عندما تم الإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين بالهند في سبتمبر 2023م، اتسمت ردود الفعل الأولية من قبل كافة الأطراف المعنية بدرجة عالية من الحماس. حيث حظي بإشادة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين باعتباره "إنجازًا تاريخيًا". كما وصفته بأنه “أكثر المشروعات طموحًا في جيلنا". فيما أكد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن " الممر الاقتصادي الجديد سيقود إلى تنمية مستدامة للعالم بأسره". من جانبه، صرح وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح أن “المشروع يدمج طريق التوابل الهندي وطريق الحرير الصيني معًا في كيان واحد ". حتى أنه جاء موضع ترحيب من قبل الولايات المتحدة، حيث نُقل عن البيت الأبيض قوله إن" الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بمثابة تدشين لحقبة جديدة من الربط الاقتصادي".
ظاهريا، فإن مبادرة الممر الاقتصادي كفكرة، تفتح الباب أمام آفاق اقتصادية وفرص للربط والاتصال تفوق مجرد توسيع روابط النقل والاتصالات بين أوروبا وآسيا. ونظرًا إلى أن المشروع ينطوي على روابط للطاقة، والبيانات، والاتصال، والموارد البشرية، بالإضافة إلى المحاور التقليدية للطيران وطرق السكك الحديدية، فإنه قد يعود بالنفع على تنشيط التجارة بين الجنوب والجنوب، وبين الشمال والجنوب، كونه يعبر من خلال منطقة الخليج والشرق الأوسط. ومن الممكن أن يرقى الممر الجديد إلى مستوى التوقعات كما أبرزتها تصريحات القادة السياسيين أعلاه، إذا تمت إدارته وتنفيذه على النحو المتصور. علاوة على ذلك، فإن الممر يحمل القدرة على توسيع مجالات النفوذ وتعزيز الأهمية الجيو-استراتيجية للدول الأعضاء في إطار الدور الذي تلعبه كل منها داخل بيئتها الإقليمية.
الحصة الأوروبية في مشروع الممر الاقتصادي
كيف تنظر أوروبا إلى الممر، وما هي الفوائد المتوقع أن تعود على القارة الأوروبية؟ وكيف يرتبط الممر بالطموح العام للاتحاد الأوروبي من أجل تأمين نفوذه الاقتصادي والجيوسياسي عبر تعزيز أمن سلاسل التوريد العالمية؟ إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، من بينهم رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، ينظرون إلى الممر الاقتصادي على أنه " أحدث شبكة من الروابط من أجل عالم الغد"، ويصفونه بأنه "أكبر من مجرد" خط سكة حديد أو كابل" بل أنه “بمثابة جسر أخضر رقمي عبر القارات والحضارات"، بما يتجلى معه مدى الأهمية التي يعولها الاتحاد الأوروبي على هذا المشروع على عدة مستويات.
ويتعلق أحد الأهداف الرئيسية لمشروع الممر الاقتصادي من المنظور الأوروبي، بضمان حصول الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي على مصادر وفيرة ومتواصلة من الطاقة. وذلك بعد أن تسبب الصراع الروسي-الأوكراني في زيادة المخاوف بشأن أمن الطاقة بين دول الاتحاد من خلال تعطل سلاسل الإمدادات وتقلب الأسعار (الغاز بشكل رئيسي). وقد أثر ذلك بدوره على الاستقرار الاقتصادي العام للقارة العجوز، مما يستدعى ضرورة تنويع مصادر الطاقة ومورديها. من ثم، فإن أحد المحاور الرئيسية لمشروع الممر الاقتصادي سيكون ربط منطقة الخليج المُنتجة للطاقة بالجانب الأوروبي. ومن الجدير بالذكر أنه يجري حاليًا متابعة العديد من المشروعات على هذه الجبهة من بينها مشروعات في مجال الهيدروجين. بالتالي، يكتسب مشروع الممر الجديد أهمية بالغة من حيث توفير البنية التحتية اللازمة للسماح بإمدادات الطاقة دون انقطاع.
في الوقت ذاته، يجادل مؤيدو فكرة إنشاء الممر الاقتصادي بأنه يُساهم في خفض تكاليف النقل بنسبة 30% ويجعل حركة البضائع بين الهند وأوروبا أسرع بمقدار 40%. وعليه، فإلى جانب مساهمته في تأمين مصادر جديدة لإمدادات الطاقة الأوروبية، قد يكون للمَمر الجديد فائدة عملية من حيث تلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي المتزايدة من الطاقة في التوقيت المناسب. كما تُوضح خطط إنشاء السكك الحديدية وطرق النقل التي يتضمنها المشروع، تركيزًا أوسع نطاقًا على محور التنمية الاقتصادية، وتطوير البنية التحتية التي تلعب أوروبا فيها دورًا رئيسيًا وتستفيد منها بشكل كبير.
ونظرًا إلى أن المشروع يضم ممرين متكاملين أحدهما يربط الهند بالخليج والأخر يصل بين الخليج وأوروبا، فإن تحسين الربط والاتصال هو جانب آخر يجب مراعاته. حيث أن الفوائد التي تتيحها طرق النقل الأسرع والأقل تكلفة لا تقتصر على مجال الطاقة فحسب، بل تمتد لتشمل تعزيز الروابط التجارية عبر كافة القطاعات الاقتصادية. وقد شدد خطاب "حالة الاتحاد الأوروبي"-الذي ألقته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن عام 2023م -"على أن الحكومات المشاركة لديها مصلحة مشتركة في جعل التجارة أسرع، وأقصر، وأقل تلويثا". بشكل عام، يُنظر إلى الممر الاقتصادي داخل أوروبا، بوصفه مُروِجاً للممرات الأوروبية -الآسيوية الجديدة التي تستهدف دعم التعاون الشامل وتعزيز التجارة.
يعد توافر الكوادر الموهوبة المناسبة في قطاع الموارد البشرية من المجالات التي تحظى باهتمام خاص من الاتحاد الأوروبي، حيث خلص تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية حول التوظيف والتنمية الاجتماعية في أوروبا لعام 2023م -إلى تناقص العمالة بشكل متواصل داخل مجموعات متنوعة من المهن عبر كافة مستويات المهارات ـ ويشمل ذلك مجالات مثل: الرعاية الصحية، والعلوم، والتكنولوجيا والهندسة. ومن المتوقع أن يستمر هذا النقص في كافة المهن التي تتطلب مهارات عالية وتلك منخفضة المهارات، وذلك نتيجة تنامي معدلات الشيخوخة بين المواطنين الأوروبيين بجانب التحولات الخضراء والرقمية. وفي هذا السياق، يُنظر إلى الممر الاقتصادي على أنه وسيلة يمكن أن تساعد في سد النقص في الكوادر الموهوبة داخل قطاعات أوروبية من بينها قطاع الإلكترونيات على سبيل المثال، وذلك من خلال اجتذاب الكوادر الدولية لسد الفجوات المتسعة في التكنولوجيا والأنظمة البيئية الناشئة.
من المحاور الأساسية في المقاربة الأوروبية لمشروع الممر الجديد -بعيدًا عن المجالات الاقتصادية الرئيسية-فكرة إنه يتيح ممرًا بديلًا لمبادرة الحزام والطريق. ففي الواقع، إن الطريقة التي وضع بها المشروع، تُبين السعي إلى الحد من نفوذ مبادرة الحزام والطريق من خلال توفير موارد الطاقة، وتعزيز التجارة، وتحسين الروابط الرقمية بين الدول المشاركة بطريقة أكثر أمانًا ومرونة عما يتم تقديمه من خلال مبادرة الحزام والطريق. كما تنظر أوروبا إلى "فخ الديون" المرتبط بمبادرة الحزام والطريق، وسجل الصين المُعطل لملف حقوق الإنسان، ومركزية السلطة، باعتبارها عوامل من شأنها أن تدفع في نهاية المطاف البلدان على طول مسار الممر الاقتصادي إلى تفضيل أن تكون جزءًا من هذه المبادرة باعتبارها الشراكة الأفضل والأكثر موثوقية. في حين أن الصين، بصفتها الممول الوحيد والمُتزعم لمبادرة الحزام والطريق، تعمل بشكل رئيسي من خلال أذرع الشركات المملوكة للدولة، على عكس طبيعة عمل الممر الاقتصادي الذي يتبع نهج يُركز على مجموعة متنوعة من نماذج قيادة التمويل بما في ذلك الدول، والشركات الخاصة، وأصحاب المصلحة الآخرين مثل المؤسسات متعددة الأطراف.
على النقيض من مبادرة الحزام والطريق، تعتمد مبادرة الممر الاقتصادي أيضًا على آلية التشاور متعدد الأطراف وفي ظل وجود العديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، يتوفر عامل "ضمان" مُؤكد من حيث الإرث الإنمائي. ومن ثم، فإن الممر الاقتصادي يعد مدعومًا بشراكة مجموعة السبع من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار التي تركز على تسريع التقدم العالمي في أهداف التنمية المستدامة وتضييق فجوة البنية التحتية بين الشمال والجنوب. علاوة على ذلك، من الممكن أن يُنظر إلى المشروع باعتباره مُكملًا لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، وهو جهد مشترك لإعادة بناء الروابط المتبادلة التي أسستها روسيا والهند قبل نحو عشرين عامًا.
بالتأكيد من السابق لأوانه عقد أية مقارنة بين مبادرة الحزام والطريق وبين الممر الاقتصادي. حيث تظل المبادرة الصينية هي الأقدم وقد استطاعت بالفعل ترسيخ نفسها كمنصة للشراكة داخل إفريقيا على سبيل المثال، التي حتى الآن لا توجد لديها صلة بأجندة الممر الاقتصادي. وفي الوقت الذي تتمتع فيه مبادرة الحزام والطريق بالنفوذ المالي والانتشار الهائل، فإنها تنعم أيضا بحصانة ضد الأزمات التي قد تنشب بين أصحاب المصلحة. في حين أن الخلافات حول الشؤون المالية، والإدارة، والحوكمة داخل مبادرة الممر الاقتصادي قد تكون سيناريو واقعيًا، وذلك نظرًا لتباين المناهج التي تفضلها البلدان المعنية وأصحاب المصلحة، وهو الوضع الذي لم يشهد تغيرًا كبيراً في سياق مبادرة الحزام والطريق.
في الوقت ذاته، إن البُعد الجيو-سياسي الخاص بمشروع الممر الاقتصادي لا يقتصر على الصين ومبادرتها "الحزام والطريق". فمن ناحية قد تتشارك المُبادرتان في هدف تنمية البنية التحتية ومسارات التجارة، من ناحية أخرى، فإنهما يحملان فروقًا جيوسياسية مختلفة ومُتصادمة. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى اختلاف اللاعبين المشاركين والطبقات المتداخلة على الصعيد الجيوسياسي داخل كل مبادرة. فبينما تركز مبادرة الحزام والطريق على صعود المارد الصيني وسعيه إلى توطيد العلاقات مع العديد من الدول التي تعرف بـ “الجنوب العالمي"، تُركز مبادرة الممر الاقتصادي على احتضان نظام العالم القديم: الولايات المتحدة وأوروبا داخل منطقة الشرق الأوسط وما بعدها. كذلك تتبنى الدول أصحاب المصالح مواقف مختلفة بشأن الصين: إذ تعد المملكة العربية السعودية والإمارات عضوان داخل مبادرة الحزام والطريق، في حين أن فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا لا تتبنى نفس مقاربات السياسة الخارجية حيال الصين كما تفعل واشنطن على سبيل المثال.
بعيدًا عن الفلك الصيني وبمنأى عن البُعد الاقتصادي المباشر، يُنظر إلى مبادرة الممر الاقتصادي على أنها تمنح أوروبا الفرصة من أجل إعادة ترسيخ نفوذها داخل الشرق الأوسط مع التركيز بشكل خاص على منطقة الخليج. فعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، كافحت أوروبا من أجل بلورة أجندة إيجابية لحلفائها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. واستجابة لذلك، كشف الاتحاد الأوروبي في مايو 2022م، عن سياسة "شراكة استراتيجية مع منطقة الخليج" والتي تشير إلى حقيقة أن "العلاقات التجارية والاستثمارية المتميزة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي وأعضائه موضع اهتمام مشترك، وتكتسب أهمية متزايدة كما تحمل آفاقا وإمكانات متنامية". ويعد ذلك أكثر أهمية الآن في ظل سياق جيوسياسي سريع التغير يحتم على الاتحاد الأوروبي ضرورة بناء تحالفات ومنصات تعاون من أجل تحقيق أهدافه وتعزيز استقلاله الاستراتيجي المفتوح. بالتالي، ثمة رابط واضح بين سعى الاتحاد الأوروبي على تعزيز علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي، وطموحاته الجيوسياسية.
كذلك ذهبت أوروبا إلى التفكير في أنه بقدر ما سيخدم الممر الاقتصادي كأداة لتعزيز الشراكات الاقتصادية، قد يخلق مزيدًا من النفوذ للضغط على الدول الخليجية لإزالة المخاطر المرتبطة بالصين في مجالات محددة. على سبيل المثال، يمكن لأوروبا أن تطرح الحجة القائلة بأن الاعتماد المفرط على بكين سوف يعرض دول الخليج إلى مخاطر الإكراه الاقتصادي واختناقات سلاسل التوريد، وتبعات حدوث ركود اقتصادي في الصين. وذلك على العكس من مبادرة الممر الاقتصادي التي لن تشمل هذا النوع من المخاطر، وبالتالي يمكن استخدامها كسبيل لتوسيع النفوذ الاجتماعي والاقتصادي. وباعتباره منصة ذات طابع اجتماعي، واقتصادي، وجيو سياسي، يمكن أن يساعد الممر الجديد في دعم استقرار النمو الاقتصادي وترسيخ النفوذ الأوروبي داخل المنطقة التي تحتضن التعددية القطبية العالمية.
وفي سبيل إحداث مثل هذا التأثير واسع النطاق، قد يتطلب الأمر من الاتحاد الأوروبي تغيير مواقفه ومنهجه في التعامل مع شرَاكاته داخل المنطقة، مثل فكرة التركيز على الحكم الرشيد وحقوق الإنسان، حيث أن الممر الاقتصادي الجديد سيجبر الاتحاد الأوروبي على إعادة تموضعه وإعادة هيكلة سياساته الخارجية وفقًا لاحتياجاته الجديدة ومصالح الدول الشريكة. ومن المجالات التي يمكن أن تشهد تأثيرًا واضحًا هو ابتعاد الاتحاد الأوروبي عن ربط مبادراته التجارية بسياسات التجارة الحرة. وهو ما قد يساعد في حقيقة الأمر صناع القرار داخل الاتحاد الأوروبي على تجنب العقبات التي أعاقت إصلاح السياسة التجارية في المنطقة حتى الآن.
الآفاق المستقبلية
على الرغم مما بدر من الجانب الأوروبي من حماس كبير حيال مشروع الممر الاقتصادي، إلا أن ثمة العديد من المحاذير التي يجب ذكرها وأخدها بعين الاعتبار أثناء تقدم المشروع.
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ستكون بالتأكيد أولى التحديات في هذا الشأن. بالنظر إلى التصور الذي يحمله المشروع بشأن إمكانية ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة والعبور من خلالها، فإن احتمالات تحقق ذلك تضاءلت على نحو كبير عما كان متصور سلفًا. حيث أن العدوان العسكري الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة يضع أية احتمالية للتطبيع بين دول المنطقة وتل أبيب محل تساؤل خلال الوقت الراهن. وفي حين أن الإمارات نفت وجود خطط للتخلي عن اتفاقات إبراهام، أوقفت المملكة العربية السعودية أية مناقشات تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل. من ثم، فإن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تعد بمثابة "دعوة للاستيقاظ" تشكك في جدوى المشروع وإمكانياته. فبرغم أن تنفيذ الممر سيستغرق عدة أعوام، وأن بدء المشروع لا يتوقف على المشاركة الفورية للكيان الإسرائيلي، إلا أنه يجب التحرك نحو شكل من أشكال الحل عاجلًا وليس آجلًا من أجل المضي قدمًا في تنفيذ المشروع على النحو المخطط له.
العقبة الثانية، تتمثل في عدم إشراك دول رئيسية مثل مصر، وتركيا، وعمان. فعلى الجانب المصري، يرى التيار الحكومي أن تدفق إيرادات الشحن عبر قناة السويس بات يتأثر سلبًا، حيث أكد مستشار رئيس قناة السويس الفريق مهاب مميش: “لا يوجد بديل لقناة السويس، لأنها أسرع ممر مائي للنقل البحري”. في السياق ذاته قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه "لا يمكن أن يكون هناك ممر بدون تركيا". في حين تعتبر مرافق الموانئ العمانية على طول بحر العرب، محورًا أساسيًا آخر يجب مراعاته. لذلك، فالمفتاح هنا هو أنه إذا لم يتم تضمين هذه البلدان بشكل كاف ودمجها بنهاية المطاف داخل مشروع الممر الاقتصادي، فإن معارضتها للمشروع قد تنذر بإمكانية تعطيله إلى حد كبير وبالتالي تأخير تنفيذه بشكل كامل.
بالنسبة لأوروبا تحديدًا، يكمن أحد التحديات الرئيسية الإضافية، في تجنب الوقوع في فخ عَاداتها القديمة؛ أي مواصلة الإصرار على فرض معايير الديمقراطية وسيادة القانون، والشفافية باعتبارهم خطوات أولية لتحقيق إمكانات مشروع الممر الاقتصادي على مستوى الربط والدبلوماسية العالمية. فإن رد الفعل الأوروبي المعتاد سواء بإلقاء المحاضرات أو الإصرار على النهج القائم على القيمة، أصبح بالنسبة لدول مثل الهند ودول مجلس التعاون الخليجي "كدواء لم تعد ترغب في تجرعه". بالتالي، فقط إذا تبنى الاتحاد الأوروبي موقفًا أكثر واقعية، حينها، يمكن أن يساهم مشروعه الشامل "البوابة العالمية"، وإمكانية تنفيذه من خلال مشاريع مماثلة لمبادرة الممر الاقتصادي، في خلق فرص حقيقية للاتحاد الأوروبي لكي يكون لقوته الجيوسياسية وسياساته الخارجية بصمة أصلية أكثر تأثيراً. ولا يعني ذلك أنه ينبغي تهميش هذه المعايير وتجاهلها، بل بالأحرى يعني أن مسار التحول الاقتصادي ومعايير الحوكمة يجب أن تنعكس تدريجياً على مسيرة تقدم المشروع.
في الختام، تتوقف العديد من الأمور على الأولويات الخاصة بالدول ذاتها المشاركة في الممر الاقتصادي، بقدر ما ستعتمد على عدد وحجم الموارد التي يكون كل منها مستعدًا وقادرًا على الالتزام بها ضمن هذا المشروع. كذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه المشروع وقدرته على الاستمرارية والتي يتعين التغلب عليها إذا كان هناك رغبة في أن يحقق الممر الاقتصادي الجديد الأهداف المرجوة منه.