array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

الممر يحول العلاقة بين دول مجلس التعاون والهند لشراكة استراتيجية ترتكز على الاستثمار المتبادل

الأربعاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2023

تأتي مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط (IMEC) التي تم إطلاقها في سبتمبر الماضي في إطار التنافس بين الولايات المتحدة والصين على قيادة الاقتصاد العالمي والتنمية العالمية، حيث تستهدف هذه المبادرة تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا، مع التركيز على تعزيز التصنيع، وضمان الأمن الغذائي، وتحسين سلاسل التوريد.

   وتشكل دول تجمع الممر الاقتصادي كتلة وازنة في الاقتصاد العالمي، حيث يمثل ناتجها المحلي الإجمالي (47%) من الحجم الاقتصادي للعالم وقرابة (40%) من سكانه، وتهيمن على (44%) من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الصادرة عالمياً، وعلى (40%) من تجارة العالم السلعية وعلى (50%) من تجارة العالم من الخدمات لعام 2022م.

   وسنتناول في هذا المقال توضيح ما إذا كانت هذه المبادرة ستقود إلى خلق بيئة جديدة للعلاقات الاقتصادية الإقليمية بين الدول التي يمر بها، وما مدى تأثيره على الاقتصاد الجماعي الخليجي والعربي، وهل ستقود هذه المبادرة إلى ظهور تكتل اقتصادي جديد في العالم بالنظر إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء، وهل سيعمل على توفير الموارد الطبيعية لدول الاتحاد الأوروبي في ظل الأزمة الاقتصادية وأزمة الطاقة التي أوجدتها الحرب الروسية الأوكرانية، وكيف يخدم الاقتصادات الأوروبية.

أولاً-نظرة عامة عن مشروع الممر الاقتصادي:

    تم التوقيع على الاتفاق المبدئي الخاص بمشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط من قبل كل من الولايات المتحدة والسعودية ودولة الإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا على هامش قمة العشرين التي عقدت في دلهي في شهر سبتمبر 2023م. يهدف مشروع الممر الجديد إلى تحقيق الآتي:

  • إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور السلع.
  • تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، بهدف تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة.
  • تنمية الاقتصاد الرقميعبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

   يتألف المشروع من ممرين منفصلين هما: الممر الشرقي الذي يربط الهند مع الخليج العربي والممر الشمالي الذي يربط الخليج بأوروبا، وتشمل هذه الممرات سكة حديد ستُشكل بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السلع والخدمات.

شكل (1) خارطة الممر الاقتصادي الهند-الشرق الأوسط -أوروبا

 

   وتجدر الإشارة إلى أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يتميز بإمكانية التوسع لتسهيل نقل موارد الطاقة عبر خطوط الأنابيب ونقل البيانات عبر شبكة الألياف الضوئية، بالإضافة لخطوط نقل الكهرباء. ويمكن إيجاز أهمية مبادرة مشروع الممر الاقتصادي للأسباب التالية:

*بديل لمبادرة الحزام والطريق: يعكس هذا المشروع الاتجاهات الجيوسياسية الناشئة لأنه يُقدم بديلاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية. غالبًا ما يُنظر إلى مبادرة الحزام والطريق على أنها أداة لممارسة النفوذ وخلق مصيدة المديونية للدول النامية.

*تعميق المشاركة في شبه الجزيرة العربية: يمكن تعزيز جهود الحكومة الهندية الجارية لتعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية مع الإمارات والسعودية من خلال إنشاء اتصال دائم بين الهند وشبه الجزيرة العربية.

 

* التعاون الهندي / الأمريكي في الشرق الأوسط: تُبدد هذه المبادرة فكرة أن الهند والولايات المتحدة قد تتعاونان في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ولكن ليس في الشرق الأوسط. ويوضح المشروع كيف يُمكن للهند والولايات المتحدة، إلى جانب إسرائيل والإمارات، أن تشارك في تطوير مشاريع اقتصادية مشتركة من خلال منتديات كمجموعة التعاون الاقتصادي الحكومي الدولي بين الهند والإمارات والولايات المتحدة"I2U2".

*الاستقرار في الشرق الأوسط: يتمتع (IMEC) بالقدرة على تقليل التوترات السياسية في شبه الجزيرة العربية ويكون بمثابة "بنية تحتية للسلام" من خلال تعزيز الاتصال داخل المنطقة، وفقًا للرؤية الأمريكية.

*التكامل الأوروبي: يشير الممر إلى مشاركة أوروبا النشطة في تطوير البنية التحتية بالمنطقة. إن دعم الاتحاد الأوروبي لهذه المبادرة يضعه كصاحب مصلحة رئيسي في دمج الهند مع كل من شبه الجزيرة العربية وأوروبا.

*التعامل مع إفريقيا: اقترحت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خططًا لإنشاء ممر عبر إفريقيا يربط بين أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا. يمكن أن يؤدي نجاح IMEC إلى مزيد من التعاون بين الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إفريقيا، بما يتماشى مع الشراكة الهندية المتزايدة مع إفريقيا.

**تجاوز باكستان: تتجنب مبادرة IMEC بشكل فعال حق النقض الذي استخدمته باكستان على الاتصال البري للهند بالغرب، والذي كان يُشكل عقبة طويلة الأمد أمام التكامل الإقليمي للهند. وبالرغم من الجهود التي بذلتها الهند على مر السنين، فقد منعتها باكستان باستمرار للوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، الأمر الذي جعل من مبادرة IMEC إنجازاً كبيراً للهند.

ثانياً-الأهمية الجيو اقتصادية لدول مبادرة الممر الاقتصادي:

   تشكل البلدان المشاركة في مبادرة الممر الاقتصادي حوالي (40%) من سكان العالم وحوالي (47%) من حجم الاقتصاد العالمي البالغ نحو (100.5) تريليون دولار عام 2022م.ويمثل الاقتصاد الأمريكي ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مما يجعل مشاركته في هذه المبادرة أمراً في غاية الأهمية من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية.

 

شكل (2) الناتج المحلي الإجمالي لدول الممر الاقتصادي لعام 2022 مليار دولار

  

أما فيما يتعلق بحركة وتدفقات رؤوس الأموال، فقد شكل الرصيد التراكمي للاستثمارات الأجنبية المباشرة الصادرة من دول الممر الاقتصادي مجتمعة حوالي (21429) مليار دولار شكلت ما نسبته (53.8%) من الإجمالي العالمي للرصيد التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر الصادر للعام 2022 والبالغ نحو (39853) مليار دولار أمريكي، وهذا يُعطي لدول الممر الاقتصادي زمام القيادة العالمية على صعيد الاقتصاد والتنمية.

 

   وشكل الرصيد التراكمي للاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة لدول الممر الاقتصادي مجتمعة من مختلف دول العالم حوالي (21429) مليار دولار، أي أكثر من نصف الإجمالي العالمي للرصيد التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر الوارد للعام 2022 والبالغ نحو (44253) مليار دولار أمريكي.

 

  كما وتستحوذ دول الممر الاقتصادي على جزء كبير من حركة تدفقات السلع والخدمات على الصعيد العالمي، حيث بلغت قيمة صادراتها السلعية البالغة (21542) مليار دولار، شكلت ما نسبته (42.6%) من إجمالي تجارة العالم السلعية لعام 2022 البالغة (50526) مليار

 

   أما فيما يتعلق بتجارة الخدمات، فقد شكلت تجارة الخدمات بالنسبة لدول الممر الاقتصادي نحو (6823) مليار دولار، أي ما نسبته (50.3%) من إجمالي التجارة العالمية للخدمات البالغة (13522) مليار دولار للعام 2022م، وهذا يعكس حجم الهيمنة الكبيرة لدول الممر على مشهد تجار العالم للخدمات.

   

    ويمكن القول بأن مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط سيعمل على إيجاد التوازن في مواجهة تجمع البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، لاسيما وأن مؤشرات القوة الاقتصادية لدول الممر هي أقوى بكثير من دول البريكس ودول شنغهاي، سواء من حيث الحجم الاقتصادي، حيث شكل ناتجها المحلي الإجمالي قرابة (47%) من الناتج العالمي مقارنة بنحو (24.5%) لدول شنغهاي و(28.3%) لدول البريكس، و(44%) من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، قياساً بــ (17%) لدول البريكس، و(11.5%) لدول منظمة شنغهاي. كما استحوذت دول الممر على قرابة (40%) من تجارة العالم السلعية، في حين كانت حصة كل من دول البريكس ومنظمة شنغهاي (17.2%) و(16.5%) على التوالي.

 

 

جدول (1) القوة الاقتصادية: مقاربة بين منظمة شنغهاي للتعاون وتجمع البريكس ومبادرة الممر الاقتصادي لعام 2022" مليار دولار"

التكتل / التجمع

الناتج المحلي الإجمالي

إجمالي التجارة السلعية

إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الصادرة

دول منظمة شنغهاي للتعاون

24646

8686

172

دول مبادرة الممر الاقتصادي

47103

20106

655

دول تجمع البريكس

28450

8356

230

 

  وبناء على المعطيات والمؤشرات الاقتصادية لدول الممر الاقتصادي، يمكن القول بأن هذا التجمع له فرصة لتشكيل اقتصاد عالمي مفتوح يعزز النظام التجاري متعدد الأطراف ويُحسن تدفق السلع في المنطقة، ويضمن الاستقرار الاقتصادي والمالي، والنمو المستدام والمتوازن والشامل، على العكس من التجمعات الأخرى كالبريكس ومنظمة شنغهاي التي تضم دول متناقضة من حيث النهج الاقتصادي والرؤى السياسية للمشكلات العالمية.

ثالثاً-المزايا والفوائد على اقتصادات دول الممر الاقتصادي

1-اقتصادات دول مجلس التعاون:

   تسعى كل من السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، والإمارات، المركز المالي المهيمن في الشرق الأوسط، إلى إبراز نفسيهما كمراكز لوجستية وتجارية رئيسية بين الشرق والغرب.سيشمل كلا الممرين شبكة عبور من السفن إلى السكك الحديدية مصممة لإنشاء طرق نقل فعالة من حيث التكلفة للدول المشاركة، وسوف يتيح مشروع الممر الاقتصادي لدول الخليج العربي زيادة طاقتها التصديرية لاسيما من النفط والغاز الذي تحتاجه دول أوروبا والهند .

   كما سيساعد الممر الاقتصادي في دعم رغبة دول الخليج العربي لتعزيز إنتاجها من الهيدروجين الأخضر. الذي ترغب في تصديره إلى الهند وأوروبا التي تسعى إلى التحول نحو الوقود النظيف للتقليل من انبعاثات غازات الدفيئة. وفي ذلك السياق، تبحث العديد من الشركات الخاصة عن فرص لإطلاق مشاريعها في الهيدروجين الأخضر بمنطقة الخليج، كشركة "سيمنز" الألمانية التي حددت وحدها نحو (46) مشروعاً قابلاً للتطبيق بنحو (92) مليار دولار.

  وتجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات وضعت خططاً طموحة، لترسيخ توجهها نحو الطاقة النظيفة، واكتساب مكانة مرموقة في صناعة الهيدروجين الأخضر عالمياً، حيث أطلقت حكومة دبي أول مصنع هيدروجين أخضر بالمنطقة. ويأتي ذلك على خلفية إعلان الإمارات أنها تخطط لبلوغ حصة (25%) من سوق الهيدروجين المنخفض الكربون العالمية بحلول 2030، بوصف ذلك جزءاً من مساعي الدولة لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة في إجمالي مزيج الطاقة لديها إلى (75%) بحلول العام 2050م، ولتحقيق هذا الهدف، تنفذ الإمارات أكثر من (7) مشاريع في مجال الهيدروجين، تستهدف بها أسواق التصدير الرئيسية؛ مثل: اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا والهند، وأسواقاً أخرى في أوروبا. وتسعى الإمارات لعقد المزيد من الاتفاقيات في صناعة الهيدروجين الأخضر، التي تُعد من أهم الصناعات الواعدة في ظل تحول العالم صوب الطاقات النظيفة.

   ولترجمة هذا الهدف على أرض الواقع أعلنت الإمارات عام 2021م، عن عدة مشاريع جديدة منها ما أعلنته شركة "انجي " الفرنسية، وشركة "مصدر للطاقة المتجددة" لاستثمار نحو (5) مليارات دولار في صناعة الهيدروجين الأخضر في الدولة، وتهدف "مصدر" إلى إنتاج ما يصل إلى مليون طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر ومشتقاته مثل الأمونيا ووقود الطائرات المستدام والميثانول الأخضر بحلول عام 2030م، وتتعاون شركة يونيبر الألمانية مع شركة مصدر، لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الإمارات، حيث ستبني الشركتين محطة ستعمل على ما يقرب من (1.3) جيجاوات من الطاقة الشمسية، ومن المتوقع أن تنتج الهيدروجين بدءاً من العام 2026. وأعلن في نوفمبر 2022م، عن الشراكة الاستراتيجية الإماراتية الأمريكية للاستثمار في الطاقة النظيفة، الهادفة إلى تعزيز تحول الطاقة من خلال تحفيز (100) مليار دولار في التمويل والاستثمار في الطاقة المتجددة.

   وتأمل السعودية في تبوُّء موقع قيادي بسوق الهيدروجين الأخضر، من خلال الاستفادة من الإمكانات الطبيعية التي تتميز بها، وتساعدها على إنتاج ذلك الوقود بتكلفة أقلّ. ووقَّعت السعودية عام 2021 اتفاقية بقيمة (7) مليارات دولار لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالمنطقة الحرة بصلالة في عُمان مع أكوا باور ونفط عُمان وشركة إير برودكتس، إضافةً إلى مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر الذي تبلغ تكلفته (8.2) مليار دولار، والهادف إلى تبني أحدث الطرق المبتكرة لتوفير قدرة إنتاجية موحّدة تبلغ أربعة جيجاوات من الطاقة المتجددة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتخزين. وعند تشغيل المشروع عام 2026م، ستنتج المنشأة )600 (طن متري من الهيدروجين النظيف يومياً، إضافة إلى إنتاج النيتروجين بمعدل إنتاج يصل إلى (1.2) مليون طن متري سنوياً من الأمونيا الخضراء.

  وتجدر الإشارة إلى مشاريع الهدروجين الأخضر في كل من السعودية والإمارات وعُمان وقطر ستسهم في تعزيز ربط أسواق منطقة الخليج بالأسواق الأوروبية والآسيوية وإنشاء أنظمة شهادات موثوقة وشفافة لتعزيز ثقة المشتري. كما ستسهم في تلبية رغبة ألمانيا في استيراد كميات كبيرة من الهيدروجين للتخلص من الفحم وتحقيق هدفها للحياد الكربوني عام 2045م، وكذلك تلبية رغبة الهند في الحصول على الطاقة النظيفة لاستبدالها بالفحم الحجري المستخدم بشكل كبير في توليد الطاقة الكهربائية. وكذلك سيتيح الممر الاقتصادي الفرصة لزيادة حجم الصادرات من النفط لأوروبا وذلك للتعويض عن النفط الروسي وتحقيق الأمن للطاقة، حيث تمتلك دول مجلس التعاون أكبر احتياطي من النفط، يقدر بنحو (33%) من إجمالي الاحتياطي العالمي، كما تمتلك ما نسبته (%21) من احتياطي الغاز العالمي.

2) الاقتصاد الهندي

  تطمح الحكومة الهندية من خلال مشروع الممر الاقتصادي التحول إلى قوة تصنيعية كبرى، وتأمل في الحصول على حصة من الإنتاج العالمي من السلع الصناعية. فيما سيتعين عليها رفع مستوى قدراتها البحرية من أجل هذا الممر، وهي تمتلك الآن موانئ ذات مستوى عالمي، كموانئ موندرا وJNPT على ساحلها الغربي، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من البنية التحتية للشحن في هذا القطاع، وسيتيح لها الممر عقد شركات مع دول الخليج لاسيما الإمارات لتعزيز قطاعي النقل والخدمات اللوجستية الهندي.

     ويمكن لمبادرة الممر الاقتصادي أن تلعب دوراً محورياً في دعم جهود الهند لتعزيز صادرات البلاد، حيث أشارت رئيسة المفوضية الأوربية إلى أن الممر سيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة (40%)، كما سيزداد حجم التبادل التجاري الهندي مع دول مجلس التعاون الذي وصل إلى (154) مليار دولار في 2021-2022م، ويمكن للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مساندة جهود الهند لتكون بديلاً على الصين في بعض سلاسل التوريد التي تحتاجها الدول المشاركة في مبادرة الممر، وهذا بالتأكيد سوف ينعكس على دعم القدرات الصناعية الهندية وزيادة صادراتها الصناعية سواء لدول الخليج أو للدول الأوروبية، حيث سيعمل الممر على تسهيل انسياب السلع لها.

  كما تتيح المبادرة للهند من أن تدعم جهود دول الخليج العربية في تحقيق الأمن الغذائي لاسيما من الحبوب، حيث تُعد الهند ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، علاوة على تأمين احتياجات دول الخليج من العديد من السلع والخامات التي تحتاجها. وبالمقابل ستحصل الهند على مصادر الطاقة التي تحتاجها والمتمثلة بالنفط والغاز حالياً والهيدروجين الأخضر في القريب العاجل، حيث من المتوقع أن تصبح الهند أكبر مستهلك للطاقة في العالم بحلول العام 2035م، وستتيح مبادرة تحول العلاقة بين الهند ودول مجلس التعاون من علاقة تقليدية بين البائع والمشتري إلى شراكة استراتيجية ترتكز على الاستثمار المتبادل، وتطوير البنية التحتية التي تربط الأمن الطاقوي بالأمن الغذائي، والطاقة المتجددة والنظيفة، وجسور الذكاء الاصطناعي، والتعاون في مجال الفضاء، وإنشاء المبادرات المُصغرة، والتعاون الدفاعي والأمني.

3-اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي: 

   خصص الاتحاد الأوروبي إنفاق ما يصل إلى 300 مليار يورو على استثمارات البنية التحتية في الخارج خلال الفترة (2021-2027م) من خلال مشروع البوابة العالمية، الذي تم إطلاقه جزئياً لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية والدفاع عن المصالح الأوروبية في الشركاء التجاريين الرئيسيين. وتأتي مبادرة الممر الاقتصادي في سياق هذا المشروع. ومن المتوقع للمر الاقتصادي المساهمة في تعزيز أمن الطاقة لدول أوروبا، لاسيما بعد الاستغناء على النفط والغاز الروسي، حيث تمتلك دول الخليج العربي قرابة ثلث الاحتياطي العالمي من النفط وخمس الاحتياطي العالمي من الغاز.

   ومن أجل تأمين احتياجات أوروبا من الغاز بعد الحرب الأوكرانية وقعت ألمانيا في 29 نوفمبر 2022م، مع قطر اتفاقية بيع وشراء طويلة الأمد لتوريد مليوني طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا ابتداء من عام 2026م، وفي أكتوبر 2023م، تم إبرام أكبر وأطول اتفاق لتوريد شحنات الغاز لأوروبا يوفر لفرنسا ما يصل إلى (3.5) مليون طن متري من الغاز الطبيعي القطري المسال سنوياً بداية من 2026م، ولمدة 27 عاماً. وعلاوة على الاتفاقيات أعلاه كانت العديد من الدول الأوروبية كإيطاليا واليونان وبولندا والمملكة المتحدة قد أبرمت عقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال من قطر، علما بأن المنافسة على الغاز الطبيعي المسال اشتدت منذ بداية الحرب في أوكرانيا، إذ تحتاج أوروبا على وجه الخصوص إلى كميات هائلة، للمساعدة في استبدال الغاز القادم من خطوط الأنابيب الروسية، الذي كان يشكل حوالي (40%) من واردات القارة. وبالمقابل سيتيح الممر الاقتصادي لدول أوروبا سهولة الوصول لأسواق دول الخليج، والارتقاء بحجم التبادل التجاري السلعي مع دول مجلس التعاون الذي وصل إلى (187) مليار دولار عام 2022م.

   وسوف تسهم مبادرة الممر في مواصلة تعزيز الحوار التجاري والاستثماري الحالي التعاون بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي في المجالات التي تسهم في تحقيق هدف التكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون، والتحديث ودعم الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة وكفاءة الموارد والتجارة الرقمية وتعزيز التنمية المستدامة وسلاسل القيمة العالمية، بما في ذلك سلاسل التوريد. وفي مجال البحث العلمي والابتكار الذي يمثّل فرصة مهمة لتقديم حلول مبتكرة، وإيجاد فرص عمل جديدة، ومعالجة تحديات التحول الأخضر والرقمي.

  وختاماً فإنه في حال معالجة التحديات التي تواجه مبادرة الممر الاقتصادي، وتوفير الأرضية المناسبة لبناء المشاريع التي يتضمنها الممر، فإن ذلك سيدعم ديناميكية الاقتصاد العالمي وسيتيح فرصاً وطرقاً أوسع للشراكة العالمية، وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية الجماعية التي باتت تشكل اليوم المدخل الرئيس في بناء نظام اقتصادي عالمي يستفيد منه الجميع، ويسهم في بناء التنمية والاستقرار على كوكبنا الذي نعيش فيه

مقالات لنفس الكاتب