يعتبر الاتحاد الأوروبي شريكًا تجاريًا رئيسيًا لدول مجلس التعاون الخليجي، محتلًا المركز الأول على صعيد الصادرات إلى المنطقة الخليجية، والمركز الرابع من حيث الواردات من المنطقة الخليجية. وخلال عام 2022م، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين نحو 175.2 مليار دولار أمريكي، مُسجلاً أعلى مستوياته في تاريخ العلاقات الثنائية، وبزيادة كبيرة قدرها 30 % من حجم التبادل التجاري المُحقق خلال فترة ما قبل اندلاع جائحة كوفيد -19 عام 2019م، والتي بلغت حينذاك 121.3 مليار دولار. وخارج إطار البيانات والإحصاءات التجارية المباشرة، جاء أداء التجارة الثنائية في مجال الخدمات والاستثمارات المتدفقة على نفس القدر من القوة، مع تجاوز قيمة التجارة الثنائية في قطاع الخدمات 40 مليار يورو خلال عام 2020م، وبلوغ حجم الاستثمارات الأجنبية الثنائية المباشرة مستوى قياسي مرتفع بنحو 456 مليار دولار خلال العام ذاته. علاوة على ذلك، تنخرط الشركات الأوروبية انخراطًا وثيقًا مع خطط ورؤى التنمية الخليجية في ظل العديد من العقود المعمول بها والتي تسمح بنقل قدر كبير من المعرفة والخبرة.
يأتي القطاع التعليمي والمهني كأحد المجالات ذات الأهمية الخاصة، إذ تعد الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في سلطنة عمان أحد النماذج على التدريب التقني والمهني الذي يتم تقديمه. حيث تشتهر ألمانيا بقوة قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة لديها، وقد أنشأت العديد من برامج التدريب المهني داخل البلدان الخليجية والتي أثبتت فعاليتها في مساعدة هذه الدول على تطوير القاعدة الصناعية الخاصة بها. على الصعيد المؤسسي، أطلق الجانبان في عام 2018م، حوارًا مخصصًا حول التجارة والاستثمار مع مشاركة القطاع الخاص. يُعنىَ هذا الحوار بمخاطبة القضايا المرتبطة بالتجارة والاستثمار مع التركيز على تعزيز التعاون في القضايا محل الاهتمام المشترك مثل الوصول إلى الأسواق، والمتطلبات التنظيمية، إلى جانب استكشاف سبل تشجيع زيادة تدفقات التجارة والاستثمارات في الاتجاهين.
وفي العام ذاته، تم إطلاق الحوار الأوروبي الخليجي المشترك حول التنويع الاقتصادي تحت مظلة برنامج أداة الشراكة الأوروبية " EU’s Partnership Instrument program". يتمثل الهدف الرئيسي من هذه المبادرة في العمل على تدعيم الروابط الاقتصادية بين الجانبين عبر الاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي، وذلك من أجل مساعدة دول مجلس التعاون في مساعي التنويع الاقتصادي بعيدًا عن قطاع الهيدروكربونات. ومنذ بداية المشروع، تم تقديم توصيات فيما يتعلق بسبل تحسين الأطر التنظيمية ونمذجة المنتجات. وتم استكمال هذه الجهود مؤخرًا من خلال الوثيقة الأوروبية بشأن "شراكة استراتيجية مع منطقة الخليج" التي صدرت خلال عام 2022م، والتي تنص على أن " العلاقة التجارية والاستثمارية المتميزة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي موضع اهتمام كبير مشترك وتكتسب مزيدًا من الأهمية والصلة في ضوء مشهد جيوسياسي عالمي سريع التغير نتيجة الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022م. وقد جاءت تبعات هذا الهجوم على الصعيد الأوروبي شديدة الوطأة لاسيما فيما يتعلق بمجال الطاقة حيث وقفت أوروبا في مواجهة حقيقة اعتمادها المفرط على صادرات الطاقة، الذي جعلها تتعامل مع روسيا من أجل تلبية احتياجاتها من الطاقة. نتيجة لذلك، حرصت أوروبا على توسيع نطاق مناقشتها مع شركاء دول مجلس التعاون الخليجي بشأن شراكة أوسع نطاقًا في مجال الطاقة، لا تقتصر فقط على إمدادات الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز، ولكن الأهم من ذلك تشمل مصادر الطاقة المتجددة والبديلة، حيث يتم العمل على استكشاف العديد من الفرص بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.
بشكل عام، تعكف دول مجلس التعاون الخليجي على تنفيذ استراتيجيات صناعية واسعة النطاق. فعلى مستوى الكتلة الخليجية، تبرز الاستراتيجية الصناعية الموحدة التي دخلت حيز التنفيذ من 2014م، وتحظى بدعم مؤسسات مثل منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك). وعلى المستوى الفردي، أعلنت دولة الإمارات عن تدشين عمليات بقيمة 300 مليار من أجل زيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 36 مليار دولار إلى 82 مليار دولار بحلول عام 2031م، وترسيخ مكانة الدولة كمركز عالمي للصناعات المستقبلية. ومن جانبها، طرحت المملكة العربية السعودية الاستراتيجية الصناعية الوطنية والتي تهدف إلى زيادة عدد المصانع داخل المملكة من 10 آلاف مصنع حاليًا إلى 30 ألف مصنع في عام 2035م. فيما تهدُف خطة التعافي الاقتصادي واستراتيجية القطاع الصناعي التي دشنتها دولة البحرين، إلى زيادة مساهمة القطاع الصناعي بالناتج الإجمالي المحلي إلى 6.6 مليار دولار بحلول عام 2026م. تركز كافة الاستراتيجيات الخليجية على عدد من المجالات الرئيسية والتي تشمل: الاستثمار في الاقتصاد الدائري للكربون، والتشجيع على الاستثمار في المنتجات الرقمية والتقنية، إلى جانب تدعيم البنية التحتية الصناعية وسلاسل القيمة المحلية.
يُشير ما سبق ذكره، إلى استمرار اضطلاع الكيان الأوروبي بدور مؤثر في دفع أجندة التنمية الخليجية قدمًا. فمن المؤكد أن أوروبا تُتيح العديد من المزايا الفريدة، من حيث القرب الجغرافي، والتاريخ الممتد من العلاقات بين الجانبين وعلى مستوى متعدد الأطراف بما يساعد في توفير إطار شامل من أجل علاقات أوثق، ودعم العمل الجاري على المستوى الثنائي بين دول الكُتلتين لتنفيذ مشروعات محددة. مع ذلك، لا يخلو المشهد الأوروبي من التحديات. فمن ناحية، تواجه بروكسل بيئة تنافسية متزايدة من جانب الولايات المتحدة والصين بالإضافة إلى مجموعة أوسع من الاقتصادات الناشئة بمختلف أنحاء العالم. واستجابة لقانون خفض التضخم الأمريكي الذي ينص على استثمار 300 مليار دولار في التكنولوجيا الأمريكية لتطوير الطاقة النظيفة، شعرت أوروبا بالحاجة إلى طرح سياستها الصناعية الخاصة لتعزيز القدرة التنافسية لقطاع الصناعة بالاتحاد الأوروبي والتشجيع على اقتصاد أكثر استدامة، ومرونة، ورقمنة بما يساهم في خلق فرص العمل. وفي مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية أيضًا، أطلق الاتحاد الأوروبي مبادرة "البوابة العالمية" باعتبارها شراكة رفيعة المستوى وتتسم بالشفافية في مجال البنية التحتية العالمية وذلك من أجل تلبية احتياجات ومتطلبات تطوير هذا القطاع.
على الجانب الآخر، تُتيح التحولات العالمية الراهنة مجالًا أكبر أمام القوى المتوسطة والصغيرة التي أصبح في إمكانها الاختيار من بين العديد من الفرص المختلفة التي تُفزرها المنافسة بين القوى العالمية الراسخة. لذلك تنعم دول مجلس التعاون الخليجي بموقع فريد وسط طموحاتها الراهنة في ترسيخ نفسها كمراكز عالمية بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا. وفي حين لا تزال أوروبا تحظى بأهمية جغرافية اقتصادية هائلة، فإن علاقات الدول الخليجية مع الصين والهند وسائر الدول الآسيوية وكذلك أفريقيا تتُيح لها عدد من الخيارات التي يمكن متابعة العمل عليها بسهولة ضمن الجهود الخليجية الرامية إلى إيجاد التوازن الصحيح وسط عالم متعدد الأقطاب. ببساطة، إن احتياج أوروبا للشراكة الخليجية حاليًا يفوق حاجة دول الخليج للشراكة الأوروبية.
ويرنو هذا الحديث إلى نقطتين. أولًا، إدراك الاتحاد الأوروبي أن التغيرات السريعة التي تحدث على المستوى الاقتصادي العالمي تستدعي اتخاذ تدابير تُمكن القارة العجوز من الحفاظ على تنميتها الاقتصادية وتأمين مسارها في المستقبل القريب. حيث لم يعد كافيًا الاتكال على العلاقات القائمة أو على سجلات الإنجازات السابقة. ثانيًا، لا سبيل للشراكة الأوروبية الخليجية للحفاظ على أهميتها وتواصل نموها، إلا من خلال حرص الجانبين على تحقيق تكامل من حيث الأهداف الاستراتيجية المشتركة. كما يتعين على أوروبا أن تستوعب جيدًا عدم اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بالمشاركة في لعبة " إما \ أو" التي تفرض عليها حتمية اختيار شريك على حساب الآخر. من ثم، إذا أرادت بروكسل الحفاظ على مكانتها كشريك رائد في التنمية الصناعية الخليجية، فينبغي لها العمل على إظهار المزايا التي تُتيحها بشكل واضح. ويُعد الممر الاقتصادي الذي تم الاتفاق عليه مؤخرًا بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين نموذجًا مُشجعًا لنمط التفكير والمبادرات المطلوبة.
الدور الأوروبي في التنمية الصناعية الخليجية
تساهم السياسات الصناعية التي تنتهجها أوروبا في تسليط الضوء على المجالات الممكنة لتحقيق التكامل والتعاون. ورغم أن الهدف الرئيسي للاتحاد الأوروبي يظل منصبًا على دعم وتعزيز تنمية الصناعات الأوروبية وقدرتها التنافسية واستدامتها، إلا أنه لا ينبغي النظر إلى ذلك باعتباره تهديدًا للمصالح الخليجية. حيث أن نجاح النهج الأوروبي لا يزال مرهونًا بمواصلة أوروبا تنمية روابطها التجارية والاقتصادية مع الدول والمناطق الأخرى حول العالم. ينطوي هذا ضمنًا على العمل لضمان الانتقال الحر للسلع، والخدمات، ورؤوس الأموال، والعمالة، ليس فقط من خلال إنشاء سوق كبيرة ومتكاملة تضم الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، بل أن يتم فتح هذه السوق أيضًا أمام الدول التي تقوم بتزويد أوروبا بالمواد الحيوية التي تُشكل أهمية للصناعات الأوروبية المُوجهة نحو التصدير. هنا تحديدًا، يمكن أن تلعب دول مجلس التعاون الخليجي دورًا متزايد الأهمية مستفيدة من دورها المركزي على صعيد أسواق الطاقة العالمية وباعتبارها من كبار المستثمرين الدوليين خارج حدودها.
من العناصر الأساسية التي تشكل توافقًا بين السياسات الصناعية الأوروبية والخليجية؛ انتهاج سياسة الانفتاح التجاري، والتركيز على تنمية المهارات والقوى العاملة، والتركيز على مشروعات البنية التحتية والاتصال، ودمج الرقمنة كعنصر أساسي ضمن الاستراتيجيات الصناعية. أخيرًا، دعم البحث والابتكار لتعزيز القدرة التنافسية للصناعات، لا سيما في مجال التقنيات المتطورة. بشكل عام، يطمح كل من الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي إلى أن يصبح عامل تمكين وتسريع للتغيير، والابتكار، والنمو. حيث تنعم الصناعة الأوروبية بمكانة رائدة في العديد من الأسواق العالمية بفضل منتجاتها وخدماتها ذات القيمة المضافة العالية، بما في ذلك على سبيل المثال، صناعة الأدوية ومجال الهندسة الميكانيكية. وعلى صعيد القدرة الابتكارية والإبداعية، برز الاتحاد الأوروبي كرائد عالمي في مجال التكنولوجيا الخضراء والقطاعات الأخرى للتكنولوجيا الفائقة. هنا، يمكن النظر إلى القطاع الصناعي الأوسع باعتباره عاملاً أساسيًا للحفاظ على التحولات نحو الحيادية المناخية والريادة الرقمية.
تحدد وثيقة الشراكة الأوروبية مع منطقة الخليج، العديد من المجالات المحورية على صعيد الأهداف الصناعية المنشودة لكلا الجانبين. على سبيل المثال، تشير الوثيقة إلى إمكانية أن يتبادل الاتحاد الأوروبي مع دول الخليج “أفضل الممارسات حول كيفية تحفيز بيئة أعمال مواتية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في قطاعات مثل الرقمنة، والطاقة، والاقتصاد الأخضر، والسياحة المستدامة ..." تتضمن خطط الاتحاد الأوروبي إنشاء غرفة تجارة تابعة له بهدف تسهيل التعاون بين الشركات كملحق للعديد من غرف التجارة الوطنية الأوروبية التي تعمل بشكل مؤثر داخل دول مجلس التعاون الخليجي
على المستوى الأعم، يمكن للاتحاد الأوروبي تقديم حوافز متنوعة تساهم في توفير أساس أوسع نطاقًا للتبادل الصناعي مع الجانب الخليجي.
ومن المجالات التي تبرز فيها أهمية الدور الذي تلعبه أوروبا:
التجارة والوصول للأسواق: برغم من تنامي حجم التبادل التجاري القائم حاليًا بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، إلا أن إتمام اتفاقية للتجارة الحرة بين الجانبين من شأنه أن يعزز إمكانية وصول المنتجات الخليجية إلى الأسواق الأوروبية وبالتالي تدعيم الصادرات الصناعية الخليجية إلى الاتحاد الأوروبي.
الاستثمار والتمويل: ينبغي على الاتحاد الأوروبي العمل على تشجيع الشركات الأوروبية للاستثمار في المشروعات الصناعية الخليجية، وأن يتم تسهيل ذلك عبر تبني مبادرات مثل بنك الاستثمار الأوروبي. وهنا يمكن النظر في إمكانية عقد تمويل مشترك لمشروعات التنمية المستدامة بدول مجلس التعاون الخليجي.
نقل التكنولوجيا وتبادل المعرفة: نظرًا إلى الخبرة الأوروبية في مجال التكنولوجيا المتطورة والباع الطويل للعواصم الأوروبية في الصناعات الصناعية المختلفة، يمكن أن يكون هناك تعاون بين بروكسل ودول الخليج في نقل التكنولوجيا، وتقديم المساعدات الفنية والتقنية، وتبادل المعرفة بهدف تعزيز قدرات وإمكانات الصناعات الخليجية.
بناء القدرات وتبادل المهارات: يتشابه ذلك مع فكرة نقل التكنولوجيا، حيث من الممكن أن يواصل الاتحاد الأوروبي دعمه لبرامج بناء القدرات داخل المنطقة الخليجية، مع التركيز على تطوير المهارات، والبحث، والابتكار. بالفعل ثمة العديد من المبادرات الأوروبية في هذا المجال التي تتيح المساعدة والدعم للصناعات الخليجية كي تصبح أكثر تنافسية وقدرة على التكيف. في إمكان الجانب الأوروبي أيضًا التشجيع على إجراء بحوث مشتركة ومشروعات ابتكارية مع المؤسسات الخليجية. من شأن ذلك أن يقود إلى تطوير التقنيات الحديثة والمنتجات التي تستفيد منها المنطقتين. كذلك فإن العمل على تعزيز برامج التبادل للطلاب والباحثين والمهنيين بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، سيُسهل نقل المعرفة والخبرة في مختلف القطاعات الصناعية.
الممارسات المستدامة: ما لا يقل أهمية هو تجربة وخبرة الاتحاد الأوروبي في دعم الاستدامة والتقنيات الخضراء التي يتم تشاركها مع دول مجلس التعاون الخليجي. حيث تعتبر مشروعات الطاقة المتجددة، وممارسات الاقتصاد الدائري، وعمليات التصنيع المستدامة، جميعها محاور يسطع فيها الدور الأوروبي ويمكن أن يتم توسيع نطاقه فيما بعد.
التوافق التنظيمي: كما أشير سلفًا، ينبغي أن يواصل الاتحاد الأوروبي مساعدة الدول الخليجية في ضمان توافق الأطر التنظيمية الخاصة بها مع المعايير وأفضل الممارسات الدولية، حيث يقود ذلك إلى تيسير سبل مشاركة الصناعات الخليجية في التجارة العالمية وتعزيز قدرتها التنافسية.
الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة: يساعد العمل على تسهيل الشراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص على تشجيع الشركات الأوروبية على التعاون مع الحكومات الخليجية في المشروعات الصناعية واسعة النطاق، ورعاية النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل. بالمثل، ينبغي أن يواصل الجانب الأوروبي تبادل أفضل ممارساته فيما يتعلق بتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر أداة محورية في مساعي التنويع الاقتصادي والنمو الصناعي داخل البلدان الخليجية.
في الوقت ذاته، ينبغي العمل بشكل خاص على توثيق الربط بين الصفقة الخضراء الأوروبية ومبادرات مجلس التعاون الخليجي المماثلة مثل: مبادرة الشرق الأوسط الخضراء والمبادرة الخضراء في المملكة العربية السعودية، من أجل تحقيق مستوى أكبر من التآزر لصالح الجانبين. حيث اكتسبت قضية العمل المناخي زخمًا غير مسبوق بدول مجلس التعاون الخليجي، في ظل التقدم الكبير المُحرز على صعيد سياسات صافي الصفر وأهداف خفض الانبعاثات والأطر المؤسسية واستراتيجيات الحوكمة. وحتى الآن لم تستوعب أوروبا جيدًا مدى التزام دول مجلس التعاون الخليجي الصادق حيال إحراز تقدم على جبهة الطاقة والتحول الأخضر كجزء من استراتيجيتها الصناعية، وتطبيق سياساتها التطلعية التي تأخذ في الاعتبار التغيرات التي تحدث على أرض الواقع. والدليل على ذلك التغطية الإعلامية الأوروبية المتواصلة حول الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ "كوب 28" المقرر أن تستضيفه الإمارات. حيث تضمن قدرًا كبيرًا من الشكوك والانتقادات لدول مجلس التعاون الخليجي المنتجة للنفط على أنها تسعى لمحاولة تبييض صورتها وحماية صناعاتها الهيدروكربونية من خلال إحباط حل سياسي شامل بشأن الطاقة النظيفة بدلاً من لعب دور بناء في المضي قدمًا.
تنم هذه التغطية الإعلامية عن فهم وتصور خاطئ إلى حد كبير. فعلى مستوى العديد من الجبهات، وضعت دول مجلس التعاون الخليجي خططًا من أجل خفض الانبعاثات من خلال تطوير أكبر مركز لالتقاط الكربون وتخزينه والذي تديره شركة "أرامكو " السعودية في منطقة الجبيل، بالإضافة إلى الإعلان عن ثلاثة مشاريع تجريبية لالتقاط الكربون تشمل مشاركة "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية"، و"نيوم"، و"الشركة السعودية للكهرباء. فضلاً عن 14 مشروعًا يُجرى العمل عليها حاليًا بدول مجلس التعاون الخليجي، مع تزعم دولة الإمارات الجهود المتعلقة بقدرة تركيب الطاقة المتجددة.
من المؤكد أن الاتحاد الأوروبي نفسه يتطلع إلى توسيع التعاون مع دول الخليج حول تدعيم استقرار أسواق النفط، وتطوير الهيدروجين، وزيادة إمدادات الطاقة ورفع مستوى كفاءة الطاقة، إلى جانب تقديم التزامات ملائمة بشأن خفض الانبعاثات، والعمل بشكل أسرع على نشر استخدام الطاقة المتجددة. كما يُنظر إلى " عقد شراكة أكثر قوة مع دول الخليج" باعتبارها قضية محورية لأوروبا سواء فيما يتعلق بخطة "ريباور -إي يو REPowerEU " لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي وتسريع التحول الأخضر، أو فيما يتعلق باستراتيجية الاتحاد الأوروبي للطاقة الخارجية، اللتين تم إطلاقهما في عام 2022م. فيما تعتبر خطط إنشاء خط أنابيب للهيدروجين النظيف التي تأتي ضمن مشروع الممر الاقتصادي الجديد بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط مثالًا على نمط المشروعات التي سيتم متابعتها.
ثمة ارتباط وثيق بين قطاع الطاقة ومجال نقل التكنولوجيا، وتنمية المهارات، وشراكات البحث، والابتكار. وفي جميع مجالات التعاون الصناعي، تحتاج أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي إلى تمكين سبل التعاون على المستوى المتوسط، بالتوازي مع التعاون على المستوى الوزاري الرفيع. ولذلك، فإن الشراكة الناجحة تشمل عمليات تبادل واسعة النطاق بين مؤسسات الفكر والرأي، والجامعات، ومراكز البحث والتطوير، ومنتديات الأعمال التجارية والتعاون بين الحكومات، بجانب التعاون البحثي، وبرامج التدريب والتبادل لمعالجة التحديات الرئيسية للتحول الجاري.
المفتاح صوب النجاح يكمن في التحلي بقدر عال من المرونة، لذلك فإن ما تحتاجه دول مجلس التعاون الخليجي هو الابتعاد عن اتباع سياسة "نهج واحد يناسب الجميع" والاتجاه إلى صياغة خطة أكثر تفصيلًا تقدر على استيعاب حقيقة أن دول مجلس التعاون الخليجي مختلفة فيما بينها من حيث حجم الاقتصاد، ومستوى التنويع الاقتصادي، والأولويات الخاصة بـ الانتقال الطاقي، والمرحلة الحالية لكل دولة ضمن مراحل التحول الطاقي. من جانبها، تمارس أوروبا بالفعل دورًا مهمًا في دفع مسار التنمية الصناعية الخليجية، ومن المرجح أن تتضاعف الفرص خلال السنوات المقبلة في ضوء الخطط التنموية الخاصة بمجلس التعاون الخليجي والجيد في ذلك هو أن الأساس لمثل هذه العلاقة قائم بالفعل.