array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 191

السياسات الخليجية الجديدة مؤشر على تبني جيل القادة الجدد سياسات أكثر توازنًا

الأحد، 29 تشرين1/أكتوير 2023

ظلت القيادات التاريخية لدول الخليج العربية لعقود طويلة تحافظ على علاقات استراتيجية دافئة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. وكانت هذه القيادات تسعى بكل ما تستطيع كي ترضي الغرب وتدعم سياساته في المنطقة بالرغم من حالات التوتر والاستياء من وقت لآخر بخصوص قضايا المنطقة. كما ظلت واشنطن ولندن محطات رئيسية وعواصم شراكة استراتيجية هامة شملت النواحي كافة أمنية، واقتصادية، وثقافية وفي مجال التعليم وإعداد نخب الحكم. كانت دول الخليج العربية تتجه غرباً نحو أوروبا وعبر البحار إلى أمريكا الشمالية بالرغم من وقوعها في قلب آسيا، بل هي بحكم الجغرافيا مفترق طرق تربط آسيا بالعالم.

وتبدو هذه المنطقة قد قبلت عن رضى بالمظلة الأمنية الغربية وقايضت الأمن والحماية بشراكة غير متساوية مع الغرب بغض النظر عن قوانين الجغرافيا والتاريخ. واستمر هذا الوضع لمدة ثمانين عاماً امتدت خلال فترة الحرب الباردة وما بعدها، فماذا جرى بعد ذلك؟

يحاول هذا المقال إلقاء الضوء على التغيرات الجديدة في سياسات دول الخليج العربية جذورها، أسبابها، ومستقبلها. كما يحاول الإجابة على سؤال مهم وهو هل تعكس سياسات القيادات الجديدة في الخليج العربي توجهاً نحو الشرق؟ أم أن قوانين الجغرافيا قد دفعتها دفعاً للعودة إلى آسيا؟ أم أن ضرورات الوضع الدولي الجديدة قد دفعت دول الخليج للخروج من الدائرة الغربية الضيقة إلى دوائر أخرى أكثر اتساعًا؟ ونفترض في هذا المقال أن اهتماماً خليجياً جديداً وجاداً لبناء شراكات جديدة مع الدول الآسيوية وخصوصاً مع الصين بات اتجاهاً ملحوظاً وتوجهاً يحتاج للمتابعة والدراسة الجادة.

جذور العودة إلى آسيا:

سعت دول الخليج العربية إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع عدد من الدول الآسيوية بما فيها الصين، اليابان، الهند، باكستان إندونيسيا وغيرها بعد سنوات قليلة من نيل استقلالها وذلك في إطار بحثها كدول جديدة عن الاعتراف بها، في وقت ظلت تحالفاتها الرئيسية مع الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب.

ولم نلحظ أية تقارب خليجي أو توجه آسيوي جاد إلا في عامي، 1998 و1999م. إن قراءة حصيفة لزيارتين مهمتين تمت في ذلك الوقت إلى الصين على سبيل المثال قد تشير أو تؤرخ إلى جذور العودة الخليجية إلى آسيا، وهما زيارة الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني إلى بكين في 14 أكتوبر 1998م، وزيارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر للصين في أبريل 1999م.

وفي تقديرنا أن المملكة العربية السعودية بدأت في تلمس طريقها نحو آسيا في وقت مبكر في عام 1985م، وذلك عندما وصل في يوليو من ذلك العام الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين في زيارة تهدف حسب ما أشيع في ذلك الوقت لإقناع القيادة الصينية لوقف تزويد إيران بالصواريخ المتقدمة. إلا أن نتائج هذه الزيارة الهامة ـ كما قيل ـ فيما بعد أن الأمير السعودي قد تفاوض مع القيادة الصينية لشراء 25 صاروخًا على الأقل من طراز DF-3(Dong Feng) (SS-2) IRBMs المزود برؤوس نووية وقواعد إطلاق أرضية ــ حسب ما تردد حول هذه الصفقةــ ولم تظهر أنباء هذه الصفقة إلا في عام 1987م، عندما بدأت الصحافة العالمية والعربية تتحدث عن هذه الصفقة، وقد استدعت الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك سفيرها في الرياض لفشله في الإبلاغ عن هذه الصفقة في الوقت المناسب. إن نجاح الصين والسعودية في إكمال هذه الصفقة أزعج الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في تل أبيب، وقد أدى القلق الأمريكي إلى توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي نصت على عدم بيع أو نقل تكنلوجيا نووية متوسطة وصواريخ يصل مداها من 500 إلى 000ر5 كيلومتر لأية بلد من بلدان العالم الثالث. كما أدى ما قيل عن الصفقة أيضًا إلى مزيد من التوتر في العلاقات الصينية ـ الأمريكية، والسعودية ـ الأمريكية.

ويعتقد بعض الباحثين أن المملكة العربية السعودية لم تكن مهتمة بتكنولوجيا السلاح الصيني، إلا بعد أن تزايد قلق دول الخليج العربية من حجم التسلح الإيراني الكبير، حيث طلبت السعودية من الولايات المتحدة تزويدها – بغرض حفظ التوازن في المنطقة – بمقاتلات F-15E الأمريكية وصواريخ قصيرة المدى، وقد رفضت الولايات المتحدة تحت ضغط اللوبي اليهودي في واشنطن تلبية الطلب السعودي.

وبذلك تكون السياسات الأمريكية الخاطئة قد دفعت المملكة العربية السعودية للاقتراب أكثر من الصين ومن محيطها الآسيوي كما أن الصين التي ظلت تسعى بنشاط لكسب الاعتراف السعودي بها ووجدت في المسعى السعودي للحصول على صواريخ متقدمة فرصة ثمينة لإثبات حسن نواياها تجاه المملكة وأنها يمكن أن تكون مصدرًا جيدًا للسلاح بلا شروط. لقد فتحت صفقة الأسلحة الصينية الطريق نحو مزيد من التقارب بين الرياض وبكين توج بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع جمهورية الصين الشعبية في يوليو 1990م.

إلا أن أقوى إشارات العودة إلى آسيا قد ظهرت خلال زيارة قام بها الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس الوزراء ورئيس الحرس الوطني ـ آنذاك ـ إلي بكين في 14 أكتوبر 1998م. وقد صدر  في نهاية الزيارة بيان صحفي مشترك معلنًا استعداد البلدين للارتقاء بهذه العلاقات إلى مستوى تعاون استراتيجي في المجالات السياسية والاقتصادية، وكمؤشر لحالة الدفء في العلاقات الصينية/ السعودية قام الأمير عبد الله أثناء هذه الزيارة بتقليد الرئيس الصيني جيانغ تسه مين وسام الملك عبد العزيز وهو أكبر وأرفع وسام في العربية السعودية.  وهكذا بدا واضحاً منذ الساعات الأولى للزيارة بأنها ذات طابع سياسي استهدفت بشكل أساسي فتح آفاق جديدة في علاقات البلدين، وأول ما لفت الانتباه في هذه الزيارة هو اللغة السياسية الجديدة التي سبقت وواكبت زيارة ولي العهد السعودي إلى الصين وهي لغة ودية واضحة وجديدة في علاقات البلدين. فقبل أن يصل سمو ولى العهد إلى العاصمة بكين نشرت كافة أجهزة الاعلام الصينية الرسمية مقتطفات وافية من رسالة تقدير لشعب وحكومة الصين بعث بها الأمير عبد الله قبل وصوله إلى العاصمة الصينية جاء فيها "إن ما يجمع بيننا وبين الشعب الصيني العظيم لهو كبير وكثير فنحن وإياكم بناة حضارة وورثة ماض مجيد، قدم أجدادنا للإنسانية مثل ما قدم أجدادكم الكثير مما نفخر ونعتز به "

شهد أبريل 1999م، أيضًا زيارة مهمة للشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر إلى الصين عززت من التوجهات الخليجية نحو آسيا إذ عكس اللقاء الدافئ بين الأمير والرئيس الصيني جيانغ تسه مين ذلك التوجه الجديد، لقد أرسل الأمير حينذاك رسائل لا تخطئها العين حول جدية الجانب القطري لتعزيز علاقاته مع القارة وفي مقدمتها الصين واليابان، علماً بأنه خلال هذه الزيارة المهمة أفصح أمير دولة قطر للدبلوماسيين عن توجهاته الآسيوية الجديدة وعن ضرورة وأهمية العودة إلى آسيا حيث أشار  في لقاء خاص مع دبلوماسيين وخبراء  إلى "أن دولة قطر في حاجة إلى بناء علاقات متوازنة بين الشرق والغرب قائمة على المصالح والاحترام المتبادل" مشيراً إلى أنه "لا يمكن أن نصب جل اهتمامنا وروابطنا مع الغرب ونحن موجودون بشكل طبيعي في قارة آسيا حيث هناك دول شديدة الأهمية بالنسبة لنا مثل الصين واليابان على سبيل المثال لا الحصر". حيث شدد سموه على أهمية الدول والمؤسسات الآسيوية.

وفي تقديري كمراقب للشأن العربي – الآسيوي كانت الإشارات التي أرسلها قادة دولتين مهمتين في الخليج في ذلك الوقت أولى إشارات العودة إلى آسيا وأول دعوات بناء نمط جديد للعلاقات الخليجية الدولية قائمة على التوازن والشراكات والمنفعة المشتركة.

إلا أن دعوات هذين الزعيمين المهمين وجهت بمقاومة غربية شديدة عبر عنها سفراء الولايات المتحدة في كل من الدوحة والرياض كما تم الحديث مع سفراء هذين البلدين في واشنطن. وكان حسب تقارير أهم ما يلفت إليه السفراء والدبلوماسيين الأمريكيين عند الحديث مع المسؤولين الخليجيين حول التوجهات الجديدة وخصوصاً باتجاه الصين هو الالتزام بالشراكة الأمنية مع دول الخليج.

التغيرات في بنية النظام الدولي، والسياسات الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط.

.. التحولات في النظام الدولي.

شهد العقد الأخير تحولات دراماتيكية في بنية النظام الدولي تمثلت في تراجع دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وظهور التيارات الداعية إلى نظام دولي متعدد الأقطاب في وقت شكلت إيران والمجموعات التابعة والمؤيدة لها "الحوثيون في اليمن، وحزب الله في لبنان" خطراً أمنياً حقيقياً على المصالح الاستراتيجية والجوهرية لدول الخليج العربية، وقد بلغت تلك التهديدات الأمنية إلى درجة استهداف جماعة الحوثيين المدعومة من إيران المنشآت النفطية والمرافق العامة في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في وقت يرى محللون خليجيون بأن الولايات المتحدة لم تفِ بتعهداتها الأمنية في هذه الظروف إذ تقاعست إدارة الرئيس دونالد ترامب من تقديم أية دعم للمملكة للتصدي لهجمات جماعة الحوثيين ، كما بدأت الولايات المتحدة ولأول مرة تتحدث عن أوضاع حقوق الإنسان في دول الخليج العربية الأمر الذي رأى فيه الخليجيون نوعاً من الابتزاز الجديد، في وقت ظهرت فيه الصين والهند كقطبين جديدين كبيرين يحظيان بالاحترام، وفي وقت كذلك تشير فيه الإحصاءات التجارية والاقتصادية إلى تراجع التعاون التجاري بين دول المجلس والولايات المتحدة بعد أن انتقلت واشنطن من مستورد للنفط إلى مصدر للنفط والغاز ومنافس في الأسواق، لقد تراجع حجم التبادل التجاري بين دول الخليج العربية على سبيل المثال من 111.9 مليار دولار  أمريكي في عام 2014م، إلى 70 مليار دولار في عام 2021م. بينما قفز حجم التبادل التجاري بين دول المجلس والصين على سبيل المثال من 84.40 مليار دولار في عام 2010م، إلى 229 مليار دولار في عام 2021م، ثم إلى 315.8 مليار دولار أمريكي في عام 2022م. أنظر (ملحق رقم 2) لتصبح الصين الشريك التجاري الأول لدول الخليج العربية.

إذًا لقد دفعت التحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية النخبة الحاكمة الجديدة في الخليج إلى مراجعة شاملة لعلاقاتها مع الغرب والشرق.

الخليجيون الجدد يعيدون تقييم الشراكة مع الغرب:

بدأت النخب الخليجية وخصوصاً في المملكة العربية السعودية بعد حوادث سبتمبر 2001م، الإرهابية في الولايات المتحدة، وتدهور علاقات بلادهم بواشنطن على إثر تلك الأحداث والحملة الإعلامية الغربية التي استهدفت المملكة، بدأت هذه النخب تعيد قراءة المشهد الجيوسياسي  وظهرت ولأول مرة في الإعلام ووسط الباحثين في المملكة دعوات للتوجه شرقاً كما ظهرت دراسات وأصوات داخل المملكة تتبنى رؤية التوجه شرقاً وبلغ هذا الاتجاه ذروته في عام 2006م، إلا أن هذا الاتجاه لم يتجذر  إلا في حوالي عام 2014م، حيث ظهر خلال العقد الأخير إشارات قوية لتحولات في سياسة دول مجلس التعاون الخليجي الخارجية، وذلك بعد وقت قصير من تولي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني السلطة في 25 يونيو 2013م، وتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في 21 يوليو 2017م، ومحمد بن زايد السلطة في 14 مايو 2022م.

ومع ظهور قادة خليجيين جدد أكثر تفهما للتغيرات في النظام الدولي، وأكثر ميلاً للاستقلالية ظهرت مؤشرات قوية جديدة لسياسة خارجية خليجية جديدة متوازنة تضع في حساباتها عوامل الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد.. سياسة خارجية بخصائص خليجية.

الخليجيون يعودون إلى آسيا:

كان أول المؤشرات في هذا الاتجاه الجديد هو الاقتراب من الصين أكبر القوى الآسيوية وذلك بتوقيع كل من قطر والسعودية والإمارات اتفاقيات شراكة استراتيجية واستراتيجية شاملة. إلا أن أكبر المؤشرات وأكثرها إثارة هو سعي دول الخليج العربية للانضمام إلى مؤسسات آسيوية وإقليمية ودولية يصفها الغرب بأنها معادية له ولمجمل النظام الدولي الذي يهيمن عليه ويقوده الغرب. ومنها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، حيث يرى الغربيون بأن هذا البنك اقتراح صيني – روسي يؤسس لبديل عن المؤسسات المالية الغربية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات المالية الغربية، حيث حذرت الولايات المتحدة دول الخليج من الانضمام لهذا البنك، إلا أنه بالرغم من الضغوط الأمريكية المباشرة وغير المباشرة انضمت خمس دول خليجية لهذا البنك وهي قطر، السعودية، الإمارات، البحرين، عمان بينما تشير مصادر البنك بأن دولة الكويت على وشك الانضمام لعضوية البنك.  بل إن بعض دول الخليج العربية مثل دولة قطر أصبح عضواً مؤسساً للبنك، علماً بأن دولة قطر كانت أول دولة خليجية تتقدم بطلب لعضوية البنك وأول دولة خليجية تقاوم الضغوط الأمريكية، تلتها بعد ذلك بقية الدول الخليجية الخمس. فتحت دولة قطر الباب واسعاً لبقية دول الخليج العربي التي انضمت تباعاً للبنك وسط استياء أمريكي كبير. لتصبح دول الخليج العربية لأول مرة جزءًا من منظومة آسيوية مالية مهمة. وفي ذات الاتجاه سعت دول الخليج العربية للانضمام إلى منظمة آسيوية أخرى وهي "مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسياCICA" حيث انضمت قطر والبحرين والإمارات والكويت لهذه المنظمة وهي الأخرى منظمة تهدف إلى الحفاظ على الأمن في آسيا يتهمها الغرب بأنها منظمة أمنية تسعى إلى إقصاء الولايات المتحدة من الترتيبات الأمنية في القارة، حيث تنتقد الصحافة والكتاب والسياسيون الغربيون هذه المنظمة الآسيوية الجديدة باستمرار وتشكك في نوايا القائمين عليها.

مرة أخرى يشق الخليجيون الجدد طريقهم نحو القارة والانخراط في مؤسساتها لتنضم كل من قطر، السعودية، الإمارات، البحرين، الكويت كأعضاء جدد في منظمة شنغهاي للتعاون أهم المنظمات الآسيوية على الإطلاق والتي تعتبرها الولايات المتحدة أيضاً  منظمة معادية للغرب والولايات المتحدة، تحت سيطرة الصين وروسيا، مشيرين إلى أن الصين وروسيا تسعيان إلى بناء منظمات اقتصادية وسياسية وأمنية بديلاً عن المؤسسات الدولية الراهنة، ويرى سياسيون وباحثون أمريكيون بأن انضمام دول المجلس إلى منظمة شنغهاي للتعاون نكسة كبيرة وفشل جديد في سياسة الولايات المتحدة في الخليج.

إلا أن أكثر ما أزعج الدوائر الغربية هو اتجاه دول الخليج للانضمام لمنظمة أخرى وهي مجموعة البريكس التي تضم ما يعتبرونهم في الغرب أشد المنافسين وهم الصين وروسيا، إلى جانب جنوب إفريقيا والهند التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة والخليج العربي في آن واحد.

يشكل انضمام السعودية والإمارات في 24 أغسطس 2023م، لمجموعة البريكس دليلاً جديداً واضحاً للتغيرات العميقة في العقل الخليجي.

في تقدير الكاتب بلغت التوجهات الخليجية الجديدة ذروتها خلال القمم العربية الصينية الثلاث التي استضافتها الرياض خلال الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر 2022م، حيث عكست القمة الخليجية الصينية، والصينية السعودية الطبيعة الجديدة لهذه العلاقات حيث شددت بيانات هاتين القمتين على استمرار الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين  والاهتمام بتعزيزها بآلياتٍ جديدة، كما عكس البيان موقفًا صينيًا شديد الوضوح لمعارضة الصين القوة الآسيوية الكبرى لأي تهديدات أمنية على المنشآت السعودية والإماراتية، وبدا الموقف الصيني أكثر قوة من موقف الحليف الأمريكي من هذه المسألة، كما أكدت هاتان القمتان على أهمية التعاون الاستراتيجي الشامل بين الصين ودول مجلس التعاون،  كما كشف البيانان بأن الشراكة الخليجية الصينية جاءت لتبقى.

لقد كشفت هاتان القمتان عن تغيرات كبرى في نظام التحالفات والشراكات الخليجية القديمة كما كشفت عن نمط جديد في العلاقات يتسم بالجدية والاحترام والالتزام والتعاون الاستراتيجي الوثيق.

مستقبل التوجهات الجديدة في الخليج

حاولنا في هذا المقال أن نرصد بعض مظاهر التحولات المهمة في سياسة دول الخليج العربية تجاه قارة آسيا، وخصوصاً التقارب الخليجي الصيني الذي كشف عنه انضمام دول الخليج العربية لمؤسسات ومنظمات آسيوية تستبطن العداء للغرب وللولايات المتحدة الأمريكية كما يرى دبلوماسيون وباحثون غربيون. هذا إلى جانب التقارب الخليجي الصيني الذي كشفت عنه القمتين الخليجية الصينية في الرياض في ديسمبر الماضي. وبالرغم من معرفتنا بأن التوجه الخليجي الجديد نحو آسيا شمل أيضاً دول مهمة أخرى مثل الهند واليابان ودول آسيا الوسطى وغيرهم ـ، إلا أننا حرصنا بشكل خاص على رصد التقارب الاستراتيجي الجديد بين دول الخليج العربية والصين والتوجه نحو بناء شراكات جديدة خارج دائرة التحالفات الغربية.

لقد وصفت بعض الدوائر والمصادر الغربية التوجهات الخليجية الأخيرة بأنها تمثل انتكاسة لسياسة الولايات المتحدة في الخليج. بينما يرى باحثون آسيويون بأن هذه التوجهات الجريئة علامة لتوجه خليجي جديد نحو الشرق.

وفي تقديري أن السياسات الخليجية الجديدة لا تعني توجهاً نحو الشرق ولا مؤشر لصدام أو حالة عداء للغرب، لكنها دون شك مؤشر على تبني جيل جديد من القادة الخليجيين لسياسات أكثر توازناً مع كافة التجمعات والقوى الكبرى في العالم، سياسات قائمة على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة. وبالطبع أن هذه التحولات دليل جديد على تحول مهم في العقل الاستراتيجي الخليجي المحافظ دفعه للتحرر بصمت من تعهداته القديمة مع الغرب ومنح نفسه مساحة أوسع لبناء شراكات متنوعة مع قوى       جديدة أكثر منفعة واستقراراً وأقل تعقيداً. ودون شك تشير هذه السياسات والتوجهات بأن الخليجيين قد عادوا إلى قارتهم الأم ... آسيا .

 

 


 

مقالات لنفس الكاتب