عادة ما تقع العلاقات الخليجية -الأوروبية في مرمى الانتقادات بسبب إخفاقها في تلبية التوقعات. ورغم أن الشعور العام السائد منذ عقد الاتفاقية الأولى للتعاون المشترك عام 1988م، بأن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي علاقات جيدة ومستقرة، إلا أنها لم تحقق بعد إمكانات الشراكة الاستراتيجية الأوسع نطاقًا. ولعل من أبرز الشواهد على ذلك، الفشل في إتمام اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين. وهو ما قاد مجلس الوزراء الأوروبي للمصادقة في يونيو 2022م، على نهج جديد لشراكة استراتيجية مع منطقة الخليج بشكل عام ودول مجلس التعاون بصورة خاصة، وذلك كمحاولة لتصحيح مسار الفشل في الارتقاء بمستوى العلاقات. ومن خلال وثيقة "الشراكة الاستراتيجية مع الخليج"، أكد الاتحاد الأوروبي عزمه طوي الصفحة وفتح فصل جديد في العلاقات بين الجانبين. في الوقت ذاته، ثمة شعور مُسبق بأنها ليست المرة الأولى التي تُسمع فيها مثل هذه التصريحات من جانب بروكسل. حتى بعد مرور عام على إطلاق وثيقة الشراكة الاستراتيجية، لا يزال غير واضح إلى أي درجة بات الجانبان قادرين على تخطي العديد من عقبات الماضي. ومع الخطوات المتقدمة التي يحرزها مجلس التعاون الخليجي لتطوير شراكات دولية جديدة وأكثر مرونة، باتت القارة العجوز في مواجهة خطر حقيقي بأن تنزوي إلى الهامش دون التمكن من تبوؤ دور في الترتيبات المستقبلية الخاصة بالسياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي.
توقعات مُحبطة
ثمة العديد من الأسباب وراء فشل الشراكة الخليجية-الأوروبية في تلبية التوقعات وقد ظل العنصر الرئيسي المفقود حتى وقت قريب، هو مستوى الزخم والأولوية التي يوليها كلا الجانبان للعلاقات فيما بينهما. ورغم احتفاظ مجلس التعاون الخليجي بمكانته على الخارطة الأوروبية، لم يُنظر إليه قط بصفته جزء من الجوار المباشر لأوروبا، بينما استحوذت التطورات في منطقة شمال إفريقيا والمشرق على اهتمام بروكسل باعتبارها مصادر قلق أكثر إلحاحًا. ونتيجة مباشرة لذلك، لم تتخذ أيا من دول الاتحاد زمام المبادرة في الدفع بالمنطقة الخليجية إلى أعلى سلم الأجندة المشتركة للاتحاد الأوروبي. بالمثل، يمكن القول بأن الدول الخليجية تنظر إلى أوروبا باعتبارها لاعبًا ثانويًا عندما يتعلق الأمر بضمان أمنها. ولا يوجد حتى الآن اتفاق واضح داخل المجلس حول الدور الذي يجب إسناده للعلاقات متعددة الأطراف مع الاتحاد الأوروبي.
أولاً: على الصعيد الأوروبي، تعد السياسات الأوروبية تجاه الخليج عالقة ومحاصرة بين العديد من الانقسامات، فيما بين نهج الاتحاد الأوروبي متعدد الأطراف من جهة وبين السياسات الفردية الخاصة بكل دولة على حدا، وهو ما يقود إلى التناقض بين الأساليب التي يتم من خلالها تطبيق السياسات الأوروبية داخل المنطقة، ومتابعتها، وتنفيذها. فبينما تميل أوروبا، ككيان موحد، للنظر إلى قضايا الأمن من منظور واسع وأكثر شمولاً، تخضع السياسات الفردية للدول الأوروبية لاعتبارات أضيق نطاقًا والتي غالبًا ما تكون مدفوعة بمصالح وأهداف تجارية. على صعيد الصفقات التجارية، قد تجد دول الاتحاد الأوروبي سلاسة وأريحية أكبر في عقد شراكات على المستوى الثنائي، عوضًا عن الانتظار حتى يتحقق توافق جماعي على المستوى متعدد الأطراف.
الانقسام الثاني، يظهر بشكل واضح في الاختلاف بين السياسات الأوروبية حيال الخليج وسياسات القوى الأخرى التي لديها أيضًا مصالح متعمقة داخل المنطقة. وهنا تحديدًا، يخوض الاتحاد الأوروبي منافسة ضروس أمام اللاعبين الآخرين. وتصبح النتيجة المباشرة لمحاولة أوروبا تحقيق توازن بين مصالحها المتعددة والمختلفة، هي التناقض والتخبط بين الرغبة في دعم السياسات متوسطة إلى طويلة الأجل من ناحية، والاستجابة للضرورات المفروضة على المدى القصير من ناحية أخرى. وهذا بدوره ما يجعل أوروبا تقول ما لا تفعل.
يتمثل ثالث العناصر المُقيدة للسياسات الأوروبية داخل المنطقة في التعقيدات التي تفرضها البيئة الاستراتيجية لمنطقة الخليج والشرق الأوسط على أوروبا كلاعب دولي. بعبارة أخرى، إن الكم الهائل من التحديات النابعة من المنطقة يتخطى مجموع سلة الأدوات الأوروبية من تدابير الاستجابة. من ثم، يمكن القول إن السياسات الأوروبية في المنطقة ركزت بشكل أكبر على إدارة النزاعات بدلاً من حلها. والنتيجة كانت سلسلة من السياسات ذات الطابع الدعائي التي تعتمد على الأمنيات أكثر من وضع استراتيجيات قابلة للتنفيذ وتعكس الحقائق على الأرض. تتجلى هذه الإشكالية الأوروبية بشكل واضح من خلال ثلاثة نماذج إقليمية. أولها، الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" التي شهدت مشاركة حماسية من الجانب الأوروبي دون أن يعبأ بوضع استراتيجيات تعزز الاستقرار خلال مرحلة ما بعد الحرب، أو تخاطب متطلبات إعادة بناء السلام. وفي العراق أيضًا، أعرب الاتحاد الأوروبي عن دعمه للجماعات الكردية دون مراعاة لمطالب العرب من السنة في إطار عملية إعادة بناء الدولة التي لا تزال جارية. وعلى الصعيد الليبي، ركز الاتحاد الأوروبي جهوده على محاولة منع تدفق الهجرة بدلاً من محاولة إيجاد حلول لنشر الاستقرار الفعلي في البلاد.
رابعًا، إصرار الاتحاد الأوروبي على رسم صورة لنفسه بصفته فاعل معياري يرى أن اتباع سياسات تعتمد المُساءلة الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والقيم الليبرالية كشرط مسبق من أجل تحقيق مزيد من الاستقرار وتجنب أكبر قدر من المخاطر. وهو ما قد يكون سببًا في تعقيد التعاون الأوروبي مع الشركاء الذين لا يستوفون بالضرورة مثل هذه المعايير. كما أنه في ظل نظام عالمي متعدد الأطراف يمر بمرحلة انتقالية حرجة، واكتساب ما يعرف بدول "الجنوب العالمي" مزيد من النفوذ والقوة، تتصارع أوروبا مع حقيقة أن التمسك بالنهج المعياري يقوض فعالية دورها ومصالحها. على سبيل المثال، يصعُب على الجانب الخليجي حتى الآن فهم أسباب الرفض الأوروبي بيع أنظمة دفاع صاروخية، في حين إنه يتم إطلاق صواريخ من اليمن مدعومة من الجانب الإيراني، بما يُشكل تهديدًا لأمنها بشكل مباشر.
يشكل أيضًا الاختلاف النوعي بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي من حيث البنية المؤسسية عائقًا إضافيًا. حيث تنظر أوروبا إلى مجلس التعاون الخليجي باعتباره كيان غير مكتمل، ولم يحقق الاندماج بمفهومه الحقيقي، وأن عملية صنع القرار داخله لاتزال مُبهمة، وأنه بشكل عام يفتقر للكثير من القدرات. في الوقت ذاته، تنظر دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاتحاد الأوروبي بصفته كيان بالغ التعقيد ويستغرق وقتًا طويلاً في عملية صنع القرار بما يعيق اتخاذه قرارات حاسمة سريعة. وعلى الصعيد المؤسسي، عادة ما يسير كل في واد.
من ثم، تلعب العوامل سالفة الذكر دورًا في الحيلولة دون تطوير شراكة فعالة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي. كما أنها تمثل الأسباب أيضًا وراء تخلف القارة الأوروبي عن غيرها من الدول الأخرى عن الركب في سباق الشراكات الاستراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي، بخلاف الصين والهند على سبيل المثال. وفي ظل بيئة سريعة الخطى تتطلب اتخاذ مواقف سريعة وعملية، تبدو أوروبا ببساطة كيانًا عتيقًا عفا عليه الزمن.
إحياء العلاقات
في الوقت الراهن، تحرص أوروبا على إضفاء حس جديد بالأولوية لعلاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي. نتيجة ذلك، شهد عامي 2022 و2023م، خطوات مهمة نحو إحياء الشراكة المُحتملة بين الخليج والاتحاد الأوروبي. وتعتبر الوثيقة الصادرة عن المفوضية الأوروبية في مايو 2022م، بعنوان "شراكة استراتيجية مع الخليج" أحد أهم التطورات المتعلقة بهذا الشأن. وتستند الوثيقة إلى الوعي المتزايد من قبل الجانب الأوروبي بأهمية ليس فقط المنطقة الخليجية بل وتأثيرها الملحوظ المتنامي في الشؤون الإقليمية والدولية الأوسع نطاقًا. وعلى ضوء هذه الخلفية، تضمنت الوثيقة استعراضًا للرؤية الأوروبية بشأن الأسس والأهداف للشراكة مع الخليج، وعبرت عن حرص الاتحاد الأوروبي لتوسيع نطاق العلاقات مع دول الخليج بما يعكس المصالح الأوروبية الأساسية والواقع الدولي الجديد الذي ساهم في تقليص المسافات الجغرافية بين أوروبا والخليج. وبعد أن تمت المصادقة على الوثيقة من قبل المجلس الأوروبي في يونيو 2022م، أصبحت بالتبعية من ضمن السياسة الرسمية للاتحاد الأوروبي وتحظى بدعم كافة أعضائه.
تضمن الوثيقة اعترافًا صريحًا بأن "أمن واستقرار منطقة الخليج يُلقي بتبعات مباشرة على الاتحاد الأوروبي" كما أكدت على كم المكاسب التي ستعود على دول الاتحاد من خلال شراكة أكثر قوة ذات طابع استراتيجي مع مجلس التعاون الخليجي". وخلال انعقاد مؤتمر حوار المنامة في نسخته الـ 18 بالبحرين في نوفمبر 2022م، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على هذه النقطة عندما قالت" أمن الخليج مهم لأوروبا، مثلما يشكل الأمن الأوروبي أهمية لدول الخليج… وأؤمن بأن أمامنا فرصة تاريخية لبناء روابط جديدة بين المنطقتين". ويؤكد التوجيه الجديد للسياسات الأوروبية إصرار الاتحاد الأوروبي على "شراكة مع منطقة الخليج وتنشيط التعاون المشترك من خلال شراكة استراتيجية قوية وأطر مؤسسية ثنائية صلبة"، وخلص إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتزم تطويع كافة أدواته في سبيل ضمان التطبيق الكفء، والفعال، والسريع للشراكة الاستراتيجية مع الخليج". وبالفعل شهد اجتماع مجلس الوزراء بين دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الأوروبي في فبراير 2022م-وهو الأول من نوعه منذ عام 2026م-اتفاق الجانبين على تطوير خطة عمل مشتركة تشمل استراتيجيات قابلة للتنفيذ.
ومن المهم ألا يُنظر إلى التقارب الأوروبي لدول مجلس التعاون الخليجي بوصفه نتاجاً للأزمة الأوكرانية فقط. ففي الواقع استغرقت المقترحات المتضمنة في الوثيقة نقاشات استمرت على مدى أعوام، وعليه فقد سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا بفترة طويلة. وينبغي أن يُنظر للمسعى الأوروبي كجزء من إدراك أوروبا المتزايد أن اتباع نهج أكثر عمقًا واتساقًا حيال دول الخليج يشكل أهمية في حد ذاته وأن ما فعلته الأزمة الأوكرانية ليس سوى إضفاء مزيد من الإلحاح للوثيقة وتأكيد التقييم المبدئي الصحيح للجانب الأوروبي وهو أن الدول الخليجية تلعب دورًا متزايد الأهمية لم يعد في الإمكان تغافله.
مع اتخاذ وثيقة الشراكة الاستراتيجية مع الخليج طابعًا رسميًا، تم تدعيمها من خلال عدد من الخطوات، أهمها، تعيين ممثل أوروبي خاص لمنطقة الخليج في شخص نائب رئيس الوزراء الإيطالي السابق ووزير الخارجية لويجي دي مايو. تولى السيد دي مايو منصبه في يونيو 2023 وقام منذ حينها بالأنشطة التوعوية الأولية مثل زيارته الأولى إلى المملكة العربية السعودية في يوليو 2023م، كجزء من محاولة صياغة جدول أعمال لمدة 21 شهرًا من تاريخ تعيينه. وفي بادرة مُشجعة، عزف المبعوث الأوروبي الخاص للخليج النغمة الصحيحة، حينما أكد أن قرار التعيين يُعد في حد ذاته "دليلًا على طموحنا في الارتقاء بعملنا معًا إلى مستوى استراتيجي جديد". وعندما أقول الشراكة فإنني أقصد الشراكة الحقيقية القائمة على الحوار والاحترام والنتائج.
وتكتسب مهمة المبعوث الأوروبي الخاص للخليج أهمية محورية في الجمع بين الخيوط المختلفة للسياسات الأوروبية معًا ونسج العلاقات الشخصية التي ستكون عاملًا مهمًا في سبيل وضع أساس جديد للعلاقات بين الجانبين. ومن بين الخطوات المتخذة أيضًا، زيادة عدد مقرات البعثات الأوروبية داخل دول مجلس التعاون الخليجي، فبالإضافة إلى تلك الكائنة داخل المملكة العربية السعودية، والإمارات، والكويت، افتتح الاتحاد الأوروبي مقر بعثة جديد في دولة قطر عام 2022م، وأعلن عن عزمه افتتاح أخر بسلطنة عمان بحلول أواخر 2023 أو بداية 2024م.
مع ذلك، لم يقود النهج الاستراتيجي الجديد إلى خطط ملموسة قابلة للتنفيذ. وتشمل أوجه القصور الرئيسية: عدم القدرة على إعادة إحياء محادثات التجارة الحرة، وتضارب الآراء والمواقف بشأن روسيا وسوريا، إلى جانب تجميد المناقشات بشأن السفر بدون تأشيرة، والفشل في إطلاق مبادرات مشتركة حول المناخ والبيئة برغم من استضافة الإمارات الدورة المقبلة من الاجتماع الـ 28 لمؤتمر المناخ "كوب 28" أوائل ديسمبر المقبل. ونستشف من ذلك أن أوروبا لم تستوعب بعد الديناميات الجديدة التي تشهدها المنطقة الخليجية وبالتالي لم تتمكن من استغلالها في سبيل صياغة شراكة جديدة حقيقية.
نظرة عامة
في ضوء المعطيات سالفة الذكر، ما يمكن فعله هو العمل على تلافي ثغرات وإخفاقات الماضي مع ضرورة التفكير في أن يتم تطوير العلاقات على ثلاثة مستويات مختلفة يتزعمها الشق السياسي الذي يتم تدعيمه من خلال التعاون التكنوقراطي في مجالات مثل الطاقة، والاقتصاد، والمناخ، والتحول الأخضر، والبنية التحتية، والرقمنة، والصحة، والنقل، واللوجيستيات على سبيل المثال لا الحصر. إلى جانب الشق المجتمعي، الذي يركز على تفعيل تبادل البعثات التعليمية وبرامج تنقل الشباب بشكل خاص. ومن أجل إحراز التقدم اللازم، ينبغي على الحكومات الأوروبية والخليجية تمكين المؤسسات على المستويين الحكومي وغير الحكومي من أجل إثراء محتوى وثيقة الشراكة الاستراتيجية.
على الصعيد السياسي، ثمة حاجة لمضاعفة الجهود من أجل تنشيط العلاقات الخليجية الأوروبية متعددة الأطراف إلى جانب آليات التعاون الثنائية التي أصبحت العرف السائد خلال الأعوام الأخيرة .وأن يسعى الجانبان، على سبيل المثال، إلى الاتفاق بشأن إعادة إحياء المحادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة لاسيما وأن المنطقتين تخطوان خطواتهم الأولى نحو التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا، فضلًا عن المساعي الخليجية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل ، بالتالي فإن إتمام اتفاقية للتجارة الحرة بين بروكسل ودول الخليج من شأنه إتاحة إمكانية نفاذ المنتجات والخدمات الخليجية إلى الأسواق الأوروبية.
بعيدًا عن الساحة الاقتصادية، يتعين على الاتحاد الأوروبي بذل جهد ملموس للاضطلاع بدور فعال في قضايا الأمن الإقليمي. ومن المؤكد أن جعبة الاتحاد الأوروبي لم تخلو بعد من أدوات السياسة وآليات إدارة وحل النزاعات التي تسهم في الحفاظ على بيئة خفض التصعيد التي تشهدها المنطقة الخليجية. يشمل ذلك العمل الجماعي تحت مظلة الكيان الأوروبي الموحد بالموازاة مع تدشين مبادرات فردية من جانب الدول الأعضاء في الاتحاد. بوسع أوروبا أيضًا أن تقود المحادثات بشأن آليات الأمن الإقليمي الأوسع نطاقًا بمعزل عن النقاش الدائر في فيينا حاليًا بشكل عام حول استمرار الاتفاق النووي الإيراني.
من المهم أيضًا العمل على توسيع نطاق المقترحات الأوروبية في مجال الأمن البحري، وبدء نقاش أوسع حول منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، إلى جانب وضع استراتيجيات تجلب الاستقرار للعديد من مناطق النزاع المشتعلة في أجزاء أخرى من المنطقة. ناهيك عن أن الفجوة المتنامية بين دول مجلس التعاون الخليجي المتقدمة والأوضاع الهشة التي تعاني منها دول مثل لبنان، وليبيا، وسوريا، والعراق، وليبيا، والسودان، وتونس، واليمن تعتبر بمثابة قنبلة موقوتة يمكن أن تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الاتحاد الأوروبي في الشمال ودول مجلس التعاون الخليجي في الجنوب. وبالتالي هناك مصلحة مشتركة في التعاون في هذا الشأن.
على الصعيد التكنوقراطي، ينبغي أن يقود التعاون في مجالات الانتقال الطاقي، والتغير المناخي، والرعاية الصحية، وتطوير البنية التحتية والرقمنة، إلى تشكيل مجموعات عمل يناط بها دراسة مجموعة العلاقات الراهنة، وتحديد التحديات المستقبلية، وتقديم توصيات ملموسة بشأن السياسات العامة. وأن تعنى كل مجموعة من مجموعات العمل بتطوير خطط عمل محددة تثمر عن تعاون أكثر عمقًا ونطاقًا في هذه المجالات. مع التركيز بشكل خاص على مجالات إدارة المياه، والتصحر، والعواصف الرملية، والتنقل الأخضر، الحفاظ على التنوع البيولوجي. وينبغي أن يتم إنشاء رابط واضح بين الصفقة الأوروبية الخضراء والمبادرات الخليجية المطروحة مثل المبادرة الخضراء في المملكة العربية السعودية ودول منطقة الشرق الأوسط بالتزامن مع انعقاد مؤتمر المناخ المقبل في نسخته ال 28 بدولة الإمارات العربية المتحدة.
على المستوى المجتمعي، ينبغي التركيز على سد الفجوة المعرفية المستمرة بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي من خلال الحرص على رعاية تفاعلات أكبر بين شعوب المنطقتين وأن تستهدف بشكل أساسي فئة الشباب من خلال زيادة الفرص التعليمية والتدريبية. يشمل ذلك أيضًا، توسيع نطاق برنامج "إيراسموس" بحيث يتيح مشاركة أكبر وأوسع نطاقًا للطلاب من دول مجلس التعاون الخليجي، وتكثيف التعاون بين الجامعات الأوروبية-الخليجية، وتدشين برامج تبادل متنوعة، من خلال الربط، على سبيل المثال، بين الشركات الناشئة ورفع جودة قدرات برامج التنمية. ومن الأهمية بمكان، أن يتم إنشاء برامج ومراكز للدراسات الأوروبية الأكاديمية بالجامعات الخليجية، فضلاً عن توسيع نطاق البرامج الخاصة بدراسات الشرق الأوسط لتشمل التركيز على المنطقة الخليجية بمختلف الجامعات الأوروبية.
مع الأخذ بعين الاعتبار هذه المحاور مجتمعة، ينبغي أن تشمل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي السياسات العليا والدنيا وأن تمتد لتغطي كافة قطاعات المجتمع. فكلما طال أمد الانتظار لاتخاذ خطوات ملموسة، كلما تضاعفت فرص تسلل خيبة الأمل مرة أخرى إلى قلب العلاقات الخليجية الأوروبية معيدًا إليها الإحباط مرة أخرى. وحتى إن كان لا يزال غير محسومًا إذا ما ستشهد العلاقات الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بداية حقبة جديدة، يشير الزخم الراهن والتركيز على مجالات عمل محددة، إلى تقارب في المصالح قد يمنح هذه العلاقات فرصة حقيقية، لكن الوقت وحده كفيل بأن يثبت ذلك.