع في كورنويل-بريطانيا في 2021م، الهادفة لمساعدة الدول النامية لاسيما في تطوير البنية التحتية والتنموية بحلول عام 2053م، بقيمة 40 مليار دولار، وفي عام 2021م، أطلق الاتحاد الأوروبي مبادرة البوابة العالمية الهادفة إلى إنشاء روابط اقتصادية وليست تبعيات اقتصادية لاسيما في مجال تعزيز التحولات الخضراء والرقمية عالميًا. وفي عام 2022م، أطلقت مجموعة السبع مبادرة شراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار بهدف تعبئة 600 مليار دولا في مشاريع البنية التحتية العالمية بحلول عام 2027م، والمقارنة السريعة بين المبادرتين الغربيتين تعكسان حجم القلق الغربي إزاء الصعود الصيني في المنطقة.

بالرغم من حقيقة الدوافع لتلك المبادرات الغربية الاقتصادية، إلا أن الواقع يؤكد أن للصين اسبقية عشر سنوات في إطلاق مشروع الحزام و الطريق إذ تجاوز إجمالي الاستثمارات فيه تريليون دولار في صيف 2023م، كما أن إنشاء أية طرق تجارية عالمية سواء عبر مبادرات صينية أو غربية سوف يساهم في تعزيز مكانة الصين كقوة اقتصادية صاعدة، حيث أن الهدف النهائي لمشروع الحزام و الطريق هو في الوصول إلى الأسواق الأوروبية ذات القوة الشرائية العالية والربط الاقتصادية و الاستثمار في البنية التحتية وهذا ما سوف يوفره الممر الهندي أو غيره من ممرات عالمية، وبالتالي فإن حقيقة ذلك الصراع هو تنافسي تكميلي يصب في نهاية المطاف لمصلحة الاقتصاد العالمي والاستقرار والتنمية، وبفعل تبني دول الخليج لسياسة الانفتاح و التوازن مع كافة الأطراف وبفعل الموقع الجغرافي الهام للمملكة العربية السعودية الذي يمر من خلاله كلا الطريقان الصيني و الهندي، فسوف تكون قادرة على لعب دور "مغير قواعد اللعبة"

وذلك سوف يمنحها قوة استراتيجية هامة في ظل رؤية تنموية واضحة للاقتصاد ما بعد البترول. يدلل على ذلك أن فكرة المشروع الهندي لدى الإمارات والسعودية بدأت خلال الأعوام 2017ــ 2019م، في الفترة التي وقعت فيها السعودية الشراكة الاستراتيجية مع الصين في عام 2016م، وتلتها الإمارات في عام 2018م، مما يعني أن السعودية والإمارات يسيران في خطوط متوازية ما بين الشرق والغرب يؤكد ما ذهبنا إليه في رهان الخليج على سياسة التوازن والواقعية والبراغماتية في السياسة الدولية.

حقيقة إيقاف قطار التطبيع

في لقاء فوكس نيوز الشهير في سبتمبر 2023م، وحول سؤال الفارق العمري بينه وبين السبعيني بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ومدى إمكانية الانسجام، جاء رد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي، بقوله سنتفاهم مع أي  من يجلس في ذلك المقعد وفق شروط التفاوض، وبالرغم من إصرار المقدم على تكرار السؤال والحديث عن نتنياهو، كان الأمير أكثر إصرارا في تجنب ذكر أي اسم وأكد على أن في حال تمكنت إسرائيل من استيفاء تلك الشروط فسوف تتحول إلى قوة حقيقة في الشرق الأوسط وسيكون إنجاز كبير لحكومة بايدن. وذلك في إشارة أن إسرائيل النووية في محيط عربي إسلامي ناقم لا تشكل قوة حقيقية، وقوتها تكمن في تبني سلام حقيقي قائم على حل الدولتين والتعاون الاقتصادي الإقليمي.

كان تصريح، قفز من خلاله الكثير من المحللين إلى الاستنتاج إلى أن قطار التطبيع بلغ نهايته، في حين أنه تصريح للعالم الغربي وبلغة يفهمها الغرب أكثر من كونه موجهًا محليًا. فالشروط السعودية للتطبيع غير قابلة للتنفيذ من قبل حكومة متطرفة كالحكومة الإسرائيلية الحالية، والتي تنص أولًا على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق ما ورد في المبادرة العربية، ثانيًا الردع النووي، ثالثًا اتفاقية دفاع أمريكية-سعودية شبيهة بالاتفاقية الأمريكية-الإسرائيلية، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي والتكنولوجي. علم نتنياهو بأنها شروط غير قابلة للتطبيق على أرض واقع التطرف الإسرائيلي، وهو الذي كان يتوق للعودة لمواطنية باتفاق إقليمي تجاري وتطبيع سعودي، فقد علق على مشروع الممر على أنه "يشكل ارتباطًا سيحقق رؤية طويلة الأمد ستغير وجه الشرق الأوسط ووجه إسرائيل"، فشروط حل الدولتين جعلته يختار البديل وهو الانفجار في غزة وحتى لا تتجاوزه أية مشاريع هندية أو صينية اقتصادية يمنة أو يسرة.

تحليل تفجر أحداث غزة في الداخل الفلسطيني يأخذ مسارات متعددة سواء كانت على صعيد الفصائل، والفدائيين، والمدنيين. الفدائيين المنضوين تحت أية فصائل فلسطينية يشكلون المقاومة الوطنية التي تسعى إلى تحرير الأرض ومستعدين لتقديم الغالي والنفيس بما في ذلك التضحية بالنفس. أما الفصائل فأزمتها تأتي على صعيد سياسي ورغبتها بالوصول إلى السلطة وقد تحدث عنها صراحة خالد مشعل خلال لقائه الأول على قناة العربية خلال أحداث غزة بأن حركة حماس ترغب بأن تكون جزًا من السلطة الفلسطينية، و حينما انقلب الرأي العام العالمي على إسرائيل بفعل جرائم الحرب في غزة و طالب الاتحاد الأوروبي بضرورة تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية سرعان ما انبرى لذلك إسماعيل هنية مطالبًا بأن هذا القرار يحسم في غزة التي تهيمن عليها حماس، وبذلك فحماس التي ليس لها وجود ضمن حل الدولتين قادرة على تقويض أية تفاهمات فلسطينية، أما المدنيين فهم بلا شك الضحية الأكبر الذين شهدوا أبشع صور للقوة الغاشمة خلال هذا الاعتداء.

حقيقة الدور الإيراني

خلال أشهر قليلة تخوض إيران التي يهيمن عليها المحافظون الانتخابات التشريعية وبعد سنتين ستخوض الانتخابات الرئاسية، منذ أحداث مهسا أميني و تصاعد المظاهرات التي لم تهدأ و جزء منها بفعل سياسات الفقر المائي في الجنوب، يرى المحافظون أهمية نجاح حكومة إبراهيم رئيسي لضمان استمرار حكومتهم و حتى لا يعطون الفرصة لمنافسيهم من الجناح المعتدل، لذلك كان الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية حليفة الولايات المتحدة الأمريكية في أغسطس 2023م، مكسبًا هامًا، وتلك هي الأسباب الداخلية الرامية إلى دعم حكومة إبراهيم رئيسي التي دفعت ذلك الجناح الذي يثق بالحليف الصيني في الدخول في الاتفاق السعودي-الإيراني في مارس 2023م، و جاءت السياسة السعودية في التقارب الإيراني أيضًا كجزء من سياسة التوازن والاعتماد على الذات و بناء نموذج تنموي في وسط الفوضى الشرق الأوسطية، وبذلك كانت السعودية تسير على مسارين الأول التفاهمات مع إيران بوساطة صينية وهو حليف مقبول لدى الطرفين، في الوقت نفسه، التطبيع مع إسرائيل في إطار المبادرة العربية التي تضمن إقامة دولة فلسطينية، وبذلك تكون قد خرجت من دوامة الصراع أو التنافس الإقليمي الإسرائيلي-الإيراني،  وهو موقف لا يتماشى مع التطلعات الإسرائيلية التي كانت تطالب بإقامة  ناتو أو حلف أمني شرق أوسطى. كما أن وفق الخرائط التي طرحت لاتفاقية الممر الهندي، فهناك خط بحري يمر من الهند إلى الإمارات عبر هرمز، و بإمكان القائمين عليه تجاوز تلك النقطة إلا أن وضعها في ذلك التصور كانت إشارة واضحة إلى ترغيب إيران باتباع سياسة التعاون الإقليمي، لذلك وفق  تلك المعطيات- كانت إيران بلا شك داعمًا رئيسيًا لكافة المليشيات في المنطقة- يبدو أن إيران انتهجت سياسة مختلفة في الآونة الأخيرة وفق معطيات جديدة تشكل فرصة تاريخية قد لا تتحقق في المستقبل، لذلك سيناريو الدور الإيراني و تضخيمه لاسيما في تلك العملية قد لا يتماشى مع تلك المعطيات منطلقين من قاعدة السياسة العقلانية و المصالح الوطنية.

بن لادن من جديد والتحدي القادم

فشلت الإدارة الأمريكية في التعاطي مع أزمة غزة منذ اليوم الأول، حينما سارع وزير الخارجية الأمريكي ليصل إلى إسرائيل ويؤكد بأن قدومه ليس لكونه أمريكي وحليف رئيسي لإسرائيل، وإنما لكونه يهوديًا قادمًا لحماية دولة إسرائيل اليهودية، وهو تصريح ساهم في إشعال الحرب الدينية والتأكيد على الانحياز، كذلك الحال مع الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي اختار الوصول بعد حادثة مستشفى المعمداني ليصل ويؤكد لإسرائيل بأنه يصدق الرواية الإسرائيلية وأن الآخرين الذين كانوا وراء ذلك الهجوم. يستمر ذلك الفشل الأمريكي في الفيتو ضد أية قرارات لوقف الاعتداء، والأسوأ حينما بدأ يستوعب سوء الدمار والقوة الغاشمة الإسرائيلية، فبدأت الإدارة الأمريكية تنصح الحكومة الإسرائيلية بعدم تكرار أخطاء 11 سبتمبر حينما قامت أمريكا بالعديد من الأخطاء بدافع الانتقام سواء في أفغانستان والعراق وبذلك خلقت العديد من الأعداء والإرهابيين والمتطرفين. أفضى ذلك إلى تناقل نشطاء التواصل الاجتماعي لرسالة بن لادن التي تبرر الإرهاب وقتل المدنيين الأمريكيين انتقامًا للسياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل في إشارة إلى إعادة إحياء مسلسل الإرهاب والتطرف والإسلاموفوبيا وتصوير العرب والمسلمين بالإرهابيين والتي بلا شك سوف تفضي إلى التضييق عليهم سواء كمهاجرين أو مقيمين. المقاومة الفلسطينية حق مشروع لشعب يتوق إلى الأرض والوطن ولا يمكن أن تصنف كإرهاب بدافع الكراهية للآخر. إلا أنها أجندة يعاد انتاجها بعد الفشل الأمريكي في التنافس الاقتصادي مع الصين من جانب، و فشل الصراع الجيوبوليتيكي مع روسيا في أوكرانيا، لذلك كانت المنطقة العربية و الإسلامية الخاصرة الرخوة والأكثر سهولة لإعادة إنتاج مسلسلات التطرف و الإرهاب والقضاء على كافة المبادرات و الفرص التي تسعى إلى تبنيها الدول العربية لاسيما الخليج في البناء والتنمية و الاستثمار في الإنسان و التعاون الإقليمي، إلا أن إعادة الإنتاج لصناعة الإرهاب مؤشر عميق على نجاح تلك المحاولات، ولا نملك إلا المضي من أجل رفعة المنطقة العربية و الإسلامية.

مقالات لنفس الكاتب