في خطوة تعكس اعترافًا دوليًا بالمكانة المتميزة للسعودية وما تتمتع به من ثقل سياسي واقتصادي كبير، وجّهت مجموعة "بريكس" الدعوة للمملكة للانضمام إليها ضمن 6 دول، رغم أن 20 دولة أخرى تقدمت بطلب اكتساب العضوية للمجموعة التي بدأت تخطف الأضواء عطفا على ما تمتاز به من إمكانات هائلة تتمثل في أن أعضاءها الخمسة في الوقت الحالي، روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا تشكّل مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، كما أن مساهمة هذه الدول في الاقتصاد العالمي وصلت إلى 31.5%، وبذلك تفوقت على مجموعة السبع التي توقفت مساهمتها عند 30.7%.
ولا يعكس اهتمام المجموعة بتوجيه الدعوة للمملكة عند كونها أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم، بل لأنها إحدى أسرع الدول نموًا على مستوى العالم، إضافة إلى ما تحظى به من مناخ اقتصادي جاذب وإمكانات هائلة وبنية تحتية متطوّرة وقبل كل ذلك استقرار سياسي انعكس – بحمد الله – فيما تتمتع به من أمن وأمان رغم وقوعها وسط محيط صاخب ومنطقة تشهد العديد من التقلبات والاضطرابات.
هذه المزايا النوعية ظهرت بوضوح في التطور الاقتصادي الكبير الذي تشهده المملكة، لا سيما في مجال الاقتصاد غير النفطي الذي تركز رؤية 2030 على تنميته ليكون رفدًا اقتصاديًا رئيسيًا للتقليل من مخاطر التقلبات في أسواق النفط العالمية ويضمن لها اللحاق باقتصاد المعرفة وتوطين التقنية ويحقّق لها الاستدامة بما ينعكس على ترقية جودة الحياة لمواطنيها والمقيمين على أرضها.
ولأن المملكة هي الشريك الأكبر لاثنتين من الدول التي تشكل في الوقت الحالي منظومة بريكس وهما الصين والهند، واحتفاظها بعلاقات تجارية راسخة مع بقية دول المجموعة، فإن ذلك يمكن أن يساعد على فتح الأسواق السعودية أمام هذه الدول، وكذلك إتاحة المجال لتصدير السلع والمنتجات السعودية لدول المجموعة.
كذلك فإنه من أكبر مزايا مجموعة بريكس، إضافة إلى الحجم الاقتصادي الكبير لدولها أن عضويتها تشمل قارات أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما يمنحها قوة إضافية تسمح بإعادة تصدير المنتجات. كما أن دولها تمتاز – لا سيما الصين والهند والبرازيل – بأنها من أسرع الدول نموًا على مستوى العالم وفقًا لتصنيف المؤسسات الدولية المتخصصة.
لكل تلك المميزات فإن عضوية المملكة في هذا التكتل الاقتصادي الاستراتيجي – إذا تحققت – يمكن أن تمنحها فرصة مثالية لتعريف العالم بالمقومات الاقتصادية التي تملكها والفرص الاستثمارية المتاحة والمزايا التفضيلية التي تميزها، والترويج للمشاريع النوعية الضخمة التي يجري تنفيذها.
في المقابل فإن دول بريكس سوف تحقّق هي الأخرى مكاسب كبيرة من انضمام المملكة لعضويتها، وذلك بما تحظى به الرياض من ثقل كبير في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وموقعها الفريد الذي يجعلها حلقة وصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، والمكانة التي تتمتع بها وسط دول المنطقة بعد أن ظلت طيلة الفترة الماضية تقوم بدور رائد في توفير ظروف الاستقرار والسلام والتنمية لدول المنطقة التي تعاني من عدم استقرار، وسعيها الحثيث للوصول إلى توافق دولي حول القضايا السياسية والاقتصادية الملحة لتحقيق استقرار النظام العالمي وازدهاره، وذلك بالاستفادة من ثقلها ومكانتها في مطبخ القرار الدولي.
ومن أبرز القضايا التي تحظى باهتمام مجموعة بريكس إضافة للقضايا الاقتصادية الاهتمام بتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز اقتصاد المعرفة، وموضوعات الطاقة المتجددة، والبيئة والمناخ، وقضايا الرعاية الصحية والتعليم والعمل، ومساعدة الدول الأقل دخلاً، ورفع مستويات المعيشة والرفاهية بين شعوب العالم.
كما تكتسب خطوتها المتمثلة في إنشاء بنك التنمية الجديد الذي يبلغ رأسماله 100 مليار دولار أهمية كبرى حيث يقوم البنك بتقديم القروض والمعونات للدول الأكثر احتياجاً، إضافة إلى إنشاء صندوق احتياطى للطوارئ لدعم الدول الأعضاء التى تسعى لسداد ديونها وتجنب ضغوط السيولة وأيضًا تمويل البنية التحتية والمشاريع المرتبطة بقضايا المناخ فى البلدان النامية.
أما القضايا السياسية التي أثارتها بعض الجهات والتي تتمثل في استبدال الدولار والتخلي عنه كعملة رئيسية في النظام المالي الدولي والسعي لتأسيس نظام عالمي جديد بديل للتصدي للهيمنة الأمريكية فقد أكدت المنظمة على لسان سفير جنوب إفريقيا في المنظمة، أنيل سوكلال أنها لا تشغل بال المنظمة ولم يتم التطرق لها، مؤكدًا أنه لا توجد خطط لمناقشة استبدال الدولار كعملة عالمية بحكم الأمر الواقع، وأن التداول التجاري بين الدول الأعضاء بالعملات المحلية لا يعني التخلي عن الدولار الذي سوف سيظل عملة عالمية رئيسية، حسب تعبيره.
ومما يدعم فرضية عدم التعارض بين مجموعة بريكس والنظام العالمي الجديد هو أن دول المجموعة الخمس، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا هي أعضاء مؤثرة وفاعلة في مجموعة دول العشرين.
هذه التطمينات – من وجهة نظري – تشكّل أرضية صلبة للمملكة للعمل وفق منظومة بريكس، لأنها لا تتعاطى مع الدعوات السياسية الرامية لتغيير النظام العالمي وتقف على مسافة واحدة من الجميع، كما تتمسك باعتماد الدولار الأمريكي كعملة رئيسية في تعاملاتها المالية الدولية بما يضمن لها تحقيق مصالحها، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن 80% من التبادلات التجارية العالمية تتم بواسطة الدولار الذي يسيطر أيضًا على 90% من نظام التحويلات في شبكة سويفت.
هذا الموقف السعودي الواضح أكد عليه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان الذي قال خلال مشاركته في القمة الأخيرة التي عقدتها المجموعة في جوهانسبرج أواخر الأسبوع الماضي أن المملكة "تهتم بمبدأ احترام سيادة الدول واستقلالها وتسوية النزاعات بطرق سلمية، وحريصة على ممارسة مسؤولياتها لاستدامة التعاون الدولي"، مشيرًا إلى أن الرياض التي تتمتع بعلاقات استراتيجية مع دول "بريكس"، وتتطلع إلى المزيد من التعاون مع دولها سوف تدرس دعوتها وتتخذ القرار المناسب.