تُشكل قمة "الخليج-آسيان"، التي جمعت بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة جنوب شرق آسيا " آسيان " في العشرين من أكتوبر بعاصمة المملكة العربية السعودية، الرياض، حلقة هامة ضمن سلسلة لقاءات عقدتها دول مجلس التعاون على مدى العام ونصف العام الماضي مع دول ومنظمات إقليمية ودولية متعددة الأطراف. يشمل ذلك: الولايات المتحدة (2022م)، والصين (ديسمبر 2022م)، وجامعة الدول العربية (مايو 2023م)، ودول آسيا الوسطى (يوليو 2023م)، وآخرها كان اللقاء الذي جمع بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي بسلطنة عمان في أكتوبر 2023م.
فضلا عن، مُشاركة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات في قمة دول "مجموعة بريكس" التي عُقدت في شهر أغسطس الماضي بجنوب إفريقيا. إلى جانب دور الرياض البارز خلال قمة اقتصادات العشرين التي عُقدت في الهند خلال شهر سبتمبر، وانضمام كلاً من الإمارات والبحرين إلى اتفاقيات إبراهام في سبتمبر 2020م، ومشاركتهما أيضًا في "منتدى النقب"، الذي بدأ في سبتمبر 2022م، إلى جانب كل من إسرائيل، ومصر، والمغرب. كذلك أصبحت الإمارات عضوًا مؤسسًا في تجمع "أي تو يو تو I2U2" الذي يجمعها مع كل من الهند، وإسرائيل، والولايات المتحدة.
تُشير كافة المعطيات سالفة الذكر إلى مُشاركة مُتنامية للبلدان الخليجية داخل المنتديات والمحافل الدولية في ظل هدف واضح، يتمثل في إنشاء رابط بين الشرَاكات المتعددة كجزء من النهج الشامل للسياسات الخليجية الخارجية. حيث تستشعر دول مجلس التعاون الخليجي أهمية السعي إلى تطوير الشراكات التي تدعم أجندة الربط الإقليمية، وإشراك أكبر عدد ممكن من الدول المعنية والمؤسسات الدولية والإقليمية الأخرى. ونظرا إلى أن المنطقة الآسيوية تمثل بشكل عام أهمية اقتصادية وسياسية كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي، ينبغي النظر إلى اجتماع القمة الخليجية مع دول آسيان باعتباره امتداد طبيعي للسياسات الخليجية. كما أنه علامة تؤكد أن الاهتمام الخليجي بالمنطقة الآسيوية لا يقتصر على العلاقات مع قوى آسيوية بعينها مثل الهند والصين على سبيل المثال.
ومن خلال المقال التالي، نستعرض نظرة عامة على التعاون الراهن والمستقبلي بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان، مع التأكيد على أن العلاقات متعددة الأطراف تعود بالنفع بشكل مباشر على أطرافها من حيث تدعيم العلاقات التجارية والسياسية. كما أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها حرص على متابعة شراكتها مع رابطة آسيان وتطويرها وإنفاق رأسمالها السياسي والاقتصادي عليها. هذا بدوره، يتيح دروسًا يمكن الاستفادة منها في متابعة الشرَاكات الأخرى التي يسعى إليها مجلس التعاون الخليجي، مثل شراكته مع الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال.
تطور رابطة دول آسيان وأهميتها الإقليمية والدولية
تأسست رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في 8 أغسطس 1967م، بالعاصمة التايلاندية بانكوك، مع توقيع الدول المؤسسة على "إعلان آسيان"، المعروف أيضًا باسم "إعلان بانكوك". وكان الهدف العام من وراء إنشاء الرابطة، هو تعزيز التعاون الإقليمي والاستقرار في منطقة جنوب شرق آسيا، التي شهدت تحديات سياسية وأمنية جمة خلال فترة ما بعد الاستعمار. ومنذ إنشائها، شهدت رابطة دول آسيان توسعًا تدريجيًا، حيث بلغ عدد دول الرابطة عشرة أعضاء، بعد انضمام كل من بروناي، وكمبوديا، ولاوس، وميانمار، وفيتنام إلى جانب الأعضاء المؤسسين للرابطة وهم: إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين وسنغافورة، وتايلاند. وتشمل العوامل الرئيسية الدافعة إلى إنشاء الرابطة، التركيز على الاستقرار السياسي والأمني والحاجة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء. بالتالي، تتشابه الدوافع الرئيسية وراء تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981م، مع أسباب إنشاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وقد عانت منطقة جنوب شرق آسيا على مدى عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية، من انعدام الاستقرار السياسي والأمني، لذلك، كان مُحبذا أن يتم السعي إلى بلورة آلية يمكن من خلالها توجيه العلاقات الأمنية التي تجمع بين دول المنطقة. من ثم، يُمكن المجادلة بأن الأساس الذي تقوم عليه رابطة آسيان يكمن في العمل على ترسيخ الشعور بالاستقرار، والأمن، والتعاون بين الدول الأعضاء، وذلك في ضوء حقيقة أن دول رابطة الآسيان ظلت طوال الأعوام الماضية تعيش في ظلال جيرانها الأكبر مثل الصين والهند. وعلى نفس القدر من الأهمية، رأت الدول الأعضاء في رابطة آسيان إمكانية لتحقيق النمو الاقتصادي من خلال التعاون والتجارة الإقليمية، وأدركت أنه من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي، ثمة فرصة لتحسين مستوى المعيشة لشعوبها واكتساب الدولة قدرًا أكبر من الشرعية.
منذ البداية، التزمت رابطة دول جنوب شرق آسيا التزامًا صارمًا بتطبيق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وهو المبدأ المنصوص عليه ضمن الوثائق التأسيسية للرابطة. حيث توجد قناعة راسخة لدى دول الرابطة بأن سياسة عدم التدخل تشكل عاملًا مفصليًا في دعم قدرة الرابطة على الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة. كما إنها تُتيح للدول الأعضاء إمكانية التنسيق فيما بينهم رغم اختلاف الرؤى والمواقف حول التطورات الإقليمية. وعليه، فإن رابطة دول آسيان، تُمثل في المقام الأول منصة للتبادل الإقليمي أكثر من كونها آلية مصممة لإيجاد حلول فورية للصرَاعات الناشبة.
مُنذ تأسيسها، حققت رابطة آسيان العديد من الإنجازات في مجالات عدة. فعلى صعيد الجبهة الاقتصادية، حرصت دول آسيان على تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال إقامة منطقة تجارة حرة تابعة للرابطة، والتي ينوط بها العمل على تقليص الحواجز التجارية بين الدول الأعضاء. وخلال عام 2015م، تم إنشاء "مجموعة آسيان الاقتصادية "، وذلك بهدف مواصلة جهود توطيد وتعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي. وعلى صعيد المجالات الأخرى، قامت رابطة دول آسيان بتدشين آليات لإدارة الكوارث والاستجابة لحالات الطوارئ في سبيل تنسيق الجهود خلال فترات الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ الأخرى.
سياسيًا، لعبت رابطة دول آسيان دورًا في تسوية النزاعات وإدارة الأزمات داخل المنطقة بما يشمل ذلك التوسط في النزاعات مثل صراع كمبوديا خلال فترة ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. علاوة على ذلك، استضافت الرابطة العديد من المنتديات الإقليمية مثل منتدى آسيان الإقليمي، الذي تأسس عام 1993م، ويجمع بين دول الرابطة وتلك المشاركة في الحوار، البالغ عددها عشر دول، من أجل التباحث بشأن القضايا الأمنية والسياسية داخل المنطقة الآسيوية. تضم قائمة شركاء الحوار كل من: الصين، والهند، والولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي إلى جانب آخرين. بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي؛ يعني ذلك أيضًا وجود عضويات متداخلة نظرًا إلى أن كلا الجانبين-مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان -يتعاونان مع شركاء مشتركين وإن كان عبر صيغ مختلفة.
في السياق ذاته، تم إنشاء "مجتمع آسيان" خلال عام 2015م، والذي يتألف من ثلاث ركائز رئيسية: مجموعة آسيان الاقتصادية، ومجموعة آسيان السياسية والأمنية، إلى جانب المجموعة الاجتماعية والثقافية التابعة للرابطة. تهدف هذه الركائز إلى تعميق التكامل والتعاون في مختلف المجالات بما في ذلك برامج التبادل الثقافي والاجتماعي، من أجل توطيد العلاقات بين شعوب المنطقة والفهم المتبادل بين الدول الأعضاء. وعلى مدى الأعوام الأخيرة، قامت رابطة دول (آسيان) بتوسيع نطاق علاقاتها مع القوى والمنظمات الكبرى في جميع أنحاء العالم، ويمكن القول إن المنظمة أصبح لها دور متزايد الأهمية على مستوى الدبلوماسية الإقليمية والدولية. وتواصل القوى العالمية الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة الانخراط في التبادلات عبر بوابة المنتدى الإقليمي الآسيوي ويشمل ذلك أيضًا دول مجلس التعاون كما تجلى مؤخرًا.
في ضوء هذا السياق، تُعتبر قمة "الخليج-آسيان" التي عقدت في 20 أكتوبر 2023م، خطوة ضمن مساعي دول آسيان لتطوير وتعزيز علاقاتها المتنوعة. ورغم الإنجازات العديدة التي حققتها الرابطة، إلا أن شبح العديد من التحديات لا يزال ماثلاً، بما في ذلك إدارة الفوارق الاقتصادية بين الدول الأعضاء، ومعالجة المخاوف المتعلقة بملف حقوق الإنسان، والتعامل مع التوترات الجيوسياسية الإقليمية. مع ذلك، يتسنى القول بأن رابطة دول آسيان تظل مُنظمة مهمة في سبيل تعزيز السلام، والاستقرار، والتعاون في منطقة جنوب شرق آسيا.
"قمة الخليج-آسيان 2023" والعلاقات المشتركة بين المنطقتين
نظراً لمقدرة رابطة دول آسيان على الاستمرارية وترسيخ أقدامها على نطاق أوسع داخل المشهد الدولي، شهدت علاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي توسعًا سواء في نطاق نشاطها أو محاور تركيزها. ويُشار إلى أن أول اتصالات رسمية تتم بين الجانبين كانت في عام 1990م، حينما أعرب وزير خارجية سلطنة عمان، بصفته رئيس المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي في ذلك الوقت، عن رغبة المجلس في تأسيس علاقات رسمية مع الرابطة الآسيوية. وخلال عام 2007م، التقى وزراء خارجية رابطة آسيان مع نظرائهم في مجلس التعاون الخليجي للمرة الأولى على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك. أعقب ذلك انعقاد الاجتماع الوزاري الأول بين المنظمتين في يونيو عام 2009م، بالعاصمة البحرينية المنامة. وقد اعتمد الاجتماع الرؤية المشتركة للكتلتين، حيث اتفقا على إجراء دراسة حول مستقبل العلاقات الثنائية وتقديم توصيات خاصة بالتعاون في مختلف المجالات بما يشمل: إقامة منطقة تجارة حرة، والتعاون الاقتصادي، والتنمية، إلى جانب الثقافة، والتعليم، وتبادل المعلومات. وخلال انعقاد الاجتماع الوزاري المشترك، وقع الجانبان على مذكرة تفاهم بين الأمانتين تُحدد شكل تطوير العلاقات المؤسسية بين الكتلتين.
في الوقت ذاته، أقر مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان أهمية التعاون المشترك في مجالات مختلفة بما في ذلك: التجارة، والاستثمار، والطاقة. وفيما تمثل العلاقات الاقتصادية أحد محاور التركيز المهمة للتعاون المشترك مع سعي الجانبين إلى تعزيز التجارة والاستثمار، وفي حين أن إجمالي التجارة الخليجية مع آسيا ككل بلغ 60 % إلى عام 2020م، إلا أن إجمالي واردات مجلس التعاون الخليجي من دول آسيان على وجه الخصوص لم تتعدَ 6 %. ذلك بالإضافة إلى توقف محادثات التجارة الحرة مع ماليزيا خلال عام 2017م، وعدم استئنافها من ذلك الحين.
يؤكد ما سبق ذكره، أن الشراكة الاقتصادية بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان حتى الآن لم ترق للمستوى المطلوب، رغم تمتعها بإمكانيات هائلة للنمو. وكونه شريكًا تجاريًا رئيسيًا لدول آسيان على صعيد تجارة النفط والغاز، ينبغي التركيز على التعاون مع مجلس التعاون الخليجي في مجال الطاقة بشكل خاص، وذلك من خلال عقد المحادثات التي تسلط الضوء على قضية أمن الطاقة، ونقل التكنولوجيا، والاستثمار في هذا القطاع الحيوي. في الوقت ذاته، تمُثل دول مجلس التعاون الخليجي سوقًا حيويًا للسلع والخدمات القادمة من منطقة دول جنوب شرق آسيا، لاسيما في مجال الإلكترونيات والمعدات الاستهلاكية، والتي شكلت معًا 40٪ من إجمالي صادرات رابطة دول آسيان إلى دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة من 2016 إلى 2020م.
يُعد الاستثمار أيضًا أحد المجالات التي يرغب الجانبان في التركيز عليها. حيث بلغ إجمالي الاستثمارات الخليجية المُوجهة إلى أسواق آسيَان، 13.4 مليار دولار خلال الفترة ما بين يناير 2016 وسبتمبر 2021م. وكشف منتدى الأعمال العالمي الأول لرابطة آسيان الذي عقد في دبي عام 2021م، أن دولة الإمارات استحوذت على 74% من استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي داخل الرابطة منذ عام 2016م. وهو ما يُشير إلى أنه ثمة فرص وفيرة أمام دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لتوسيع نهجها الاستثماري فيما يتعلق برابطة دول آسيان.
مؤخرًا، شهد الحوار السياسي والتعاون بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان نموًا متواصلًا، وسط تبادل الزيارات والوفود رفيعة المستوى بين الجانبين، بما ساهم في توطيد أواصر العلاقات الثنائية. كما حظي التعاون الأمني بين الكتلتين خاصة في مجال مكافحة الإرهاب على قدر كبير من النقاشات. كما أن هناك حرص لدى المُنظمتين على إعلاء تبادل البعثات الثقافية والتعليمية، التي تهدُف إلى تعزيز التفاهم المشترك والروابط بين شعوب المنطقتين.
الآفاق المستقبلية والفرص الواعدة
تعكف دول مجلس التعاون الخليجي على توسيع نطاق شرَاكاتها الدولية، وتمثل رابطة دول آسيان لاعبًا أساسيًا في هذا الصدد مثلما تبين من خلال اجتماع القمة المشتركة بين الجانبين "الخليج-آسيان". وقد أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي وسفير مملكة ماليزيا لدى المملكة العربية السعودية السيد داتوك وان زيدي وان عبد الله خلال لقائهما في 6 يوليو 2023م، على “الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول الآسيان على صعيد تحقيق الأمن والاستقرار، وسيادة السلام في المنطقة، وتعزيز الصداقات بين الدول وخدمة المصالح المشتركة في المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية بما يلبي تطلُعات الجانبين". وبعد مرور بضعة أيام فقط على لقاء المسؤولين، أصبحت المملكة العربية السعودية في 12 من يوليو 2023م، الدولة رقم 51 التي توقع على "اتفاقية التعاون والصداقة" مع رابطة دول آسيان وذلك على هامش الاجتماع الوزاري الــ 56 لوزراء خارجية آسيان بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا. من جانبه، صرحت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي أن" انضمام المملكة العربية السعودية إلى الرابطة إنما يؤكد التزام المملكة الراسخ بالقيم والمبادئ التي تتبناها الرابطة الآسيوية ويسلط الضوء على ضرورة أن تُشكل الكتلتان معًا قوة دفع إيجابية للسلام، والاستقرار، والازدهار داخل منطقة المحيطين الهندي-والهادئ".
في الوقت ذاته، تمت المصادقة على اتفاقية إطارية للتعاون بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان خلال الفترة ما بين عام 2024 إلى 2028م، على أن تعمل ماليزيا كعضو منسق للعَلاقات بين الكُتلتين. ساهمت هذه الاتفاقية في إرساء الأساس لمزيد من التطوير والتدعيم للروابط بين الجانبين. كما تقرر مواصلة التركيز بشكل خاص على المحور الاقتصادي، في ظل تموضع التنمية الاقتصادية ومساعي التنويع في قلب السياسات الخليجية العامة على مدى الأعوام المقبلة. في ضوء هذا السياق، عملت دولة الإمارات وإندونيسيا على توسيع نطاق علاقاتهما التجارية الثنائية مع التزام الجانب الإماراتي باستثمار 10 مليارات دولار في صندوق الثروة السيادي لإندونيسيا. كذلك، تم بدء محادثات مشتركة حول التعاون في مجالات مثل الغذاء، والخدمات المالية، والتجارة الإلكترونية، والخدمات اللوجيستية مع التركيز على هدف إقامة منطقة تجارة حرة بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان.
ثمة التقاء أكبر في المصالح بين مجلس التعاون ورابطة آسيان عندما يتعلق الأمر بالتعاون الاستراتيجي المشترك بمختلف المنتديات الدولية. ونشهد حاليًا مواقف مشتركة حول نهج التعددية، والتنمية المستدامة، وإعلاء التجارة الحرة. كما أن النقاش العام الدائر حول الإصلاحات المطلوبة بشكل ملح على صعيد المنظمات الدولية بما في ذلك: الأمم المتحدة، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، يستلزم زيادة الاتصال بين منظمات مثل مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان التي لم تمارس دورها بشكل كامل حتى الآن داخل الهياكل المؤسسية القائمة. وإلى جانب الآليات المؤسسية الإقليمية الأخرى مثل منظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس، فمن الممكن أن تساهم العلاقات الأوثق بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان في إضفاء مزيد من الزخم على جهود الإصلاح الجارية على المستوى الدولي الأوسع.
علاوة على ذلك، يشهد العالم عملية تحول واسعة النطاق واضطرابات متزايدة تنعكس على سبيل المثال من خلال تنامي صراع القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين، والغزو الروسي لأوكرانيا، ومؤخرًا تصاعد وتيرة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي ينذر بعواقب لن يقتصر مداها على دول المنطقة فقط بل سيمتد لما هو أبعد من ذلك، بالتالي، فإن الحاجة إلى وجود وسائط إضافية يمكن من خلالها التباحث بشأن مناطق النزاع والتوصل إذا أمكن إلى حلول وتسويات لهذه النزاعات، تعد أكثر أهمية وإلحاحًا أكثر من أي وقت مضى. كما أن توطيد الروابط بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيَان، ربما يُخلِف انعكاسات على الشراكات القائمة بين مجلس التعاون الخليجي ومنظمات أخرى مثل الشراكة التي يتبناها الاتحاد الأوروبي.
إن ما نشهده حاليًا يعد زيادة متنامية لتلاقي العقول، حيث تجتمع الدول للتبادل المتواصل لوجهات النظر، على الرغم من خلفياتها المختلفة وتباين مواقفها وآرائها حول القضايا الإقليمية. وقد عكس الاجتماع الوزاري السابع والعشرون لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، الذي انعقد يومي 9 و10 أكتوبر في سلطنة عمان، هذا التقارب بين الجانبين، على غرار ما فعلته نتائج قمة دول مجلس التعاون الخليجي وآسيان في وقت لاحق من الشهر ذاته. والأمر الجدير بالملاحظة بشكل خاص هو حاجة شركاء مجلس التعاون الخليجي إلى الاعتراف بشكل متزايد بالدور الخليجي في القيام بعلاقات الوكالة والنظر إلى ذلك باعتباره مساهمة إيجابية في سبيل توسيع نطاق العلاقات متبادلة المنفعة. من ثم، فإن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) تشكل قطعة أخرى مهمة من قطع لغز التعاون الدولي الذي بات أشبه بلوحة من الفُسيفساء لن تكتمل الا بترابط كافة أحجارها.