array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 189

دول الخليج توازن بين الشركاء الغربيين والشرقيين لتحقيق أفضل النتائج لمصالحها

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2023

يلعب مجلس التعاون الخليجي (GCC) دوراً رئيسياً في تطوير اقتصاد دول الخليج العربية،

إذ يعتبر اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة من أكبر الاقتصادات في العالم، حيث يحتل المرتبة 15 عالميًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية.

كما تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بالعديد من المزايا الاقتصادية، تجعلها فاعلاً أساسيًا في الاقتصاد العالمي، بالنظر لوفرة الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز الطبيعي ودورها الرئيس في سوق الطاقة العالمي. وكذا موقعها الجغرافي المتميز، حيث تقع على مفترق طرق التجارة العالمية، إذ تحتل دول الخليج موقعًا جيواقتصاديًا مهمًا بين القارات الثلاث (آسيا وإفريقيا وأوروبا)، وتشهد نشاطًا تجاريًا متزايدًا بفضل المناطق الحرة والموانئ الحديثة التي تساهم في تعزيز التجارة والاستثمار الدولي. مما ممكنها من عقد شراكات دولية متنوعة.

كما يوفر الاتحاد الاقتصادي بين دول الخليج في ظل مجلس التعاون الخليجي إطاراً للتعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والنقل والبيئة، وهو يدعم التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، ويساعد على توحيد السياسات الاقتصادية. ويوفر إطارًا مؤسسيًا للتعامل والتفاوض مع التكتلات الدولية الأخرى، بما يسمح لدوله الأعضاء بالتحرك ككتلة واحدة وقوة تفاوض موحدة أمام مختلف الشركاء الدوليين تحفظ مصالح دول المجلس.

وقد حقق المجلس العديد من الإنجازات الاقتصادية منذ إنشائه. حيث زاد حجم التجارة بين الدول الأعضاء بشكل كبير، وارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المنطقة. كما أن المجلس ساعد على تطوير بنية تحتية اقتصادية متطورة في دول الخليج العربية. ويتوقع أن يستمر اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي في النمو في السنوات القادمة، ومن المتوقع أن يلعب دوراً أكبر في الاقتصاد العالمي. مع سعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام من خلال الاستثمار في قطاعات أخرى غير النفط والغاز الطبيعي، وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء.

كما يحتفظ مجلس التعاون الخليجي بعلاقات قوية مع العديد من الشركاء الدوليين على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي. وتعتبر هذه الشراكات مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين دول المنطقة وشركائها الدوليين. ولطالما تمكنت دول المجلس من الحفاظ على علاقات متميزة دوليًا ولعب دور متوازن في ظل المنافسة والصراع الدولي.

إعادة توجيه البوصلة: التموقع في عالم شديد التكتل

شهدت السنوات الأخيرة بشائر تسارع التكتلات والشراكات الإقليمية والدولية واتساع نطاقها على نحو غير مسبوق. وكان نهوض دول الجنوب النامية وحدوث توسع تجاري سريع فيما بين البلدان النامية جزءاً لا يتجزأ من هذا التسارع، حيث تتغير الجغرافيا الاقتصادية وتتنوع الشراكات الدولية. وفي ظل هذا المشهد، تحاول دول مجلس التعاون الخليجي حجز مكان لها في هذا العالم شديد التكتل، بما يحفظ مصالحها ويعزز دورها في الاقتصاد العالمي.

إن الواقع الإقليمي والدولي، ولا سيما حالات عدم اليقين التي أفرزتها الأزمات خلال السنوات العشر الأخيرة، كأحداث الربيع العربي، وتداعيات جائحة كوفيد -19 وتجدد الصراعات الجيوسياسية الدولية والإقليمية، فرضت على دول الخليج الآخذة في النمو تعزيز وتنويع علاقة المجلس مع الشركاء التجاريين والاستراتيجيين التقليديين والناشئين في مختلف مناطق العالم.

وفي هذا السياق، اتجهت دول مجلس التعاون الخليجي سواء مجتمعة أو كل دولة منفردة على مدى العقدين الماضيين إلى تنويع شركاءها الدوليين عبر توجيه المزيد من الاهتمام نحو الدول النامية الصاعدة. ويمكن أن نوعز هذا الاهتمام إلى عدة عوامل، أهمها، موازنة الضغوط السياسية الغربية، الأمريكية والأوروبية خصوصًا، والتي لا تتواني على مساومة دول المجلس في العديد من المواقف والضغط عليها بما لا يتماشى مع مصالح دول الخليج. بالإضافة إلى تغير الجغرافيا الاقتصادية الدولية، التي فرضها صعود اقتصادات عدة دول نامية خصوصًا نتيجة انتقال ثقل الاقتصاد العالمي نحو آسيا، مترافقًا مع تنامي الطلب على إمدادات الطاقة.

فأصبحت الدول النامية الصاعدة، بما في ذلك الصين (كمركز تصنيع محوري على وجه الخصوص)، والبرازيل (كمركز محوري للزراعة والصناعات الزراعية خاصة)، والهند (كمركز محوري للخدمات بصفة أساسية)، بالإضافة إلى الصفين الأول والثاني من البلدان حديثة العهد بالتصنيع، وكذلك بعض البلدان الأخرى في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، هي القوة المحركة لتعزيز العلاقات الخليجية الدولية والإقليمية.

يسلط الجدول الموالي الضوء على أهم الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث يبرز الحجم المتزايد للدول النامية كشركاء، سواء من حيث التصدير أو الاستيراد.

أهم شركاء التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي (بالمليار دولار أمريكي)

 

الصادرات

الواردات

الشركاء / السنوات

2018

2022

2018

2022

إجمالي العالم

358,63

1,013

490,31

527,32

الدول المتقدمة

76,89

284,45

198,84

182,03

مجموعة الدول الـ 7 المتقدمة

42,29

216,73

144,24

130,63

الاتحاد الأوروبي

26,89

91,17

89,07

89,03

الولايات المتحدة الأمريكية

11,32

45,71

56,70

47,35

اليابان

16,69

114,73

23,81

17,84

الدول النامية

281,74

721,05

291,47

345,29

آسيا

257,73

657,30

266,16

291,65

دول الآسيان

27,22

100,79

30,99

33,82

إفريقيا

33,09

62,70

29,76

52,57

تكتل البريكس- BRICS

70,67

368,2

129,29

197,36

الصين

36,87

207,09

80,36

125,95

الهند

29,10

137,81

34,44

50,66

البرازيل

1,21

9,54

6,57

9,55

روسيا

1,31

1,55

4,09

5,58

جنوب إفريقيا

2,18

12,21

3,83

5,62

المصدر: مركز التجارة الدولي، www.trademap.org

يتبين جليا الدور المتنامي للدول النامية كشركاء أساسيين لدول المجلس، حيث تشكل المبادلات التجارية بينهما 72% من حجم التجارة الخارجية لدول المجلس، مقابل استقرار أو تراجع حصة الدول المتقدمة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان خاصة من حيث الاستيراد، وإن كان هؤلاء الشركاء التقليديون لا يزالون يشكلون سوقًا مهمًا لصادرات دول المجلس من موارد الطاقة خاصة في ظل الأوضاع التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية.  

في سياق هذا التحول، أصبحت دول آسيا الصاعدة (خاصة دول مثل الصين، والهند، ودول رابطة الآسيان) أهم شريك اقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة أو كلًّا على حدة؛ حيث مثَّلت التجارة العمود الفقري للروابط الاقتصادية المتنامية بين الطرفين.

وتعود متانة الروابط بين دول المجلس والدول الآسيوية الصاعدة إلى عدة اعتبارات، أهمها تَطلُع دول مجلس التعاون الخليجي بدون استثناء إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، سواء لكل دولة منفردة أو في إطار المجلس، من خلال ضمان أسواق دائمة لصادراتها من الطاقة، خاصة في ظل الدينامية التي تعرفها الاقتصادات الآسيوية. بالإضافة إلى سعى دول الخليج إلى البحث عن فرص استثمارية جديدة سواء داخل الأسواق الآسيوية أو عبر استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتطورة التي تدعم خطط التنويع الاقتصادي داخل دول الخليج. ناهيك عن مواجهة التحديات المرتبطة بالأمن الغذائي واضطرابات سلاسل إمداد الغذاء والمنتجات الحيوية، خاصة عقب الأزمات الأخيرة. ولذلك تعمل دول الخليج على ضمان الأمن الغذائي عبر تدفقات دائمة من السلع والمنتجات الغذائية، أو من خلال الاستثمار في القطاع الزراعي والغذائي لبعض الدول الآسيوية. هذا بالإضافة إلى ضمان تدفق العمالة ذات الأجور الرخيصة من أجل المساهمة في بناء المشاريع التحتية الضحمة التي تقوم بها دول المجلس.

وبالفعل شرعت دول مجلس التعاون الخليجي في تجسيد أهدافها المتعلقة بتعزيز الشراكة الخليجية الآسيوية على مدار الأعوام الماضية، حيث ازدادت مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مطرد في مجموعة واسعة من المنظمات السياسية والاقتصادية في آسيا. سعيًا منها إلى القيام بأدوار تحفظ مصالحها في مجموعات مثل منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا (CICA)، ورابطة أمم جنوب شرق آسيا.

ففي أكتوبر من العام الماضي، انضمت الكويت بصفتها العضو الثامن والعشرون لمؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا (CICA)، في قمته الأخيرة في أستانا بكازاخستان، وهذا بعد انضمام كل من البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة بالفعل، وهو أحدث مثال على سعي دول مجلس التعاون الخليجي إلى مزيد من الاندماج والمشاركة في الشراكات الإقليمية الآسيوية.

كما حصلت المملكة العربية السعودية وقطر على وضع شريك في الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون، خلال قمة سمرقند شهر سبتمبر 2022م، وهي منظمة اقتصادية وسياسية وأمنية أسستها الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان. ومن المقرر أن تصبح البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة شركاء في الحوار في المستقبل.

ويندرج اندماج دول مجلس التعاون الخليجي في الشراكات الإقليمية الآسيوية ضمن الجهود المتضافرة لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع الدول الآسيوية الأخرى على مدى العقد الماضي. إذ يعتبر قادة الخليج هذه المنظمات نقطة انطلاق لتعميق مثل هذه العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة تواجد دول المجلس داخل المنظمات الآسيوية سيعزز أيضًا علاقاتهم الاقتصادية والأمنية مع هذه البلدان. فدول مجلس التعاون الخليجي، ذات الاقتصادات سريعة النمو، تتطلع لتحقيق تنمية مستدامة ورؤى اقتصادية طموحة، أطلقت من خلالها مشاريع ضخمة، وهي تحتاج إلى الاستثمارات الأجنبية للإبقاء على هذه المشاريع حية، والاقتصادات الآسيوية على استعداد للقيام بذلك من خلال توفير التكنولوجيا واليد العاملة المؤهلة والمدربة. كما أن الدول الأعضاء الرئيسية في هذه التجمعات، وهي روسيا والصين والهند، لها أيضًا مصالح كبيرة في منطقة الخليج. إذ تلعب دول مجلس التعاون الخليجي دورًا مهمًا في الخطط الاقتصادية الدولية للصين مثلاً، بما في ذلك "مبادرة الحزام والطريق".

التكتل الآخر الذي يبرز كشريك مهم وواعد بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، هو مجموعة البريكس BRICS، إذ يُعد هذا التجمع (الذي يضم كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) أحد أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم، حيث يضم اقتصادات تشكل أكثر من 40% من سكان العالم وأكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بالعديد من المزايا الاقتصادية التي يمكن أن تستفيد منها من خلال التعاون مع تجمع البريكس، الذي يفوق حجم مبادلاته التجارية مع دول المجلس 500 مليار دولار أمريكي، وهو يضم أهم شريكين لدول المجلس، الصين والهند في آسيا. وهناك العديد من الفرص للتعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي وتجمع البريكس في مجالات مثل الطاقة، والتصنيع، والخدمات اللوجستية، والسياحة، والتعليم وكذا البحث والتطوير.

ويعكس هذه الفرص حجم الاستثمارات بين دول مجلس التعاون الخليجي وتجمع البريكس، الذي بلغ في عام 2019 حوالي 100 مليار دولار. وتعد الصين أكبر مستثمر في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث بلغ حجم استثماراتها في المنطقة حوالي 50 مليار دولار. وتليها البرازيل باستثمارات تبلغ حوالي 20 مليار دولار، ثم روسيا والهند باستثمارات تبلغ حوالي 10 مليارات دولار لكل منهما. وتشير هذه الإحصائيات إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي وتجمع البريكس تشهدان نموًا قويًا في الاستثمارات الثنائية. ويتوقع أن يستمر هذا النمو في السنوات القادمة، حيث تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط والغاز، كما يسعى تجمع البريكس إلى زيادة استثماراته في الخارج.

وعلى صعيد العلاقات الرسمية، أعلن رئيس منتدى البريكس الدولي، بورنيما أناند، في شهر يونيو من هذا العام، أن المملكة العربية السعودية تخطط للانضمام رسميًا إلى التجمع، وقبل شهر واحد، انضم كل من وزيري الخارجية السعودي والإماراتي إلى البلدان الضيفة الأخرى في اجتماع وزراء خارجية بريكس لأول مرة. كما أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على تسريع عملية توسع المنظمة في وقت لاحق من هذا الصيف، ويبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي حريصة على المشاركة.

وعلى مدى السنوات الماضية، قام كبار المسؤولين من الطرفين بعدة زيارات متبادلة، ووقعوا شراكات استراتيجية شاملة مع دول المجلس. وفي السياق ذاته، قام قادة دول الخليج، بمن فيهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، بزيارة الصين وروسيا والهند في عدة مناسبات.

وينطوي تعزيز التعاون بين التجمعين، على تسريع الخطط الطموحة التي تسعى إليها دوله، كاستخدام العملات الوطنية في تبادلاتها التجارية، والتي يمكن أن تشكل بديلاً للدولار الأمريكي في التعاملات التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي مع أهم شركائه. إذ أن هناك العديد من الفوائد التي يمكن أن تعود على دول مجلس التعاون الخليجي من استخدام العملات الوطنية في التعاملات التجارية، منها:

  • تقليل التبعية للدولار الأمريكي: فباستخدام العملات الوطنية، يتم تقليل التبعية من الدولار الأمريكي كعملة احتياطية ووحدة تسوية. وهذا يمكن أن يقلل من التأثيرات السلبية المحتملة للتغيرات في سياسة الفيدرالي الأمريكي والتقلبات في قيمة الدولار.
  • تحسين السيادة المالية: يمكن أن يساهم استخدام العملات الوطنية في تعزيز السيادة المالية للدول وتحقيق استقلالية أكبر في التعاملات الدولية.
  • تحسين التجارة الثنائية: باستخدام العملات الوطنية في التعاملات التجارية، يمكن لدول المجلس أن تحقق تحسينًا في تدفق السلع والخدمات بينها. هذا يسهل التجارة ويقلل من تأثير التقلبات في أسعار صرف العملات.
  • تقليل تكاليف الصفقات: باستخدام العملات الوطنية، يمكن أن تقلل الأطراف المعنية من تكاليف الصفقات المتعلقة بالتحويلات النقدية وتحويل العملات. يمكن أن يكون ذلك أكثر فاعلية من حيث التكلفة والوقت.
  • التنويع الاقتصادي: بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، يمكن لاستخدام العملات الوطنية أن يعزز التنويع الاقتصادي ويسهم في تعزيز الاستقلالية الاقتصادية.
  • تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي: يمكن أن يشجع استخدام العملات الوطنية في التجارة الإقليمية التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي وشركائها التجاريين، ويسهم في تعزيز الاستقلالية الاقتصادية للمنطقة.

وعلى الرغم من هذه الفوائد، إلا أن آفاق استخدام العملات الوطنية في التعاملات التجارية بين دول التجمعين تنطوي على عدة تحديات، يجب على الدول المشاركة معالجتها، كعدم استقرار العملات الوطنية، وعدم وجود أسواق رسمية للصرف ومخاطر التقلبات في أسعار الصرف. كما يجب أن نلاحظ أن الدولار الأمريكي لا يزال يعتبر العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، وهو المعيار الذي تعتمده معظم الدول في التجارة الدولية. فتحويل العملات قد يكون تحديًا وقد يتطلب توافقًا من الأطراف المعنية وتطوير البنية التحتية المالية لتسهيل هذه العملية. لذا يعتبر الانتقال التدريجي إلى استخدام العملات الوطنية في التجارة خطوة استراتيجية تستدعي التخطيط والتنسيق المشترك بين دول المجلس وشركائها التجاريين.

تنويع الشركاء لمجلس التعاون تعني موازنة المصالح لا المفاضلة بين الشركاء

 

بالنظر لتنويع دول مجلس التعاون الخليجي لعلاقاتها مع عدة شركاء وتجمعات إقليمية ودولية، فقد يتوقع المرء تراجع تأثير الشركاء التقليديين لدول مجلس التعاون الخليجي من القوى الغربية كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. غير أن الواقع قد لا يكون بهذه الصورة تمامًا. فعلى الرغم من الشكوك التي أثارها تنامي العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول الآسيوية خاصة الصين، وكذا مع تجمعات مثل تجمع البريكس، وبعض التوترات الدبلوماسية مع القوى الغربية، حافظت دول مجلس التعاون الخليجي على علاقاتها مع القوى الغربية بشكل عام. ففي شهر مايو من العام الجاري، كشف الاتحاد الأوروبي عن "شراكة استراتيجية مع الخليج" تهدف إلى توسيع وتعميق تعاون الاتحاد الأوروبي مع دول مجلس التعاون الخليجي وأعضائه. وبذلك، يتطلع الاتحاد الأوروبي لتعزيز وجوده السياسي والاقتصادي في منطقة الخليج بشكل كبير. ويأتي هذا الإعلان في وقت يتزايد فيه القلق في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن النمو المطرد للعلاقات الخليجية الصينية، خاصة وأن الصين أضحى أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2022م، مع تجارة ثنائية بقيمة تفوق 300 مليار دولار.

كما أن للولايات المتحدة أيضًا مصالح جيوسياسية في منطقة الخليج. إذ قامت الولايات المتحدة بتعزيز وجودها الاقتصادي والعسكري في كل من دول مجلس التعاون الخليجي على مدى عدة عقود، ولا يبدو أن كلا الطرفين يريد التضحية بمثل هذه الشراكة المتميزة.

وعلى الرغم من التوافق التاريخي الوثيق لدول المجلس مع الحلفاء الغربيين، فإن التقاء المصالح الاقتصادية يدفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعزيز العلاقات التي كانت مهملة في السابق مع عدة شركاء آخرين كالصين وبقية دول آسيا الصاعدة، وكذا روسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. فدول مجلس التعاون الخليجي تدرك فوائد تعددية شراكاتها، وهي تعي أن حصر علاقتها مع الغرب يمكن أن يعزلها عن الشركاء السياسيين والتجاريين المحتملين في بقية أنحاء العالم. وبعد أن أدركت ذلك، عملت قيادات دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز التمثيل الدبلوماسي في الدول الآسيوية ومختلف المنظمات الإقليمية لتعزيز مواقعها في الشؤون الدولية وزيادة خيارات تطوير الشراكات الاستراتيجية معها. معتقدة أن التحالفات الراسخة قد لا تكون كافية لتلبية احتياجاتها الاقتصادية والأمنية في النظام العالمي الناشئ متعدد الأقطاب. وتأمل دول مجلس التعاون الخليجي أن يؤدي التعامل مع التجمعات الإقليمية المتعددة الأطراف إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع القوى المهيمنة في المنطقة، ولا سيما الصين وروسيا، وهما قوتان عسكريتان واقتصاديتان عالميتان وأعضاء بارزون في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس.

إن اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي الواضح بالحفاظ على علاقاته مع شركائه الغربيين يؤكد الطبيعة القائمة على المصالح لسياستها الخارجية. في حين أن دول الخليج قد انخرطت بشكل متزايد مع عدة شركاء دوليين وإقليميين من أجل تعويض التراجع الملحوظ في الاهتمام من الولايات المتحدة وأوروبا، فمن غير المرجح أن تتخلى -أو حتى تخفض عن قصد -تلك العلاقات، لا سيما في خضم عالم شديد الاستقطاب. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تستمر دول مجلس التعاون الخليجي في السير على خط رفيع بين الشركاء الإقليميين الغربيين وغير الغربيين من أجل تحقيق أفضل النتائج لمصالحها الأمنية والاقتصادية على المدى الطويل.


 

مقالات لنفس الكاتب