array(1) { [0]=> object(stdClass)#12967 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 188

القوة الناعمة للسعودية صنعها الله وصاغتها السماء وحفرتها في القلوب

الأحد، 30 تموز/يوليو 2023

مفهوم القوة الناعمة في رأيي المتواضع هو قديم قدم الزمان، ولكن أول من صاغه علمياً وجعله محلاً للبحث والدراسة العالم الأمريكي "جوزيف ناي" من جامعة هارفارد ، وذلك لوصفه قدرة الدول على الجذب والضم والتأثير دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع..

ويقول "ناي ": إن القوة الناعمة هي أكثر من مجرد تأثير لأن التأثير يمكن أن يحدث بالقوة الصلبة وهي أكثر من مجرد الإقناع أو تحريك الناس بالحجة، ولكنها تعني أيضاً الجاذبية التي تقود غالباً إلى الرضا. .

كان "ناي" مساعداً لوزير الدفاع في حكومة كلينتون ورئيس مجلس المخابرات الوطني، ولعل ذلك هو الذي جعله يستنبط هذه النظرية..

وقد صاغ "جوزيف ناي" هذا المصطلح في كتابه الصادر عام 1990 م، "الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية "وطور هذا المفهوم في كتابه "القوة الناعمة ووسائل النجاح في السياسة الدولية" ثم تلقف الباحثون والدارسون هذا المصطلح وطوروه وأضافوا إليه الكثير..

ويرى "ناي" أنه لا يمكن اختصار القوة الناعمة في الثقافة فقط، فهو يعتبر المهاجرين لأمريكا من أهم القوى الناعمة الأمريكية، وكذلك العلم والعلماء وأكبر عدد من الحاصلين على جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد فضلاً عن الأفلام والبرامج التليفزيونية وهي التي تلقى رواجاً كثيراً فضلاً عن البرمجيات الأمريكية .

وتعود أهمية القوة الناعمة للدول أنها تصنع السلام وتحجب الدول عن أخطار الحروب، وتحول بينها وبين خسائر الحروب البشرية والمادية وويلاتها وهي عادة ما تؤدي إلى مزيد من التعاون الإيجابي بين الدول والمشاركة الفكرية والثقافية ، والتلاقح الفكري ، وإحلال الحلول السلمية بدلاً من الحربية العسكرية.

ويرى بعض المحللين الذين عاشوا فترة طويلة في أمريكا أن القوى الأمريكية الناعمة تتضاءل وتنحدر وخاصة بعد طلب الكثير من العلماء الأمريكان "أصلاً" الهجرة إلى أستراليا وكندا هروباً من التشجيع المستمر للطلاب الصغار علي المثلية الجنسية وعلي التحول الجنسي, وإدراك هؤلاء العلماء الأمريكان أن ذلك مدمر للفطرة وهادم للحضارة.

وقد حكي لي صديقي أ.د/أيمن أبو المجد وهو واحد من أكبر أساتذة القلب المصريين الذين يحاضرون في الجامعات الأمريكية، وأول عالم وطبيب في الشرق الأوسط كله اختارته أمريكا لدورات توسيع شرايين القلب منذ سنوات طويلة وهو ابن الراحل العظيم أ.د/كمال أبو المجد وزير الإعلام والشباب الأسبق وأستاذ المرحوم العلامة د/أسامة الباز وكلاهما من  المصريين والعرب القلائل الحاصلين علي الدكتوراة من جامعة هارفارد.

حكي لي د/أيمن أبو المجد الكثير عن ضجر زملائه العلماء الأمريكان من تلك الحملات المسعورة في أمريكا لتشجيع الأطفال على المثلية والشذوذ الجنسي وحثهم على هذه الرذيلة العظمى بكل الوسائل بطريقة فجة وشن حملات إعلامية مسعورة لعدم كتابة جنس الطفل في شهادة ميلاده وتشجيع الأطفال علي تناول أدوية تغير الجنس وشرعنة زواج المثليين.

الرسول والقوة الناعمة

اهتم الرسول" صلى الله عليه وسلم" بالقوة الناعمة لدولته في مواقف كثيرة وذلك حينما رفض "صلى الله عليه وسلم"أن يقتل رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول مبرراً ذلك بحكمة جليلة وعظيمة وهي "حتى لا يُقال أن محمداً يقتل أصحابه "وقال" نحسن صحبته ما عاش بيننا "لأن قتله كان سيضر بالقوة الناعمة للدولة الوليدة والتي عرفت بالحفاظ على القيم الدينية والإنسانية فقد حرص على الرأي العام -حتى للمشركين - عن دولته الوليدة

وتجلى حفاظه على قوة الدولة الناعمة في فتح مكة إذ رفض أن يفتحها حرباً وأبى أن تسال فيها الدماء وعزل سعد بن عبادة – وهو من هو - لأنه الذي قال يوم فتح مكة "اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة" ورد عليه "صلى الله عليه وسلم "بقوله "اليوم يوم المرحمة اليوم تصان الحرمة"..

ومن حفاظه على القوة الناعمة لدولته أن ولى ابنه عبد الله مكانه حتى إذا غضب الوالد من العزل سكنت نفسه بتعيين ابنه وهذه عبقرية سياسية فريدة، حتى لا يفقد ركناً أساسياً من أركان دولته وهم الأنصار.

ومن اهتمامه بالقوة الناعمة لدولته مشهد العفو العظيم عن أهل مكة بعد الفتح، وتغليبه لفضيلة الصفح والعفو والرحمة على مبدأ الحقد والانتقام والثأر، ليعطي البشرية كلها درساً عظيماً منح دولته أعظم قوة ناعمة حدثت في التاريخ وما زال أثرها ماضياً حتى اليوم .

ومنها عفوه عن ستة آلاف أسير في يوم واحد من هوازن وغطفان بعد معركة حنين إكراماً للشيماء أخته من الرضاعة ولأمه من الرضاعة حليمة السعدية التي تنتمي لهذه القبائل..

واستخدم نابليون القوة الناعمة مراراً حتى وهو قادم لاحتلال مصر ولعل كل رسائله وكلماته وتصرفاته الأولى بعد الغزو مباشرة تنبئ بذلك، ولكن المصريين لم ينسوا أنه يحتل بلادهم فقاموا بثورتي القاهرة الأولى والثانية، واستخدمها الإنجليز كثيراً قبل بروز كتابات وأبحاث "ناي" وغيره عن القوة الناعمة..

ترتيب الدول بحسب قوتها الناعمة

تم عمل مسح علمي عام 2014م، لأكثر البلدان التي تمتلك قوى ناعمة فوجدوها بحسب مسح "مونوكل" على الترتيب الدولي الآتي أمريكا ، ألمانيا بريطانيا، اليابان، ،فرنسا ،سويسرا,، أستراليا ، السويد، الدنمارك، كندا

تصنيف غربي متحيز

وهذا التصنيف غربي متحيز ضيق الأفق وينتمي للعقل الغربي الذي  لم يفهم يوماً ولن يفهم شيئاً عن الإسلام والعروبة، فهل هناك مدينة في العالم مثل مكة المكرمة يذهب إليها في شهر واحد هو شهر رمضان قرابة 9 ملايين إنسان جاؤوها رغباً وحباً وشوقاً ولهفة بقلوبهم ومشاعرهم ،غنيهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكومهم، ليكونوا جميعاً في هذه المدينة الصغيرة دون أن يختل الأمن والأمان ودون حادث واحد، أو مشاجرة واحدة، ولو فتح الباب لأكثر من ذلك لجاؤوا محبين راغبين مشتاقين.

أي قوة ناعمة هذه، وهل هناك دولة في العالم تمتلك مثل هذه القوة الناعمة أو تستطيع تنظيم وترتيب وإقامة وتأمين مثل هذه الأعداد الغفيرة، وهل هناك مدينة في أي دولة تحظى بمثل هذا الحب والشوق اللامحدود والمتجدد دائماً.

إنها القوة الناعمة الأبدية التي لا تتحول ولا تتغير، ولا تنقص أو تنقض أبداً ، بل تزيد كلما زارها المسلم ليرغب في تكرار الزيارة ويزداد لهيب شوقه إليها.

إنها القوة الناعمة الموجودة في قلب أكثر من ملياري مواطن مسلم في العالم كله، تجتمع فيها كل الألوان والأجناس والأعراق، والرتب والمناصب، وتتعانق قلوبهم رغم اختلاف ألوانهم وأجناسهم.

ويتكرر ذلك مع مدينة رسول الله "صلى الله عليه  وسلم" التي يندر أن يموت مسلم دون أن يزورها هي ومكة المكرمة ،لأداء مناسك الحج والعمرة.

قوة ناعمة للمملكة صنعها الله وصاغتها السماء

هذه القوة الناعمة صنعها الله وصاغتها السماء وحفرتها في القلوب منذ نداء أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام" وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" قال إبراهيم: رب وما  يبلغ صوتي! فجاءه الوحي: عليك الأذان وعلينا البلاغ، فلما أذن أجيب بالتلبية حتى ممن كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء.

حب المدينتين موروث في قلوب ونفوس وجينات المسلمين من كل الأجناس والألوان، الفلاح الإندونيسي ينوي الحج كلما بذر بذور الأرز حيث يدخر كل عام من ثمنه حتى يحج، فمن بذر هذه البذور في قلب هذا الفلاح البسيط.

 وترى الفلاح المصري البسيط يقدم أوراقه للحج ويبيع بعض ما عنده من المواشي استعداداً لذلك، فإذا لم تصبه قرعة الحج عاد فاشترى غيرها، وهكذا كان يفعل أقربائي الفلاحين من القرية التي ينحدر منها والدي كل عام ،فهو في شوق دائم للحج حتى يؤدي هذه الفريضة.

هذا النداء هو الذي جعل أحد مليونيرات الهند الكبار يأتي لخدمة الحرم المكي مع العمال متطوعاً ستة أشهر كل عام تاركاً كل ثرواته الضخمة بالهند، ومن الطريف أن أحد السعوديين الأثرياء قدم له مالاً كصدقة ظناً منه أنه مجرد عامل فقير في الحرم، فرد له المال وأخبره خبره غير أنه لا يستطيع فراق الحرم المكي حباً وكرامة.

هذه القوة الناعمة الفريدة لا تعرفها ولن تعرفها مقاييس الغرب الذي عادة ما يكيل بمكيال أعرج أعور، تارة يدعم حرق المصحف، أو يدعم المثليين، أو ينصر إسرائيل المحتلة على الشعب الفلسطيني المقهور الأعزل.

وعادة ما نبهر بمقاييس الغرب ونفخر بنقلها وتدريسها دون تمحيص أو تدقيق وخاصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافية وكأننا ببغاوات عجماء.

هذه القوة الناعمة الربانية للسعودية في الحرمين الشريفين ليست من صنع بشر وليست حديثة المنشأ مثل قوى أمريكا وغيرها، بل هي قوة ناعمة ربانية لا تهزم ولا تقهر ولا تضعف ولا تزول ولا تنمحي بل تزداد صلابة وقوة وتمكنًا ،لأن فيها خلاصة رسالة الإنسان" عبد الله " على الأرض.

اصطفاء المملكة ليس صدفة

واصطفاء المملكة بذلك ليس صدفة أو خبط عشواء فكل ما يتعلق برسالات السماء واختياراتها ليست اعتباطاً ولا مجاملة، فاصطفاء آدم وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين لم يأت من فراغ، واصطفاء مكة والمدينة والقدس لم يأت عشوائياً، بل هي منة ربانية وضعها الله في أهلها علي مر الزمان.

وهل هناك دولة في العالم يحلم أكثر من ملياري مسلم أن يزورها باستمرار، ويدخر الفقراء منهم الأموال لكي يحجوا ويعتمروا في الحرمين الشريفين، ويفعلون ذلك بشغف وحب وينفقون الأموال الكثيرة والأوقات والجهد لكي يتحقق لهم هذا الحلم الجميل.

أي قوة ناعمة أعظم من هذه القوة التي صنعها القوى العزيز الكريم الرحيم الذي جعل مكة والمدنية أعظم بقاع الأرض، وجعل الصلاة في الحرم المكي بمائة ألف صلاة ، وفي المدني بألف صلاة ,والوقوف بعرفات يباهي به الله الملائكة وتستجاب فيه الدعوات والتوسلات.

ليست هناك دولة في العالم تصلها كل جنسيات العالم سنوياً وتتواصل مع كل جنسيات العالم سوى السعودية الدولة الوحيدة التي لا توجد جنسية علي وجه الأرض لا تزورها سنوياً وذلك في الحج والعمرة، أي أن ممثلين عن سكان الكرة الأرضية والقارات الخمس لابد أن يكونوا موجودين طوال العام في الحج والعمرة ويأتوها راغبين محبين مشتاقين باكين فرحًا وحبًا، ويغادرونها وهم في حزن وألم ورغبة مجددة في العودة إليها ،فأي قوة ناعمة أكبر من ذلك، وذلك يجعل بلاد الأرض كلها تحتفي بها، إنها قبلة المسلمين جميعاً.

بناء القوة الناعمة بالتدريج

القوة الناعمة لأي دولة تبني علي مهل وبالتدريج وقد تستغرق أحياناً مئات السنوات مثل الأزهر في مصر، وهي من أهم القوى الناعمة المصرية، ومر عليه أكثر من ألف عام، وكذلك العسكرية المصرية المعروفة من أيام صلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس وقلاوون ومحمد علي ..

فلا يتصور أحد أن تبني القوى الناعمة لأي دولة سريعاً أو علي عجل بل تبني خطوة خطوة، حتى يبلغ الأمر منتهاه وأوج قوته وتأثيره.

فقوة الحرم المكي المعنوية نشأت منذ آلاف السنين منذ أن رفع إبراهيم وإسماعيل "عليهما السلام" قواعد البيت الحرام، وتزداد رسوخاً وقوة في كل لحظة مع كل زائر يزور الكعبة، ومع كل حاج ومعتمر، ومع كل طائف بالكعبة ، ومع كل ساع بين الصفا والمروة .

وقوة الحرم المدني بدأت منذ عهد النبي وتزداد رسوخاً وتمكنًا يوماً بعد يوم، فلا يغادره أحد إلا ويشده الحنين إليه.

أما الجامعات الأوروبية العريقة مثل لندن والسوربون وجامعات إسبانيا وجامعات أمريكا مثل هارفارد وغيرها ، فبنت قوتها الناعمة عبر سنين طويلة، وعبر سنوات من العلم والتحصيل والبحث.

بناء القوة الناعمة باهظ التكاليف

القوى الناعمة للدول مكلفة للغاية وبناؤها باهظ النفقات سواءً كانت مادية أو بشرية ، فتأمل كم تكلفت توسعات الحرمين , تأمل كم تكلف الإنفاق علي الحجيج وخدمتهم وتيسير سبل الراحة لهم.

وتأمل كم أنفقت المملكة على تطوير عرفات وأماكن رمي الجمرات وتطوير منى بالخيام الحديثة المكيفة المضادة للحريق والفنادق الجميلة، وكيف تلافت بهذا التطوير كل المشاكل التي قابلت الحجيج من قبل، وكيف تحول الرمي إلي عدة طوابق، والطرق إليها أصبحت ميسرة في اتجاه واحد.

مليارات الريالات أنفقت في هذا الغرض منذ بداية الملك المؤسس للسعودية وحتى الملك سلمان.

وتأمل كم تكلفت العسكرية المصرية لبناء هذا المجد الكبير، كم عدد الشهداء والجرحى من الجيش المصري في حروب الصليبين والتتار وهي حروب شرسة عنيفة مثل حطين وعين جالوت ، فضلاً عن الحروب العربية الإسرائيلية وآخرها نصر أكتوبر.

وهكذا فبناء القوى الناعمة مكلف وباهظ جداً في بدايتها، ثم في استمرار تماسكها وتصاعدها، فليس المهم فقط بناء القوى الناعمة ولكن الأهم هو استمرارها وتصاعد تأثيرها، ومن قبل ذلك الحفاظ عليها من الانهيار .

 تأمل كم أنفقت السعودية حكومة وشعباً لتبني لها قوة ناعمة في بلاد مثل البوسنة والهرسك، فهي التي ساهمت في إنقاذ الشعب البوسني وكان لها الدور الأكبر في تعميرها والدور الأبرز في توصيل رسالة الإسلام واللغة العربية إلي شعب البوسنة وتخفيف جراحه وآلامه .

لقد استضافت المملكة آلاف الحجاج البوسنيين لسنوات طويلة مجاناً بما فيهم أسر الشهداء وكذلك الجرحى، لكي تعطيهم جرعة إيمانية مركزة تزيل عنهم غماً وهماً جثم علي صدروهم حتى كاد أن يحطم ضلوعها قهراً وكمداً .

كل مسجد أو مدرسة أو جامعة أو منزل أعيد بناؤه وتشييده في البوسنة يمثل حتى اليوم قوة ناعمة للمملكة السعودية وللأمير سلمان بن عبد العزيز وقتها – الملك حالياً – الذي قاد هذا المنظومة الإغاثية الرائعة حينما كان أميراً للرياض .

هدم القوة الناعمة

وهدم القوى الناعمة للدول ليس بالأمر اليسير فكما أن بناءها صعب وشاق وطريقه طويل , فكذلك هدم هذه القوى الناعمة ليس بالأمر اليسير .

دول ومنظمات ومجموعات كثيرة حاولت هدم الأزهر أو إقصاءه أو تحجيم مكانته أو التشنيع عليه أو إطلاق قنابل الدخان للتعمية علي مكانته ففشلوا جميعاً وماتوا وضاعوا وبقى الأزهر شامخاً .

*بعض الدول حاولت التشنيع علي السعودية لتدويل الحج وسحب البساط الديني من تحتها فما استطاعوا وفشلوا فشلاً ذريعاً

لقد حاولت بعض الدول هدم القوة الناعمة السعودية الرئيسية المتمثلة في خدمة الحجيج وذلك حينما دعت إلي تدويل الحج وهذه دعوة باطلة رفضها رسول الله "صلي الله عليه وسلم" الذي سلم مفتاح الكعبة إلي "عثمان بن طلحة" حيث ورثت أسرته "بنو عبد الدار" بالأمانة والدقة والعفة مفاتيح الكعبة، والحمد لله أن دعوة تدويل الحج ماتت في مهدها ولم تلق قبولاً عند أحد.

لقد أعطى الرسول "صلي الله عليه وسلم" مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة ولم يستأثر به لنفسه ورفض أن يمنحه لسيدنا علي بن أبي طالب الذي طلبه لبني هاشم وقال الرسول يومها كلمات عظيمة رائعة تسطر في التاريخ بأحرف من نور" هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء ، خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم "ليبقي مفتاح الكعبة في بني عبد الدار ولا يزال في نسلهم حتى اليوم.

وهذا الصنيع وحده يرد علي دعاوي تدويل الحج من جهة، وسيبقي فخراً لبني عبد الدار، كما يدل على حفاظ الرسول على قوى دولته الناعمة حيث كسب به كل بني عبد الدار، ورسخ من معاني الوفاء والأمانة الكثير، ولم يعامل عثمان بموقفه مع الرسول قبل الإسلام حينما رفض عثمان أن يعطي المفتاح للرسول قبل هجرته من مكة.

دول كثيرة حاولت التقليل من حجم الإنجازات السعودية في خدمة الإسلام أو رعاية الحجيج أو خدمة الحرمين الشريفين دون جدوى فكل من حج واعتمر ورأى كيف ترعى المملكة حج وعمرة عدة ملايين كل عام يجتمعون سوياً في بقعة صغيرة معاً في وقت واحد مثل عرفات أو منى أو المسجد الحرام دون حدوث فوضى مرورية أو حوادث سير أو بلطجة أو سرقات أو مشكلات في الطعام والماء أو الكهرباء والإمدادات، كل هؤلاء سيبددون أوهام الذين يحاولون هدم المملكة وتحطيم أعظم قواها الناعمة، وكل ذلك يحدث دون ضجيج أو إعلام زاعق، فالمملكة تعتمد في إعلامها علي قاعدة أن أعمالها وإنجازاتها وخاصة الدينية تتحدث عنها .

وأنا أردد دائماً أن الحرمين الشريفين لو كانا عند أي دولة أيدلوجية مثل بعض الإمبراطوريات في المنطقة لفرضت مذهبها الديني والسياسي قهراً أو مكراً ودهاءً، وترغيباً أو ترهيباً علي الحجيج بطريقة أو بأخرى، ولتحول موسم الحج إلي موسم سياسي للحديث ليس عن الإسلام نفسه ولكن عن مذهبها وأئمتها وقادتها .

إن حفاظ المملكة علي نقاء وصفاء رحلة الحج والعمرة من الأغراض السياسية والمذهبية ليكون لله وحده في موطن لا يصح فيه التوجه إلا لله لهو إنجاز عظيم لمن يدرك ذلك، وهذا والله يحتاج إلي إخلاص وتجرد كبيرين لتقديم الإسلام ومصالحه علي ما سواه . 

إن أكثر ما يفتخر به ملوك السعودية هو خدمة الحرمين الشريفين، وأعظم شيء فعله الملك فهد بن عبد العزيز هو تغيير لقب ملك السعودية من جلالة الملك إلى خادم الحرمين الشريفين وذلك عام 1986..

وقد جاء ذلك خلال كلمة ألقاها الملك فهد في حفل افتتاح مركز تلفزيون المدينة المنورة بعد أن نطق وزير الإعلام بكلمة جلالة الملك فهد ، فانتفض الملك فهد رافضاً هذا اللقب وطلب رسمياً من وزير الإعلام استبدال كلمة " صاحب الجلالة " بلقب أحبه ويشرفني أن أحمله وهو خادم الحرمين الشريفين وأنا اعتمده رسمياً منذ الآن، وأصبح هذا اللقب سارياً من يومها على كل ملوك السعودية

لقد اختص الله الحرم المكي بحكم خاص في شريعة الإسلام أنه من ينتوي فيه الظلم أو البغي أو العدوان أو التشهير أو إلحاق الأذى بأهله من الحجيج ومن يخدمهم يعاقب بالنية، وهذا استثناء في الإسلام وشريعته التي لا تعاقب بمجرد النية ولكن بالعمل نفسه، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للحرم المكي "وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ " وأحسب أن الحرم المدني يلحق به، وأعتقد أن الحرم المقدسي يلحق به أيضاً في الحكم.

  مجمع الملك فهد للمصحف الشريف

كان للملك عبدالعزيز كلمة أثيرة "نزل القرآن في مكة والمدينة عندنا وطبع في تركيا وقرأ في مصر" ولكن الملك فهد بن عبدالعزيز صاحب الإنجازات العظيمة غير هذه الجملة وذلك بإنشائه وافتتاحه عام 1982 م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة لتختص أرض السعودية المباركة بنزول القرآن وبطباعته أيضًا، فليس هناك مسجد ولا بيت مسلم في العالم كله ليس فيه نسخ من مصحف الملك فهد، حيث أن المجمع يعد أكبر وأحدث مطبعة للمصحف الشريف في العالم كله وينتج في كل عام 18 مليون نسخة، موزعة بين مصاحف كاملة وأجزاء وترجمات وتسجيلات وغيرها.

وللمجمع 361 إصداراً متنوعاً غير المصحف الشريف، وقد طبع المجمع 300 مليون نسخه حتى عام 2019.

هكذا تحقق الحلم الذي حلم به الملك فهد الذي قال يوم افتتاح المجمع" في هذا اليوم أجد ما كان حلماً يتحقق علي أفضل مستوى ولذلك يجب على كل مواطن في المملكة السعودية أن يشكر الله على هذه النعمة الكبرى وأرجو الله أن يوفقني لخدمة ديني ثم وطني وجميع المسلمين "كلمات رائعة من ملك رائع مجدد.

ويعد المجمع أسطورة حضارية تمثل واحدة من أبرز القوى السعودية الناعمة، فما من حاج أو معتمر إلا وحصل علي نسخ من مصحف الملك فهد فضلاً عن عشرات الإنتاجات القرآنية الأخرى فضلاً عن علوم القرآن.

ولن يدرك أحد قوة هذا الصرح العالمي إلا إذا أدرك حجم ترجمات معاني القرآن التي صدرت عنه وتبلغ 74 لغة موزعة كالآتي " 39 لغة آسيوية ،16 لغة أوروبية ،19 لغة إفريقية" أما عدد الإصدارات المترجمة فبلغت 70 إصدارًا، مترجمًا، ولذلك لا تجد مسجداً ولا بيتاً مسلماً في إفريقيا أو آسيا أو أوروبا إلا فيه نسخة عربية ونسخة مترجمة لمعاني القرآن العظيم.

ولن تعرف قوة هذه القوة الناعمة إلا إذا عرفت أقسام هذا المجمع وهي الهيئة العليا، المجلس العلمي، اللجنة العليا لمراجعة المصحف، مركز الترجمات، مركز الدراسات القرآنية ،مركز البحوث الرقمية، وحدة التدريب والتطوير.

فالبعض يتصور المجمع مجرد مطبعة حديثة للمصحف وهذا خطأ كبير، فالمجمع مؤسسة عملاقة جدًا، وله نظم مراقبة ومراجعة حديثة جداً، وله موقع على شبكة النت يبث بأربع عشرة لغة، ويعمل بالموقع 1100 عالم وأستاذ جامعي وفني وإداري 90% منهم سعوديون.

هذه القوة الناعمة هي من الحسنات الكبرى للملك فهد ولحكومات المملكة المتعاقبة، وهي مع كل مسلم في كل حين في بيته وسيارته ومسجده، في حجه وعمرته.

القوة الناعمة السعودية تجاه إفريقيا

أكبر دولة في العالم خدمت مسلمي إفريقيا هي المملكة السعودية ، وإذا كان الغرب امتص دماء إفريقيا وأكل ثرواتها واستولى علي خيراتها فإن المملكة قدمت أجل الخدمات لإفريقيا عامة ومسلميها خاصة تارة عن طريق لجنة مسلمي إفريقيا التي تأسست بالدمام عام 1411هــ  في عهد الملك العظيم فهد بن عبد العزيز وأقامت 272 مسجداً في تنزانيا وزنجبار وأثيوبيا والصومال, وهي الدول الأربع التي ركزت نشاطها فيها وأقامت 13 مدرسة وشيدت 15 مدرسة قرآنية، وحفرت 1142 بئرًا، وأنشأت  13 مركزاً طبياً، ودشنت مشروع إفطار الصائم وتوزيع الأضاحي ،وقامت بمئات الجهود في مجالات مكافحة الأمية العلمية والدينية فضلاً عن الخدمات الإنسانية والصحية .

ومن القوى الناعمة السعودية في إفريقيا مؤسسة الحرمين الخيرية التي تمتد أنشطتها في 26 دولة إفريقية والتي أنفقت 40 مليون ريالاً علي نشاطاتها الخيرية وكفلت 7 معاهد شرعية عليا لتأهيل الأئمة والدعاة في نيجيريا وتنزانيا وغينيا وموريتانيا ،وكفلت 14 مدرسة نظامية و 13 مدرسة لتحفيظ القرآن في الصومال وتنزانيا ،وكفلت 14 ملجأً للأيتام في الصومال وكينيا وبنت 355 مسجداً في الدول الإفريقية وأقامت 7 مراكز إسلامية في كينيا وأوغندا وتنزانيا ونيجيريا وغينيا وجزر القمر ،وحفرت 500 بئراً للمياه النقية.

القوة الناعمة السعودية عبر المراكز الإسلامية

معظم المراكز الإسلامية في العالم كله أنشأتها السعودية وخاصة في عهد الملك العظيم المجدد فهد بن عبدالعزيز ومنها في مركز تورنتو، روما، برازيليا ، بيونس أيرس ،جبل طارق ، ملقا الذي تحول إلى ما يشبه الجامعة، مونت لاجولي، أدنبرة، جنيف، بروكسل، مدريد، نيويورك، زغرب، لندن، لشبونة، فينا، أما في إفريقيا فمنها نجامينا، أبوجا، الخرطوم، أما في آسيا فمنها المركز الإندونيسي، جزر المالديف، طوكيو.

وهذه المراكز تقوم بدور عظيم في خدمة الإسلام والعروبة ودورها ممتد لا يتوقف ولن يتوقف، وتمثل حتى اليوم القوة الناعمة السعودية في هذه البلاد.

أما الكراسي العلمية والشرعية في العالم فمعظمها أنشأته السعودية وأهمها كرسي الملك عبد العزيز للدراسات الإسلامية في جامعة كاليفورنيا، وكرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية بالحقوق بجامعة هارفارد، كرسي الملك فهد بجامعة لندن ،كرسي الأمير نايف بجامعة موسكو.

فضلاً عن إنشاء أقوى الأكاديميات الإسلامية ومنها أكاديمية واشنطن، وموسكو، وبون، فضلاً عن المعهد العربي الإسلامي في طوكيو، وذلك فضلاً عن إنشاء 1395 مسجداً تكلفت 820 مليون ريالًا سعوديًا فضلاً عن المساجد التي بناها المواطنون السعوديون على نفقاتهم في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.

مشاريع جبارة دشنها معظم ملوك المملكة واستغرقت تاريخ المملكة الحديث حيث لم تضن المملكة حكومة وشعبًا عن صنع الخير وبذل المعروف والرحمة بالناس، دون نظر لمردود دنيوي ولكن الله الكريم جعل ذلك كله من أعظم القوى الناعمة للمملكة السعودية التي كرمتها أقدار السماء بأن جعلتها موطناً لخاتم الرسالات ومهبطًا لوحي السماء وحاوية للحرمين الشريفين، هذه القوى الناعمة لن تزول ما بقي الليل والنهار.

مقالات لنفس الكاتب